أدب الطلب/كيفية الوصول إلى المرتبة الثانية للعلم
كيفية الوصول إلى المرتبة الثانية للعلم
وإذا عرفت ما ينبغي لأهل الطبقة الأولى من العلوم فلنتكلم الآن على ما ينبغي لأهل الطبقة الثانية من الطبقات المذكورة سابقا وهي طبقة من يريد أن يعرف ما طلبه منه الشارع من أحكام التكليف والوضع على وجه يستقل فيه بنفسه ولا يحتاج إلى غيره من دون أن يتصور البلوغ إلى ما تصوره أهل الطبقة الأولى من تعدي فوائد معارفهم إلى غيرهم والقيام في مقام أكابر الأئمة المرجوع إليهم كما يتصوره أهل الطبقة الأولى فتقول صاحب هذه الطبقة الثانية هو من يطلب ما يصدق عليه مسمى الاجتهاد ويسوغ به العمل بأدلة الشرع وهو يكفي بأن يأخذ من كل فن من فنون الاجتهاد بنصيب يعلم به ذلك الفن علما يستغني به عن الحاجة إليه أو يهتدي به إلى المكان الذي فيه ذلك البحث على وجه يفهم به ما يقف عليه منه علم النحو فيشرع بتعلم علم النحو حتى تثبت له فيه ملكة يقتدر بها على معرفة أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناء وأقل ما يحصل له ذلك بحفظ مختصر من المختصرات المشتملة على مهمات مسائل النحو والمتضمنة لتقرير مباحثه على الوجه المعتبر كالكافية لابن الحاجب وقراءة شرح من شروحها المختصرة وأحسنها بالنسبة إلى الشروح المختصرة شرح الجامي فإنه ينتفع به الطالب انتفاعا لا يجده في غيره من مختصرات الشروح علم الصرف ثم يحفظ مختصرا في الصرف كالشافية لابن الحاجب وقراءة شرح من شروحها المختصرة وأحسنها شرح الجاربردي علم المعاني والبيان ثم يشتغل بحفظ مختصر من مختصرات علم المعاني والبيان كالتلخيص للقزويني وقراءة شرح من شروحه المختصرة كشرح السعد المختصر علم أصول الفقه ثم يشتغل بحفظ مختصر من مختصرات الأصول الفقهية وقراءة شرح من شروحه وأنفع ما ينتفع به الطالب الغاية للحسين بن القاسم وشرحها له فإنهما مع المبالغة في الاختصار قد اشتملا على ما حوته غالب المطولات الكبار علم التفسير ثم يشتغل بقراءة تفسير من التفاسير المختلفة كتفسير القاضي البيضاوي مع مراجعة ما يمكنه مراجعته من التفاسير علم الحديث ثم يشتغل بسماع ما لابد من سماعه من كتب الحديث وهي الست الأمهات فإن عجز عن ذلك اشتغل بسماع ما هو مشتمل على ما فيها من المتون كجامع الأصول ثم لا يدع البحث عن ما هو موجود من أحاديث الأحكام في غيرها بحسب ما تبلغ إليه طاقته ويبحث عن الأحاديث الخارجة عن الصحيح في المواطن التي هي مظنة للكلام عليها من الشروح والتخريجات علوم أخرى ويكون مع هذا عند ممارسته لعلم اللغة على وجه يهتدي به في البحث عن الألفاظ العربية واستخراجها من مواطنها وعنده من علم إصلاح الحديث وعلم الجرح والتعديل ما يهتدي به إلى معرفة ما يتكلم به الحفاظ على أسانيد الأحاديث ومتونها مؤشر الوصول إلى المرتبة الثانية فمن علم بهذه العلوم علما متوسطا يوجب ثبوت مطلق الملكة في كل واحد منها صار مجتهدا مستغنيا عن غيره ممنوعا من العمل بغير دليل وعليه أن يبحث عند كل حادثة يحتاج إليها في دينه عن أقوال أهل العلم وكيفية استدلالهم في تلك الحادثة وما قالوه وما رد عليهم به فإنه ينتفع بذلك انتفاعا كاملا ويضم إلى علمه علوما وإلى فهمه فهوما وهو وإن قصر عن أهل الطبقة الأولى فليس بمحتاج فيما يتعلق به من أمر الدين إلى زيادة على هذا المقدار ويختلف الانتفاع بالعلوم باختلاف القرائح والفهوم فقد ينتفع من هو كامل الذكاء صادق الفهم قوي الإدراك بالقليل ما لا يقتدر على الانتفاع بما هو أكثر منه كثير من جامد الفهم راكدي الفطنة