كتاب الأم/كتاب النكاح/نفقة المرأة التي لا يملك زوجها رجعتها
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى في المطلقات {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن} الآية. إلى {فآتوهن أجورهن} قال فكان بينا والله تعالى أعلم في هذه الآية أنها في المطلقة التي لا يملك زوجها رجعتها من قبل أن الله عز وجل لما أمر بالسكنى عاما ثم قال في النفقة {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} دل على أن الصنف الذي أمر بالنفقة على ذوات الأحمال منهن صنف دل الكتاب على أن لا نفقة على غير ذوات الأحمال منهن لأنه إذا أوجب لمطلقة بصفة نفقة ففي ذلك دليل على أنه لا تجب نفقة لمن كان في غير صفتها من المطلقات.
[قال الشافعي]: فلما لم أعلم مخالفا من أهل العلم في أن المطلقة التي يملك زوجها رجعتها في معاني الأزواج في أن عليه نفقتها وسكناها وأن طلاقه وإيلاءه وظهاره ولعانه يقع عليها وأنه يرثها وترثه كانت الآية على غيرها من المطلقات ولم يكن من المطلقات واحدة تخالفها إلا مطلقة لا يملك الزوج رجعتها.
[قال الشافعي]: والدليل من كتاب الله عز وجل كاف فيما وصفت من سقوط نفقة التي لا يملك الزوج رجعتها وبذلك جاءت سنة رسول الله ﷺ.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة (عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال مالك علينا نفقة فأتت النبي ﷺ فذكرت ذلك له فقال ليس لك عليهم نفقة) أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج. [قال]: أخبرني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أنه سمعه يقول نفقة المطلقة ما لم تحرم فإذا حرمت فمتاع بالمعروف. أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: قال عطاء ليست المبتوتة الحبلى منه في شيء إلا أنه ينفق عليها من أجل الحبل فإذا كانت غير حبلى فلا نفقة لها.
[قال الشافعي]: فكل مطلقة كان زوجها يملك رجعتها فلها النفقة ما كانت في عدتها منه، وكل مطلقة كان زوجها لا يملك رجعتها فلا نفقة لها في عدتها منه إلا أن تكون حاملا فيكون عليه نفقتها ما كانت حاملا. وسواء في ذلك كل زوج حر وعبد وذمي وكل زوجة أمة وحرة وذمية. [قال]: وكل ما وصفنا من متعة لمطلقة أو سكنى لها أو نفقة فليست إلا في نكاح صحيح ثابت. فأما كل نكاح كان منسوخا فليست فيه نفقة ولا متعة ولا سكنى وإن كان فيه مهر بالمسيس حاملا كانت أو غير حامل. [قال]: وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فأدعت حبلا وأنكره الزوج أو لم ينكره ولم يقر به ففيها قولان. أحدهما: أن تحصي من يوم طلقها وكم نفقة مثلها في كل شهر من تلك الشهور فإذا ولدت قضى لها بذلك كله عليه لأن الحمل لا يعلم بيقين حتى تلده. [قال]: ومن قال هذا قال: إن الله عز وجل قال {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} يحتمل فعليكم نفقتهن حتى يضعن حملهن ليست بساقطة سقوط من لا نفقة له غير الحوامل. وقال: قد قال الله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} فلو مات رجل وله حبل لم يوقف للحبل ميراث رجل ولا ميراث ابنة لأنه قد يكون عددا ووقفنا الميراث حتى يتبين فإذا بان أعطيناه. وهكذا لو أوصى لحبل أو كان الوارث أو الموصى له غائبا ولا يعطى إلا بيقين وقال: أرأيت لو أريها النساء فقلن بها حمل فأنفقنا عليها ثم انفش فعلمنا أن ليس بها حمل أليس قد علمنا أنا أعطينا من مال الرجل ما لم يجب عليه؟ وإن قضينا برده فنحن لا نقضي بشيء مثله ثم نرده؟ والقول الثاني: أن تحصي من يوم طلقها الزوج ويراها النساء فإن قلن بها حمل أنفق عليها حتى تضع حملها، وإن قلن لا يبين أحصي عليها وتركت حتى يقلن قد بان فإذا قلن قد بان أنفق عليها لما مضى من يوم طلقها إلى أن تضع حملها ثم لا نفقة عليه بعد وضعها حملها إلا أن ترضع فيعطيها أجر مثلها في الرضاعة أجرا لا نفقة، ولو طلقها ثم ظهر بها حبل فذكر له فنفاه وقذفها لاعنها ولا نفقة عليه إن كان لاعنها فأبرأناه من النفقة ثم أكذب نفسه حد ولحق به الحمل إن تم وأخذت منه النفقة التي أبطلت عنه، وكذلك إن كان إقراره بالكذب بعد رضاع الولد ألزمته رضاعة ونفقته، وهكذا لو أكذب نفسه بعد موت الولد أخذت منه نفقة الحمل والرضاع والولد، وإذا قال القوابل بالمطلقة التي لا يملك رجعتها حبل فأنفق عليها الزوج بغير أمر سلطان أو جبره الحاكم على النفقة عليها ثم علم أن لم يكن بها حبل رجع عليها في الحالين معا لأنه إنما أعطاها إياه على أنه واجب عليه فلما علم أنه لم يجب عليه رجع عليها بمثل ما أخذت منه إن كان له مثل، أو قيمته يوم دفعه إليها إن لم يكن له مثل، وكل زوجة صحيحة النكاح فرقت بينهما بحال كما ذكرناه في المختلعة والمخيرة والمملكة والمبتدأ طلاقها والأمة تخير فتختار الفراق والرجل يغر المرأة بنسب فيوجد دونه فتختار فراقه والمرأة تغر بأنها حرة فتوجد أمة أو تجده أجذم أو أبرص أو مجنونا فتختار فراقه أو يجدها كذلك فيفارقها فتكون حاملا في هذه الحالات فعلى الزوج نفقتها حتى تضع حملها. [قال]: وكل نكاح كان فاسدا بكل حال مثل النكاح بغير ولي أو بغير شهود أو نكاح المرأة ولم ترض أو كارهة فحملت فلها الصداق بالمسيس ولا نفقة لها في العدة ولا الحمل. [قال أبو محمد] وفيها قول: أن لها النفقة بالحمل وإن كان نكاحا فاسدا لأنه يلحق به الولد فلما كان إذا طلقها غير حامل لم تكن زوجة فبرئت منه لم يكن لها نفقة علمنا أنه جعلت النفقة لو أقر بالحمل.
[قال الشافعي]: وكل مطلقة يملك زوجها الرجعة كانت عدتها الشهور فحاضت بعد مضي شهرين استقبلت الحيض ثم عليه النفقة ما كانت في العدة ولو حاضت ثلاث حيض استبرأت نفسها من الريبة وكانت لها النفقة حتى تطعن في الدم من الحيضة الثالثة فإن ارتابت أمسكت عن النكاح ووقف عن نفقتها فإن بان بها حبل كان القول فيها كالقول فيمن بان بها حبل بالنفقة حتى يبين أو الوقف حتى تضع فإن انفش ما ظن من حملها ردت من النفقة ما أخذت بعد دخولها في الدم من الحيضة الثالثة. [قال]: وهكذا إن كانت عدتها الشهور فارتابت سواء لا يختلفان، ولو كانت عدتها الشهور فارتابت أمسكت عن الريبة فإن حاضت بعد ثلاثة أشهر فلها النفقة في الثلاثة حتى تنقضي ولا نفقة لها بعد الثلاثة ولا عدة عليها فإن ارتابت بحمل أمسكت ولم ينفق عليها حتى يبين ثم يكون القول فيه كالقول في الحمل إذا بان سواء من رأى أن لا ينفق عليها حتى تضع أمسك حتى تضع ثم أعطاها نفقة من يوم قطع النفقة عنها إلى أن وضعت، ومن رأى أن لا ينفق عليها إذا بان الحمل أعطاها النفقة منذ أمسك عنها إلى أن بان بها الحمل ومن حين بان الحمل إلى أن تضع فإن بطل الحمل ردت النفقة بعد الثلاثة الأشهر وينفق عليها حتى تضع آخر حملها وإن كان بين وضع ولادها أيام. [قال]: وإن كان بها حبل ولا يملك زوجها رجعتها فأنفق عليها زوجها من حين طلقها حتى جاوزت أربع سنين فلم تلد ردت النفقة من يوم طلقها لأنا لا نلحق به الحمل ولا نفقة لها في العدة إلا أن تكون حاملا منه.