العقد الفريد/الجزء الأول/19
من كره من الملوك تقبيل اليد
العتبي قال: دخل رجل على هشام بن عبد الملك فقبل يده فقال: أف له إن العرب ما قبلت الأيدي إلا هلوعاً ولا فعلته العجم إلا خضوعاً. واستأذن رجل المأمون في تقبيل يده فقال له: إن قبلة اليد من المسلم ذلة ومن الذمي خديعة ولا حاجة بك أن تذل ولا بنا أن نخدع. واستأذن أبو دلامة الشاعر المهدي في تقبيل يده فقال: أما هذه فدعها قال: ما منعت عيالي شيئاً أيسر فقداً عليهم من هذه. قال هارون الرشيد لمعن بن زائدة: كيف زمانك يا معن قال: يا أمير المؤمنين أنت الزمان فإن أصلحت صلح الزمان وإن فسدت فسد الزمان. وهذا نظير قول سعيد بن سلم وقد قال له أمير المؤمنين الرشيد: من بيت قيس في الجاهلية قال: يا أمير المؤمنين بنو فزارة قال: فمن بيتهم في الإسلام قال: يا أمير المؤمنين الشريف من شرفتموه قال: صدقت أنت وقومك. ودخل معن بن زائدة على أبي جعفر فقال له: كبرت يا معن قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين قال: وإنك لجلد قال: على أعدائك يا أمير المؤمنين قال وإن فيك لبقية قال: هي لك يا أمير المؤمنين قال أي الدولتين أحب إليك أو أبغض أدولتنا أم دولة بني أمية قال: ذلك إليك يا أمير المؤمنين وإن زاد برك على برهم كانت دولتك أحب إلي وإن زاد برهم على برك كانت دولتهم أحب إلي قال: صدقت. قال هارون الرشيد لعبد الملك بن صالح: أهذا منزلك قال: هو لأمير المؤمنين ولي به قال: كيف ماؤه قال: أطيب ماء قال: فكيف هواءه قال: أصح هواء. وقال أبو جعفر المنصور لجرير بن يزيد: إنك أردتك لأمر قال: يا أمير المؤمنين قد أعد الله لك مني قلباً معقوداً بطاعتك ورأياً موصولاً بنصيحتك وسيفاً مشهوراً على عدوك فإذا شئت وقال المأمون لطاهر بن الحسين: صف لي ابنك عبد الله قال: يا أمير المؤمنين إن مدحته عبته وإن ذممته اغتبته ولكنه قدح في كف مثقف ليوم نضال في خدمة أمير المؤمنين. وأمر بعض الخلفاء رجلاً بأمر فقال: أنا أطوع من الرداء وأذل لك من الحذاء. وهذا قاله الحسن بن وهب لمحمد بن عبد الملك الزيات. وقال آخر: أطوع لك من يدك وأذل لك من نعالك وقال المنصور لمسلم بن قتيبة: ما ترى في قتل أبي مسلم قال: " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ". قال: حسبك أبا أمية. وقال المأمون ليزيد بن مزيد: ما أكثر الخلفاء في ربيعة قال: بلى ولكن منابرهم الجذوع. وقال المنصور لإسحاق بن مسلم: أفرطت في وفائك لبني أمية قال: يا أمير المؤمنين إنه من وفىّ لمن لا يرجى كان لمن يرجى أوفى. وقال هارون لعبد الملك بن صالح: صف لي منبج قال: رقيقة الهواء لينة الوطاء قال: فصف لي منزلك بها قال: دون منازل أهلي وفوق منازل أهلها قال: ولم قدرك فوق أقدارهم قال: ذلك خلق أمير المؤمنين أتأسى به وأقفو أثره وأحذو مثاله. ودخل المأمون يوماً بيت الديوان فرأى غلاماً جميلاً على أذنه قلم فقال: من أنت يا غلام قال: أنا الناشئ في دولتك والمتقلب في نعمتك والمؤمل لخدمتك الحسن بن رجاء قال المأمون: بالإحسان في البديهة تفاضلت العقول ارفعوا هذا الغلام فوق مرتبته. علي بن يحيى قال: إني عند المتوكل حين دخل عليه الرسول برأس إسحق بن إسماعيل فقام علي بن الجهم يخطر بين يدي المتوكل ويقول: أهلاً وسهلاً بك من رسول جئت بما يشفي من الغليل برأس إسحق بن إسماعيل فقال المتوكل: قوموا التقطوا هذا الجوهر لئلا يضيع. ودخل عقال بن شبة على أبي عبيد الله كاتب المهدي فقال: يا عقال لم أرك منذ اليوم قال: والله إني لألقاك بشوق وأغيب عنك بتوق. وقال عبد العزيز بن مروان لنصيب بن رباح - وكان أسود - يا نصيب هل لك فيما يثمر المحادثة يريد المنادمة فقال: أصلح الله الأمير اللوم مرمد والشعر مفلفل ولم أقعد إليك بكريم عنصر ولا بحسن منظر وإنما هو عقلي ولساني فإن رأيت أن لا تفرق بينهما فافعل. ولما ودع المأمون الحسن بن سهل عند مخرجه من مدينة السلام وقال له: يا أبا محمد ألك حاجة تعهد إلي فيها قال: نعم يا أمير المؤمنين أن تحفظ علي من قلبك ما لا أستعين على حفظه إلا بك. وقال سعيد بن سلم بن قتيبة للمأمون: لو لم أشكر الله إلا على حسن ما أبلاني في أمير المؤمنين من قصده إلي بحديثه وإشارته إلي بطرفه لكان ذلك من أعظم ما توجبه النعمة وتفرضه الصنيعة قال المأمون: ذلك والله لأن الأمير يجد عندك من حسن الإفهام إذا حدثت وحسن الفهم إذا حدثت ما لا يجده عند غيرك.
مدح الملوك والتزلف إليهم
في سير العجم أن أردشير بن يزدجرد لما استوثق له أمره جمع الناس فخطبهم خطبة حضهم فيها على الألفة والطاعة وحذرهم المعصية ومفارقة الجماعة وصنف لهم الناس أربعة أصناف فخروا له سجداً. وتكلم متكلمهم فقال: لا زلت أيها الملك محبواً من الله بعز النصر ودرك الأمل ودوام العافية وتمام النعمة وحسن المزيد ولا زلت تتابع لديك المكرمات وتشفع إليك الذمامات حتى تبلغ الغاية التي يؤمن زوالها ولا تنقطع زهرتها في دار القرار التي أعدها الله لنظرائك من أهل الزلفى عنده والحظوة لديه ولا زال ملكك وسلطانك باقيين بقاء الشمس والقمر زائدين زيادة البحور والأنهار حتى تستوي أقطار الأرض كلها في علوك عليها ونفاذ أمرك فيها فقد أشرق علينا من ضياء نورك ما عمنا عموم ضياء الصبح ووصل إلينا من عظيم رأفتك ما اتصل بأنفسنا اتصال النسيم فأصبحت قد جمع الله بك الأيادي بعد افتراقها وألف بين القلوب بعد تباغضها وأذهب عنا الإحن والحسائف بعد توقد نيرانها بفضلك الذي لا يدرك بوصف ولا يحد بنعت. فقال أردشير: طوبى للممدوح مستحقاً وللداعي إذا كان للإجابة أهلاً. ودخل حسان بن ثابت على الحارث الجفني فقال: أنعم صباحاً أيها الملك السماء غطاؤك والأرض وطاؤك ووالدي فداؤك أنى يناوئك المنذر فوالله لقذالك أحسن من وجهه ولأمك أحسن من أبيه ولظلك خير من شخصه ولصمتك أبلغ من كلامه ولشمالك خير من يمينه. ثم أنشأ يقول: ونبئت أن أبا منذر يساميك للحدث الأكبر قذالك أحسن من وجهه وأمك خير من المنذر ويسرى يديك إذا أعسرت كيمنى يديه فلا تمتر ودخل خالد بن عبد الله القسري على عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة فقال: يا أمير المؤمنين من تكون الخلافة قد زانته فأنت قد زنتها ومن تكون شرفته فأنت قد شرفتها وأنت كما قال الشاعر: وإذا الدر زان حسن وجوه كان للدر حسن وجهك زينا. فقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أعطي صاحبكم مقولاً ولم يعط معقولاً. ذكر بن أبي طاهر قال: دخل المأمون بغداد فتلقاه وجوه أهلها فقال له رجل منهم: يا أمير المؤمنين بارك الله لك في مقدمك وزادك في نعمتك وشكرك على رعيتك تقدمت من قبلك وأتعبت من بعدك وآيست أن يعاين مثلك أما فيما مضى فلا نعرفه وأما فيما بقي فلا نرجوه فنحن جميعاً ندعو لك ونثني عليك خصب لنا جنابك وعذب شرابك وحسنت نظرتك وكرمت مقدرتك جبرت الفقير وفككت الأسير فأنت يا أمير المؤمنين كما قال الأول: ما زلت في البذل للنوال وإط لاق لعان بجرمه علق حتى تمنى البراء أنهم عندك أسرى في القيد والحلق ودخل رجل على خالد بن عبد الله القسري فقال: أيها الأمير إنك لتبذل ما جل وتجبر ما اعتل وتكثر ما قل ففضلك بديع ورأيك جميع. وقال رجل للحسن بن سهل: لقد صرت لا أستكثر كثيرك ولا أستقل قليلك قال: وكيف ذلك قال: لأنك أكثر من كثيرك ولأن قليلك أكثر من كثير غيرك. وقال خالد بن صفوان لوال دخل عليه: قدمت فأعطيت كلاً بقسطه من نظرك ومجلسك وصلاتك وعداتك حتى كأنك من كل أحد وكأنك لست من أحد. وقال الرشيد لبعض الشعراء: هل أحدثت فينا شيئاً قال: يا أمير المؤمنين المديح كله دون قدرك والشعر فيك فوق قدري ولكني أستحسن قول العتابي: فت الممادح إلا أن ألسننا مستنطقات بما تخفي الضمايير مدح خالد بن صفوان رجلاً فقال: قريع المنطق جزيل الألفاظ عربي اللسان قليل الحركات حسن الإشارات حلو الشمائل كثيرة الطلاوة صموتاً قؤولاً يهنأ الجرب ويداوي الدبر ويقل الحز ويطبق المفصل لم يكن بالبرم في مروءته ولا بالهذر في منطقه متبوعاً غير تابع. كأنه علم في رأسه نار دخل سهل بن هارون على الرشيد فوجده يضاحك ابنه المأمون فقال: اللهم زده من الخيرات وابسط له في البركات حتى يكون كل يوم من أيام موفياً على أمسه مقصراً على غده فقال له الرشيد: يا سهل من روى من الشعر أحسن وأجوده ومن الحديث أصحه وأبلغه ومن البيان أفصحه وأوضحه إذا رام أن يقول لم يعجزه قال سهل: يا أمير المؤمنين ما ظننت أن أحداً تقدمني سبقني إلى هذا المعنى فقال: بل أعشى همدان حيث يقول: وجدتك أمس خير بني لؤي وأنت اليوم خير منك أمس وأنت غداً تزيد الخير ضعفاً كذاك تزيد سادة عبد شمس وكان المأمون قد استثقل سهل بن هارون فدخل عليه يوماً والناس عنده على منازلهم فتكلم المأمون بكلام ذهب فيه كل مذهب فلما فرغ أقبل سهل بن هارون على ذلك الجمع فقال لهم: ما لك تسمعون ولا تعون وتفهمون ولا تعجبون وتعجبون ولا تصفون أما والله إنه ليقول ويفعل في اليوم القصير مثل ما قالت وفعلت بنو مروان في الدهر الطويل عربكم كعجمهم وعجمهم كعرب بني تميم ولكن كيف يشعر بالدواء من لا يعرف الداء قال: فرجع له المأمون إلى رأيه الأول. وكان الحجاج بن يوسف يستثقل زياد بن عمرو العتكي فلما أثنى الوفد على الحجاج عند عبد الملك بن مروان قال زياد: يا أمير المؤمنين إن الحجاج سيفك الذي لا ينبو وسهمك الذي لا يطيش وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم. فلم يكن بعد ذلك أحد أخف على الحجاج ولا أحب إليه منه. حدث الشيباني قال: أقام المنصور صالحاً ابنه فتكلم في أمر فأحسن فقال شبيب بن شيبة: تالله ما رأيت كاليوم أبين بياناً ولا أعرب لساناً ولا أربط جأشاً ولا أبل ريقاً ولا أحسن طريقاً وحق لمن كان المنصور أباه والمهدي أخاه أن يكون كما قال زهير: هو الجواد فإن يلحق بشأوهما على تكاليفه فمثله لحقا أو يسبقاه على ما كان من مهل فمثل ما قدما من صالح سبقا وخرج شبيب بن شيبة من دار الخلافة يوماً فقيل له: كيف رأيت الناس قال: رأيت الداخل راجياً والخارج راضياً. وقيل لبعض الخلفاء: إن شبيب بن شيبة يستعمل الكلام ويستعد له فلو أمرته أن يصعد المنبر فجأة لافتضح. قال: فأمر رسولاً فأخذ بيده فصعده المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ﷺ ثم قال: ألا إن لأمير المؤمنين أشباهاً أربعة: فمنها الأسد الخادر والبحر الزاخر والقمر الباهر والربيع الناضر فأما الأسد الخادر فأشبه منه صولته ومضاءه وأما البحر الزاخر فأشبه منه جوده وعطاءه وأما القمر الباهر فأشبه منه نوره وضياءه وأما الربيع الناضر فأشبه منه حسنه وبهاءه ثم نزل. وقال عبد الملك بن مروان لرجل دخل عليه: تكلم بحاجتك قال: يا أمير المؤمنين بهر الدرجة وهيبة الخلافة يمنعاني من ذلك قال: فعلى رسلك فإنا لا نحب مدح المشاهدة ولا تزكية اللقاء قال: يا أمير المؤمنين لست أمدحك ولكن أحمد الله على النعمة فيك قال: حسبك فقد أبلغت. ودخل رجل على المنصور فقال له: تكلم بحاجتك فقال: يبقيك الله يا أمير المؤمنين قال: تكلم بحاجتك فإنك لا تقدر على هذا المقام كل حين قال: والله يا أمير المؤمنين ما أستقصر أجلك ولا أخاف بخلك ولا أغتنم مالك وإن عطاءك لشرف وإن سؤال لزين وما لامرئ بذل وجهه إليك نقص ولا شين. قال: فاحسن جائزته وأكرمه. حدث إبراهيم بن السندي قال: دخل العماني على المأمون وعليه قلنسوة طويلة وخف ساذج فقال له: إياك أن تنشدني إلا وعليك عمامة عظيمة الكور وخفان رائقان. قال: فغدا علي في زي الأعراب فأنشده ثم دنا فقبل يده وقال: قد والله يا أمير المؤمنين أنشدت يزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد ورأيت وجوههما وقبلت أيديهما وأخذت جوائزهما وأنشد مروان وقبلت يده وأخذت جائزته وأنشدت المنصور ورأيت وجهه وقبلت يده وأخذت جائزته وأنشدت المهدي ورأيت وجهه وقبلت يده وأخذت جائزته إلى كثير من أشباه الخلفاء وكبراء الأمراء والسادة الرؤساء فلا والله يا أمير المؤمنين ما رأيت فيهم أبهى منظراً ولا أحسن وجهاً ولا أنعم كفاً ولا أندى راحة منك يا أمير المؤمنين. قال: فأعظم له الجائزة على شعره وأضعف له على كلامه وأقبل عليه بوجهه وبشره فبسطه حتى تمنى جميع من حضره أنهم قاموا مقامه. حدث العتبي عن سفيان بن عينية قال: قدم على عمر بن عبد العزيز ناس من أهل العراق فنظر إلى شاب منهم يتحوش للكلام فقال: أكبروا أكبروا فقال: يا أمير المؤمنين إنه ليس بالسن ولو كان الأمر كله بالسن لكان في المسلمين من أهو أسن منك فقال عمر: صدقت رحمك الله تكلم فقال: يا أمير المؤمنين إنا لم نأتك رغبة ولا رهبة أما الرغبة فقد دخلت علينا منازلنا وقدمت علينا بلادنا وأما الرهبة فقد أمننا الله بعدلك من جورك قال: فما أنتم قال: وفد الشكر قال: فنظر محمد بن كعب القرظي إلى وجه عمر يتهلل فقال: يا أمير المؤمنين لا يغلبن جهل القوم بك معرفتك بنفسك فإن ناساً خدعهم الثناء وغرهم شكر الناس فهلكوا وأنا أعيذك بالله أن تكون منهم فألقى عمر رأسه على صدره.
التنصل والاعتذار
قال النبي ﷺ: من لم يقبل من متنصل عذراً صادقاً كان أو كاذباً لم يرد على الحوض. وقال ﷺ: المعترف بالذنب كمن لا ذنب له. وقال: الاعتراف يهدم الاقتراف. وقال الشاعر: إذا ما امرؤ من ذنبه جاء تائباً إليك فلم تغفر له فلك الذنب واعتذر رجل إلى إبراهيم بن المهدي فقال: قد عذرتك غير معتذر إن المحاذير يشوبها الكذب. واعتذر رجل إلى جعفر بن يحيى فقال: قد أغناك الله بالعذر عن الاعتذار وأغنانا بحسن النية عن سوء الظن. وقال إبراهيم الموصلي: سمعت جعفر بن يحيى يعتذر إلى رجل من تأخر حاجة ضمنها له وهو يقول: أحتج إليك بغالب القضاء وأعتذر إليك بصادق النية. وقال رجل لبعض الملوك: أنا من لا يحاجك عن نفسه ولا يغالطك في جرمه ولا يلتمس رضاك إلا من جهة عفوك ولا يستعطفك إلا بالإقرار بالذنب ولا يستميلك إلا بالاعتراف بالزلة. وقال الحسن بن وهب: ما أحسن العفو من القادر لا سيما عن غير ذي ناصر إن كان لي ذنب ولا ذنب لي فما له غيرك من غافر أعوذ بالود الذي بيننا أن يفسد الأول بالآخر وكتب الحسن بن وعب إلى محمد بن عبد الملك الزيات: أبا جعفر ما أحسن العفو كله ولا سيما عن قائل: ليس لي عذر وقال آخر: اقبل معاذير من يأتيك معتذراً إن بر عندك فيما قال أو فجرا فقد أطاعك من أرضاك ظاهره وقد أجلك من يعصيك مستترا خير الخليطين من أغضى لصاحبه ولو أراد انتصاراً من لانتصرا وقالت الحكماء: ليس من العدل سرعة العذل. وقال آخر: لعل له عذراً وأنت تلوم وقال حبيب: البر بي منك وطى العذر عندك لي فيما أتاك فلم تقبل ولم تلم وقام علمك بي فاحتج عندك لي مقام شاهد عدل غير متهم وقال آخر: إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه وكل امرئ لا يقبل العذر مذنب ومن قولنا في هذا المعنى: عذيري من طول البكا لوعة الأسى وليس لمن لا يقبل العذر من عذر وقال آخر: فهبني مسيئاً كالذي قلت ظالماً فعفواً جميلاً كي يكون لك الفضل فإن لم أكن للعفو عندك للذي أتيت به أهلاً فأنت له أهل ومن الناس من لا يرى الاعتذار ويقول: إياك وما يعتذر منه. وقالوا: ما اعتذر مذنب إلا ازداد ذنباً. إذا كان وجه العذر ليس ببين فإن أطراح العذر خير من العذر قال ابن شهاب الزهري: دخلت على عبد الملك بن مروان في رجال من أهل المدينة فرآني أحدثهم سناً فقال لي: من أنت فانتسبت له فقال: لقد كان أبوك وعمك نعاقين في فتنة ابن الأشعث فقلت: يا أمير المؤمنين إن مثلك إذا عفا لم يعدد وإذا صفح لم يثرب. فأعجبه ذلك وقال: أين نشأت قلت: بالمدينة قال: عند من طلبت قلت: سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وقبيصة بن ذؤيب قال: فأين أنت من عروة بن الزبير فإنه بحر لا تكدره الدلاء. فلما انصرفت من عنده لم أبارح عروة بن الزبير حتى مات. ودخل ابن السماك على محمد بن سليمان بن علي فرآه معرضاً عنه فقال: مالي أرى الأمير كالعاتب علي قال: ذلك لشيء بلغني عنك كرهته قال: إذاً لا أبالي قال: ولم قال: لأنه إذا كان ذنباً غفرته وإن كان باطلاً لم تقبله. ودخل جرير بن عبد الله على أبي جعفر المنصور وكان واجداً عليه فقال له: تكلم بحجتك فقال لو كان لي ذنب تكلمت بعذري ولكن عفو أمير المؤمنين أحب إلي من براءتي. وأتي موسى الهادي برجل فجعل يقرعه بذنوبه فقال: يا أمير المؤمنين إن اعتذاري مما تقرعني فإن كنت ترجو في العقوبة راحة فلا تزهدن عند المعافاة في الأجر سعي بعبد الملك بن الفارسي إلى المأمون فقال له المأمون: إن العدل من عدله أبو العباس وقد كان وصفك بما وصفك به ثم أتتني الأخبار بخلاف ذلك فقال: يا أمير المؤمنين إن الذي بلغك عني تحميل علي ولو كان كذلك لقلت: نعم كما بلغك فأخذت بحظي من الله في الصدق واتكلت على فضل أمير المؤمنين في سعة عفوه قال: صدقت. محمد بن القاسم الهاشمي أبو العيناء قال: كان أحمد بن يوسف الكاتب قد تولى صدقات النصرة فجار فيها وظلم فكثر الشاكي له والداعي عليه ووافى باب أمير المؤمنين زهاء خمسين رجلاً من جلة البصريين فعزله المأمون وجلس لهم مجلساً خاصاً وأقام أحمد بن يوسف لمناظرتهم. فكان مما حفظ من كلامه أن قال: يا أمير المؤمنين لو أن أحداً ممن ولي الصدقات سلم من الناس لسلم رسول الله ﷺ قال الله عز وجل: " ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون " فأعجب المأمون جوابه واستجزل مقاله وخلى سبيله. محمد بن القاسم الهاشمي أبو العيناء قال: قال لي أبو عبد الله أحمد بن أبي داود: دخلت على الواثق فقال لي: ما زال قوم في ثلبك ونقصك فقلت: يا أمير المؤمنين. " لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم " والله ولي جزائه وعقاب أمير المؤمنين من ورائه وما ذل من كنت ناصره ولا ضاع من كنت حافظه فماذا قلت لهم يا أمير المؤمنين قال: قلت أبا عبد الله: وسعى إلي بعيب عزة نسوة جعل الإله خدودهن نعالها قال أبو العيناء: قلت لأحمد بن أبي داود: إن قوماً تظافروا علي قال: " يد الله فوق أيديهم ". قلت: إنهم عدد وأنا واحد قال: " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة ". قلت: إن للقوم مكراً قال: " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ". قال أبو العيناء: فحدثت بها الحديث أحمد بن يوسف الكاتب فقال: ما يرى ابن أبي داود إلا أن القرآن أنزل عليه. قال: وهجا نهار بن توسعة قتيبة بن مسلم وكان ولي خراسان بعد يزيد بن المهلب فقال: كانت خراسان أرضاً إذ يزيد بها وكل باب من الخيرات مفتوح فبدلت بعده قرداً نطوف به كأنما وجهه بالخل منضوح فطلبه فهرب منه ثم دخل عليه بكتاب أمه فقال له: ويحك! بأي وجه تلقاني قال: بالوجه الذي ألقى به ربي وذنوبي إليه أكثر من ذنوبي إليك. فقر به ووصله وأحسن إليه. وأقبل المنصور يوماً راكباً والفرج بن فضالة جالس عند باب الذهب فقام الناس إليه ولم يقم فاستشاط المنصور غيظاً وغضباً ودعا به فقال: ما منعك من القيام مع الناس حين رأيتني قال: خفت أن يسألني الله تعالى لم فعلت ويسألك عنه لم رضيت وقد كرهه رسول الله ﷺ. فسكن غضبه وقر به وقضى حوائجه. يحيى بن أكثم قال: إني عند المأمون يوماً حتى أتي برجل ترعد فرائصه فلما مثل بين يديه قال له المأمون: كفرت نعمتي ولم تشكر معروفي قال له: يا أمير المؤمنين وأين يقع شكري في جنب ما أنعم الله بك علي فنظر المأمون إلي وقال متمثلاً: فلو كان يستغني عن الشكر ماجد لكثرة مال أو علو مكان لما ندب الله العباد لشكره فقال اشكروا لي أيها الثقلان ثم التفت إلى الرجل فقال له: هلا قلت كما قال أصرم بن حميد: رشحت حمدي حتى إنني رجل كلي بكل ثناء فيك مشتغل خولت شكري ما خولت من نعم فحر شكري لما خولتني خول الاستعطاف والاعتراف لما سخط المهدي على يعقوب بن داود قال له: يا يعقوب قال: لبيك يا أمير المؤمنين تلبية مكروب لموجدتك قال: ألم أرفع من قدرك إذ كنت وضيعاً وأبعد من ذكرك إذا كنت خاملاً وألبسك من نعمتي ما لم أجد بها يدين من الشكر فكيف رأيت الله أظهر عليك ورد إليك مني قال: إن كان ذلك بعلمك يا أمير المؤمنين فتصديق معترف منيب وإن كان مما استخرجته دفائن الباغين فعائذ بفضلك فقال: والله لولا الحنث في دمك بما تقدم لك لألبستك منه قميصاً لا تشد عليه زراً ثم أمر به إلى الحبس. فتولى وهو يقول: الوفاء يا أمير المؤمنين كرم والمودة رحم وأنت بها جدير. أخذت الشعراء معنى قول المهدي: لألبستك منه قميصاً لا تشد عليه زراً فقال معلي الطائي: طوقته بالحسام طوق ردى ما يستطيع عليه شد أزرار وقال حبيب: طوقته بالحسام طوق داهية أغناه عن مس طوقه بيده ومن قولنا: ولما رضي الرشيد عن يزيد بن مزيد أذن له بالدخول عليه فلما مثل بين يديه قال: الحمد الله الذي سهل لي سبيل الكرامة بلقائك ورد على النعمة بوجه الرضا منك وجزاك الله يا أمير المؤمنين في حال سخطك جزاء المحسنين المرغبين وفي حال رضاك جزاء المنعمين المتطولين: فقد جعلك الله وله الحمد تثبت تحرجاً عند الغضب وتمتن تطولاً بالنعم وتستبقي المعروف عند الصنائع تفضلاً بالعفو. ولما ظفر المأمون بإبراهيم بن المهدي - وهو الذي يقال له ابن شكلة - أمر بإدخاله عليه فلما مثل بين يديه قال: ولي الثأر محكم في القصاص والعفو للتقوى وقد جعل الله كل ذنب دون عفوك فإن صفحت فبكرمك وإن أخذت فبحقك. قال المأمون: إني شاورت أبا إسحاق والعباس في قتلك فأشارا علي به قال: أما أن يكونا قد نصحاك في عظم قدر الملك وما جرت عليه عادة السياسة فقد فعلا ولكنك أبيت أن تستجلب النصر إلا من حيث عودك الله ثم استعبر باكياً قال له المأمون: ما يبكيك قال: جذلاً إذ كان ذنبي إلى من هذه صفته ثم قال: يا أمير المؤمنين إنه وإن كان جرمي يبلغ سفك دمي فحلم أمير المؤمنين وتفضله يبلغاني عفوه ولي بعدها شفاعة الإقرار بالذنب وحرمة الأب بعد الأب قال المأمون: لو لم يكن في حق نسبك ما يبلغ الصفح عن زلتك لبلغك إليه حسن توصلك ولطيف تنصلك. وكان تصويب إبراهيم لرأي أبي إسحاق والعباس ألطف في طلب الرضا ودفع المكروه عن نفسه من تخطئتهما. وقال المأمون لإسحاق بن العباس: لا تحسبني أغفلت إجلابك مع ابن المهلب وتأييدك لرأيه وإيقادك لناره قال: يا أمير المؤمنين والله لإجرام قريش إلى رسول الله ﷺ أعظم من جرمي إليك ولرحمي أمس من أرحامهم وقد قال كما قال يوسف لإخوته: " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " وأنت يا أمير المؤمنين أحق وارث لهذه المنة وممتثل لها قال: هيهات تلك أجرام جاهلية عفا عنها الإسلام وجرمك جرم في إسلامك وفي دار خلافتك قال: يا أمير المؤمنين فوالله للسلم أحق بإقالة العثرة وغفران الزلة من الكافر هذا كتاب الله بيني وبينك يقول الله تعالى: " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم " إلى " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ". فهي للناس يا أمير المؤمنين سنة دخل فيها المسلم والكافر والشريف والمشروف قال: صدقت اجلس وريت بك زنادي فلا برح نادماً من القادرين من أهلك وأمثالك. العتبي عن أبيه قال: قبض مروان بن محمد من معاوية بن عمرو بن عتبة ماله بالفرسان وقال: إني قد وجدت قطيعة عمك لأبيك: إني أقطعتك بستاني والبستان لا يكون إلا غامراً وأنا مسلم إليك الغامر وقابض منك العامر فقال: يا أمير المؤمنين إن سلفك الصالح لو شهدوا مجلسنا هذا كانوا شهوداً على ما ادعيته وشفعاء فيما طلبته يسألونك بإحسانك إلي مكافأة إحسان سلفي إليهم فشفع فينا الأموات واحفظ منا القرابات واجعل مجلسك هذا مجلساً يلزم من بعدنا شكره قال: لا والله إلا أن أجعلها طعمة مني لك لا قطيعة من عمك لأبيك قال: قد قبلت ذلك ففعل. العتبي قال: أمر عبد الملك بن مروان بقطع أرزاق آل أبي سفيان وجوائزهم لموجودة وجدها على خالد بن يزيد بن معاوية فدخل عليه عمر بن عتبة فقال: يا أمير المؤمنين إن أدنى حقك معتب وبعضه فادح لنا ولنا من حقك علينا حق عليك بإكرام سلفنا لسلفك فانظر إلينا بالعين التي نظروا بها إليهم وضعنا بحيث وضعتنا الرحم منك قال: عبد الملك: إنما ما يستحق عطيتي من استعطاها فأما من ظن أنه يكتفي بنفسه فسنكله إلى نفسه ثم أمر له بعطيته. فبلغ ذلك خالداً فقال: أبا لحرمان يهددني! يد الله فوق يده باسطة وعطاء الله دونه مبذول فأما عمرو فقد أعطى من نفسه أكثر مما أخذ لها. العتبي قال: حدثنا طارق بن المبارك عن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة قال: جاءت دولة المسودة وأنا حديث السن كثير العيال متفرق المال فجعلت لا أنزل قبيلة من قبائل العرب إلا شعرت فيها فلما رأيت أمري لا يكتتم أتيت سليمان بن علي فاستأذنت عليه قرب المغرب فأذن لي وهو لا يعرفني فلما صرت إليه قلت: أصلحك الله لفظتني البلاد إليك ودلني فضلك عليك فإما قبلتني غانماً وإما رددتني سالماً قال: ومن أنت فانتسبت له فعرفني وقال: مرحباً اقعد فتكلم غانماً قلت: أصلحك الله إن الحرم اللاتي أنت أقرب الناس إليهن معنا وأولى الناس بهن بعدنا قد خفن بخوفنا ومن خاف خيف عليه قال: فاعتمد سليمان على يديه وسالت دموعه على خديه ثم قال: يا بن أخي يحقن الله دمك ويستر حرمك ويسلم مالك إن شاء الله ولو أمكنني ذلك في جميع قومك لفعلت. فلم أزل في جوار سليمان آمناً. وكتب سليمان إلى أبي العباس أمير المؤمنين: أما بعد يا أمير المؤمنين فإنا إنما حاربنا بني أمية على عقوقهم ولم نحاربهم على أرحامهم وقد دفت إلي منهم دافة. لم يشهروا سلاحاً ولم يكثروا جمعاً وقد أحسن الله إليك فأحسن فإن رأى أمير المؤمنين أن يكتب لهم أماناً ويأمر بإنفاذه إلي فليفعل. فكتب لهم كتاباً منشوراً وأنفذه إلى سليمان بن علي في كل من لجأ إليه من بني أمية فكان ودخل عبد الملك بن صالح يوماً على الرشيد فلم يلبث في مجلسه أن التفت الرشيد فقال متمثلاً: أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد ثم قال: أما والله لكأني أنظر إلى شؤبؤبها قد همع وعارضها قد لمع وكأني بالوعيد قد وقع فأقلع عن براجم بلا معاصم وجماجم بلا غلاصم فمهلاً مهلاً فبي والله يسهل لكم الوعر. ويصفو لكم الكدر وألقت إليكم الأمور مقاليد أزمتها فالتدارك التدارك قبل حلول داهية خبوط باليد لبوط بالرجل. قال عبد الملك: أفذاً ما تكلمت أم توأماً يا أمير المؤمنين قال: بل فذاً قال اتق الله في ذي رحمك وفي رعيتك التي استرعاك الله ولا تجعل الكفر مكان الشكر ولا العقاب موضع الثواب فقد محضت لك النصيحة وأديت لك الطاعة وشددت أواخي ملكك بأثقل من ركني يلملم وتركت عدوك سبيلاً تتعاوره الأقدام فالله الله في ذي رحمك أن تقطعه بعد أن وصلته إن الكتاب لنميمة واش وبغي باغ ينهش اللحم ويلغ في الدم فكم ليل تمام فيك كابدته ومقام ضيق فرجته وكنت كما قال الشاعر أخو بني كلاب: ومقام ضيق فرجته بلساني ومقامي وجدل لو يقوم الفيل أو فياله زل عن مثل مقامي وزجل والتفت الرشيد يوماً إلى عبد الملك بن صالح فقال: أكفراً بالنعمة وغدراً بالإمام قال: لقد بؤت إذاً بأعباء الندم وسعيت في استجلاب النقم وما ذلك يا أمير المؤمنين إلا بغي باغ نافسني فيك بقديم الولاية وحق القرابة يا أمير المؤمنين إنك خليفة الله ورسوله ﷺ في أمته وأمينه على رعيته لك عليها فرض الطاعة وأداة النصيحة ولها عليك التثبت في حادثها والعدل في حكمها. فقال له هارون: تضع لي من لسانك وترفع علي من جنانك بحيث يحفظ الله لي عليك هذا قمامة كاتبك يخبرني بفعلك فقال عبد الملك: أحقاً يا قمامة قال: نعم لقد أردت قتل أمير المؤمنين والغدر به فقال عبد الملك: كيف لا يكذب علي من خلفي من بهتني في وجهي! قال الرشيد: هذا ابنك عبد الرحمن شاهد عليك قال: يا أمير المؤمنين هو بين مأمور أو عاق فإن كان مأموراً معذور وإن كان عاقاً فما أخاف من عقوقه أكثر. وقال له الرشيد يوماً وكان معتلاً عليه: أتبقون بالرقة قال: نعم ونبرغث قال له: يا بن الفاعلة ما حملك على أن سألتك عن مسألة فرددت علي في مسألتين وأمر به إلى الحبس. فلم يزل في حبسه حتى أطلقه الأمين. إبراهيم بن السندي قال: سمعت عبد الملك بن صالح يقول بعد إخراج المخلوع له من الحبس وذكر الرشيد وفعله به فقال: والله إن الملك لشيء ما نويته ولا تمنيته ولا نصبت له ولا أردته ولو أردته لكان إلي أسرع من الماء إلى الحدور ومن النار إلى يبس العرفج وإني لمأخوذ بما لم أجن ومسؤول عما لم أعرف ولكن حين رآني للملك قميناً وللخلافة خطيراً ورأي لي يداً تنالها إذا مدت وتبلغها إذا بسطت ونفساً تكمل لخصالها وتستحقها بفعالها - وإن كنت لم أجن تلك الخصال ولم أصطنع تلك الفعال ولم أترشح لها في السر ولا أشرت إليها في الجهر - ورآها تجن حنين الوالدة الوالهة وتميل ميل الهلوك خاف أن ترغب إلى خير مرغب وتنزع إلى أخصب منزع وعاقبني عقاب من سهر في طلبها وجهد في التماسها فإن كان إنما حسبني أني أصلح لها وتصلح لي وأليق بها وتليق لي فليس ذلك بذنب جنيته فأتوب منه ولا تطاولت له فأحط نفسي عنه وإن زعم أن لا صرف لعقابه ولا نجاة من عذابه إلا أن أخرج له من حد العلم والحلم والحزم فكما لا يستطيع المضياع أن يكون مصلحاً كذلك لا يستطيع العاقل أن يكون جاهلاً وسواء علي أعاقبني على علمي وحلمي أم عاقبتني على نسبي وسني وسواء علي عاقبتني على جمالي أو عاقبتني على محبة الناس لي ولو أردتها لأعجلته عن التفكير وشغلته عن التدبير ولما كان فيها من الخطب إلا اليسير. إبراهيم بن السندي قال: كنت أساير سعيد بن سلم حين قيل له: إن أمير المؤمنين قد غضب على رجاء بن أبي الضحاك وأمر بأخذ ماله فارتاع بذلك وجزع فقيل له: ما يروعك منه فوالله ما جعل الله بينكما نسباً ولا سبباً فقال: بلى النعمة نسب بين أهلها والطاعة سبب مؤكد بين الأولياء. وبعث بعض الملوك إلى رجل وجد عليه فلما مثل بين يديه قال: أيها الأمير إن الغضب شيطان فاستعذ بالله منه وإنما خلق العفو للمذنب والتجاوز للمسيء فلا تضق عما وسع الرعية من حلمك وعفوك. فعفا عنه وأطلق سبيله. ولما اتهم قتيبة بن مسلم أبا مجلز على بعض الأمر قال: أصلح الله الأمير تثبت فإن التثبت نصف العفو. قال الحجاج لرجل دخل عليه: أنت صاحب الكلمة قال: أبوء بالذنب وأستغفر الرب وأسأل العافية قال: قد عفونا عنك. وأرسل بعض الملوك في رجل أراد عقوبته فلما مثل بين يديه قال: أسألك بالذي أنت بين يديه أذل مني بين يديك وهو على عقابك أقدر منك على عقابي إلا نظرت في أمري نظر من برئي أحب إليه من سقمي وبراءتي أحب إليه من جرمي. وقال خالد بن عبد الله لسليمان بن عبد الملك حين وجد عليه: يا أمير المؤمنين إن القدرة تذهب الحفيظة وأنت تجل عن العقوبة ونحن مقرون بالذنب فإن تعف عني فأهل ذلك أنت وإن تعاقبني فأهل ذلك أنا. وأمر معاوية بن أبي سفيان بعقوبة روح بن زنباع فقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تضع مني خسيسة أنت رفعتها أو تنقض مني مريرة أنت أبرمتها أو تشمت بي عدواً أنت وقمته إلا أتى حلمك وصفحك عن خطئي وجهلي فقال معاوية: خليا عنه إذا أراد الله أمراً يسره. وجد عبد الملك بن مروان على رجل فجفاه وأطرحه ثم دعا به ليسأله عن شيء فرآه شاحباً ناحلاً فقال له: مذ متى اعتللت فقال: ما مسني سقم ولكني جفوت نفسي إذ جفاني الأمير وآليت أن لا أرضى عنها حتى يرضى عني أمير المؤمنين. فأعاده إلى حسن رأيه. وقعد الحسن بن سهل لنعيم بن حازم فأقبل إليه حافياً حاسراً وهو يقول: ذنبي أعظم من السماء ذنبي أعظم من الأرض فقال الحسن: على رسلك أيها الرجل لا بأس عليك قد تقدمت لك طاعة وحدثت لك توبة وليس للذنب بينهما موضع ولئن وجد موضعاً فما ذنبك في الذنوب بأعظم من عفو أمير المؤمنين في العفو. أذنب رجل من بني هاشم ذنباً إلى المأمون فعاتبه فيه فقال يا أمير المؤمنين من حمل مثل دالتي ولبس ثوب حرمتي ومت بمثل قرابتي اغتفر له فوق زلتي قال: صدقت يا بن عمي واعتذر رجل إلى المأمون من ذنب فقال: إني وإن كانت زلتي قد أحاطت بحرمتي فإن فضلك محيط بها وكرمك موقوف عليها. أخذه صريع الغواني فقال: إن كان ذنبي قد أحاط بحرمتي فأحط بذنبي عفوك المأمولا دخل يزيد بن عمر بن هبيرة على أبي جعفر المنصور بعدما كتب أمانه فقال: يا أمير المؤمنين إن إمارتكم بكر ودولتكم جديدة فأذيقوا الناس حلاوتها وجنبوهم مرارتها تخف على قلوبهم طاعتكم وتسرع إلى أنفسهم محبتكم وما زلت مستبطئاً لهذه الدعوة. فلما قام قال أبو جعفر: عجباً من كل من يأمر بقتل هذا! ثم قتله بعد ذلك غدراً. الهيثم بن عدي قال: لما انهزم عبد الله بن علي من الشام قدم على المنصور وفد منهم فتكلموا عنده ثم قام الحارث فقال: يا أمير المؤمنين إنا لسنا وفد مباهاة وإنما نحن وفد توبة ابتلينا بفتنة استخفت كريمنا واستفزت حليمنا ونحن بما قدمنا معترفون ومما سلف منا معتذرون فإن تعاقبنا فقد أجرمنا وإن تعف عنه فطالما أحسنت إلى من أساء منا فقال المنصور للحرسي: هذا خطيبهم وأمر برد ضياعه عليه بالغوطة. قال أحمد بن أبي داود: ما رأينا رجلاً نزل به الموت فما شغله ذلك ولا أذهله عما كان يحب أن يفعله إلا تميم بن جميل فإنه كان تغلب على شاطئ الفرات وأوفى به الرسول باب أمير المؤمنين المعتصم في يوم الموكب حين يجلس للعامة ودخل عليه فلما مثل بين يديه دعا بالنطع والسيف فأحضرا بجعل تميم بن جميل ينظر إليهما ولا يقول شيئاً وجعل المعتصم يصعد النظر فيه ويصوبه وكان جسيماً وسيماً ورأى أن يستنطقه لينظر أين جنانه ولسانه من منظره فقال: يا تميم إن كان لك عذر فأت به أو حجة فأدل بها فقال: أما إذ قد أذن لي أمير المؤمنين فإني أقول: الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. يا أمير المؤمنين إن الذنوب تخرس الألسنة وتصدع الأفئدة ولقد عظمت الجريرة وكبر الذنب وساء الظن ولم يبق إلا عفوك أو انتقامك وأرجو أن يكون أقربهما منك وأسرعهما إليك أولاهما بإمامتك وأشبههما بخلافتك ثم أنشأ يقول: أرى الموت بين السيف والنطع كامناً يلاحظني من حيثما أتلفت وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي وأي امرئ مما قضى الله يفلت ومن ذا الذي يدلى بعذر وحجة وسيف المنايا بين عينيه مصلت يعز على الأوس بن تغلب موقف يسل علي السيف فيه وأسكت ولكن خلفي صبية قد تركتهم وأكبادهم من حسرة تتفتت كأني أراهم حين أنعى إليهم وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا فإن عشت عاشوا خافضين بغبطة أذود الردى عنهم وإن مت موتوا فكم من قائل: لا يبعد الله روحه وآخر جذلان يسر ويشمت قال: فتبسم المعتصم وقال: كاد والله يا تميم أن يسبق السيف العذل اذهب فقد غفرت لك الصبوة وتركتك للصبية. وحكي أن أمير المؤمنين المهدي قال لأبي عبيد الله لما قتل ابنه: إنه لو كان في صالح خدمتك وما تعرفناه من طاعتك وفاء يجب به الصفح عن ولدك ما تجاوز أمير المؤمنين ذلك به إلى غيره ولكنه نكص على عقبيه وكفر بربه قال أبو عبيد الله: رضانا عن أنفسنا وسخطنا عليها موصول برضاك وسخطك ونحن خدم نعمتك تثيبنا على الإحسان فنشكر وتعاقبنا على الإساءة فنصبر. أبو الحسن المدائني قال: لما حج المنصور مر بالمدينة فقال للربيع الحاجب: علي بن جعفر بن محمد قتلني الله إن لم أقتله فمطل به ثم ألح عليه فحضر فلما كشف الستر بينه وبينه ومثل بين يديه همس جعفر بشفتيه ثم تقرب وسلم فقال: لا سلم الله عليك يا عدو الله تعمل علي الغوائل في ملكي قتلني الله إن لم أقتلك قال: يا أمير المؤمنين إن سليمان صلى الله على محمد وعليه أعطى فشكر وإن أيوب ابتلى فصبر وإن يوسف ظلم فغفر وأنت على إرث منهم وأحق من تأسى بهم. فنكس أبو جعفر رأسه ملياً وجعفر واقف ثم رفع رأسه فقال: إلي أبا عبد الله فأنت القريب القرابة وذو الرحم الواشجة السليم الناحية القليل الغائلة ثم صافحه بيمينه وعانقه بشماله وأجلسه معه على فراشه وانحرف له عن بعضه وأقبل عليه بوجهه يحادثه ويسائله ثم قال: يا ربيع عجل لأبي عبد الله كسوته وجائزته وإذنه. قال الربيع: فلما حال الستر بيني وبينه أمسكت بثوبه فقال: ما أرانا يا ربيع إلا وقد حبسنا فقلت: لا عليك هذه مني لا منه فقال: هذه أيسر سل حاجتك فقلت له: إني منذ ثلاث أدفع عنك وأداري عليك ورأيتك إذ دخلت همست بشفتيك ثم رأيت الأمر انجلى عنك وأنا خادم سلطان ولا غنى لي عنه فأحب منك أن تعلمينه قال: نعم قلت: اللهم احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بحفظك الذي لا يرام ولا أهلك وأنت رجائي فكم من نعمة أنعمتها علي قل لك عندها شكري فلم تحرمني وكم من بلية ابتليت بها قل عندها صبري فلم تخذلن اللهم بك أدرأ في نحره وأستعيذ بخيرك من شره فإنك على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. كان يزيد بن راشد خطيباً وكان فيمن دعا إلى خلع سليمان بن عبد الملك والبيعة لعبد العزيز بن الوليد فنذر سليمان قطع لسانه. فلما أفضت الخلافة إليه دخل عليه يزيد بن راشد فجلس على طرف البساط مفكراً ثم قال: يا أمير المؤمنين كن كنبي الله ﷺ ابتلي فصبر وأعطي فشكر وقدر فغفر قال: ومن أنت قال: يزيد بن راشد. فعفا عنه. حبس الرشيد رجلاً فلما طال حبسه كتب إليه: إن كل يوم يمضي من نعيمك يمضي من بؤسي مثله والأمد قريب والحكم لله. فأطلقه. ومر أسد بن عبد الله القسري وهو والي خراسان بدار من دور الاستخراج ودهقان يعذب في حبسه وحول أسد مساكين يستجدونه فأمر لهم بدراهم تقسم فيهم فقال الدهقان: يا أسد إن كنت تعطى من يرحم فارحم من يظلم فإن السموات تنفرج لدعوة المظلوم يا أسد احذر من ليس له ناصر إلا الله واتق من لا جنة له إلا الابتهال إليه إن الظلم مصرعه وخيم ولا تغتر بإبطاء الغيثات من ناصر متى شاء أن يجيب أجاب وقد أملى لقوم ليزدادوا إثماً. فأمر أسد بالكف عنه. عتب المأمون على رجل من خاصته فقال: يا أمير المؤمنين إن قديم الحرمة وحديث التوبة يمحوان ما بينهما من الإساءة فقال: صدقت ورضي عنه. وكان ملك من ملوك فارس عظيم المملكة شديد النقمة وكان له صاحب مطبخ فلما قرب إليه طعامه صاحب المطبخ سقطت نقطة من الطعام على يديه فزوى لها الملك وجهه وعلم صاحب المطبخ أنه قاتله فكفأ الصحفة على يديه فقال الملك: علي به فلما أتاه قال له: قد علمت أن سقوط النقطة أخطأت بها يدك فما عذرك في الثانية قال: استحييت للملك أن يقتل مثلي في سني وقديم حرمتي في نقطة فأردت أن أعظم ذنبي ليحسن به قتلي فقال له الملك: لئن كان لطف الاعتذار ينجيك من القتل ما هو بمنجيك من العقوبة اجلدوه مائة جلدة وخلوه. الشيباني قال: دخل محمد بن عبد الملك بن صالح على المأمون حين قبض ضياعهم فقال: يا أمير المؤمنين محمد بن عبد الملك بين يديك ربيب دولتك وسليل نعمتك وغصن من أغصان دوحتك أتأذن لي في الكلام قال: نعم قال: نستمتع الله حياطة ديننا ودنيانا ورعاية أدنانا وأقصانا ببقائك ونسأله أن يزيد في عمرك من أعمارنا وفي أثرك من آثارنا ويقيك الأذى بأسماعنا وأبصارنا هذا مقام العائد بفضلك الهارب إلى كنفك وظلك الفقير إلى رحمتك وعدلك ثم تكلم في حاجته فقضاها. أذقني طعم النوم أو سل حقيقة علي فإن قامت ففصل بنانيا خلعت فاستطار فأصبحت ترامى به البيد القفار تراميا ولم يقل أحد في هذا المعنى أحسن من قول النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر: أتاني أبيت اللعن أنك لمتني وتلك التي تستك منها المسامع فبت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع أكلفتني ذنب امرئ وتركته كذي العر يكوى غيره وهو راتع فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع وقال فيه أيضاً: ولست بمستبق أخاً لا تلمه على شعث أي الرجال المهذب فإن أك مظلوماً فعبد ظلمته وإن تك ذا عتب فمثلك يعتب حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء الله للمرء مذهب لئن كنت قد بلغت عني جناية لمبلغك الواشي أغش وأكذب ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب فهبني امرأ إما بريئاً علمته وإما مسيئاً تاب منه وأعتبا وكنت كذي داء يبغي لدائه طبيباً فلما لم يجده تطببا وقال الممزق لعمرو بن هند: تروح وتغدو ما يحل وضينها إليك ابن ماء المزن وابن محرق أحقاً أبيت اللعن أن ابن مزننا على غير إجرام بريقي مشرقي فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل وإلا فادركني ولما أمزق فأنت عميد الناس مهما تقل نقل ومهما تضع من باطل لا يحقق وتمثل بهذه الأبيات عثمان بن عفان في كتابه إلى علي بن أبي طالب يوم الدار. وكتب محمد بن عبد الملك الزيات لما أحس بالموت وهو في حبس المتوكل برقعة إلى المتوكل فيها: هي السبيل فمن يوم إلى يوم كأنه ما تريك العين في النوم لا تعجلن رويداً إنما دول دنيا تنقل من قوم إلى قوم إن المنايا وإن أصبحت ذا فرح تحوم حولك حوماً أيما حوم وقال عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة للمنصور وقد أراد عقوبة رجل: يا أمير المؤمنين إن الانتقام عدل والتجاوز فضل والمتفضل قد جاوز حد المنصف ونحن نعيذ أمير المؤمنين أن يرضى لنفسه أوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين. جرى بين أبي مسلم صاحب الدعوة وبين قائد من قواده يقال له شهرام كلام فقال له قائده كلمة فيها بعض الغلظ ثم ندم على ما كان منه فجعل يتضرع ويتنصل إليه فقال له أبو مسلم: لا عليك لسان سبق ووهم أخطأ وإنما الغضب شيطان وأنا جرأتك علي بطول احتمالي منك فإن كنت للذنب متعمداً فقد شاركتك فيه وإن كنت مغلوباً فإن العذر يسعك وقد عفونا على كل حال. فقال: أصلح الله الأمير إن عفو مثلك لا يكون غروراً قال: أجل قال: فإن عظم الذنب لا يدع قلبي يسكن وألح في الاعتذار فقال له أبو مسلم: عجباً لك إنك أسأت فأحسنت فلما أحسنت أأسيء! دخل أبو دلف على المأمون وقد كان عتب عليه ثم أقاله فقال له وقد خلا مجلسه: قل أبا دلف وما عسيت أن تقول وقد رضي عنك أمير المؤمنين وغفر لك ما فعلت فقال يا أمير المؤمنين: ليالي تدنو منك بالبشر مجلسي ووجهك من ماء البشاشة يقطر قال المأمون: لك بها رجوعك إلى المناصحة وإقبالك على الطاعة ثم عاد له إلى ما كان عليه. وقال له المأمون يوماً: أنت الذي تقول: إني امرؤ كسروي الفعال أصيف الجبال وأشتوا العرافا ما أراك قدمت لحق طاعة ولا قضيت واجب حرمة قال له: يا أمير المؤمنين إنما هي نعمتك ونحن فيها خدمك وما هراقة دمي في طاعتك إلا بعض ما يجب لك. ودخل أبو دلف على المأمون فقال: أنت الذي يقول فيك ابن جبلة: إنما الدنيا أبو دلف بين باديه ومحتضره فإذا ولى أبو دلف ولت الدنيا على أثره فقال: يا أمير المؤمنين شهادة زور وكذب شاعر وملق مستجد وليكن الذي يقول فيه ابن أخيه: ذريني أجوب الأرض في طلب الغنى فما الكرج بالدنيا ولا الناس قاسم الكرج: منزل أبي دلف وكان اسمه القاسم بن عيسى. وقال المنصور وجعل لمعن بن زائدة: ما أظن ما قيل عنك من ظلمك أهل اليمن واعتسافك عليهم إلا حقاً قال: كيف ذلك يا أمير المؤمنين قال: بلغني عنك أنك أعطيت شاعراً لبيت قاله ألف دينار وأنشده البيت وهو: معن بن زائدة الذي زيدت به فخراً إلى فخر بنو شيبان قال: نعم يا أمير المؤمنين قد أعطيته ألف دينار ليس على هذا البيت ولكن على قوله: ما زلت يوم الهاشمية معلماً بالسيف دون خليفة الرحمن فمنعت حوزته وكنت وقاءه من وقع كل مهند وسنان قال: فاستحيا المنصور وجعل ينكت بالمخصرة ثم رفع رأسه وقال: اجلس أبا الوليد. أتي عبد الملك بن مروان بأعرابي سرق فأمر بقطع يده فأنشأ يقول: يدي يا أمير المؤمنين أعيذها بعفوك أن تلقى مكاناً يشينها ولا خير في الدنيا وكانت حبيبة إذا ما شمالي فارقتها يمينها فأبى إلا قطعه فقالت أمه: يا أمير المؤمنين واحدي وكاسبي قال: بئس الكاسب كان لك وهذا حد من حدود الله قالت: يا أمير المؤمنين اجعله من بعض ذنوبك التي تستغفر الله منها فعفا عنه.