كتاب الأم/كتاب الصلاة/باب سجود السهو وليس في التراجم وفيه نصوص
فمنها في باب القيام من الجلوس نص على أنه لا يسجد للسهو بترك الهيئات فقال لما ذكر أن السنة لمن قام من جلوسه أن يعتمد على الأرض بيديه وأي قيام قامه سوى هذا كرهته له ولا إعادة فيه عليه ولا سجود سهو؛ لأن هذا كله هيئة في الصلاة وهكذا نقول في كل هيئة في الصلاة نأمر بها وننهى عن خلافها ولا نوجب سجود سهو ولا إعادة بما نهينا عنه منها، وذلك مثل الجلوس والخشوع والإقبال على الصلاة والوقار فيها ولا نأمر من ترك من هذا شيئا بإعادة ولا سجود سهو وكرر ذلك في أبواب الصلاة كثيرا مما سبق.
ومنها نصه في باب التشهد والصلاة على النبي ﷺ فقال من ترك التشهد الأول والصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأول ساهيا فلا إعادة عليه وعليه سجدتا السهو لتركه.
[قال الشافعي]: وإنما فرقت بين التشهدين أن النبي ﷺ قام في الثانية فلم يجلس فسجد للسهو ولم يختلف أحد علمته أن التشهد الآخر الذي يخرج به من الصلاة مخالف للتشهد الأول في أن ليس لأحد قيام منه إلا بالجلوس.
ومنها نصه في آخر الترجمة المذكورة الدال على أن من ارتكب منهيا عنه يبطل عمده الصلاة فإنه يسجد إذا فعله سهوا ولم تبطل الصلاة بسهوه فقال: ولو أدرك الصلاة مع الإمام فسها عن التشهد الآخر حتى سلم الإمام لم يسلم وتشهد هو فإن سلم مع الإمام ساهيا وخرج وبعد مخرجه أعاد الصلاة وإن قرب دخل فكبر، ثم جلس وتشهد وسجد للسهو وسلم.
ومنها ما ذكره في القيام من اثنتين وهو مذكور قبل هذه الترجمة بأربع تراجم فنقلناه إلى هنا وفيه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن عبد الله بن بحينة أنه قال: (إن رسول الله ﷺ قام من اثنتين من الظهر لم يجلس فيهما فلما قضى صلاته سجد سجدتين، ثم سلم بعد ذلك).
[قال الشافعي]: فبهذا قلنا إذا ترك المصلي التشهد الأول لم يكن عليه إعادة، وكذا إذا أراد الرجل القيام من اثنتين، ثم ذكر جالسا أتم على جلوسه ولا سجود للسهو عليه وإن ذكر بعدما نهض عاد فجلس ما بينه وبين أن يستتم قائما وعليه سجود السهو فإن قام من الجلوس الآخر. عاد فجلس للتشهد وسجد سجدتين للسهو وكذلك لو قام فانصرف فإن كان انصرف انصرافا قريبا قدر ما لو كان سها عن شيء من الصلاة أتمه وسجد رجع فتشهد التشهد وسجد للسهو وإن كان أبعد استأنف الصلاة، أو جلس فنسي ولم يتشهد سجد للسهو ولو جلس في الآخرة ولم يتشهد حتى يسلم وينصرف ويبعد أعاد الصلاة؛ لأن الجلوس إنما هو للتشهد ولا يصنع الجلوس إذا لم يكن معه التشهد شيئا كما لو قام قدر القراءة ولم يقرأ لم يجزه القيام ولو تشهد التشهد الآخر وهو قائم، أو راكع، أو متقاصر غير جالس لم يجزه كما لو قرأ وهو جالس لم يجزه إذا كان ممن يطيق القيام وكل ما قلت لا يجزئ في التشهد فكذلك لا يجزئ في الصلاة على النبي ﷺ ولا يجزئ التشهد من الصلاة على النبي ﷺ ولا الصلاة على النبي ﷺ من التشهد حتى يأتي بهما جميعا.
ومن النصوص المتعلقة بسجود السهو ما سبق في باب كيف القيام من الركوع وهو قول الشافعي رحمه الله وإن ذهبت العلة عنه بعدما يصير ساجدا لم يكن عليه ولا له أن يقوم إلا لما يستقبل من الركوع فإن فعل فعليه سجود السهو؛ لأنه زاد في الصلاة ما ليس عليه وإذا اعتدل قائما لم أحب له يتلبث حتى يقول ما أحببت له القول، ثم يهوي ساجدا، أو يأخذ في التكبير فيهوي وهو فيه وبعد أن يصل الأرض ساجدا مع انقضاء التكبير وإن أخر التكبير عن ذلك، أو كبر معتدلا، أو ترك التكبير كرهت ذلك له ولا إعادة ولا سجود للسهو عليه ولو أطال القيام بذكر الله عز وجل يدعو، أو ساهيا وهو لا ينوي به القنوت كرهت ذلك له ولا إعادة ولا سجود للسهو؛ لأن القراءة من عمل الصلاة في غير هذا الموضع، وهذا موضع ذكر غير قراءة فإن زاد فيه فلا توجب عليه سهوا وكذلك لو أطال القيام ينوي به القنوت كان عليه سجود السهو؛ لأن القنوت عمل معدود من عمل الصلاة فإذا عمله في غير موضعه، أوجب عليه السهو.
وفي مختصر المزني نصوص في سجود السهو لم نرها في الأم قال المزني.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ومن شك في صلاته فلم يدر أثلاثا أم أربعا فعليه أن يبني على ما استيقن وكذلك قال رسول الله ﷺ فإذا فرغ من صلاته بعد التشهد سجد سجدتين للسهو قبل السلام، واحتج في ذلك بحديث أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ، وبحديث ابن بحينة أنه سجد قبل السلام في جمع الجوامع.
[قال الشافعي]: سجود السهو كله عندنا في الزيادة والنقصان قبل السلام وهو الناسخ والآخر من الأمرين ولعل مالكا لم يعلم الناسخ والمنسوخ من هذا وقاله في القديم فمن سجد قبل السلام أجزأه التشهد الأول ولو سجد للسهو بعد السلام تشهد، ثم سلم هذا نقل جمع الجوامع، ثم ذكر رواية البويطي ونحن نذكرها مع غيرها في مختصر البويطي وكل سهو في الصلاة نقصا كان، أو زيادة سهوا واحدا كان أم اثنين أم ثلاثة فسجدتا السهو تجزئ من ذلك كله قبل السلام وفيهما تشهد وسلام وقد روي (عن رسول الله ﷺ أنه قام من اثنتين فسجد قبل السلام) وهذا نقصان وقد روي عن رسول الله ﷺ: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى فليبن على ما استيقن وليسجد سجدتين قبل السلام) وهذا زيادة وقال في ترجمة بعد ذلك (ومن لم يدر كم صلى واحدة، أو اثنتين، أو ثلاثا، أو أربعا فليبن على يقينه، ثم يسجد سجدتين قبل السلام)، ولسجدتي السهو تشهد وسلام وما ذكره البويطي من التشهد لسجدتي السهو أنهما قبل السلام ظاهره أنه يسجد سجدتي السهو قبل السلام، ثم يتشهد، ثم يسلم ولم أر أحدا من الأصحاب ذكر هذا إلا فيما إذا سجد بعد السلام في صوره المعروفة فإن حمل كلام البويطي على صوره بعد السلام كان ممكنا.
وفي آخر سجود السهو من مختصر المزني سمعت الشافعي يقول: إذا كانت سجدتا السهو بعد السلام تشهد لهما وإذا كانتا قبل السلام أجزأه التشهد الأول، وقد سبق عن القديم مثل هذا وحكى الشيخ أبو حامد ما ذكره المزني وأنه في القديم وقال: إنه أجمع أصحاب الشافعي أنه إذا سجد بعد السلام للسهو تشهد، ثم سلم وقال الماوردي: إنه مذهب الشافعي، وجماعة أصحابه الفقهاء؛ قال: وقال بعض أصحابنا إن كان يرى سجود السهو بعد السلام تشهد وسلم بل يسجد سجدتين لا غير قال الماوردي وهذا غير صحيح لرواية عمران بن الحصين رضي الله عنه (أن رسول الله ﷺ قام من ثلاث من العصر ناسيا حتى أخبره الخرباق فصلى ما بقي وسلم وسجد سجدتين وتشهد، ثم سلم) وما ذكره الماوردي من حديث عمران بن الحصين بهذه السياقة غريب وإنما جاءت عنه رواية تفرد بها أشعث بن عبد الملك الحمراني عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين (أن النبي ﷺ صلى بهم فسها فسجد سجدتين، ثم تشهد بعد، ثم سلم) روى ذلك أبو داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وما حسنه الترمذي يقتضي أنه لا فرق بين أن يكون سجود السهو قبل السلام، أو بعده فيحتج به لما ذكره البويطي لما سبق وقلنا إنه غريب لم نر أحدا من الأصحاب قال به والذي صححه جمع من الأصحاب أن الذي يسجد بعد السلام لا يتشهد أيضا والمذهب المعتمد ما تقدم في نقل المزني والقديم وقطع به الشيخ أبو حامد وجرى عليه غيره.
وفي مختصر المزني في باب سجود السهو: وإن ذكر أنه في الخامسة سجد، أو لم يسجد قعد في الرابعة، أو لم يقعد فإنه يجلس في الرابعة ويتشهد ويسجد للسهو، وإن ذكر في الثانية أنه ناس لسجدة من أولى بعد ما اعتدل قائما فإنه يسجد للأولى حتى تتم قبل الثانية وإن ذكر بعد أن يفرغ من الثانية أنه ناس لسجدة من الأولى كان عمله في الثانية كلا عمل فإذا سجد فيها كانت من حكم الأولى وتمت الأولى بهذه السجدة وسقطت الثانية فإن ذكر في الرابعة أنه نسي سجدة من كل ركعة فإن الأولى صحيحة إلا سجدة، وعمله في الثانية كلا عمل فلما سجد فيها سجدة كانت من حكم الأولى وتمت الأولى وبطلت الثانية وكانت الثالثة ثانية فلما قام في ثالثة قبل أن يتم الثانية التي كانت عنده ثالثة كان عمله كلا عمل فلما سجد فيها سجدة كانت من حكم الثانية فتمت الثانية وبطلت الثالثة التي كانت رابعة عنده، ثم يقوم فيبني ركعتين ويسجد للسهو بعد التشهد وقبل التسليم وعلى هذا الباب كله، وقياسه.
وإن شك هل سها أم لا فلا سهو عليه وإن استيقن السهو، ثم شك هل سجد للسهو أم لا؟ سجدهما وإن شك هل سجد سجدة، أو سجدتين سجد أخرى وإن سها سهوين، أو أكثر فليس عليه إلا سجدتا السهو.
وإذا ذكر سجدتي السهو بعد أن يسلم فإن كان قريبا أعادهما وسلم وإن تطاول لم يعد.
ومن سها خلف إمامه فلا سجود عليه وإن سها إمامه سجد معه فإن لم يسجد إمامه سجد من خلفه بأن كان قد سبقه إمامه ببعض صلاته سجدهما بعد القضاء اتباعا لإمامه لا لما يبقى من صلاته.
[قال الشافعي]: السهو في الصلاة يكون من وجهين أحدهما أن يدع ما عليه من عمل الصلاة وذلك مثل أن يقوم في مثنى فلا يجلس، أو مثل أن ينصرف قبل أن يكمل وما أشبهه والآخر أن يعمل في الصلاة ما ليس عليه وهو أن يركع ركعتين قبل أن يسجد، أو يسجد أكثر من سجدتين ويجلس حيث له أن يقوم، أو يسجد قبل أن يركع وإن ترك القنوت في الفجر سجد للسهو؛ لأنه من عمل الصلاة وقد تركه، وإن تركه في الوتر لم يجب عليه إلا في النصف الآخر من شهر رمضان فإنه إن تركه سجد للسهو والسهو في الفريضة والنافلة سواء وعلى الرجل والمرأة والمصلي والجماعة والمنفرد سواء. وهذا الآخر هو مقتضى إطلاق نصوص الأم وغيرها ولكن للتصريح به نظر.
[قال الشافعي]: وأرى والله أعلم أن ما كان يعمله ساهيا وجبت عليه سجدتا السهو إذا كان مما لا ينقض الصلاة فإذا فعله عامدا سجد فيه.
ومن أدرك سجدتي السهو مع الإمام سجدهما فإن كان مسافرا والإمام مقيم صلى أربعا وإن أدرك أحدهما سجد ولم يقض الآخر وبنى على صلاة الإمام وإن كان الإمام مسافرا فسها سجدوا معه، ثم قضوا ما بقي عليهم.
ومن سها عن سجدتي السهو حتى يقوم من مجلسه، أو عمد تركهما ففيه قولان: أحدهما: يسجد متى ذكرهما، والآخر: لا يعود لهما قاله في القديم، قاله في جمع الجوامع وهذا الثاني إن كان مع طول الفصل، أو كان قد سلم عامدا فإنه لا يعود إلى السجود في الصورتين على الجديد وفي رواية البويطي وإن تركوا سجود السهو عامدين، أو جاهلين لم يبن أن يكون عليهم إعادة الصلاة وأحب إن كانوا قريبا عادوا لسجدتي السهو وإن تطاولت فليس عليهم إعادة التطاول عنده ما لم يخرج من المسجد ويكون قدر كلام النبي ﷺ ومسألته.
وإن أحدث الإمام بعد التسليم وقبل سجدتي السهو فكالصلاة إن تقارب رجوعه أشار إليهم أن امكثوا ويتوضأ ويسجد للسهو وإن لم يتقارب أشار إليهم ليسجدوا قاله في القديم.
ومن شك في السهو فلا سجود عليه هذا كله نقل جمع الجوامع وفيه في باب الشك في الصلاة وما يلغى منها وما يجب عن الشافعي فإن نسي أربع سجدات لا يدري من أيتهن هن نزلناها على الأشد فجعلناه ناسيا السجدة من الأولى وسجدتين من الثانية وتمت الثالثة ونسي من الرابعة سجدة فأضف إلى الأولى من الثالثة سجدة فتمت له ركعة وبطلت السجدة التي بقيت من الثالثة ونضيف إلى الرابعة سجدة يسجدها فكأنه تم له ثانية ويأتي بركعتين بسجودهما وسجود السهو.