مجموع الفتاوى/المجلد الرابع/فصل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم
فصل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم
عدلوقال شَيْخُ الإِسْلام:
وأما نساء النبي ﷺ، فلم يقل: إنهن أفضل من العشرة إلا أبو محمد ابن حزم، وهو قول شاذ لم يسبقه إليه أحد، وأنكره عليه من بلغه من أعيان العلماء، ونصوص الكتاب والسنة تبطل هذا القول.
وحجته التي احتج بها فاسدة؛ فإنه احتج على ذلك بأن المرأة مع زوجها في درجته في الجنة، ودرجة النبي ﷺ أعلى الدرجات فيكون أزواجه في درجته، وهذا يوجب عليه أن يكون أزواجه أفضل من الأنبياء جميعهم، وأن تكون زوجة كل رجل من أهل الجنة أفضل ممن هو مثله، وأن يكون من يطوف على النبي ﷺ من الِولْدان، ومن يزوج به من الحور العِين أفضل من الأنبياء والمرسلين، وهذا كله مما يَعْلَم بطلانه عمومُ المؤمنين.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: «فَضْلُ عائشة على النساء كَفضْلِ الثريد على سائر الطعام» فإنما ذكر فضلها على النساء فقط. وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: «كَمُلَ من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا عدد قليل، إما اثنتان أو أربع»، وأكثر أزواجه لسْنَ من ذلك القليل.
والأحاديث المفضلة للصحابة كقوله ﷺ: «لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا»: يدل على أنه ليس في الأرض أهل، لا من الرجال ولا من النساء، أفضل عنده من أبي بكر، وكذلك ما ثبت في الصحيح عن على أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، وما دل على هذا من النصوص التي لا يتسع لها هذا الموضع.
وبالجملة، فهذا قول شاذ لم يسبق إليه أحد من السلف، وأبو محمد مع كثرة علمه وتبحره، وما يأتي به من الفوائد العظيمة، له من الأقوال المنكرة الشاذة ما يعجب منه كما يعجب مما يأتي به من الأقوال الحسنة الفائقة، وهذا كقوله: إن مريم نبية، وإن آسية نبية، وإن أم موسى نبية.
وقد ذكر القاضي أبو بكر، والقاضي أبو يعلى، وأبو المعالي، وغيرهم: الإجماع على أنه ليس في النساء نبية، والقرآن والسنة دَلا على ذلك، كما في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى} 1، وقوله: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} 2، ذكر أن غاية ما انتهت إليه أمه الصديقيةُ، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.
هامش