كتاب الأم/كتاب الحدود/باب المرتد الكبير
[أخبرنا الربيع بن سليمان] قال [أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي] قال: قال الله تبارك وتعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} وقال عز وجل: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} إلى قوله: {فخلوا سبيلهم} وقال الله تبارك اسمه: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم} الآية. وقال تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} أخبرنا الثقة عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان بن عفان أن رسول الله ﷺ قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس).
[قال الشافعي]: فلم يجز في قول النبي ﷺ: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) إحداهن الكفر بعد الإيمان إلا أن تكون كلمة الكفر تحل الدم كما يحله الزنا بعد الإحصان أو تكون كلمة الكفر تحل الدم إلا أن يتوب صاحبه فدل كتاب الله عز وجل ثم سنة رسول الله ﷺ أن معنى قول رسول الله ﷺ: (كفر بعد إيمان) إذا لم يتب من الكفر وقد وضعت هذه الدلائل مواضعها وحكم الله عز وجل في قتل من لم يسلم من المشركين وما أباح جل ثناؤه من أموالهم ثم حكم رسول الله ﷺ في القتل بالكفر بعد الإيمان يشبه - والله تعالى أعلم - أن يكون إذا حقن الدم بالإيمان ثم أباحه بالخروج منه أن يكون حكمه حكم الذي لم يزل كافرا محاربا وأكبر منه؛ لأنه قد خرج من الذي حقن به دمه ورجع إلى الذي أبيح الدم فيه والمال والمرتد به أكبر حكما من الذي لم يزل مشركا؛ لأن الله عز وجل أحبط بالشرك بعد الإيمان كل عمل صالح قدم قبل شركه وأن الله - جل ثناؤه - كفر عمن لم يزل مشركا ما كان قبله وأن رسول الله ﷺ أبان أن من لم يزل مشركا ثم أسلم كفر عنه ما كان قبل الشرك: (وقال لرجل كان يقدم خيرا في الشرك أسلمت على ما سبق لك من خير) وأن من سنة رسول الله ﷺ فيمن ظفر به من رجال المشركين أنه قتل بعضهم، ومن على بعضهم وفادى ببعض وأخذ الفدية من بعض فلم يختلف المسلمون أنه لا يحل أن يفادى بمرتد بعد إيمانه ولا يمن عليه ولا تؤخذ منه فدية ولا يترك بحال حتى يسلم أو يقتل. والله أعلم.