محلى ابن حزم - المجلد الأول/الصفحة السابعة والخمسون


كتـاب الصلاة

أوقـــات الصـلاة

372 - مسألة : والجلوس بعد رفع الرأس من آخر سجدة من الركعة الثانية فرض في كل صلاة مفترضة أو نافلة ، حاشا ما ذكرنا قبل من أنواع الوتر . فإن كان في صلاة لا تكون إلا ركعتين فإنه يفضي بمقاعده إلى ما هو عليه قاعد وينصب رجله اليمنى ويفرش اليسرى . وإذا كان في صلاة تكون ثلاث ركعات أو أربعا جلس في هذه الجلسة على رجله اليسرى ونصب اليمنى كما قلنا ويجلس في الجلسة الآخرة التي تلي السلام مفضيا بمقاعدة إلى الأرض ناصبا لرجله اليمنى فارشا لليسرى . وفرض عليه ، أن يتشهد في كل جلسة من الجلستين اللتين ذكرنا - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عيسى بن إبراهيم ثنا ابن وهب عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة { عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب رسول الله فوصفوا صلاة رسول الله وفي الصفة - : فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى . فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى وجلس على مقعدته } وبه يقول الشافعي ، وأبو سليمان . وقال أبو حنيفة ومالك : الجلوس في كلتي الجلستين سواء . قال علي : هذا خلاف الأثر بلا برهان . وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق هو ابن راهويه - أنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن منصور هو ابن المعتمر - عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال : { قال لنا رسول الله  : إن الله هو السلام ، فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله } . ورواه شعبة وسفيان الثوري وزائدة كلهم عن منصور عن أبي وائل عن ابن مسعود عن النبي حرفا حرفا ورواه يحيى القطان وأبو معاوية والفضيل بن عياض وأبو نعيم وعبد الله بن داود الخريبي ووكيع كلهم عن الأعمش عن أبي وائل بإسناده ، ولفظه . ورواه أيضا عن ابن مسعود - بإسناده ولفظه - أبو معمر عبد الله بن سخبرة وعلقمة ، والأسود ، وأبو البختري . فإن تشهد امرؤ بما رواه أبو موسى ، وابن عباس ، وابن عمر ، كلهم عن رسول الله فحسن . والذي تخيرنا هو اختيار أبي حنيفة ، وسفيان الثوري ، وأحمد ، وداود واختار الشافعي ما رواه ابن عباس . واختار مالك تشهدا موقوفا على عمر قد خالفه فيه ابنه وسائر من ذكرنا . وقال بعض المتقدمين : الجلوس في الصلاة ليس فرضا وقال أبو حنيفة : الجلوس مقدار التشهد فرض وليس التشهد فرضا وقال مالك : الجلوس فرض ، وذكر الله تعالى فيه فرض وليس التشهد فرضا وكل هذه الأقوال خطأ لأن النبي أمر بالتشهد في القعود في الصلاة ، فصار التشهد فرضا ، وصار القعود الذي لا يكون التشهد إلا فيه فرضا ، إذ لا يجوز أن يكون غير فرض ما لا يتم الفرض إلا فيه أو به روينا عن شعبة عن مسلم أبي النضر سمعت حملة بن عبد الرحمن سمعت عمر بن الخطاب يقول : لا صلاة إلا بتشهد . وعن نافع مولى ابن عمر : من لم يتكلم بالتشهد فلا صلاة له وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان وقال بعضهم : لو كان الجلوس الأول فرضا لما أجزأت الصلاة بتركه إذا نسيه المرء قال علي : وهذا ليس بشيء ، لأن السنة التي جاءت بوجوبه هي التي جاءت بأن الصلاة تجزئ بنسيانه . وهم يقولون : إن الجلوس عمدا في موضع القيام في الصلاة حرام تبطل الصلاة بتعمده ، ولا تبطل بنسيانه ، وكذلك السلام قبل تمام الصلاة ولا فرق فعاد نظرهم ظاهر الفساد - وبالله تعالى التوفيق .

373 - مسألة : قال أبو محمد علي بن أحمد : ويلزمه فرض " أن يقول إذا فرغ من التشهد في كلتي الجلستين { اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، وأعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال } وهذا فرض كالتشهد ولا فرق . لما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا نصر بن علي ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وأبو كريب ، وزهير بن حرب ، كلهم عن وكيع بن الجراح ثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية ، ويحيى بن أبي كثير ، قال حسان : عن محمد بن أبي عائشة . وقال يحيى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، كلاهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله  : { إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع ، يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال } . قال علي : فإن قال قائل : فقد رويتم هذا الخبر من طريق مسلم قال : حدثنا زهير بن حرب ثنا الوليد بن مسلم حدثني الأوزاعي ثنا حسان بن عطية ثنا محمد بن أبي عائشة أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله { إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع } ثم ذكرها نصا كما أوردناها . قال : فهذا خبر واحد ، وزيادة الوليد بن مسلم زيادة عدل ، فهي مقبولة ، فإنما يجب ذلك في التشهد الآخر فقط قلنا : لو لم يكن إلا حديث محمد بن أبي عائشة وحده لكان ما ذكرت لكنهما حديثان كما أوردنا ، أحدهما من طريق أبي سلمة ، والثاني من طريق محمد بن أبي عائشة ، فإنما زاد الوليد على وكيع بن الجراح ، وبقي خبر أبي سلمة على عمومه فيما يقع عليه اسم تشهد ، لا يجوز غير هذا . وبالله تعالى التوفيق . وقد روي عن طاوس : أنه صلى ابنه بحضرته فقال له : أذكرت هذه الكلمات قال : لا ، فأمره بإعادة الصلاة

374 - مسألة : ويستحب أن يقول إذا فرغ من التشهد ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن سلمة عن ابن القاسم حدثني مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر : أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري - وعبد الله بن زيد - هو الذي أرى النداء بالصلاة - أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال { أتانا رسول الله في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله ، فكيف نصلي عليك فسكت رسول الله حتى تمنينا أنه لم يسأله ، ثم قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم } . وما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق هو ابن راهويه ثنا روح عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم أنا أبو حميد الساعدي { أنهم قالوا يا رسول الله : كيف نصلي عليك . قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد } . فإن قال قائل : لم لم تجعلوا الصلاة على رسول الله في أثر التشهد فرضا بهذين الخبرين ويقول الله تعالى : { صلوا عليه وسلموا تسليما } كما يقول الشافعي قلنا : لأن رسول الله لم يقل : إن هذا القول فرض في الصلاة ، ولا يحل لأحد أن يزيد في كلامه عليه السلام ما لم يقل ، فنحن نقول : إن هذا القول فرض على كل مسلم أن يقوله مرة في الدهر ، فإذا فعل ذلك فقد صلى على رسول الله كما أمر ثم يستحب له ذلك في الصلاة وغيرها ، فهو تزيد من الأجر ؛ وقد صح أن رسول الله قال : { من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا } . فإن قيل : من أين اقتصرتم على وجوب هذا مرة في الدهر ، ولم توجبوا تكرار ذلك متى ذكر رسول الله قلنا : إن قول ذلك مرة واحدة واجب بالنص ، لا يمكن الاقتصار على أقل من مرة ، وأما الزيادة على المرة فنحن نسألكم : كم من مرة توجبون ذلك في الدهر ، أو في الحول ، أو في الشهر ، أو في اليوم ، أو في الساعة ولا يقبل منكم تحديد عدد دون عدد إلا ببرهان ، ولا سبيل إليه ؛ فقد امتنع هذا بضرورة العقل فإن قالوا : نوجب ذلك في الصلاة خاصة قلنا : ليس هذا موجودا في الآية ، ولا في شيء من الأحاديث فهو دعوى منكم بلا برهان فإن قال قائل من غير الشافعيين : نقول بإيجاب ذلك متى ذكر رسول الله في صلاة أو غيرها قلنا : أيضا هذا لا يوجد لا في آية ولا في الصحيح من الأخبار ، وإنما جاء هذا في حديث رويناه من طريق أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن محمد بن هلال عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه أن كعبا - وهذا سند لا تقوم به حجة ؛ لأن أبا بكر متكلم فيه ، ومحمد بن هلال مجهول ؛ وسعد بن إسحاق غير مشهور الحال . ولقد كان يلزم من رأى الصيام في الاعتكاف فرضا - بدليل ذكره بين آيتي صيام - : أن يجعل الصلاة على رسول الله في الصلاة فرضا للأمر بها مع ذكر السلام الذي علموه ، وهو إما السلام الذي في التشهد في الصلاة ، وإما السلام من الصلاة بلا شك ، ولكنهم لا يطردون استدلالهم على ضعفه ، ولا يلتزمون الأدلة الواجب قبولها - وبالله تعالى التوفيق .

375 - مسألة : والتطبيق في الصلاة لا يجوز ، لأنه منسوخ . وهو وضع اليدين بين الركبتين عند الركوع في الصلاة وكان ابن مسعود رضي الله عنه يفعله ، ويضرب الأيدي على تركه ، وكذلك أصحابه كانوا يفعلونه - : روينا ذلك من طريق نوح بن حبيب القومسي : ثنا ابن إدريس هو عبد الله - عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال : { علمنا رسول الله الصلاة ، فقام فكبر ، فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه وركع ، فبلغ ذلك سعد بن أبي وقاص ، فقال : صدق أخي قد كنا نفعل هذا ، ثم أمرنا بهذا ، يعني الإمساك بالركب } قال علي : قد ذكرنا أمر رسول الله بوضع الأيدي على الركب في حديث رفاعة بن رافع ، فصح أنه هو الأمر الآخر الناسخ للتطبيق - وبالله تعالى التوفيق .


376 - مسألة : فإذا أتم المرء صلاته فليسلم ، وهو فرض لا تتم الصلاة إلا به . ويجزئه أن يقول " السلام عليكم " أو " عليكم السلام " أو " سلام عليكم " أو " عليكم سلام " سواء كان إماما أو مأموما أو فذا ؛ وأفضل ذلك أن يقول كل من ذكرنا السلام عليكم ورحمة الله " عن يمينه " السلام عليكم ورحمة الله " عن يساره . قال علي : برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ثنا موسى بن داود ثنا سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد هو الخدري - قال : قال رسول الله  : { إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم } . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني الحسن بن إسماعيل بن سليمان المجالدي ثنا فضيل هو ابن عياض - عن منصور هو ابن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله في حديث ذكره { إنما أنا بشر أنسى كما تنسون ، فأيكم نسي شيئا في صلاته فليتحر الذي يرى أنه صواب ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو } . فقد ثبت بهذين الخبرين أمر رسول الله بالتسليم من كل صلاة ، وأوامره عليه السلام فرض ، ولفظة التسليم تقتضي ما ذكرناه . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري ومعمر كلاهما عن حماد بن أبي سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن { عبد الله بن مسعود قال : ما نسيت فيما نسي عن رسول الله أنه كان يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، حتى يرى بياض خده ، وعن يساره : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، حتى يرى بياض خده أيضا } . ورواه أيضا عن ابن مسعود مسندا أبو الأحوص ، وأبو معمر . ورواه أيضا سعد بن أبي وقاص ، وابن عمر كلاهما عن رسول الله . وهو فعل السلف كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه - ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا زهير هو ابن معاوية - عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ، وعلقمة عن ابن مسعود قال { رأيت رسول الله يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود ويسلم عن يمينه وعن شماله : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده ، ورأيت أبا بكر ، وعمر يفعلانه } . ورويناه أيضا عن عمار بن ياسر ، وعلي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وجماعة من الأنصار رضي الله عنهم ، وعن الصحابة جملة رضي الله عنهم بأصح إسناد يكون ورويناه عن علقمة ، والأسود ، وخيثمة ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، والنخعي . وهو قول الشافعي ، وسفيان الثوري ، وأبي حنيفة ، والحسن بن حي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبي سليمان وجمهور أصحاب الحديث . وقال الحسن بن حي : التسليمتان معا فرض . وقال أبو حنيفة : التسليمتان اختيار ، وليس السلام من الصلاة فرضا ؛ بل إذا قعد مقدار التشهد فقد تمت صلاته . فإن تعمد الحدث أو لم يتعمده ، أو تعمد القيام ، أو الكلام ، أو العمل فذلك مباح ، وقد تمت صلاته والأمة تصلي مكشوفة الرأس ثم تعتق في آخر صلاتها بعد أن جلست مقدار التشهد وقبل أن تسلم فإن صلاتها قد تمت . ومن صلى جالسا لمرض ثم صح بعد أن قعد مقدار التشهد في آخر صلاته وقبل أن يسلم فصلاته تامة . ومن صلى متحريا إلى غير القبلة ثم عرف القبلة بعد أن قعد في آخر صلاته مقدار التشهد ولم يسلم فصلاته تامة إلا في مواضع عشرة فإنه أوجب السلام فيها فرضا ، وأبطل صلاة من وقع له شيء منها وإن قعد مقدار التشهد ما لم يسلم وهي - : من صلى بتيمم فرأى الماء بعد أن قعد في آخرها مقدار التشهد ولم يسلم ومن صلى وهو عريان ثم وجد ما يغطي به عورته بعد أن قعد مقدار التشهد إلا أنه لم يسلم ومن صلى الصبح ثم طلع أول قرص الشمس بعد أن قعد مقدار التشهد في آخر صلاته قبل أن يسلم ؛ فلو قهقه بعد طلوع الشمس وصلاته قد بطلت إلا أنه لم يسلم : انتقض وضوءه ومن تم له وقت المسح بعد أن قعد مقدار التشهد في آخر صلاته إلا أنه لم يسلم ومن صلى الجمعة فخرج وقتها ودخل وقت العصر وقد قعد مقدار التشهد إلا أنه لم يسلم ومن قعد في آخر صلاته مقدار التشهد ثم ذكر قبل أن يسلم صلاة فاتته بينه وبينها خمس صلوات فأقل والمستحاضة خرج وقت الصلاة التي هي فيها بعد أن قعدت في آخرها مقدار التشهد إلا أنها لم تسلم ومن صلى وهو لا يحسن شيئا من القرآن فتعلم سورة بعد أن قعد في آخر صلاته مقدار التشهد إلا أنه لم يسلم ومن مسح على جراحة به فبرئت بعد أن جلس في آخر صلاته مقدار التشهد ، وقبل أن يسلم . فإن هؤلاء كلهم تبطل صلاتهم ، ويلزمهم ابتداؤها ومن صلى وهو مسافر فلما جلس في آخر الركعتين مقدار التشهد ، إلا أنه لم يسلم فنوى الإقامة فإن فرضا عليه أن يأتي بركعتين يصليهما حضرية ؛ لم يختلف قوله في شيء من هذا واختلف قوله فيمن صلى وهو مريض نائما - لا يقدر على أكثر من ذلك - ثم صح بعد أن قعد في نيته مقدار التشهد إلا أنه لم يسلم ومن افتتح الصلاة وهو صحيح ثم عرض له مرض نقله إلى الجلوس ، أو الإيماء بعد أن قعد في آخر صلاته مقدار التشهد ولم يسلم - : فمرة قال : تبطل صلاتهم ويبتدئونها - ومرة قال : قد تمت صلاتهم قال علي : وإنما أوردنا هذه المسائل لنرى تناقض أقوالهم ، وأنهم لم يتعلقوا لا بإيجاب السلام فرضا ولا بترك إيجابه ، ولا ثبتوا على شيء أصلا وهذه أقوال نحمد الله على السلامة من مثلها ومن العجب أن أصحابه لم يخرجوا هذا منه على أنهما قولان له ؛ بل ما زالوا يشغبون بالباطل والهذر في تصحيح إسقاط فرض السلام جملة إلا في هذه المواضع ؛ فإنهم شغبوا في إيجاب فرض السلام فيها فقط ، لم يختلفوا في ذلك وأما قول الحسن بن حي فلا دليل على صحته وقال مالك : السلام فرض تبطل صلاة من عرض له ما يبطل الصلاة ما لم يسلم ؛ إلا أنه قال : الإمام والفذ لا يسلمان إلا تسليمة واحدة ، وأما المأموم فإنه إن لم يكن عن شماله أحد سلم - تسليمتين : إحداهما عن يمينه ، والأخرى يرد بها على الإمام ، فإن كان عن يساره أحد سلم ثالثة ردا على الذي عن يساره قال علي : وهذا أيضا قول لا دليل على صحته ، وتقسيم لم يأت به قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب ؛ والإمام لم يقصد بسلامه أحدا ، ولو فعل ذلك لبطلت صلاته ؛ لأنه كلام مع المسلم عليه ، والكلام مع غير الله تعالى وغير رسوله في الصلاة عمدا مبطل للصلاة وبرهان هذا - : أن المصلي - كان معه أحد أو لم يكن - فإنه يسلم عند جميعهم كما يسلم الإمام ، فصح أنه خروج عن الصلاة ، لا تسليم على أحد من الناس . فسقط هذان القولان سقوطا بينا دون كلفة - ولله الحمد قال علي : وبقي قول من لم ير التسليم من الصلاة فرضا ، وقول من اختار تسليمة واحدة ، ممن لم يضطرب قوله في ذلك ؛ فوجدنا من لا يرى التسليم فرضا يحتج بما رويناه من طريق عاصم بن علي : ثنا زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر { عن القاسم بن مخيمرة أخذ علقمة بيدي وحدثني : أن عبد الله أخذ بيده وأن رسول الله أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة فذكر التشهد ، قال : فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد } . قال علي : وهذه الزيادة انفرد بها القاسم بن مخيمرة ، ولعلها من رأيه وكلامه ، أو من كلام علقمة ، أو من كلام عبد الله وقد روي هذا الحديث عن علقمة : إبراهيم النخعي - وهو أضبط من القاسم - فلم يذكر هذه الزيادة . كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن جبلة قال : ثنا العلاء بن هلال الرقي حدثني عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد هو ابن أبي أنيسة - عن حماد هو ابن أبي سليمان - عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود قال { كنا لا ندري ما نقول إذا صلينا ، فعلمنا رسول الله جوامع الكلم ، فقال لنا : قولوا : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . قال علقمة : لقد رأيت ابن مسعود يعلمنا هؤلاء الكلمات كما يعلمنا القرآن } . ثم لو صح أن هذه الزيادة من كلام رسول الله لكان ما ذكرنا قبل من أمره عليه السلام زيادة حكم لا يجوز تركها وقد صح عن ابن مسعود إيجاب التسليم فرضا كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان : ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال : حد الصلاة التكبير وانقضاؤها التسليم فوضح بهذا أن تلك الزيادة إما أنها ممن بعد ابن مسعود ، وإما أنها عند ابن مسعود منسوخة ، والحجة كلها فيما ذكرنا من أمر رسول الله بالسلام من الصلاة . وأما من رأى تسليمة واحدة وكره ما زاد ، فإنهم احتجوا بأخبار - : منها - من طريق أبي المصعب عن الدراوردي من طريق سعد . والثابت من طريق سعد { أنه عليه السلام كان يسلم تسليمتين } . وبآثار واهية - : منها - من طريق محمد بن الفرج عن محمد بن يونس ؛ وكلاهما مجهول أو مرسل من طريق الحسن - أو من طريق محمد بن زهير ، وهو ضعيف أو من طريق ابن لهيعة ، وهو ساقط ولو صحت لكانت أحاديث التسليمتين زيادة يكون الفضل في الأخذ بها فإن ذكر ذاكر : حديث جابر بن سمرة { كنا إذا صلينا مع رسول الله قلنا : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله ، وأشار بيده إلى الجانبين فقال رسول الله على ما تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه عن يمينه وشماله } . قال علي : هذا إن كان في السلام الذي يخرج به من الصلاة فهو منسوخ بلا شك ، بقوله { إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس } . وهذا أمر لم يختلف أحد من الأمة في أنه محكم ؛ ثم ادعى قوم تخصيصه في بعض الأحوال ، فإذ هو كذلك فهو الناسخ لما كانوا عليه قبل من إباحة التسليم ورده في الصلاة ؛ فصح أن ذلك منسوخ - وبالله تعالى التوفيق

محلى ابن حزم - المجلد الأول/كتاب الصلاة

كتاب الصلاة (مسألة 275 - 280) | كتاب الصلاة (مسألة 281 - 284) | كتاب الصلاة (مسألة 285) | كتاب الصلاة (مسألة 286) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 286) | كتاب الصلاة (مسألة 287 - 295) | كتاب الصلاة (مسألة 296 - 300) | كتاب الصلاة (مسألة 301) | كتاب الصلاة (تتمة مسألة 301) | كتاب الصلاة (مسألة 302 - 313) | كتاب الصلاة (مسألة 314 - 321) | كتاب الصلاة (مسألة 322 - 334) | كتاب الصلاة (مسألة 335) | كتاب الصلاة (مسألة 336) | كتاب الصلاة (مسألة 337 - 347) | كتاب الصلاة (مسألة 344 - 348) | كتاب الصلاة (مسألة 349) | كتاب الصلاة (مسألة 350 - 353) | كتاب الصلاة (مسألة 354 - 360) | كتاب الصلاة (مسألة 361 - 368) | كتاب الصلاة (مسألة 369 - 371) | كتاب الصلاة (مسألة 372 - 376) | كتاب الصلاة (مسألة 377 - 384) | كتاب الصلاة (مسألة 385 - 391) | كتاب الصلاة (مسألة 392 - 394) | كتاب الصلاة (مسألة 395 - 412) | كتاب الصلاة (مسألة 413 - 420) | كتاب الصلاة (مسألة 421 - 434) | كتاب الصلاة (مسألة 435 - 442) | كتاب الصلاة (مسألة 443 - 446) | كتـاب الصلاة (مسألة 447 - 453) | كتـاب الصلاة (مسألة 454 - 458) | كتـاب الصلاة (مسألة 459 - 461) | كتـاب الصلاة (مسألة 462 - 466) | كتـاب الصلاة (مسألة 467 - 472) | كتـاب الصلاة (مسألة 473 - 484) | كتـاب الصلاة (مسألة 485) | كتـاب الصلاة (مسألة 486 - 488) | كتـاب الصلاة (مسألة 489 - 493) | كتـاب الصلاة (مسألة 494 - 496) | كتـاب الصلاة (مسألة 497 - 504) | كتـاب الصلاة (مسألة 505) | كتـاب الصلاة (مسألة 506 - 510) | كتـاب الصلاة (مسألة 511 - 512) | كتـاب الصلاة (مسألة 513) | كتـاب الصلاة (مسألة 514 - 518) | كتـاب الصلاة (مسألة 519 - 520) | كتاب الصلاة (مسألة 521 - 523) | كتاب الصلاة (مسألة 524 - 529) | كتاب الصلاة (مسألة 530 - 540) | كتاب الصلاة (مسألة 543 - 553) | كتاب الصلاة (مسألة 554 - 555) | كتاب الصلاة (مسألة 556 - 557)