الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الصلاة/سنن الصلاة
وما عدا ذلك فسنن لأنه لم يرد فيها ما يفيد وجوبها من أمر بالفعل أو نهي عن الترك غير مصروفين عن المعنى الحقيقي أو وعيد شديد يفيد الوجوب ، ولا ذكر شئ منها في حديث المسيء ، إلا على وجه لا تقوم به الحجة أو تقوم به ، وقد ورد ما يفيد أنه غير واجب .
والحاصل : أن مرجع واجبات الصلاة كلها هو حديث المسيء ، فما ذكره (ﷺ) فيه كان واجباً ، وما لم يذكره فليس بواجب ، لكن قد تشعبت روايات حديث المسيء وثبت في بعضها ما لم يثبت في البعض الآخر ، فعلى من أراد تحقيق الحق أن يجمع طرقه الصحيحة ، ويحكم بوجوب ما اشتملت عليه ، أو شرطيته أو ركنيته ، بحسب ما يقتضيه الدليل ، وما خرج عنه خرج عن ذلك ، وقد جمع ما صح من طرقه شيخنا الحافظ الرباني العلامة الشوكاني في شرح المنتقى في موضع واحد منه فمن رام ذلك فليرجع إليه .
وهي الرفع في المواضع الأربعة أي عند تكبيرة الإحرام ، وعند الركوع ، وعند الاعتدال من الركوع ، هذه الثلاثة المواضع في كل ركعة . والموضع الرابع عند القيام إلى الركعة الثالثة ، فقد دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة ، أما عند التكبير ، فقد روى ذلك عن النبي (ﷺ) نحو خمسين رجلاً من الصحابة ، منهم العشرة المبشرة بالجنة ، ورواه كثير من الأئمة عن جميع الصحابة من غير استثناء . وقال الشافعي : روى الرفع جمع من الصحابة لعله لم يرد قط حديث بعدد أكثر منهم . وقال ابن المنذر : لم يختلف أهل العلم أن رسول الله (ﷺ) كان يرفع يديه . وقال البخاري في جزء رفع اليدين : روى الرفع تسعة عشر نفساً من الصحابة . وسرد البيهقي في السنن وفي الخلافيات ، أسماء من روى الرفع نحواً من ثلاثين صحابياً . وقال الحسن وحميد بن هلال ، كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يرفعون أيديهم ولم يستثن أحداً منهم كذا في التلخيص. وقال النووي في شرح مسلم : إنها أجمعت على ذلك عند تكبيرة الإحرام ، وإنما اختلفوا فيما عدا ذلك ، وقد ذهب إلى وجوبه داود الظاهري ، وأبو الحسن أحمد بن سيار ، والنيسابوري والأوزاعي ، والحميدي ، وابن خزيمة وأما الرفع عند الركوع وعند الاعتدال منه فقد رواه زيادة على عشرين رجلاً من الصحابة عن النبي (ﷺ) ، وقال محمد بن نصر المروزي : أنه أجمع علماء الأمصار على ذلك إلا أهل الكوفة ، وأما الرفع عند القيام إلى الركعة الثالثة ، فهو ثابت في الصحيح من حديث ابن عمر ، وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه ، وصححه أيضاً أحمد بن حنبل من حديث على بن أبي طالب عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وفي حجة الله البالغة : فإذا أراد أن يركع رفع يديه حذو منكبيه ، وكذلك إذا رفع رأسه من الركوع ، ولا يفعل ذلك في السجود وهو من الهيئات التي فعلها النبي (ﷺ) مرة وتركها أخرى والكل سنة ، وأخذ بكل واحد جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، وهذا أحد المواضع التي اختلف فيها الفريقان : أهل المدينة ، وأهل الكوفة ، ولكل واحد أصل أصيل ، والحق عندي في مثل ذلك أن الكل سنة ونظيره الوتر بركعة واحدة ، أو بثلاث ، والذي يرفع أحب إلي ممن لا يرفع ، فإن أحاديث الرفع أكثر وأثبت ، غير أنه لا ينبغي لإنسان في مثل هذه الصور ، أن يثير على نفسه فتنة عوام بلده ، وهو قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولا يبعد أن يكون ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، ظن أن السنة المتقررة آخراً هو تركه لما تلقن ، من أن مبنى الصلاة على سكون الأطراف ، ولم يظهر له أن الرفع فعل تعظيمي ، ولذلك ابتديء به في الصلاة ، أو لما تلقن من أنه فعل ينبيء عن الترك ، فلا يناسب كونه في أثناء الصلاة ولم يظهر له أن تجديد التنبه لترك ما سوى الله تعالى عند كل فعل أصلي من الصلاة مطلوب والله تعالى أعلم ، قوله لا يفعل ذلك في السجود : أقول القومة شرعت فارقة بين الركوع والسجود ، فالرفع معها رفع للسجود ، فلا معنى للتكرار انتهى بحروفه ، وفي التكميل للشيخ رفيع الدين الدهلوي ولد صاحب الحجة البالغة ، اختلفوا في سنية رفع اليدين في الصلاة بعد التحريمة مع اتفاقهم على أنه لم يصح فيه أمر باستحباب ولا بيان فضيلة ، ولا نهى الصحابة عنه قط ، وعلى أنه ثبت عنه (ﷺ) فعله مدة ، إلا أنه زاد ابن مسعود فقال : ألا أصلي بكم صلاة رسول (ﷺ) فلم يرفع يديه إلا في أول مرة ، وظاهر أنه لم يرد تركه أبذاً ، وإنما أراد تركه آخراً ، كما يشعر به بعض ما ينقل عنه ، أن آخر الأمرين ترك الرفع ولا يدري مدة الترك ، فيحتمل أنه تركه في أيام المرض للضعف ، فظن قوم أن سنيته كانت بمجرد الفعل فبطلت بالترك ، وقوم أن الترك بعذر وبغير نهي لا ينفي السنية كترك القيام للفرض بالعذر فهي إذاً باقية ، فلا مناقشة للمجتهدين في أصل سنيته في الجملة ولا في بقاء جوازه ، وإان منعه بعض المتعصبة إذ ليس مما يخالف أفعال الصلاة لبقائة في التحريمة والقنوت والعيدين ، فلا نكير على فاعله لأحد بل فى بقاء سنيته بناء على الظنين ، فلا نزاع إلا في المواظبة والرجحان ، وحيث واظب عليه جمع بلغوا حد الاستفاضة فوق الشهرة ، ولم يتعرض (ﷺ) لفعلهم كما تعرض لرفع اليد في السلام حيث قال : ما بال أيديكم كأنها أذناب خيل شمس وهو (ﷺ) كان يرى خلفه كما يرى أمامه فثبت بقاء سنيته وتركه (ﷺ) أحياناً كما رواه ابن مسعود والبراء بن عازب ، وعدم التعرض لتاركه يقضي بسقوط تأكيده ، ولم يبلغ أبا حنيفة رح تعالى خبر هذا الجمع ، إنما روى له الأوزاعي عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، فرجح عليه أبو حنيفة حماداً عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود بكثرة الفقه لا بكثرة الحفظ ، فكأنه ظن أنه تفطن ابن مسعود للنسخ دون ابن عمر حيث لم يرفع إلا في التحريمة بناء على أن السكوت في معرض البيان يفيد الحصر ، وما يذكر عن الشافعي من عدم الرفع عند قبره مشعر بعدم التأكيد انتهى . وفي تنوير العينين للشيخ محمد اسماعيل الشهيد الدهلوي حفيد صاحب حجة الله البالغة أن رفع اليدين عند الافتتاح والركوع والقيام منه والقيام إلى الثالثة سنة غير مؤكدة من سنن الهدي فيثاب فاعله بقدر ما فعل ، إن دائماً فبحسبه، وإن مرة فبمثله ، ولا يلام تاركه وإن تركه مدة عمره ، وأما الطاعن العالم بالحديث ، أي من ثبت عنده الأحاديث المتعلقة بهذه المسألة ، فلا أخاله إلا فيمن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ، ونريد بسنة الهدي ههنا فعل غير فرض ، وغير مختص بالنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فعله هو والخلفاء الراشدون رضي الله تعالى عنهم ، أو أمروا به وأقروا عليه قربة ولم ينسخ ولم يترك بالاجماع ، وبغير المؤكدة ما فعلوه مرة وتركوه أخرى . فبقولنا فعل خرج به عدم الرفع ، فإن العدم ليس بفعل ، نعم إذا كان العدم مستمراً في زمان النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، والخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم ، فقطعه يكون بدعة ، وليس في مفهوم البدعة إزالة السنة حتى يلزم كون العدم سنة بل مفهومها فعل لم يفهم في زمنهم . وبقولنا غير فرض خرجت الفرائض كلها . وبقولنا غير مختص خرجت النوافل المختصة به صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كالوصال في الصوم . وبقولنا لم ينسخ خرجت السنن المنسوخة كالقيام للجنازة . وبقولنا لم يترك بالاجماع خرجت السنن المتروكة به كالرفع بين السجدتين انتهى . وفيما لا بد منه أن رفع اليدين عند الإمام الأعظم ليس بسنة ، ولكن أكثر الفقهاء والمحدثين يثبتونه انتهى . وفي سفر السعادة ، أن الأخبار والآثار التي رويت في هذا الباب تبلغ إلى أربعمائة انتهى . قال شارحه الشيخ عبد الحق الدهلوي : إن الرفع وعدم الرفع كلاهما سنة انتهى . وقد مر الجواب عنه . وفي سفر السعادة العربي ، وقد ثبت رفع اليدين في هذه المواضع الثلاثة ، ولكثرة رواته شابه المتواتر ، فقد صح في هذا الباب أربعمائة خبر وأثر رواه العشرة المبشرة ، ولم يزل على هذه الكيفية حتى رحل عن هذا العالم ، ولم يثبت غير هذا انتهى بعبارته . ونقل ابن الجوزي في نزهة الناظر للمقيم والمسافر عن المزني أنه قال : سمعت الشافعي يقول : لا يحل لأحد سمع حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في رفع اليدين في افتتاح الصلاة ، وعند الركوع والرفع من الركوع ، أن يرتك الاقتداء بفعله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وهذا صريح في أنه يوجب ذلك انتهى .
وبالجملة : فقد ثبت رفع اليدين في المواضع الأربعة المذكورة بروايات صحيحة ثابتة ، وآثار مرضية راجحة ، ومذاهب حقة صادقة عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وعن كبراء الصحابة ، وعظماء العلماء والفقهاء والمجتهدين بحيث لا يشوبها نسخ ولا تعارض ، حتى ادعى بعضهم التواتر ، ولا أقل من أن تكون مشهورة كذا في التنوير .
والضم لليدين أي اليمنى على اليسرى حال القيام إما على الصدر أو تحت السرة أو بينهما بأحاديث تقارب العشرين في العدد ، ولم يعارض هذه السنن معارض ، ولا قدح أحد من أهل العلم بالحديث في شيء منها ، وقد رواه عن النبي (ﷺ) نحو ثمانية عشر صحابياً ، حتى قال ابن عبد البر : أنه لم يأت فيه عن النبي (ﷺ) خلاف ، وفي تنوير العينين أن وضع اليد على الأخرى أولى من الإرسال ، لأن الإرسال لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن أصحابه ، بل ثبت الوضع بروايات صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وعن أصحابة رضي الله تعالى عنهم ، كما روى مالك في الموطأ ، والبخاري في صحيحه عن سهل بن سعد قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم : لا أعلم إلا أنه ينمى ذلك إلى النبي (ﷺ) . وروى الترمذي عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال : كان رسول الله (ﷺ) يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه قال الترمذي : وفي الباب عن وائل بن حجر ، وغطيف بن الحرث ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وسهل بن سعد قال أبو عيسى : حديث هلب حديث حسن ، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي (ﷺ) والتابعين ومن بعدهم يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة ، ورأى بعضهم أن يضعهما فوق السرة ، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة وكل ذلك واسع عندهم انتهى . كذلك أخرج مسلم عن وائل بن حجر ، وابن مسعود ، والنسائي عن وائل بن حجر ، والبخاري والحاكم عن على ، وابن أبي شيبة عن غطيف بن الحرث ، وقبيصة بن هلب عن أبيه ، ووائل بن حجر وعلي وأبي بكر الصديق وأبي الدرداء أنه قال : من أخلاق النبيين وضع اليمين على الشمال في الصلاة وعن الحسن أنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : كأني أنظر أحبار بني إسرائيل واضعي ايمانهم على شمائلهم في الصلاة وهكذا أخرج عن أبي مجلز ، وأبي عثمان النهدي ، ومجاهد ، وأبي الحوراء ، وأما ما روي من الإرسال عن بعض التابعين من نحو الحسن ، وإبراهيم ، وابن المسيب ، وابن سيرين ، وسعيد بن جبير ، كما أخرجه ابن أبي شيبة ، فإن بلغ عندهم حديث الوضع فمحمول على أنه لم يحسبوه سنة من سنن الهدي ، بل حسبوه عادة من العادات فمالوا إلى الإرسال لأصالته مع جواز الوضع ، فعملوا بالإرسال بناء على الأصل ، إذا الوضع أمر جديد يحتاج إلى الدليل ، وإذ لا دليل لهم ، فاضطروا إلى الإرسال ، لا أنه ثبت عندهم الإرسال ، وإلى ذلك يشير قول ابن سيرين حيث سئل عن الرجل يمسك بيمينه شماله قال : إنما فعل ذلك من أجل الروم كما أخرج ابن أبي شيبة . وأما ما أخرج أبو بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن إبراهيم قال : سمعت عمرو بن دينار قال : كان ابن الزبير إذا صلى يرسل يديه ، فهي رواية شاذة مخالفة لما روى الثقات عنه ، كما أخرج أبو داود عن زرعة بن عبد الرحمن قال : سمعت ابن الزبير يقول : صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة وان سلم السنة ، وقول الصحابي من السنة في حكم الرفع كما حقق في كتب أصول الحديث ، ومع هذا لعله لم ير الوضع من سنن الهدي وفهم الصحابي ليس بحجة كما مضى ، لا سيما إذا كان مخالفاً لأجلة الصحابة كأميري المؤمنين أبي بكر الصديق وعلى المرتضي وابن عباس وابن مسعود وسهل بن سعد ونحوهم ، على أنها مخالفة للأحاديث المرفوعة المشهورة ، وأعمال الصحابة المستفيضة في باب الوضع فينبغي أن لا يعول على الاعتبار ولا يلتفت إليها ، وأما مالك بن أنس فقد اضطربت الروايات عنه ، فالمدنيون من أصحابه رووا عنه أمر الوضع مطلقاً ، سواء كان في الفرض أو النفل ، كما يشهد به حديث الموطأ عن سهل بن سعد ، وأثره عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري ، والمصريون من أصحابه رووا عنه الإرسال في الفرض والوضع في النفل ، وعبد الرحمن بن القاسم روي عنه الإرسال مطلقاً ، وروى أشهب عنه إباحة الوضع ، وتلك الروايات ، أي روايات المصريين وابن القاسم عنه ،وأن عمل بها المتأخرون من المالكلية ، لكنها روايات شاذة مخالفة لرواية جمهور أصحابه ، فلا تخرق الإجماع والإتفاق ، ولا تصادم ما أدعينا من الأطباق ، ولكونها شاذة أولها ابن الحاجب في مختصره في الفقه بالإعتماد على الأرض إذا رفع رأسه من السجدة ونهض إلى القيام ، ووضع اليدين تحت السرة وفوقها متساويان ، لأن كلاً منهما مروي عن أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم . أخرج أبو داود وأحمد وابن أبي شيبة عن علي السنة وضع الكف في الصلاة تحت السرة رواه رزين وغيره ، وفي سفر السعادة وضع الكف تحت الصدر في صحيح ابن خزيمة ، قال الترمذي : رأى بضعهم أن يضعهما فوق السرة ، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة ، وكل ذلك واسع عندهم كما ذكرنا سابقاً ، وقال الشيخ ابن الهمام : ولم يثبت حديث صحيح يوجب العمل في كون الوضع تحت الصدر ، وفي كونه تحت السرة . والمعهود من الحنفية هو كونه تحت السرة . وعن الشافعية تحت الصدر . وعند أحمد قولان كالمذهبين . والتحقيق المساواة بينهما كما ذكرنا سابقاً والله تعالى أعلم بأحكامه انتهى . وقال ابن القيم في أعلام الموقعين بعد تخريج الأخبار والآثار في وضع اليمنى على اليسرى : ردت هذه الآثار برواية ابن القاسم عن مالك قال : تركه أحب إلى ولا أعلم شيئاً ردت به سواه انتهى . وفي حاشية الشفاء ، ومن الغرائب أنها صارت في هذه الديار ، وفي هذه الأعصار عند العامة ومن يشابههم ممن يظن أنه قد ارتفع عن طبقتهم من أعظم المنكرات ، حتى أن المتمسك بها يصير في إعتقاد كثير في عداد الخارجين عن الدين ، فترى الأخ يعادي أخاه والوالد يفارق ولده إذا رآه يفعل واحدة منها أي من هذه السنن وكأنه صار متمسكاً بدين آخر ومنتقلاً إلى شريعة غير الشريعة التي كان عليها ، ولو رآه يزني ، أو يشرب الخمر ، أو يقتل النفس ، أو يعق أحد أبويه ، أو يشهد الزور ، أو يحلف الفجور ، لم يجر بينه وبينه من العداوة ما يجري بينه وبينه بسبب التمسك بهذه السنن أو ببعضها ، لا جرم هذه علامات آخر الزمان ودلائل حضور القيامة وقرب الساعة انتهى . والإشارة بقوله بهذه السنن إلى رفع اليدين في المواضع الأربعة ، وضم اليدين في الصلاة قال : وأعجب من فعل العامة الجهلة وأغرب سكوت علماء الدين وأئمة المسلمين عن الإنكار على من جعل المعروف منكراً والمنكر معروفاً وتلاعب بالدين وبسنة سيد المرسلين انتهى .
والتوجه فقد وردت فيه أحاديث بألفاظ مختلفة ، ويجزيء التوجه بواحد منها إذا خرج من مخرج صحيح ، وأصحها الإستفتاح المروي من حديث أبي هريرة ، وهو في الصحيحين وغيرهما ، بل قد قيل إنه تواتر لفظاً وهو اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد قال في الحجة : وقد صح في ذلك صيغ منها اللهم باعد بيني إلى آخره ، ومنها أني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ومنها سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ومنها الله أكبر كبير ثلاثاً ، الحمد لله كثيراً ثلاثاً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً ثلاثاً والأصل في الاستفتاح حديث على في الجملة ، وأبي هريرة وعائشة وجبير بن مطعم وابن عمر وغيرهم ، وحديث عائشة وابن مسعود وأبي هريرة وثوبان وكعب بن عجرة في سائر المواضع ، وغير هؤلاء انتهى ملخصاً . قلت : ذهب الشافي في دعاء الإفتتاح إلى حديث علي رضي الله تعالى عنه أني وجهت وجهي إلخ ، وأبو حنيفة إلى حديث عائشة سبحانك اللهم وبحمدك إلخ وقال مالك : لا نقول شيئاً من ذلك ، ومعنى قوله عندي أنه ليس بسنة لازمة ، وأشار البغوي إلى أن الإختلاف في أذكار الصلاة من دعاء الإفتتاح ، وذكر الركوع والسجود وما بعد التشهد بين الأئمة من الإختلاف المباح ، فذكر كل أصح ما عنده ، وليس أحد ينكر ما عند الآخر .
بعد التكبيرة لأنه لم يأت في ذلك خلاف النبي (ﷺ) بل كل من روي عنه الإستفتاح روى أنه بعد التكبيرة ، ولم يأت في شئ أنه توجه قبلها ، وقد أوضح ذلك العلامة الشوكاني في حاشية الشفاء ، وأما ما يتوجه به فهو الذي قد ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وفيه الصحيح والأصح ، والوقوف على ذلك ممكن بالنظر في مختصر من مختصرات الحديث ، وسبحان الله وبحمده مافعلت هذه المذاهب بأهلها .
و أما التعوذ فقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن النبي (ﷺ) يفعله بعد الإستفتاح قبل القراءة ولفظه أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه كما أخرجه أحمد وأهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري ، قال في الحجة : ثم يتعوذ لقوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وفي التعوذ صيغ منها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومنها استعيذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يبسمل سراً لما شرع الله تعالى لنا من تقديم التبرك بإسم الله تعالى على القراءة ، ولأن فيه احتياطاً . إذ قد اختلفت الرواية هل هي آية من الفاتحة أم لا ، فقد صح عن النبي (ﷺ) أنه كان يفتتح الصلاة أي القراءة بالحمد لله رب العالمين ولا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم انتهى .
أقول : قد وقع الخلاف في البسملة من جهات : الأولى في كونها قرآناً في كل سورة أم لا . الثانية في قراءتها في الصلاة ، أو سراً في السرية وجهراً في الجهرية . ولأهل العلم في كل طرف من هذه الأطراف خلاف طويل ومنازعات كثيرة ، والقراء منهم من يقرؤها في أول كل سورة ومنهم من لا يقرؤها ، وقد أورد شيخنا العلامة الشوكاني في شرح المنتقى ما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره .
والحاصل : أن الحق ثبوت قراءتها وأنها آية من كل سورة ، وأنها تقرأ في الصلاة جهراً في الجهرية وسراً في السرية في السرية . وأحاديث عدم سماع جهره (ﷺ) بها وإن كانت صحيحة ، فالجمع بينها وبين أحاديث الجهر ممكن بأن يحمل نفي من نفى على أنه عرض له مانع عن سماعها ، فإن وقت قراءة الإمام لها وقت إشتغال المؤتم بالدخول في الصلاة والإحرام والتوجه وتكبير القائمين إلى الصلاة ، ورواة الأسرار هم مثل أنس وعبد الله بن مغفل وهم إذ ذاك من صغار الصحابة قد لا يقفون في الصفوف المتقدمة لأنها موقف كبار الصحابة ، كما ورد الدليل بذلك ، وعلى كل تقدير فالمثبت مقدم على النافي ، وأحاديث الجهر وإن كانت غير سليمة من المقال ، فهي قد بلغت في الكثرة إلى حد يشهد بعضها لبعض مع كونها معتضدة بالرسم في المصاحف ، وهو دليل علمي كما قاله العضد وغيره ، فقد وافقت سائر الآيات القرآنية في ذلك ، فالظاهر مع من قال بأن صفتها وصفة سائر الآيات متفقة ، وأما ما في تنوير العينين من أن ترك الجهر بالتسمية أولى من الجهر بها ، لأن رواية ترك جهره أكثر وأوضح من جهره انتهى فقد دفعه ما تقدم آنفاً .
و أما التأمين فقد ورد به نحو سبعة عشر حديثاً ، وربما تفيد أحاديثه الوجوب على المؤتم إذا أمن إمامه ، كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما بلفظ إذا أمن الإمام فأمنوا فيكون ما في المتن مقيداً بغير المؤتم إذا أمن إمامه ، وقد ذهب إلى مشروعيته جمهور أهل العلم ، ومما يؤكد مشروعيته أن فيه إغاظة لليهود ، لما أخرجه أحمد وابن ماجه والطبراني من حديث عائشة مرفوعاً ما حسدتكم اليهود على شئ ما حسدتكم على قول آمين قال ابن القيم في أعلام الموقعين : السنة المحكمة الصحيحة الجهر بآمين في الصلاة كقوله في الصحيحين : إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه أمين الملائكة غفر له ولولا جهره بالتأمين لما أمكن المأموم أن يؤمن معه ويوافقه في بالتأمين . وأصرح من هذا حديث سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل ، عن حجر ابن عنبس ، عن وائل بن حجر قال : كان رسول الله (ﷺ) إذا قال ولا الضالين قال آمين ورفع بها صوته وفي لفظ وطول بها رواه الترمذي وغيره وإسناده صحيح ، وقد خالف شعبة سفيان في هذا الحديث فقال : وخفض بها صوته وحكم أئمة الحديث وحفاظه في هذا لسفيان فقال الترمذي : سمعت محمد بن اسماعيل يقول : حديث سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل في هذا الباب أصح من حديث شعبة ، وأخطأ شعبة في هذا الحديث في مواضع ، فقال عن حجر أبي العنبس وإنما كنيته أبو السكن ، وزاد فيه عن علقمة بن وائل ، وإنما هو حجر بن عنبس عن وائل بن حجر ليس فيه علقمة وقال : وخفض بها صوته والصحيح أنه جهر بها قال الترمذي : سألت أبا زرعة عن حديث سفيان وشعبة إذا اختلفا فقال : القول قول سفيان ، إلى قوله : فرد هذا كله بقوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا والذي نزلت عليه هذه الآية هو الذي رفع صوته بالتأمين ، والذين أمروا بها رفعوا به أصواتهم ، ولا معارضة بين هذه الآية والسنة بوجه ما أهـ . ثم أطال ابن القيم في بيان أدلة ترجيح هذه السنة وتقريرها ، تركنا ذكرها مخافة الإطالة ، وفي تنوير العينين يظهر بعد التعمق في الروايات والتحقيق أن الجهر بالتأمين أولى من خفضه ، لأن رواية جهره أكثر وأوضح من خفضه اهـ.
وقراءة غير الفاتحة معها لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين ، وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب وورد ما يشعر بوجوب قرآن مع الفاتحة من غير تعيين ، كحديث أبي هريرة أن النبي (ﷺ) أمره أن يخرج فينادي لاصلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد أخرجه أحمد وأبو داود وفي إسناده مقال ، ولكنه قد أخرج مسلم في صحيحه وغيره من حديث عبادة بن الصامت بلفظ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعداً وقد أعلها البخاري في جزء القراءة ، وأخرج أبو داود من حديث أبي سعيد بلفظ أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر قال ابن سيد الناس : وإسناده صحيح ورجاله ثقات . وقال الحافظ ابن حجر : إسناده صحيح . وأخرج ابن ماجة من حديث أبي سعيد بلفظ لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة وهو حديث ضعيف . وهذه الأحاديث لا تقصر عن إفادة ايجاب قرآن مع الفاتحة من غير تقييد بل مجرد الآية الواحدة يكفي ، وأما زيادة على ذلك كقراءة سورة مع الفاتحة في كل ركعة من الأوليين فليس بواجب ، فيكون ما في المتن مقيداً بما فوق الآية . قال في الحجة البالغة : ثم يرتل سورة الفاتحة وسورة من القرآن ترتيلاً ، يمد الحروف ويقف على رؤس الآي ، يخافت في الظهر والعصر ، ويجهر الإمام في الفجر والمغرب والعشاء ، ويقرأ في الفجر ستين آية إلى مائة تداركاً لقلة ركعاته بطول قراءته ، وفي العشاء سبح اسم ربك الأعلى * والليل إذا يغشى ومثلهما ، وحمل الظهر على الفجر ، والعصر على العشاء ، وفي بعض الروايات الظهر على العشاء والعصر على المغرب ، وفي بعضها وفي المغرب بقصار المفصل لصيق الوقت انتهى .
و أما التشهد الأوسط فلم يرد فيه ألفاظ تخصه ، بل يقول فيه ما يقول في التشهد الأخير ، ولكنه يسرع بذلك . وفي حاشية الشفاء للشوكاني رح وأما ما يقال فيه فهو ما يقال في التشهد الأخير سواء بسواء ، إلا ما ورد تخصيصه بالآخر فيختص به . وظاهر الأدلة الواردة في التشهد شامل للتشهدين جميعاً ، إلا أنه ينبغي تخفيفه كما ورد الدليل بذلك ، وأقل ما يقال فيه تشهد ابن مسعود ، ويضم إليه الصلاة على النبي وآله (ﷺ) بأخصر لفظ ، فهذا لا ينافي التخفيف المشروع انتهى . وقد روي أحمد والنسائي من حديث ابن مسعود قال : إن محمداً قال إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع به ربه عز وجل ورجاله ثقات . وأخرجه الترمذي بلفظ علمنا رسول الله (ﷺ) إذا قعدنا في الركعتين فالتقييد بالقعود في كل ركعتين ، يفيد أن هذا التشهد هو التشهد الأوسط ، ولكن ليس فيه ما ينفي زيادة الصلاة على النبي (ﷺ) ، وقد شرعها رسول الله (ﷺ) في التشهد مقترنة بالسلام على النبي (ﷺ) ، كما ورد بلفظ قد علمنا كيف السلام عليك فكيف الصلاة وهو في الصحيحين من حديث كعب بن عجرة ، وفي رواية من حديث ابن مسعود فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا ؟ وإنما لم يكن التشهد الأوسط واجباً ولا قعوده ، لأن النبي (ﷺ) تركه سهواً فسبح الصحابة ، فلم يعد له بل استمر وسجد للسهو ، فلو كان واجباً لعاد له عند ذهاب السهو بوقوع التنبيه من الصحابة ، فلا يقال : أن سجود السهو يكون لجبران الواجب كما يكون لجبران غير الواجب ، لأنا نقول : محل الدليل ههنا هو عدم العود لفعله بعد التنبيه على السهو ،
أقول : لا ريب أنه (ﷺ) لازم التشهد الأوسط ، ولم يثبت في حديث من الأحاديث الحاكية لفعله (ﷺ) أنه تركه مرة واحدة ، ولكن هذا القدر لا يثبت به الوجوب وإن كان بياناً لمجمل واجب ، وانضم إليه حديث صلوا كما رأيتموني أصلي لأن الاقتصار في حديث المسيء بعض ما كان يفعله دون بعض ، يشعر بعدم وجوب ما لم يذكر فيه ، وأحاديث التشهد الصحيحة التي فيها لفظ قولوا ، وأن كان أصل الأمر للوجوب ، لكنه مصروف عن حقيقته بحديث المسيء ، ويشكل على ذلك قول ابن مسعود : كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد الحديث . . فإن هذه العبارة على أن التشهد من المفترضات ، ويمكن أن يقال : إن فهم ابن مسعود للفرضية لا يستلزم أن يكون الأمر كذلك ، لأنه من مجالات الاجتهادات ، واجتهاده ليس بحجة على أحد ، وأيضاً بعض التشهد تعليم كيفية ، وتعليم الكيفيات وإن كان بلفظ الأمر لا يدل على وجوبها ، وما نحن بصدده من ذلك ، فإنه وقع في جواب كيف نصلي عليك ، وإنما كان كذلك ، لأن جواب السائل عن الكيفية يكون بالأمر وإن كانت غير واجبة إجماعاً تقول كيف أغسل ثوبي وأحمل متاعي ، فيقول المسؤول افعل كذا ، غير مريد لا يجاب ذلك عليك ، بل لمجرد التعليم للهيئة المسؤول عنها بكيف ، فلا بد أن يكون الشئ المسؤل عن كيفيته قد وجب بدليل آخر غير تعليم الكيفية ، وقد وقع في بعض طرق حديث المسيء ذكر للتشهد فراجعه في الموطن ، فإن صحت تلك الطرق كانت هي المفيدة للوجوب ، وأما حديث إذا أحدث المصلي بعد آخر سجدة فليس مما تقوم به الحجة فليعلم .
و أما الأذكار الواردة في كل ركن فكثيرة جداً منها : تكبير الركوع والسجود ، والرفع والخفض ، كما دل عليه حديث ابن مسعود قال : رأيت النبي (ﷺ) يكبر في كل رفع وخفض ، وقيام وقعود وأخرجه أحمد والنسائي والترمذي وصححه . وأخرج نحوه البخاري ومسلم من حديث عمران بن حصين . وأخرج نحوه من حديث أبي هريرة ، وفي الباب أحاديث إلا عند الإرتفاع من الركوع ، فإن الإمام والمنفرد يقولان : سمع الله لمن حمده والمؤتم يقول : اللهم ربنا ولك الحمد وهو في الصحيح من حديث أبي موسى . قال في حاشية الشفاء : الظاهر من الأدله أن الإمام والمنفرد يجمعان بين السمعلة والحمدلة فيقولان : سمع الله لمن حمده اللهم ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وأما المؤتم ففيه احتمال ، وقد أوضحت الصواب فيه في شرح المنتقى انتهى . قال ابن القيم في الأعلام : السنة الصريحة في قول الإمام ربنا لك الحمد كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة كان رسول الله (ﷺ) إذا قال سمع الله لمن حمده قال : اللهم ربنا لك الحمد وفيهما أيضاً عنه كان رسول الله (ﷺ) يكبر حين يقوم ، ثم يكبر حين يركع ، ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ، ثم يقول وهو قائم ربنا لك الحمد وفي صحيح مسلم عن ابن عمر أن النبي (ﷺ) كان إذا رفع رأسه من الركوع قال : سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد فردت هذه السنن المحكمة بالمتشابه من قوله (ﷺ) إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد انتهى . وأما ذكر الركوع فهو سبحان ربي العظيم وذكر السجود سبحان ربي الأعلى ويدعو بعد ذلك بما أحب من المأثور وغيره ، وأقل ما يستحب من التسبيح في الركوع والسجود ثلاث ، لحديث ابن مسعود أن النبي (ﷺ) قال : إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه وذلك أدناه ، وإذا سجد فقال في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده وذلك أدناه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وفي اسناده انقطاع ، وأما ذكر الاعتدال فقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال : اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض ، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شئ ، بعد أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد وأما الذكر بين السجدتين فقد روى الترمذي وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول بين السجدتين : اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني
أقول : قد بين لنا (ﷺ) كيفية تسبيح الركوع والسجود بياناً شافياً ، نقله لنا عنه الذين نقلوا إلينا سائر الأحكام الشرعية ، فقالوا كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وكذلك أرشد إليه (ﷺ) قولاً . وأما التقييد بعدد مخصوص فلم يرد ما يدل عليه ، إنما كان الصحابة يقدرون لبثه في ركوعه وسجوده تقادير مختلفة ، والتطويل في الصلاة من السنن الثابتة ما لم يكن المصلي إماماً لقوم ، فإنه يصلي بهم صلاة أخفهم كما أرشد إليه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم .
والأحاديث في الأذكار الكائنة في الصلاة كثيرة جداً فينبغي الاستكثار من الدعاء في الصلاة .
بخيري الدنيا والآخرة بما ورد وبما لم يرد والأولى أن يأتي بهذه الأذكار قبل الرواتب ، فإنه جاء في بعض الأذكار ما يدل على ذلك كقوله : من قال قبل أن ينصرف ويثني رجله من صلاة المغرب والصبح لا إله إلا الله الخ . وكقول الراوي كان إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى : لا إله إلا الله الخ . قال ابن عباس كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بالتكبير وفي بعضها ما يدل ظاهراً كقوله : دبر كل صلاة وأما قول عائشة : كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول : اللهم أنت السلام الخ . فيحتمل وجوهاً ذكرتها في شرح بلوغ المرام . وبالجملة : فالأدعية كلها بمنزلة أحرف القرآن ، من قرأ منها شيئاً فاز بالثواب الموعود ، وهذا الباب يحتمل البسط ، وليس المراد هنا إلا الإشارة إلى ما يحتاج إليه ، وقد ذكر الماتن هذه المسائل والأذكار في شرح المنتقى ، وأورد كل ما يحتاج إليه على وجه لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره .