محلى ابن حزم - المجلد الأول/الصفحة الخامسة والخمسون


كتـاب الصلاة

أوقـــات الصـلاة

361 - مسألة : فمن دخل خلف إمام فبدأ بقراءة أم القرآن فركع الإمام قبل أن يتم هذا الداخل أم القرآن فلا يركع حتى يتمها . برهان ذلك - : ما ذكرناه من وجوب قراءة القرآن في كل ركعة ؛ وقد قال رسول الله  : { مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت } وسنذكره بإسناده في باب وجوب أن لا يرفع المأموم رأسه قبل إمامه ، ولا معه - إن شاء الله تعالى

362 - مسألة : فإن جاء والإمام راكع فليركع معه ، ولا يعتد بتلك الركعة ؛ لأنه لم يدرك القيام ، ولا القراءة ؛ ولكن يقضيها إذا سلم الإمام ، فإن خاف جاهلا فليتأن حتى يرفع الإمام رأسه من الركوع فيكبر حينئذ . وقال قائلون ، إن أدرك الركعة مع الإمام اعتد بها . واحتجوا بآثار ثابتة ؛ إلا أنهم لا حجة لهم في شيء منها وهي قول رسول الله  : { من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة } . وقوله عليه السلام : { من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك السجدة } . ومنها - حديث أبي بكرة : { أنه جاء والقوم ركوع ، فركع ثم مشى إلى الصف ، فلما قضى رسول الله صلاته قال : أيكم الذي ركع ثم جاء إلى الصف ؟ فقال أبو بكرة : أنا ، فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم زادك الله حرصا ولا تعد } . قال علي : أما قوله عليه الصلاة والسلام : { من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة } فحق ؛ وهو حجة عليهم ؛ لأنه - مع ذلك - لا يسقط عنه قضاء ما لم يدرك من الصلاة - هذا ما لا خلاف فيه من أحد ؛ وليس في الخبر : أنه إن أدرك الركوع : فقد أدرك الوقفة وكذلك قوله عليه السلام : { من أدرك الركعة : فقد أدرك السجدة } حق لا شك فيه ؛ ولم يقل : إنه إن أدرك الركعة فقد أدرك الوقفة التي قبل الركوع ؛ فلا يجوز لأحد أن يقحم في كلامه ما ليس فيه ، فيقول عليه ما لم يقل . وأما حديث أبي بكرة فلا حجة لهم فيه أصلا ؛ لأنه ليس فيه : أنه اجتزأ بتلك الركعة ، وأنه لم يقضها - فسقط تعلقهم به جملة ، ولله الحمد . فإذ قد سقط كل ما تعلقوا به من الآثار فقد صح عن النبي ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا أبو الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم ثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي قال : { ائتوا الصلاة وعليكم السكينة ، فصلوا ما أدركتم ، واقضوا ما سبقكم } . وصح عنه أيضا عليه السلام : { ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا } وبيقين يدري كل ذي حس سليم - : أن من أدرك الإمام في أول الركعة الثانية : فقد فاتته الأولى كلها . وأن من أدرك سجدة من الأولى : فقد فاتته وقفة ، وركوع ، ورفع ، وسجدة ، وجلوس ، وأن من أدرك الجلسة بين السجدتين : فقد فاته الوقفة ، والركوع ، والرفع ، وسجدة . وأن من أدرك الرفع : فقد فاتته الوقفة ، والركوع . وأن من أدرك السجدتين : فقد فاتته الوقفة ، والركوع . وأن من أدرك الركوع : فقد فاتته الوقفة ، وقراءة أم القرآن ؛ وكلاهما فرض ، لا تتم الصلاة إلا به وهو مأمور بنص كلام رسول الله بقضاء ما سبقه وإتمام ما فاته ؛ فلا يجوز تخصيص شيء من ذلك بغير نص آخر ؛ ولا سبيل إلى وجوده ، والقوم أصحاب قياس بزعمهم : فكيف وقع لهم التفريق بين فوت إدراك الوقفة ، وبين فوت إدراك الركوع والوقفة ؛ فلم يروا على أحدهما قضاء ما سبقه ، ورأوه على الآخر . فلا القياس طردوا ، ولا النصوص اتبعوا ، وقد أقدم بعضهم على دعوى الإجماع على قولهم ، وهو كاذب في ذلك ؛ لأنه قد روي من طريق يحيى بن سعيد القطان عن ابن عجلان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة : إذا أتيت القوم وهم ركوع فلا تكبر حتى تأخذ مقامك من الصف وروي عنه أيضا أن لا يعتد بالركعة حتى يقرأ بأم القرآن وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن زيد بن وهب قال : دخلت أنا وابن مسعود المسجد والإمام راكع فركعنا ثم مضينا حتى استوينا بالصف ؛ فلما فرغ الإمام قمت أقضي ، فقال ابن مسعود : قد أدركته . قال علي : فهذا إيجاب القضاء عن زيد بن وهب وهو صاحب من الصحابة فإن قيل : فلم ير ابن مسعود ذلك قلنا : نعم ، فكان ماذا فإذا تنازع الصاحبان فالواجب الرجوع إلى ما قاله الله تعالى ورسوله ، ولا يحل الرد إلى سوى ذلك ؛ فليس قول ابن مسعود حجة على زيد ، ولا قول زيد حجة على ابن مسعود ؛ لكن قول رسول الله هو الحجة عليهما وعلى غيرهما من كل إنس وجن ، وليس في هذا الخبر رجوع زيد إلى قول ابن مسعود ، ولو رجع لما كان في رجوعه حجة ؛ والخلاف لابن مسعود منه قد حصل . وروينا من طريق الحجاج بن المنهال حدثنا الربيع بن حبيب قال : سمعت محمد بن سيرين يقول : إذا انتهيت إلى القوم وهم في الصلاة فأدركت تكبيرة تدخل بها في الصلاة ، وتكبيرة الركوع : فقد أدركت تلك الركعة ؛ وإلا فاركع معهم واسجد ، ولا تحتسب بها قال علي : وروينا عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال كلاما معناه : من ادعى الإجماع فقد كذب ؛ وما يدريه والناس قد اختلفوا ، هذه أخبار الأصم ، وبشر المريسي قال علي : صدق أحمد رضي الله عنه من ادعى الإجماع فيما لا يقين عنده بأنه قول جميع أهل الإسلام بلا شك في أحد منهم : قد كذب على الأمة كلها ؛ وقطع بظنه عليهم ؛ وقد قال عليه السلام : { الظن أكذب الحديث } فإن قيل : إن قول ابن مسعود هذا لا يقال مثله بالرأي . قيل لهم : فهلا قلتم هذا فيما رويناه آنفا - في الباب الذي قبل هذا - عن عمر رضي الله عنه : لا صلاة إلا بأم القرآن وآيتين معها ، ولكن التحكم سهل على من لم يعد كلامه من عمله فإن قيل : هذا قول الجمهور ، قلنا : ما أمر الله تعالى قط ولا رسوله باتباع الجمهور ؛ لا في آية ولا في خبر صحيح ؛ وأما الموضوعات فسهل وجودها في كل حين على من استحلها . فإن قيل : إنه يكبر قائما ثم يركع ؛ فقد صار مدركا للوقوف قلنا : وهذه معصية أخرى ؛ وما أمره الله قط ولا رسوله أن يدخل في الصلاة في غير الحال التي يجد الإمام عليها . وأيضا : فلا يجزئ قضاء شيء سبق به من الصلاة إلا بعد سلام الإمام ؛ لا قبل ذلك قال علي : وهنا أقوال ، نذكر منها طرفا ليلوح كذب من ادعى الإجماع في ذلك - : روينا من طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن عبد الله بن يزيد النخعي عن زيد بن أحمد عن ابن مسعود قال : إذا ركع أحدكم فمشى إلى الصف ، فإن دخل في الصف قبل أن يرفعوا رءوسهم فإنه يعتد بها ، وإن رفعوا رءوسهم قبل أن يصل إلى الصف فلا يعتد بها - قال الحجاج : والعمل على هذا ، وعن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر قال : كان ابن عمر إذا جاء والقوم سجود سجد معهم ؛ فإذا رفعوا رءوسهم سجد أخرى ولا يعتد بها قال أيوب : ودخلت مع أبي قلابة المسجد وقد سجدوا سجدة فسجدنا معهم الأخرى ؛ فلما رفعوا رءوسهم سجدنا الأخرى ؛ فلما قضى أبو قلابة الصلاة سجد سجدتي الوهم ، وعن حماد بن سلمة عن داود هو ابن أبي هند - عن الشعبي قال : إذا انتهى إلى الصف الآخر ولم يرفعوا رءوسهم وقد رفع الإمام رأسه فإنه يركع وقد أدرك ؛ لأن الصف الذي فيه هو إمامه ، وإن جاء والقوم سجود فإنه يسجد معهم ولا يعتد بها وبه إلى داود بن أبي هند عن أبي العالية قال : إذا جاء وهم سجود سجد معهم ؛ فإذا سلم الإمام قام فركع ركعة ولا يسجد ويعتد بها . وبه إلى حماد عن قتادة ، وحميد ، وأصحاب الحسن : إذا وضع يديه على ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك ؛ وإن رفع الإمام رأسه قبل أن يضع يديه فإنه لا يعتد بها قال حماد : وأكثر ظني أنه عن الحسن وقال ابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، وزفر : إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك ، وليركع بعد أن يرفع الإمام رأسه .


363 - مسألة : وفرض على كل مصل أن يقول إذا قرأ " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " لا بد له في كل ركعة من ذلك ؛ لقول الله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : يتعوذ قبل ابتدائه بالقراءة في كل ركعة ؛ ولم يريا ذلك فرضا وقال مالك : لا يتعوذ في شيء من الفريضة ، ولا التطوع إلا في صلاة القيام في رمضان ، فإنه يبدأ في أول ليلة بالتعوذ فقط ثم لا يعود . قال علي : وهذه قولة لا دليل على صحتها ، لا من قرآن ، ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ؛ ولا أثر ألبتة ؛ ولا من دليل إجماع ، ولا من قول صاحب ، ولا من قياس ؛ ولا من رأي له وجه ، فإن أقدم مقدم على ادعاء عمل في ذلك لم يكن أولى من آخر ادعى العمل على خلافه ، وأما قول أبي حنيفة ، والشافعي : إن التعوذ ليس فرضا - : فخطأ ؛ لأن الله تعالى يقول : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } . ومن الخطأ أن يأمر الله تعالى بأمر ثم يقول قائل - بغير برهان من قرآن ، ولا سنة - : هذا الأمر ليس فرضا ، لا سيما أمره تعالى بالدعاء في أن يعيذنا من كيد الشيطان ؛ فهذا أمر متيقن : أنه فرض ؛ لأن اجتناب الشيطان ، والفرار منه ؛ وطلب النجاة منه : لا يختلف اثنان في أنه فرض ، ثم وضع الله تعالى ذلك علينا عند قراءة القرآن . وقال بعضهم : لو كان التعوذ : فرضا ؛ للزم كل من حكى عن أحد أنه ذكر آية من القرآن : أن يتعوذ ولا بد . قال علي : وهذا عليهم لا لهم ؛ لأنهم متفقون على استحباب التعوذ عند قراءة القرآن ؛ ولا يرون التعوذ عند حكاية المرء قول غيره ؛ فصح أن التعوذ الذي اختلفنا فيه فأوجبناه نحن ولم يوجبوه هم - إنما هو عند قراءة القرآن ، كما جاء في النص ، لا عند حكاية لا يقصد بها المرء قراءة القرآن . قال علي : فلم يبق إلا قول من أوجب التعوذ : فرضا ، في قراءة القرآن في الصلاة وغير الصلاة ، على عموم الآية المذكورة . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عاصم العنزي عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه قال : { رأيت رسول الله حين دخل الصلاة قال : الله أكبر كبيرا ، الله أكبر كبيرا ، الله أكبر كبيرا ، ثلاثا ، الحمد لله كثيرا ، الحمد لله كثيرا ، الحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا - اللهم إني أعوذ بك من الشيطان ، من همزه ، ونفخه ونفثه } . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سعيد الجريري ثنا يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عثمان بن أبي العاص الثقفي قال : { قلت : يا رسول الله حال الشيطان بيني وبين قراءتي . فقال النبي  : ذلك شيطان يقال له : خنزب ؛ فإذا حسسته فتعوذ واتفل عن يسارك ثلاثا } . وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : قال عمر بن الخطاب : يخفي الإمام أربعا - : التعوذ ، وبسم الله الرحمن الرحيم ، وآمين ، وربنا لك الحمد . وعن أبي حمزة عن إبراهيم النخعي عن علقمة ، والأسود ، كلاهما عن عبد الله بن مسعود قال : يخفي الإمام ثلاثا - : الاستعاذة ، وبسم الله الرحمن الرحيم ، وآمين ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج ، قلت لنافع مولى ابن عمر : هل تدري كيف كان ابن عمر يستعيذ ؟ قال : كان يقول ؛ اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، وعن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال : خمس يخفين - : سبحانك اللهم وبحمدك ، والتعوذ ، وبسم الله الرحمن الرحيم ، وآمين ، واللهم ربنا ولك الحمد وعن هشام بن حسان عن الحسن البصري : أنه كان يستعيذ في الصلاة مرة حين يستفتح صلاته حين يقرأ أم الكتاب يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، وكان ابن سيرين يستعيذ في كل ركعة وعن معمر عن ابن طاوس عن أبيه : أنه كان يستعيذ قبل أن يقرأ أم القرآن . ومن طريق معمر - عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين : أنه كان يتعوذ من الشيطان في الصلاة قبل أن يقرأ أم القرآن وبعد أن يقرأ أم القرآن . وعن ابن جريج عن عطاء قال : الاستعاذة واجبة لكل قراءة في الأرض في الصلاة وغيرها ويجزئ عنك ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . قال ابن جريج : فقلت له : من أجل : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } قال : نعم . وبالتعوذ في الصلاة يقول سفيان الثوري والأوزاعي وداود وغيرهم . قال علي : هؤلاء جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم لا نعلم لهم مخالفا منهم ، وهم يشنعون بمثل هذا إذا وافق تقليدهم ، قال علي : ومن قال بقول ابن سيرين وأخذ به فيرى التعوذ سنة قبل افتتاح القراءة ؛ لأنه فعل رسول الله بنقل القراء جيلا بعد جيل ، وفرضا بعد أن يقرأ ما يقع عليه اسم القرآن ، ولو أنه كلمتان ، على نص الآية ؛ لأنها توجب التعوذ بعد القراءة بظاهرها . وأما من تعذرت عليه القراءة ففرض عليه التعوذ حين ذلك بالخبر المذكور ، ثم إذا قرأ شيئا من القرآن قال علي : إلا أنه قد صح إجماع جميع قراء أهل الإسلام جيلا بعد جيل على الابتداء بالتعوذ متصلا بالقراءة قبل الأخذ في القراءة - : مبلغا إلينا من عهد رسول الله فهذا قاض على كل ذلك . وقد صح عن رسول الله { إذا توضأ أحدكم فليستنثر } . وصح أنه عليه السلام استنثر في أول وضوئه - وبالله تعالى التوفيق .


364 - مسألة : فمن نسي التعوذ أو شيئا من أم القرآن حتى ركع أعاد متى ذكر فيها وسجد للسهو ، إن كان إماما أو فذا فإن كان مأموما ألغى ما قد نسي إلى أن ذكر ، وإذا أتم الإمام قام يقضي ما كان ألغى ثم سجد للسهو ، ولقد ذكرنا برهان ذلك فيمن نسي فرضا في صلاته فإنه يعيد ما لم يصل كما أمر ؛ ويعيد ما صلى كما أمر - وبالله تعالى التوفيق .

365 - مسألة : ومن كان لا يحفظ أم القرآن صلى وقرأ ما أمكنه من القرآن إن كان يعلمه ، لا حد في ذلك ، وأجزأه ، وليسع في تعلم أم القرآن ، فإن عرف بعضها ولم يعرف البعض : قرأ ما عرف منها فأجزأه ، وليسع في تعلم الباقي ، فإن لم يحفظ شيئا من القرآن صلى كما هو ؛ يقوم ويذكر الله كما يحسن بلغته ويركع ويسجد حتى يتم صلاته ؛ ويجزيه . وليسع في تعلم أم القرآن ، وقال بعض القائلين : يقرأ مقدار سبع آيات من القرآن ، أو يذكر الله تعالى مقدار سبع آيات قال علي : وقصد بذلك قصد التعويض من أم القرآن ، والتعويض من الشرائع باطل ، إلا أن يوجبه قرآن أو سنة ، ولا قرآن ولا سنة فيما ادعى ؛ ولو كان قياس هذا القائل صحيحا لوجب أن لا يجزئ من عليه يوم من رمضان إلا يوم بطول اليوم الذي أفطره ؛ وهذا باطل . وبرهان صحة قولنا - : قول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقول رسول الله  : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . فصح أنه يسقط عنه ما عجز عنه ، ويلزمه ما استطاع عليه . وقال تعالى : { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } وعلم رسول الله المصلي فقال : { اقرأ ما تيسر معك من القرآن } وقد ذكرناه بإسناده . فمن عجز عن أم القرآن وقدر على غيرها من القرآن سقطت عنه ، ولزمه ما تيسر له من القرآن ويجزئ من ذلك ما وقع عليه اسم قرآن من كلمتين - معروف أنهما من القرآن - فصاعدا ، وإن وجد هذا المعنى في كلمة واحدة أجزأته ؛ لأن عموم " ما تيسر " يدخل فيه كل ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

366 - مسألة : ومن كان يقرأ برواية من عد من القراء بسم الله الرحمن الرحيم آية من القرآن لم تجزه الصلاة إلا بالبسملة ، وهم : عاصم بن أبي النجود ، وحمزة ، والكسائي ، وعبد الله بن كثير ، وغيرهم من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم . ومن كان يقرأ برواية من لا يعدها آية من أم القرآن : فهو مخير بين أن يبسمل ، وبين أن لا يبسمل . وهم : ابن عامر ، وأبو عمرو ويعقوب ، وفي بعض الروايات عن نافع . وقال مالك : لا يبسمل المصلي إلا في صلاة التراويح في أول ليلة من الشهر . وقال الشافعي : لا تجزئ صلاة إلا ببسم الله الرحمن الرحيم . قال علي : وأكثروا من الاحتجاج بما لا حجة لأي من الطائفتين فيه . مثل الرواية عن أنس { كان رسول الله وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم لا قبلها ولا بعدها } . وعن أبي هريرة مثل هذا . قال علي : وهذا كله لا حجة فيه لأنه ليس في شيء من هذه الأخبار نهي من رسول الله عن قراءة " بسم الله الرحمن الرحيم " وإنما فيها : أنه عليه السلام كان لا يقرؤها وقد عارضت هذه الأخبار أخبار أخر منها - : ما روينا من طريق أحمد بن حنبل : حدثنا وكيع ثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال { صليت خلف رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم } . ورويناه أيضا " فلم يجهروا ببسم الله الرحمن الرحيم " فهذا يوجب أنهم كانوا يقرءونها ويسرون بها ، وهذا أيضا الإيجاب فيه لقراءتها ، وكذلك سائر الأخبار . قال علي : والحق من هذا أن النص قد صح بوجوب قراءة أم القرآن فرضا ، ولا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أن هذه القراءات حق كلها مقطوع به ، مبلغة كلها إلى رسول الله عن جبريل عليه السلام عن الله عز وجل بنقل الملوان فقد وجب إذ كلها حق أن يفعل الإنسان في قراءته أي ذلك شاء ؛ وصارت " بسم الله الرحمن الرحيم " في قراءة صحيحة آية من أم القرآن ، وفي قراءة صحيحة ليست آية من أم القرآن - : مثل لفظة " هو " في قوله تعالى في سورة الحديد : { هو الغني الحميد } . وكلفظة " من " في قوله تعالى : { من تحتها الأنهار } في سورة ( براءة ) على رأس المائة آية - هما من السورتين في قراءة من قرأ بهما ، وليستا من السورتين في قراءة من لم يقرأ بهما . ومثل هذا في القرآن وارد في ثمانية مواضع ، ذكرناها في كتاب القراءات وآيات كثيرة ، وسائر ذلك من الحروف يطول ذكرها . كزيادة ميم " منها " في سورة الكهف . وفي { حم عسق } : { فبما كسبت } . وهاءات في مواضع كثيرة في { يس } : { وما علمناه } . وفي الزخرف { تشتهيه الأنفس } و { لم يتسنه } وغير ذلك . والقرآن أنزل على سبعة أحرف ، كلها حق ، وهذا كله حق ، وهذا كله من تلك الأحرف بصحة الإجماع المتيقن على ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

367 - مسألة : ومن قرأ أم القرآن أو شيئا منها ، أو شيئا من القرآن في صلاته مترجما بغير العربية ، أو بألفاظ عربية غير الألفاظ التي أنزل الله تعالى ، عامدا لذلك ، أو قدم كلمة أو أخرها عامدا لذلك - : بطلت صلاته ، وهو فاسق ؛ لأن الله تعالى قال : { قرآنا عربيا } ، وغير العربي ليس عربيا ، فليس قرآنا . وإحالة رتبة القرآن تحريف كلام الله تعالى ، وقد ذم الله تعالى قوما فعلوا ذلك فقال : { يحرفون الكلم عن مواضعه } . وقال أبو حنيفة تجزيه صلاته ، واحتج له من قلده بقول الله تعالى : { وإنه لفي زبر الأولين } . قال علي : لا حجة لهم في هذا ؛ لأن القرآن المنزل علينا على لسان نبينا لم ينزل على الأولين ، وإنما في زبر الأولين ذكره والإقرار به فقط ؛ ولو أنزل على غيره عليه السلام لما كان آية له ، ولا فضيلة له ، وهذا لا يقوله مسلم ، ومن كان لا يحسن العربية فليذكر الله تعالى بلغته ؛ لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . ولا يحل له أن يقرأ أم القرآن ولا شيئا من القرآن مترجما على أنه الذي افترض عليه أن يقرأه ؛ لأنه غير الذي افترض عليه كما ذكرنا ؛ فيكون مفتريا على الله تعالى .

368 - مسألة : وليس على الإمام والمنفرد أن يتعوذا للسورة التي مع أم القرآن ؛ لأنهما قد تعوذا إذ قرآ . ومن اتصلت قراءته فقد تعوذ كما أمر ، ولو لزمه تكرار التعوذ لما كان لذلك غاية إلا بدعوى كاذبة ، فإن قطع القراءة قطع ترك أو أراد أن يبتدئ قراءة في ركعة أخرى تعوذ - كما أمر - وبالله تعالى التوفيق .

محلى ابن حزم - المجلد الأول/كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (مسألة 275 - 280) | كتاب الصلاة (مسألة 281 - 284) | كتاب الصلاة (مسألة 285) | كتاب الصلاة (مسألة 286) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 286) | كتاب الصلاة (مسألة 287 - 295) | كتاب الصلاة (مسألة 296 - 300) | كتاب الصلاة (مسألة 301) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 301) | كتاب الصلاة (مسألة 302 - 313) | كتاب الصلاة (مسألة 314 - 321) | كتاب الصلاة (مسألة 322 - 334) | كتاب الصلاة (مسألة 335) | كتاب الصلاة (مسألة 336) | كتاب الصلاة (مسألة 337 - 347) | كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) | كتاب الصلاة (مسألة 349) | كتاب الصلاة (مسألة 350 - 353) | كتاب الصلاة (مسألة 354 - 360) | كتاب الصلاة (مسألة 361 - 368) | كتاب الصلاة (مسألة 369 - 371) | كتاب الصلاة (مسألة 372 - 376) | كتاب الصلاة (مسألة 377 - 384) | كتاب الصلاة (مسألة 385 - 391) | كتاب الصلاة (مسألة 392 - 394) | كتاب الصلاة (مسألة 395 - 412) | كتاب الصلاة (مسألة 413 - 420) | كتاب الصلاة (مسألة 421 - 434) | كتاب الصلاة (مسألة 435 - 442) | كتاب الصلاة (مسألة 443 - 446) | كتـاب الصلاة (مسألة 447 - 453) | كتـاب الصلاة (مسألة 454 - 458) | كتـاب الصلاة (مسألة 459 - 461) | كتـاب الصلاة (مسألة 462 - 466) | كتـاب الصلاة (مسألة 467 - 472) | كتـاب الصلاة (مسألة 473 - 484) | كتـاب الصلاة (مسألة 485) | كتـاب الصلاة (مسألة 486 - 488) | كتـاب الصلاة (مسألة 489 - 493) | كتـاب الصلاة (مسألة 494 - 496) | كتـاب الصلاة (مسألة 497 - 504) | كتـاب الصلاة (مسألة 505) | كتـاب الصلاة (مسألة 506 - 510) | كتـاب الصلاة (مسألة 511 - 512) | كتـاب الصلاة (مسألة 513) | كتـاب الصلاة (مسألة 514 - 518) | كتـاب الصلاة (مسألة 519 - 520) | كتاب الصلاة (مسألة 521 - 523) | كتاب الصلاة (مسألة 524 - 529) | كتاب الصلاة (مسألة 530 - 540) | كتاب الصلاة (مسألة 543 - 553) | كتاب الصلاة (مسألة 554 - 555) | كتاب الصلاة (مسألة 556 - 557)