إن بقيت فى هذه الدار الحائلة، و هدانى العقل و الحكمة، و أنهيت هذا كتاب الماضين، و تركت لى ذكرا فى الآخرين، باسم محمود ملك العالم الكبير، أبى القاسم فخر التاج و السرير... أخذ الضعف بعينى و أذنى، و أنحى الفقر و الكبر علىّ . و كذلك قيدنى الحظ الجائر، و يلى من السنين الكرة و الجدّ العاثر. أرتل الحمد ليل نهار، لملك الأرض العادل المختار، و أرى الناس معى حامدين، إلا لئيم النجار سيئ الدين. فهو منذ استوى على العرش الأغر، و أغلق باب العداء و غل يد الشر... أسجل له ذكرا على الزمان، و لا يزول ما بقى إنسان. بهذا كتاب الملوك السالفين، و سجل الأكابر و الأبطال الغابرين. و انى بمرتقب بتخليد ذكراه، أن أنال الدينار من عطاياه. حتى يبقى لى بعد الموت أثر، من كنز ملك الملوك الأكبر».

بداية القصة عدل

قال صاحب الكتاب: كان عند أحمد بن سهل بن ماهان بمرو رجل كبير طاعن فى السن يسمى سروا. و كان ينتسب الى سام بن نَيرم . و كان حُفَظة لأحوال آبائه و أخبار أسلافه

ذهاب رستم إلى كابل من أجل أخيه شغاد عدل

فحكى أنه كان لزال بن سام جارية مغنية فحبلت منه فولدت ابنا بهىّ المنظر مهيب الرواء كأنه سام بن نيرم. فسر به أبوه و اعتده لظهره قوّة و من تصاريف دهره جنة. فاستحضر الموابذة و العلماء و المنجمين فحضروا بكتبهم و زيجاتهم فنظروا فى طالع المولود فوفقوا على سر الفلك فى طالعه و ما كتب من هلاك أخيه على يده. فجعل بعضهم ينظر الى بعض.

ثم قالوا الزال: أيها البهلوان الجليل! لا تنظر الى هذا المولود بعين المحبة فإنه اذا بلغ الرجال أهلك نسل سام بن نيرم، و بدّد شمل هذه العشيرة، و ملأ أرض سجستان شرا و فتنة، و نغص على كل أحد عيشه. و لا تطول مع ذلك مدّته . و تدركه على القرب شقوته. فعظم ذلك على زال و تنفس الصعداء. و التجأ الى اللّه تعالى و فوّض أمره اليه، و اعتصم بحسن الظن فيه، و سماه شغاذ.

و كان يربيه حتى شب فنفذه الى ملك كابل فترعرع عنده و صار كالنخل الباسق و الليث الباسل. فتفرّس فيه ملك كابل استعداده للتقدّم لما رأى فيه من الأبهة و الجلالة فزوجه ابنته اعتضادا بمكانه و استظهارا به. و كان رستم يأخذ كل سنة من أهل كابل ملء مسك ثور ذهبا. و كان ظن صاحب كابل أنه اذا صاهر شغاذ ترك رستم ذلك الرسم.

فلما كان وقت أداء الخراج طالبه رستم على الرستم المعلوم، و أحجف بأهل كابل حتى أدّوا الإتاوة المعهودة. فعظم ذلك على شغاذ فأسرّه فى نفسه، و خلا بصهره و قال: اذا كان هذا الأخ لا يحترمنى و لا يستحيى من فليس علىّ مراعاته، و هو و أجنبى آخر سيان عندى. و الرأى أن نحتال عليه و نمكر به حتى نتمكن منه. فأخذا يتفكران فى وجوه الحيل و أسباب المكر، و نسيا قول القائل: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها، و إن من ير يوما ير به. و قعدا ليلة يفكران فى ذلك من أوّلها الى أن بزغت الشمس.

فقال له شغاذ: الرأى أن عمل دعوة عظيمة يحضر فيها جميع أكابر كابل، و تجلس للشراب بين المعازف و المزاهر، ثم تشتمنى على رءوس الأشهاد، و تأمر بإخراجى ذليلا مهانا حتى أجعل ذلك سبيلا الى الخروج الى زابل و أشكوك الى رستم، و أذكرك عنده بفساد السريرة و دخل الطوية، و أحمله على قصدك و انتزاع المملكة من يدك. و أما أنت فاعمد الى متصيد فى طريقه، و احفر فيه جبابا على قدر رستم و رخشه، و اغرز فى عقر تلك الجباب نصولا محدّدة و حرابا مؤللة ثم غط رءوسها. و إياك أن يطلع على بعض هذا السر أحد. فتوافقا على هذا الرأى. ثم إن ملك كابل جلس يوما للشراب و استحضر جميع أمرائه و أكابر مملكته، و حضر شغاذ. فلما دارت الكؤوس، و طابت النفوس أخذ شغاذ يفتخر بأبيه و يتبجح بأخيه. فصاح به الملك و قال: أقصر عن هذا الكلام فلست من شجرة دستان بن سام.

و إن رستم ليستنكف من أخوّتك ، و كذلك دستان يأنف بنوّتك . و أطال النفس فى هذا النوع من الأذى. فاغتاظ شغاذ و خرج من المجلس متوجها الى زابل. فلما اجتمع بأخيه سايله و قال: كيف حالك مع الكابلى؟ فقال: إنه كان قبل هذا يراعى جانبى و يحترمنى. و الآن فقد تغير عما كان عليه حتى جفانى على رءوس الملأ، و فعل و صنع».

حفر ملك كابل آبارا في المتصيد و سقوط رستم و زواره فيها عدل

و أغرى رستم به و حمله على قصده. فسار فى جيش نحو كابل. فلما قرب منها أرسل شغاذ الى صهره يأمره باستقبال رستم و اتصل اليه عما قرف به. فتلقى رستم و لما دنا رمى من رأسه شارة هندية كانت عليه، و نزع خفيه، و هوى بوجهه الى الأرض بين يديه، و سعى فى ركابه حافيا حاسرا، و جعل يستقيله العثرة التى صدرت منه فى حالة السكر. فعفا عنه رستم. ثم نزل فى بعض نواحى كابل عند ماء و حضرة و أرض طيبة. فقدّم اليه ملك كابل أنواع الأطعمة، و أحضره الشراب و المغانى. ثم قال لرستم: إن لنا هاهنا متصيدا مملوءا يعافير و غزلانا. فإن نشطت مهضنا اليه. فوقع ذلك من رستم موقع الارتضاء، و حبب ذلك اليه محتوم القضاء.

فتهلل وجهه و ارتاج للصيد فأمر بإسراج الرخش. و شدّ عليه عدّته و ركب و معه أخواه زواره و شغاذ و جماعة من الخواص. فساروا حتى وصلوا الى ذلك المرج الذى حفر فيه الحفائر. فجعل الرخش يشم التراب و يرتاع، و ينزوى بعضه الى بعض و يثب، و يبحث الأرض بحوافره. فضجر منه رستم و ضربه بالسوط ضربة وثب منها فوقع به فى حفيرة من تلك الحفائر فتمزّق بطنه و خاصرته بما فيها من الحراب و النصول. و أصابت رستم أيضا فأسرعت فى صدره و سائر جسده. و وقع زواره فى حفيرة أخرى. فاجتهد رستم و تحامل حتى خرج من تلك الحفيرة و رمى بنفسه على شفيرهما ممزق الصدر مثخنا بالجراحات.

رستم يقتل شغاد و يموت عدل

فنظر فى وجه أخيه شغاذ فعلم أن ذلك من فعله و خبثه. فقال له: أيها الخبيث! ستندم على ما جررته على نفسك، فقال: إن تصاريف الزمان قد انتقمت منك لكثيرة ما كنت تدل به من قتل الناس و سفك الدماء. و قد انتهى الآن و أمرك و تصرم شرك. ثم تصدّى له ملك كابل فقال له على وجه الاستهزاء: أيها البهلوان! ما هذا الذى أصابك فى هذا المتصيد؟ أما نجمع لك الأطباء ليعالجوك فعلك تبرأ و تصح. فقال له رستم: أيها الخبيث المحتال! أما أنا فقد انتهى زمانى أسوة من مضى من الملوك السالفة مثل جمشيذ الى سياوَخش . و أنت فلا تبقى بعدى إلا قليلا، و سترد من غدرك موردا وبيلا. ثم قال لأخيه شغاذ: بعد أن أفضيت الى هذه الحالة، و صرت بهذه الصفة فأحضرنى قوسى مع نشابتين لأذود بها السباع عن نفسى إلى أن تخرج روحى. فتناول شغاذ قوسه و وترها، و مدّها مدة ثم حطها بين يديه مع نشابتين. فتناولها رستم ففزع منه شغاذ فتترّس بشجرة دُلت كانت هناك مجوّفة قد أتت عليهاالسنون. فرمى رستم الشجرة بإحدى النشابتين فنفذت فيها و خصلت الى شغاذ و خاطته مع الشجرة فتأوه آهة خرجت معما روحه. ففرح رستم و حمد اللّه على ما يسر له من إدراك ثأره بيده و قبل موته.

ثم خرجت فى الحال روحه. و مات زواره أيضا فى الحفيرة التى وقع فيها.

سماع زال بموت رستم و زواره و إحضار فرامرز تابوت أبيه و وضعه في القبر و لم يسلم ممن كان هناك من الزابليين غير فارس ركض الى زابل و أخبر دستان بما أصاب ولده رستم. فقامت القيامة عليه و على جميع عشيرته، و شملهم الصياح و العويل. فنفذ فرامرز بن رستم فى عسكر كثيف لنقل رستم من مصرعه الى زابل. فلما وصلوا الى ذاك الشجر الخسروانى حلوا عنه المنطقة الكيانية فخيطوا جراحاته و غسلوه، و وضعوه فى تابوت من الساج. و استخرجوا زواره من مصرعه أيضا، و حنطوه و كفنوه.

ثم استخرجوا الرخش و خيطوا جراحاته و كفنوه فى الديباج، و عملوا له تابوتا و وضعوه فيه، و حملوه على فيل عظيم. و توجهوا بالجميع نحو زابل و الخلائق تضيج، و الأرض ترتج لوقع ذلك الرزء العظيم و الخطب الهائل الجسيم. فعملوا له فى بستانه ناووسا عظيما، و وضعوا تابوته فيه على تخت من الذهب، و سدّوا بابل الناووس. و دفنوا الرخش أيضا. و أقيمت المآتم عليه فى زابل حتى لا تكاد تسمع فى أقطارها غير عويل النوادب و نجيب النوائح.

فرامرز يقود جيشا للثأر لأبيه رستم و قتله ملك كابل عدل

ثم إن فرامَرز فتح باب بعض كنوز أبيه، و أعطى العسكر و أرضاهم، و توجه لهم الطلب بثأر أبيه رستم. فتلقاه ملك كابل و قامت الحرب بينهم على ساق. و لما وقعت عين فرامرز عليه فى القلب حمل عليه فى أصحابه الزابليين الموتورين فأخذه أسيرا و عاد له الى معسكره. و وضع السيف فى أصحابه حتى أتى على أكثرهم جرحا و قتلا. و قبض على أربعين نفسا من أقارب ملك كابل. ثم جاء به الى ذلك المتصيد و سلخ من جلدة ظهره مثل وتر فعلقه به منكسا فى بعض تلك الحفائر. و أحرق أقاربه هناك. و عمد الى الشجرة التى تستر بها شغاذ فوضع فيها النهار فأحرقها و احترقت جثة شغاذ معها أيضا. ثم وضع السيف فى أهل كابل حتى لم يبق منهم أحد. ثم انصرف و عاد الى مملكته و جلس فى عزاء أبيه.

روذابه تتوله حزنا على رستم و غشيانها لهول المصيبة

و تمادى المأتم على أهل سجستان الى تمام سنة كاملة. و لم يزالوا فيها من ثياب الحداد و ملابس السواد. و عظم الرزء على روذابه أم رستم حتى نذرت ألا تقرب الطعام و الشراب حتى تلحق به. فأمسكت عن المطعم و المشرب أسبوعا فأظلمت عينها و ضعفت، و زال عقلها.

ثم إنها وثبت و دخلت المطبخ فوجدت حية ميتة فى ماء هناك فمدّت اليها يدها لتأكلها فحال بعض جواريها بينها و بين ذلك. فحملوها الى إيوانها و أحضروها الطعام فطعمت. و أقلعت عما عزمت عليه، و سلمت و رضيت بقضاء اللّه . و فرّقت ما كان لها من الخبايا و الدفائن على الفقراء و المساكين. و بقيت تدعو اللّه تعالى لرستم و تسأله أن يجعل الجنة مأوراه و دار الخلد مثواه.


فهرست قصص الشاهنامة
فاتحة الكتابكيومرثهوشنغطهمورثجمشيدضحاكأفريدونمنوشهرزال • سفيدج • نوذرزو بن طهماسبغرشاسبكيقبادهفتخوان رستموقعة هاماورانوقعة بروازسهرابسياوش • كيخسرو • طواف الممالك • عهد بحيرة هسروه • وقعة فرود بن سياوشكاموس الكشاني • بولاطوند • أخوان ديوبيجن • يازدهرخ • كهار الكهانی • جوذرر و بيران • الإصبهبذين • فرشيذ و لهاك • إنهزام أفراسياب • يأس كيخسروي • قسمة الممالك على الأكابر • لهراسب • زرادشت • كشتسب • زرير • هفتخوان اسفنديار • رستم و اسفنديار • شغادبهمن بن اسفنديار • هماي جهرزاد • داراب • دارا بن داراب • اسكندر • مدينة البراهمة • مبدأ أمر أردشير • اشكانيون • هفتواد • جلوس أردشير على العرش • سابور بن اردشير • هرمزد • بهرام • بهرام بهراميان • نرسي بن بهرام • هرمز بن نرسي • سابور ذوالأكتاف • بهرام بن سابور • أردشير المحسن • سابور الثالث • يزدجرد بن سابوربهرام جور • يزدجرد بن بهرام جور • هرمز بن يزدجرد • فيروز • بلاش • قباذ • خروج مزدك • نوشزاد بن أنوشيروان • المرأة النصرانية • حرب رام برزين • رؤيا أنوشروان • بزرجمهر الحکيم • مأدبة أنوشيروان • مهبود وزير • سورستان • كو و طلخند • الراي ملك الهند • برزويه الطبيب • قتال الروم • هرمزد بن كسري • بهرام جوبين • كسري برويز • شيرين و خسرو • شيرين و فرهاد • طاق الديس • إيوان المدائن • شيرويه • أردشير بن شيرويه • فرائين • بوراندخت • ازرمدخت • فرخزاد • يزدجرد الثالث
  اقرأ عن شغاد في ويكيبيديا، الموسوعة الحرة