أدب الطلب/المنافسة بين الأقران بلا تبصر
المنافسة بين الأقران بلا تبصر
ومن الأسباب المانعة من الإنصاف ما يقع من المنافسة بين المتقاربين في الفضائل أو في الرئاسة الدينية أو الدنيوية فإنه إذا نفخ الشيطان في أنفهما وترقت المنافسة بلغت إلى حد يحمل كل واحد منهما على أن يرد ما جاء به الآخر إذا تمكن من ذلك وإن كان صحيحا جاريا على منهج الصواب وقد رأينا وسمعنا من هذا القبيل عجائب صنع فيها جماعة من أهل العلم صنيع أهل الطاغوت وردوا ما جاء به بعضهم من الحق وقابلوه بالجدال الباطل والمراء القاتل وإني لأذكر أيام اشتغال الطلبة بالدرس علي في كثير من العلوم وكنت أجيب عن مسائل ترد علي يحررها الطلبة ويحررها غيرهم من أهل العلم من أمكنة قريبة وبعيدة فكان يتعصب على تلك الأجوبة جماعة من المشاركين لي في تدريس الطلبة في علوم الاجتهاد وغيرها وقد يسلكون مسلكا غير هذا فيقع منهم الإيهمام على العوام بمخالفة ذلك الكلام لما يقوله من يعتقدون قوله من الأموات فينشأ عن ذلك فتن عظيمة وحوادث جسيمة وكان بعض نبلائهم يكتب على بعض ما أكتبه ثم يهديه إلى السائل وإن كان في بلد بعيد من دون أن يقصده بسؤال ولا طلب منه تعقب ما أجبت به من المقال وقد أقف على شيء من ذلك فأجده في غاية من الإعتساف فأتعقبه تعقبا فيه كشف عواره وإيضاح بواره وقد ينضم إلى ذلك كلمات والاستشهاد بأبيات اقتضاها الشباب والنشاط واشتعال الغضب لما أراه من التعصب والمنافسة على ما ليس فيه اختيار فإن ورود سؤالات السائلين إلي من العامة والخاصة وانثيال المستفتين من كل جهة لم يكن بسعي مني ولا احتيال وكذلك اجتماع نبلاء الطلبة لدي وأخذهم عني وتعدد دروسهم عندي ليس لي فيه حيلة ولا هو من جهتي فكان هذا الصنع منهم يحملني على مجاوبتهم بما لا يعجبني بعد الصحو من سكر الحداثة والقيام من رقدة الشباب لا لكونه غير حق أو ليس بصواب بل لكون فيه من سهام الملام وصوارم الخصام ما لا يناسب هذا المقام فإذا كان هذا في المشتركين في التدريس والأفتى وهما خارجان عن مناصب الدنيا لأنهما في ديارنا لا يقابلان بشيء من الدنيا لا من سلطان ولا من غيره من نوع الإنسان فما بالك بالرئاسات التي لها مدخل في الدين والدنيا أو التي هي خاصة بالدنيا متمحضة لها فإنه لا شك أن التنافس بين أهلها أهم من الرئاسات الدينية المحضة التي لم تشب بشيء من شوائب الدنيا فينبغي للمنصف أن لا يغفل عن هذا السبب فإن النفس قد تنقبض عن كلام من كان منافسا في رتبة معارضا في فضيلة وإن كان حقا وقد يحصل مع الناظر فيه زيادة على مجرد الانقباض فيتكلم بلسانه أو يحرر بقلمه ما فيه معارضة للحق ودفع للصواب فيكون مؤثرا لحمية الجاهلية وعصبية الطاغوت على الشريعة المطهرة وكفى بهذا فإنه من الخذلان البين نسأل الله الهداية إلى سبيل الرشاد