أدب الطلب/طبقات طلاب العلم


طبقات طلاب العلم

فأقول إنها لما كانت تتفاوت المطالب في هذا الشأن وتتباين المقاصد بتفاوت همم الطالبين وأغراض القاصدين فقد ترتفع همة البعض منهم فيقصد البلوغ إلى مرتبة في الطلب لعلم الشرع ومقدما لها يكون عند تحصيلها إماما مرجوعا إليه مستفادا منه مأخوذا بقوله مدرسا مفتيا مصنفا وقد تقصر همته عن هذه الغاية فتكون غاية مقصده ومعظم مطلبه ونهاية رغبته أن يعرف ما طلبه منه الشارع من أحكام التكليف والوضع على وجه يستقل فيه بنفسه ولا يحتاج إلى غيره من دون أن يتصور البلوغ إلى ما تصوره أهل الطبقة الأولى من تعدي فوائد معارفهم إلى غيرهم والقيام في مقام أكابر الأئمة ونحارير هذه الأمة وقد يكون نهاية ما يريده وغاية ما يطلبه أمرا دون أهل الطبقة الثانية وذلك كما يكون من جماعة يرغبون إلى إصلاح ألسنتهم وتقويم أفهامهم بما يقتدرون به على فهم معاني ما يحتاجون إليه من الشرع وعدم تحريفه وتصحيفه وتغيير إعرابه من دون قصد منهم إلى الاستقلال بل يعزمون على التعويل على السؤال عند عروض التعارض والاحتياج إلى الترجيح فهذه ثلاث طبقات للطلبة من المتشرعين الطالبين للاطلاع على ما جاء في الكتاب والسنة إما كلا أو بعضا بحسب اختلاف المقاصد وتفاوت المطالب وثم طبقة رابعة يقصدون الوصول إلى علم من العلوم أو علمين أو أكثر لغرض من الأغراض الدينية والدنيوية من دون تصور الوصول إلى علم الشرع فكانت الطبقات أربع وينبغي لمن كان صادق الرغبة قوي الفهم ثاقب النظر عزيز النفس شهد الطبع عالي الهمة سامي الغريزة أن لا يرضى لنفسه بالدون ولا يقنع بما دون الغاية ولا يقعد عن الجد والاجتهاد المبلغين له إلى أعلى ما يراد وأرفع ما يستفاد فإن النفوس الأبية والهمم العلية لا ترضى بدون الغاية في المطالب الدنيوية من جاه أو مال أو رئاسة أو صناعة أو حرفة حتى قال قائلهم إذا غامرت في شرف مدوم فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم وقال آخر مشيرا إلى هذا المعنى إذا لم تكن ملكا مطاعا فكن عبدا لخالقه مطيعا وإن لم تملك الدنيا جميعا كما تهواه فاتركها جميعا هما شيئان من ملك ونسك ينيلان الفتى شرفا رفيعا وقال آخر فإما مكانا يضرب النجم دونه سرادقه أو باكيا لحمام وقد ورد هذا المعنى كثيرا في النظم والنثر وهو المطلب الذي تنشط إليه الهمم الشريفة وتقبله النفوس العلية

وإذا كان هذا شأنهم في الأمور الدنيوية التي هي سريعة الزوال قريبة الاضمحلال فكيف لا يكون ذلك من مطالب المتوجهين إلى ما هو أشرف مطلبا وأعلى مكسبا وأربع مرادا وأجل خطرا وأعظم قدرا وأعود نفعا وأتم فائدة وهي المطالب الدينية مع كون العلم أعلاها وأولاها بكل فضيلة وأجلها وأكملها في حصول المقصود وهو الخير الأخروي فإن الله سبحانه قد قرن العلماء في كتابه بنفسه وملائكته فقال شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم وقصر الخشية له التي هي سبب الفوز لديه عليهم فقال إنما يخشى الله من عباده العلماء وأخبره عباده بأنه يرفع علماء أمته درجات فقال يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات وأخبرنا رسول الله بأن العلماء ورثة الأنبياء وناهيك بهذه المزية الجليلة والمنقبة النبيلة فأكرم بنفس تطلب غاية المطالب في أشرف المكاسب وأحبب برجل أراد من الفضائل ما لا تدانيه فضيلة ولا تساميه منقبة ولا تقاربه مكرمة فليس بعد ما يتصوره أهل الطبقة الأولى متصور فإن نالوه على الوجه الذي تصوروه فقد ظفروا من خير العاجلة والآجلة وشرف الدنيا والآخرة بما لا يظفر به إلا من صنع صنيعهم ونال نيلهم وبلغ مبالغهم وإن اخترمهم دونه مخترم وحال بينهم وبينه حائل فقد أعذروا وليس على من طلب جسميا ورام أمرا عظيما إن منعته عنه الموانع وصرفته عنه الصوارف من بأس وما أحسن ما قاله الشريف الرضي الموسوي لا بد أن أركبها صعبة وقاحة تحت علام وقاح اجهدها أو تنثني بالردا دون الذي أملت أو بالنجاح أما فتى نال المنى فاشتفي أو بطل ذاق الردى فاستراح وكنت في أيام الطلب وعصر الشباب قد نظمت قصيدة في هذا المعنى على هذا النمط أذكر منها الآن أبياتا هي قد أتعب السير رحالي وقد آن لها بعد الوحى أن تراح فما يهاب العتب من فاز من غاية أمنيته بالنجاح سعى فلما ظفرت بالمنى يمينه ألقى العصى واستراح فيا أيها العالم الصعلوك قد ظفرت برتبة أرفع من رتب الملوك ونلت من المعالي أعلاها ومن المناقب والفضائل أولاها بالشرف وأولاها فإن كل المعالي الدنيوية وإن تناهت فليست باعتبار المعالي العلمية والشرف الحاصل بها في ورد ولا صدر فإنه يحصل للعالم أولا وبالذات الفوز بالنعيم الأخروي الدائم السرمدي الذي لا تعدل منه الدنيا بأسرها قيد شرط بل مقدار سوط ويحصل له ثانيا وبالعرض من شرف الدنيا ما يصغر عنده كل شرف ويتقاصر دونه كل مجد ويتضاءل لديه كل فخر وإن من فهم مقدار ما في العلوم من العلو كان عند نفسه أعز قدرا وأعلى محلا وأجل رتبة من الملوك وإن كان متضايق المعيشة يركب نعليه ويلبس طمريه وقلت في هذا المعنى من أبيات قد كنت ذا طمرين أمرح في العلا مرح الأغر بجانب الميدان ما كنت مضطهدا فأطلب رفعة أو خاملا فأريد شهرة شاني فاحرص أيها الطالب على أن تكون من أهل الطبقة الأولى فإنك إذا ترقيت من البداية التصورية إلى العلة الغائية التي هي أول الفكر وآخر العمل كنت فرد العالم وواحد الدهر وقريع الناس وفخر العصر ورئيس القرن وأي شرف يسامي شرفك أو فخر يداني فخرك وأنت تأخذ دينك عن الله وعن رسوله لا تقلد في ذلك أحدا ولا تقتدي بقول رجل ولا تقف عند رأي ولا تخضع لغير الدليل ولا تعول على غير النقد هذه والله رتبة تسمو على السماء ومنزلة تتقاصر عندها النجوم فكيف بك

إذا كنت مع هذه المزية مرجعا في دين الله ملجأ لعباد الله مترجما لكتاب الله وسنة رسول الله يدوم لك الأجر ويستمر لك النفع ويعود لك الخير وأنت بين أطباق الثرى وفي عداد الموتى بعد مئتين من السنين ولا يحول بينك وبين هذا المطلب الشريف ما تنازعك نفسك إليه من مطالب الدنيا التي تروقها وتود الظفر بها فإنه حاصلة لك على الوجه الذي تحب والسبيل الذي تريد بعد تحصيلك لما أرشدتك إليه من الرتبة العلمية وتكون إذ ذاك مخطوبا لا خاطبا ومطلوبا لا طالبا وعلى فرض أنها تكدي عليك المطالب وتعاند الأسباب فلست تعدم الكفاف الذي لا بد لك منه فما رأينا عالما ولا متعلما مات جوعا ولا أعوزه الحال حتى انكشفت عورته عريا أو لم يجد مكانا يكنه ومنزلا يسكنه وليس الدنيا إلا هذه الأمور وما عداها فضلات مشغلة للأحياء مهلكة للأموات

أنا إن عشت لست أعدم قوتا وإذا مت لست أعدم قبرا

وعلى العاقل أن يعلم أن لن يصيبه إلا ما كتبه الله له ولا يعدوه ما قدره له وأنه قد فرغ من أمر رزقه الذي فرضه الله له فلا العقود يصده ولا السعي واتعاب النفس يوجب الوصول إلى ما لم يأذن به الله وهذا معلوم من الشرع قد توافق عليه صريح الكتاب والسنة وتطابقت عليه الشرائع وإذا كان الأمر هكذا فما أحق هذا النوع العاقل من الحيوان الذي دارت رحى التكليف عليه ونيطت أسباب الخير والشر به أن يشتغل بطلب ما أمره الله بطلبه وتحصيل ما خلقه الله لتحصيله وهو الامتثال لما أمره به من طاعته والانتهاء مما نهاه عنه من معاصيه وإن أعظم ما يريده الله منه ويقربه إليه ويفوز به عنده أن يشغل نفسه ويستغرق أوقاته في طلب معرفة هذه الشريعة التي شرعها الله لعباده وينفق ساعاته في تحصيل هذا الأمر الذي جاءت به رسل الله إلى عباده ونزلت به ملائكته فإن جميع ما يريده الله من عباده عاجلا وآجلا وما وعدهم به من خير وشر قد صار في هذه الشريعة فأكرم برجل تاقت نفسه عن أن يكون عبد بطنه إلى أن يكون عبد دينه حتى يناله على الوجه الأكمل ويعرفه على الوجه الذي أراده الله منه ويرشد إليه من عباده من أراد له الرشاد ويهدي به من استحق الهداية فانظر أعزك الله كم الفرق بين الرجلين وتأمل قدر مسافة التفاوت بين الأمرين هذا يستغرق جميع أوقاته وينفق كل ساعاته في تحصيل طعامه وشرابه وملبسه وما لا بد منه قام أو قعد سعى أو وقف وهذا يقابله بسعي غير هذا السعي وعمل غير ذلك العمل فينفق ساعاته ويستغرق أوقاته في طلب ما جاء عن الله وعن رسوله من التكاليف التي كلف بها عباده وما أذن به من إبلاغه إليهم من أمور دنياهم وأخراهم لينتفع بذلك ثم ينفع به من يشاء الله من عباده ويبلغ إليهم حجة الله ويعرفهم شرائعه فلقد تعاظم الفرق بين النوعين وتفاوت تفاوتا بقصر التعبير عنه ويعجز البيان له إلا على وجه الإجمال بأن يقال إن أحد النوعين قد التحق بالدواب والآخر بالملائكة لأن كل واحد منهما قد سعى سعيا شابه من التحق به فإن الدابة يستعملها مالكها في مصالحه ويقوم بطعامها وشرابها وما يحتاج إليه ومع هذا فمن نظر في الأمر بعين البصيرة وتأمله حق التأمل وجد عيش من شغل نفسه بالطاعة وفرغها للعلم ولم يلتفت إلى ما تدعو إليه الحاجة من أمر دنياه تجده أرفه وحاله أقوم وسروره أتم وتلك حكمة الله البالغة التي يتبين عندها أنه لن يعدو المرء ما قدر له ولن يفوته ما كان يدركه وكما أن هذا المعنى الذي ذكرناه ثابت في الشريعة مصرح به في غير موطن منها قد أجراه الله على لسان الجبابرة من عباده وعتاة أمته حتى قال الحجاج بن يوسف الثقفي في بعض خطبه ما معناه أيها الناس إن الله كفانا أمر الرزق وأمرنا بالعبادة فسعينا لما كفيناه وتركنا السعي للذي أمرنا به فليتنا أمرنا بطلب الرزق وكفينا العبادة حتى نكون كما أراده الله منا هذا معنى كلامه لا لفظه فلما بلغ كلامه هذا بعض السلف المعاصرين له قال إن الله لا يخرج الفاجر من هذه الديار وفي قلبه حكمة ينتفع بها العباد إلا أخرجها منه وإن هذا ما أخرجه من الحجاج فانظر هذا الجبار كيف لم يخف عليه هذا الأمر مع ما هو فيه من التجبر وسفك الدماء وهتك الحرم والتجرؤ على الله وعلى عباده وتعدي حدوده فما أحقه بأن لا يخفى على من هو ألين منه قلبا وأقل منه ظلما وأخف منه تجبرا وأقرب منه من خير وأبعد منه من شر وإن من تصور هذا الأمر حق التصور وتعقله كما ينبغي انتفع به انتفاعا عظيما ونال به من الفوائد جسيما والهداية بيد الهادي جل جلاله وتقدست أسماؤه

وإن لحسن النية وإخلاص العمل تأثيرا عظيما في هذا المعنى فمن تعكست عليه بعض أموره من طلبة العلم أو أكلف عليه مطالبه وتضايقت مقاصده فليعلم أنه بذنبه أصيب وبعدم إخلاصه عوقب أو أنه أصيب بشيء من ذلك محنة له وابتلاء واختبارا لينظر كيف صبره واحتماله ثم يفيض عليه بعد ذلك من خزائن الخير ومخازن العطايا ما لم يكن بحسبان ولا يبلغ إليه تصوره فليعض على العلم بناجذه ويشد عليه يده ويشرح به صدره فإنه لا محالة واصل إلى المنزل الذي ذكرنا نائل للمرتبة التي بينا وما أحسن ما حكاه بعض أهل العلم عن الحكيم أفلاطون فإنه قال الفضائل مرة الأوائل حلوة العواقب والرذائل حلوة الأوائل مرة العواقب وقد صدق فإن من شغل أوائل عمره وعنفوان شبابه بطلب الفضائل لا بد أن يفطم نفسه عن بعض شهواتها ويحسبها عن الأمور التي يشتغل بها أترابه ومعارفه من الملاهي ومجالس الراحة وشهوات الشباب فإذا انتهى إليه ما هم فيه من تلك اللذات والخلاعات وجد في نفسه بحكم الشباب وحداثة السن وميل الطبع ما هناك مرارة واحتاج إلى مجاهدة يرد بها جامع طبعه ومتفلت هواه ومتؤثب نشاطه ولا يتم له ذلك إلا بإلجام شهوته بلجام الصبر ورباطها بمربط العفة وكيف لا يجد مرارة الحبس للنفس من كان في زاوية من زوايا المساجد ومقصورة من مقاصر المدارس لا ينظر إلا في دفتر ولا يتكلم إلا في فن من الفنون ولا يتحدث إلا إلى عالم أو متعلم وأترابه ومعارفه من قرابته وجيرانه وذوي سنه وأهل نشأته وبلده يتقبلون في رافه العيش ورائق القصف وإذا انضم لذلك الطالب إلى هذه المرارة الحاصلة له بعزف النفس عن شهواتها مرارة أخرى هي اعواز الحال وضيق المكسب وحقارة الدخل فإنه لا بد أن يجد من المرارة المتضاعفة ما يعظم عنده موقعه لكنه يذهب عنه قليلا قليلا

فأول عقدة تنحل عنه من عقد هذه المرارة عندما يتصور ما يؤول به الأمر الأمر وينتهي إليه حاله من الوصول إلى ما قد وصل إليه من يجده في عصره من العلماء ثم تنحل عنه العقدة الثانية بفهم المباحث وحفظ المسائل وإدراك الدقائق فإنه عند ذلك يجد من اللذة والحلاوة ما يذهب بكل مرارة ثم إذا نال من المعارف حظا وأحرز منها نصيبا ودخل في عداد أهل العلم كان متقلبا في اللذات النفسانية التي هي اللذات بالحقيقة ولا يعدم عند ذلك من اللذات الجسمانية ما هو أفضل وأحلى من اللذات التي يتقلب فيها كل من كان من أترابه وهو إذا وازن بين نفسه الشريفة وبين فرد معارفه الذين لم يشتغلوا بما اشتغل به اغتبط بنفسه غاية الاغتباط ووجد من السرور والحبور ما لا يقادر قدره هذا باعتبار ما يجده من اللذة النفسانية عند أن يجد نفسه عالمة ونفس معارفه جاهلة ويزداد ذلك بما يحصل له من لوازم العلم من الجلالة والفخامة وبعد الصيت وعظم الشهرة ونبالة الذكر ورفعة المحل والرجوع إليه في مسائل الدين وتقديمه على غيره في مطالب الدنيا وخضوع من كان يزري عليه ويستخفف مكانه من بني عصره فإذا جمعهم مجلس من الدنيا كانوا له بمنزلة الخدم وإن كان على غاية من الإفلاس والعدم ثم إذا تناهى حاله وبلغ من الحظ في العلم إلى مكان علي انثال عليه الطلبة للعلوم وأقبل إليه المستفتون في أمر الدين واحتاج إليه ملوك الدنيا فضلا عن غيره فيكون عند هذا عيشه حلوا محضا وعمره مغمورا باللذات النفسانية والجسمانية ويرتفع أمره عن هذه الدرجة ارتفاع لا يقادر قدره إذا تصور ماله عند الله من عظيم المنزلة وعلي الرتبة وعظيم الجزاء الذي هو المقصود أولا وبالذات من علوم الدين

وكنت في أوائل أيام طلبي للعلم في سن البلوغ وبعدها بقليل تصورت ما ذكرت هنا فقلت سددت الأذن عن داعي التصابي فلا داع لدي ولا مجيب وأنفقت الشبيبة غير وان لمجد الشيب فليهن المشيب وقلت أحب رامز إلى هذا المعنى وأبدي رغبة لنجود نجد وشوقا لا نتشاقى منه ريحا وما بسوى العقيق أقام قلبي وأضحى بين أهليه طريحا وأما كون الرذائل حلوة الأوائل مرة العواقب فصدق هذا غير خاف على ذي لب فإن من أرسل عنان شبابه في البطالات وحل رباط نفسه فأجراها في ميادين اللذات أدرك من اللذة الجسمانية من ذلك بحسب ما يتفق له منها ولا سيما إذا كان ذا مال وجمال ولكنها تنقضي عنه اللذة وتفارقه هذه الحلاوة إذا تكامل عقلها ورجح فهمه وقوي فكره فإنه لا يدري عند ذلك ما يدهمه من المرارات التي منها الندامة على ما اقترفه من معاصي الله ثم الحسرة على ما فوته من العمر في غير طائل ثم على ما أنفقه من المال في غير حله ولم يفز من الجميع بشيء ولا ظفر من الكل بطائل وتزداد حسرته وتتعاظم كربته إذا قاس نفسه بنفس من أشتغل بطلب المعالي من أترابه في مقتبل شبابه فإنه لا يزال عند موازنة ذاته بذاته وصفاته بصفاته في حسرات متجددة وزفرات متصاعدة ولا سيما إذا كان بيته في العلم طويل الدعائم وسلفه من المتأهلين لتلك المعالي والمكارم فإنه حينئذ تذهب عنه سكرة البطالة وتنقشع عنه عماية الجهالة بكروب طويلة وهموم ثقيلة وقد فاته ما فات وحيل بين العير والنزوان وحال الجريض دون القريض وفي الصيف ضيعت اللبن فانظر أعزك الله أي الرجلين أربح صفقة وأكثر فائدة وأعظم عائدة فقد بين الصبح لذي عينين وعند الصباح يحمد القوم السرى ولنعد الآن إلى بيان ما يحتاج إليه أهل تلك الطبقات من العلوم وما ينبغي له أن يشتغلوا به فنقول


أدب الطلب للشوكاني
واجبات طالب العلم | إخلاص النية لله | قصد تحصيل علم الدين | تجنب التحيز والمعصية وتكون غايته العلم بما بعث الله به رسوله وأنزل فيه كتبه | تحري الإنصاف | توطين النفس على البحث والاجتهاد | تجربة الشوكاني مع الاجتهاد | الأسباب التي تؤدي إلى البعد عن الحق والتعصب | حب الشرف والمال | الجدال والمراء وحب الانتصار والظهور | حب القرابة والتعصب للأجداد | صعوبة الرجوع إلى الحق الذي قال بخلافه | أن يكون المنافس المتكلم بالحق صغير السن أو الشأن | من آفات الشيخ والتلميذ | علاج التعصب | العواقب الوخيمة للتعصب والبعد عن الحق | الاستناد إلى قواعد ظنية | عدم الموضوعية في عرض حجج الخصوم | تقليد المتعصبين من علماء الجرح والتعديل | المنافسة بين الأقران بلا تبصر | التباس ما هو من الرأي البحث بشيء من العلوم التي هي مواد الاجتهاد | كيفية الوصول إلى مراتب العلم المختلفة | طبقات طلاب العلم | كيفية الوصول إلى المرتبة الأولى للعلم | كيفية الوصول إلى المرتبة الثانية للعلم | كيفية الوصول إلى المرتبة الثالثة للعلم | كيفية الوصول إلى المرتبة الرابعة للعلم | مباحث ضرورية لطالب الحق | جلب المصالح ودفع المفاسد | الدلائل العامة والكليات | أصالة المعنى الحقيقي وعدم جواز الانتقال عنه إلا لعلاقة أو قرابة | التحايل على أحكام الشريعة | الإجماع والقياس والاجتهاد والاستحسان | مفاسد أصابت دين الإسلام | تعدد المذاهب | الاعتقادات الفاسدة في بعض الأموات | مفاسد بعض أدعياء التصوف