الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الصلاة/باب القضاء للفوائت



باب القضاء للفوائت


إن كان الترك عمداً لا لعذر فدين الله تعالى أحق أن يقضى وقد اختلف أهل العلم في قضاء الفوائت المتروكة لا لعذر . فذهب الجمهور إلى وجوب القضاء . وذهب داود الظاهري وابن حزم وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه لاقضاء على العامد غير المعذور بل قد باء بإثم ما تركه من الصلاة ، وإليه ذهب شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية ، ولم يأت الجمهور بدليل يدل على ذلك ، ولم أجد أنا دليلاً لهم من كتاب ولا سنة ، إلا ما ورد في حديث الخثعمية حيث قال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فدين الله أحق أن يقضى وهو حديث صحيح ، وفيه من العموم الذي يفيده المصدر المضاف ما يشمل هذا الباب ، فهذا الدليل ليس بأيدي الموجبين سواه . وقد اختلف أهل الأصول هل القضاء يكفي فيه دليل وجوب المقضى ، أم لا بد من دليل جديد يدل على وجوب القضاء ، والحق أنه لا بد من دليل جديد ، لأن ايجاب القضاء هو تكليف مستقل غير تكليف الأداء ، ومحل الخلاف هو الصلاة المتروكة لغيرعذر عمداً . وأقول : حكمه ما في الأحاديث الصحيحة أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويحجوا البيت ويصوموا رمضان فمن فعل ذلك فقد عصم دمه وماله إلا بحقه ومن لم يفعل فلا عصمة لدمه وماله ، بل نحن مأمورون بقتاله كما أمر رسول الله () والمقاتلة تستلزم القتل ، ثم التوبة مقبولة فتارك الصلاة إن تاب وأناب وجب علينا أن نخلي سبيله فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم فمن علمنا أنه ترك صلاة من الصلوات الخمس وجب علينا أن نؤذنه بالتوبة ، فإن فعل فذاك وإن لم يفعل قتلناه ، حكم الله ومن أحسن من الله حكماً وأما إطلاق إسم الكفر عليه ، فقد ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة ، وتأويلها لم يوجبه الله علينا ولا أذن لنا فيه ، ومن غرائب بعض الفقهاء التردد في اطلاق اسم الفسق عليه ، معللاً ذلك بأن التفسيق لا يجوز إلا بدليل قطعي ، مع أنه يرمي بالكفر من خالفه في أدنى معتقداته التي لم يأذن الله لنا باعتقادها فضلاً عن التكفير بها والله المستعان . وأما كيفية القضاء فأقول : لا شك أن تقديم المقضية على المؤداة وتقديم الأولى من المقضيات على الأخرى هو الأولى والأحب ولو لم يرد في ذلك إلا فعله () في يوم الخندق لكان فيه كفاية ، وإنما الشأن في كون ذلك متحتماً لا يجوز غيره .

وإن كان أي الترك لعذر من نوم أو سهو أو نسيان أو اشتغال بملاحمة القتال مع عدم إمكان صلاة الخوف والمسايفة فليس بقضاء بل تجب تأدية تلك الصلاة المتروكة عند زوال العذر ، وذلك وقتها وفعلها فيه أداء كما يفيد ذلك أحاديث من نام عن صلاة أو سها عنها فوقتها حين يذكرها وقد تقدمت في أول كتاب الصلاة وفي ذلك خلاف . والحق أن ذلك هو وقت الأداء لا وقت القضاء للتصريح منه () أن وقت الصلاة المنسية أو التي نام عنها المصلي وقت الذكر ، وأما المتروكة لغير نوم وسهو كمن يترك الصلاة لاشتغاله بالقتال كما سبق فقد شغل النبي () وأصحابه يوم الخندق عن صلاة الظهر والعصر وما صلوهما إلا بعد هوي من الليل ، كما أخرجه أحمد والنسائي من حديثأبي سعيد وهو في الصحيحين من حديث جابر وليس فيه ذكر الظهر بل العصر فقط ، ولذلك قال الماتن :

بل أداء في وقت زوال العذر إلا صلاة العيد المتروكة العذر وهو عدم العلم بأن ذلك اليوم يوم عيد .

ففي ثانيه أي تفعل في اليوم الثاني ولا تفعل في يوم العيد بعد خروج الوقت إذا حصل العلم بأن ذلك اليوم يوم عيد ، لحديث عمير بن أنس عن عمومة له أنه غم عليهم الهلال فأصبحوا صياماً ، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس ، فأمر الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه ، وصححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم والخطابي وابن حجر في بلوغ المرام .

أقول : وأما الكافر إذا أسلم فلا يجب عليه القضاء على كل حال ، لأن القائل بأنه غير مخاطب بالشرعيات ينفي عنه الوجوب حال الكفر ، والقائل أنه مخاطب يجعل الخطاب باعتبار الثواب والعقاب لا باعتبار وجوب الأداء أو القضاء ، فالإسلام يجب ما قبله بلا خلاف . والظاهر أن المرتد حكمه حكم غيره من الكفار في عدم وجوب القضاء لأن الدليل يصدق عليه كما يصدق على غيره من الكفار .

الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب الصلاة
مواقيت الصلاة | باب الأذان | باب ويجب على المصلي تطهير ثوبه | باب كيفية الصلاة | سنن الصلاة | مبطلات الصلاة | فصل فيمن لا تجب عليه الصلاة | باب صلاة التطوع | باب صلاة الجماعة | باب سجود السهو | باب القضاء للفوائت | باب صلاة الجمعة | باب صلاة العيدين | باب صلاة الخوف | باب صلاة السفر | باب صلاة الكسوفين | باب صلاة الإستسقاء