فإذا قيل الصفات الذاتية الداخلة في الماهية والخارجة عن الماهية وعني بالداخل ما دل عليه اللفظ بالتضمن وبالخارج ما دل عليه بالالتزام فهذا صحيح

وهذا الدخول والخروج هو بحسب ما تصوره المتكلم فمن تصور حيوانا ناطقا فقال إنسان كانت دلالته على المجموع مطابقة وعلى أحدهما تضمن وعلى اللازم مثل كونه ضاحكا التزام وإذا تصور إنسانا ضاحكا كانت دلالة إنسان على المجموع مطابقة وعلى أحدهما تضمن وعلى اللازم مثل كونه ناطقا التزام

وأما أن تكون الصفات اللازمة للموصوف في الخارج بعضها داخل في حقيقته وماهيته وبعضها خارج عن حقيقته وماهيته والداخل هو الذاتي والخارج ينقسم إلى لازم للماهية والوجود وإلى لازم للوجود دون الماهية فهذا كله مما قد بسط الكلام عليه في مواضع وبينا ما في المنطق اليوناني من الأغاليط التي بعضها من معلمهم الأول وبعضها من تغيير المتأخرين

وتكلمنا على ما ذكره أئمتهم في ذلك واحدا واحدا كابن سينا وأبي البركات وغيرهما وأنه يوجد من كلامهم أنفسهم ومن رد بعضهم على بعض ما يبين أن ما ذكروه من تقسيم الصفات اللازمة للموصوف إلى هذه الأقسام الثلاثة تقسيم باطل إلا إذا جعل ذلك باعتبار ما في الذهن من الماهية لا باعتبار ماهية موجودة في الخارج 3 وكذلك ما فرعوه على هذا من أن الإنسان مركب من الجنس والفصل فإن هذا التركيب ذهني لا حقيقة له في الخارج وتركبه من الحيوان والناطق من جنس تركبه من الحيوان والضاحك إذا جعل كل من الصفتين لازما ملزوما وأريد الضاحك بالقوة والناطق بالقوة

وأما إذا قيل في الخارج الإنسان مركب من هذا وهذا فإن أريد به أن الإنسان موصوف بهذا وهذا فهذا صحيح وكذلك إذا فرق بين الصفات اللازمة للإنسان التي لا يكون إنسانا إلا بها كالحيوانية والناطقية والضاحكية وبين ما يعرض لبعض الناس كالسواد والبياض والعربية والعجمية فهذا صحيح

أما إذا قيل هو مركب من صفاته اللازمة له وهي أجزاء له وهي متقدمة عليه تقدما ذاتيا فإن الجزء قبل الكل والمفرد قبل المركب وأريد بذلك التركيب في الخارج فهذا كله تخليط فإن الصفة تابعة للموصوف فكيف تكون متقدمة عليه بوجه من الوجوه

وإذا قيل هو مركب من الحيوانية والناطقية أو من الحيوان والناطق فإن أريد أنه مركب من جوهرين قائمين بأنفسهما لزم أن يكون في كل موصوف جواهر كثيرة بعدد صفاته فيكون في الإنسان جوهر هو جسم وجوهر هو حساس وجوهر هو نام وجوهر هو متحرك بالإرادة وجوهر هو ناطق

ومعلوم أن هذا خطأ بل الإنسان جوهر قائم بنفسه موصوف بهذه الصفات فيقال جسم حساس نام متحرك بالإرادة ناطق

وإن أريد به أنه مركب من عرضين فالإنسان جوهر والجوهر لا يتركب من أعراض لاحقة له فضلا عن أن تكون سابقة له متقدمة عليه

وهذا كله قد بسطناه في مواضع وإنما كان المقصود هنا أن هؤلاء الفلاسفة كثيرا ما يغلطون في جعل الأمور الذهنية المعقولة في النفس فيجعلون ذلك بعينه أمورا موجودة في الخارج فأصحاب فيثاغورس القائلون بالأعداد المجردة في الخارج من هنا كان غلطهم وأصحاب أفلاطون الذي أثبتوا المثل الأفلاطونية من هنا كان غلطهم وأصحاب صاحبه أرسطو الذين أثبتوا جواهر معقولة مجردة في الخارج مقارنة للجواهر الموجودة المحسوسة كالمادة والصورة والماهية الزائدة على الوجود في الخارج من هنا كان غلطهم

وهم إذا أثبتوا هذه الماهية قيل لهم أهي في الذهن أم في الخارج ففي أيهما أثبتوها ظهر غلطهم وإذا قالوا نثبتها مطلقة مع قطع النظر عن هذا وهذا أو أعم من هذا وهذا قيل عدم نظر الناظر لا يغير الحقائق عما هي عليه في نفس الأمر إما في الذهن وإما في الخارج

وما كان أعم منها فهو أيضا في الذهن فإنك إذا قدرت ماهية لا في الذهن ولا في الخارج لم تكن مقدرا إلا في الذهن ومعنى ذلك أن هذا التقدير في الذهن لا أن الماهية التي قيل عنها ليست في الذهن هي في الذهن بل الماهية التي تصورها الإنسان في ذهنه يمكنه تقديرها ليست في ذهنه مع أن تقديرها ليست في ذهنه هو في ذهنه وإن كان تقديرا ممتنعا

بل يجب الفرق بين الماهية المقيدة بكونها في الذهن وبين الماهية المطلقة التي لا تتقدر بذهن ولا خارج مع العلم بأن هذه الماهية المطلقة لا تكون أيضا إلا في الذهن وإن أعرض الذهن عن كونها في الذهن فكونها في الذهن شيء والعلم بكونها في الذهن شيء آخر

وهؤلاء يتصورون أشياء ويقدرونها وذلك لا يكون إلا في الذهن لكن حال ما يتصور الإنسان شيئا في ذهنه ويقدره قد لا يشعر بكونه في الذهن كمن رأى الشيء في الخارج فاشتغل بالمرئي عن كونه رائيا له وهذا يشبه ما يسميه بعضهم الفناء الذي يفنى بمذكوره عن ذكره وبمحبوبه عن محبته وبمعبوده عن عبادته ونحو ذلك كما يقدر الشيء بخلاف ما هو عليه كما إذا قدر أن الجبل من ياقوت والبحر من زئبق فتقدير الأمور على خلاف ما هي عليه هو تقدير اعتقادات باطلة

والاعتقادات الباطلة لا تكون إلا في الأذهان فمن قدر ماهية لا في الذهن ولا في الخارج فهو مثل من قدر موجودا لا واجبا ولا ممكنا ولا قديما ولا محدثا ولا قائما بنفسه ولا قائما بغيره وهذا التقدير في الذهن

وقد بسطنا الكلام على ذلك لما بينا فساد احتجاج كثير من أهل النظر بالتقديرات الذهنية على الإمكانات الخارجية كما يقوله الرازي وغيره إنا يمكننا أن نقول الموجود إما داخل العالم وإما خارج العالم وإما لا داخل العالم ولا خارجه وكل موجود إما مباين لغيره وإما محايث له وإما لا مباين ولامحايث فهذا يدل على إمكان القسم الثالث

وكذلك إذا قلنا الموجود إما متحيز وإما قائم بالمتحيز وإما لا متحيز ولا قائم بالمتحيز وهذا يدل على إمكان القسم الثالث وهذا غلط فإن هذا كقول القائل الموجود إما قائم بنفسه وإما قائم بغيره وإما لا قائم بنفسه ولا بغيره فدل على إمكان القسم الثالث فإن هذا غلط

وكذلك إذا قيل إما قديم وإما محدث وإما لا قديم ولا محدث وإما واجب وإما ممكن وإما لا واجب ولا ممكن وكذلك ما أشبه هذا

ودخل الغلط على هؤلاء حيث ظنوا أن مجرد تقدير الذهن وفرضه يقتضي إمكان ذلك في الخارج وليس كذلك بل الذهن يفرض أمورا ممتنعة لا يجوز وجودها في الخارج ولا تكون تلك التقديرات إلا في الذهن لا في الخارج

وهذه الأمور مبسوطة في موضع آخر ولكن المقصود هنا ذكر ما اختلف فيه الناس من جهة الذم والعقاب وبينا أن الحال يرجع إلى أصلين أحدهما أن كل ما تنازع فيه الناس هل يمكن كل أحد اجتهاد يعرف به الحق أم الناس ينقسمون إلى قادر على ذلك وغير قادر

والأصل الثاني المجتهد العاجز عن معرفة الصواب هل يعاقبه الله أم لا يعاقب من اتقى الله ما استطاع وعجز عن معرفة بعض الصواب

وإذا عرف هذان الأصلان فأصحاب رسول الله جميع ما يطعن به فيهم أكثره كذب والصدق منه غايته أن يكون ذنبا أو خطأ والخطأ مغفور والذنب له أسباب متعددة توجب المغفرة ولا يمكن أحد أن يقطع بأن واحدا منهم فعل من الذنوب ما يوجب النار لا محالة وكثير مما يطعن به على أحدهم يكون من محاسنه وفضائله فهذا جواب مجمل

ثم نحن نتكلم على ما ذكرته الرافضة من المطاعن على وجه التفصيل كما ذكره أفضل الرافضة في زمنه صاحب هذا الكتاب لما ذكر أن الكلبي صنف كتابا في المثالب

قال الرافضي وقد ذكر غيره منها أشياء كثيرة ونحن نذكر منها شيئا يسيرا منها ما رووه عن أبي بكر أنه قال على المنبر إن النبي كان يعتصم بالوحي وإن لي شيطانا يعتريني فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني وكيف يجوز إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه مع أن الرعية تحتاج إليه

والجواب أن يقال هذا الحديث من أكبر فضائل الصديق رضي الله عنه وأدلها على أنه لم يكن يريد علوا في الأرض ولا فسادا فلم يكن طالب رياسة ولا كان ظالما وإنه إنما كان يأمر الناس بطاعة الله ورسوله فقال لهم إن استقمت على طاعة الله فأعينوني عليها وإن زغت عنها فقوموني كما قال أيضا أيها الناس أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم

والشيطان الذي يعتريه يعترى جميع بني آدم فإنه ما من أحد إلا وقد وكل الله به قرينه من الملائكة وقرينه من الجن

والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم كما في الصحيحين عن النبي أنه قال ما من أحد إلا وقد وكل الله به قرينه من الملائكة وقرينه من الجن قيل وأنت يا رسول الله قال وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير

وفي الصحيح عنه قال لما مر به بعض الأنصار وهو يتحدث مع صفية ليلا قال على رسلكما إنها صفية بنت حيي ثم قال إني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شيئا إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم

ومقصود الصديق بذلك إني لست معصوما كالرسول وهذا حق

وقول القائل كيف تجوز إمامة من يستعين على تقويمه بالرعية كلام جاهل بحقيقة الإمامة فإن الإمام ليس هو ربا لرعيته حتى يستغني عنهم ولا هو رسول الله إليهم حتى يكون هو الواسطة بينهم وبين الله وإنما هو والرعية شركاء يتعاونون هم وهو على مصلحة الدين والدنيا فلا بد له من إعانتهم ولا بد لهم من إعانته كأمير القافلة الذي يسير بهم في الطريق إن سلك بهم الطريق اتبعوه وإن أخطأ عن الطريق نبهوه وأرشدوه وإن خرج عليهم صائل يصول عليهم تعاون هو وهم علي دفعه لكن إذا كان أكملهم علما وقدرة ورحمة كان ذلك أصلح لأحوالهم

وكذلك إمام الصلاة إن استقام صلوا بصلاته وإن سها سبحوا به فقوموه إذا زاغ

وكذلك دليل الحاج إن مشى بهم في الطريق مشوا خلفه وإن غلط قوموه

والناس بعد الرسول لا يتعلمون الدين من الإمام بل الأئمة والأمة كلهم يتعلمون الدين من الكتاب والسنة

ولهذا لم يأمر الله عند التنازع برد الأمر إلى الأئمة بل قال تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول الآيةسورة النساء 59 فأمر بالرد عند التنازع إلى الله والرسول لا إلى الأئمة وولاة الأمور وإنما أمر بطاعة ولاة الأمور تبعا لطاعة الرسول

ولهذا قال النبي إنما الطاعة في المعروف وقال لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وقال من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه وقول القائل كيف تجوز إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه مع أن الرعية تحتاج إليه

وارد في كل متعاونين ومتشاركين يحتاج كل منهما إلى الاخر حتى الشركاء في التجارات والصناعات وإمام الصلاة هو بهذه المنزلة فإن المأمومين يحتاجون إليه وهو يحمل عنهم السهو وكذلك القراءة عند الجمهور وهو يستعين بهم إذا سها فينبهونه على سهوه ويقومونه ولو زاغ في الصلاة فخرج عن الصلاة الشرعية لم يتبعوه فيها ونظائره متعددة

ثم يقال استعانة علي برغيته وحاجته إليهم كانت أكثر من استعانة أبي بكر وكان تقويم أبي بكر لرعيته وطاعتهم له أعظم من تقويم علي لرعيته وطاعتهم له فإن أبا بكر كانوا إذا نازعوه أقام عليهم الحجة حتى يرجعوا إليه كما أقام الحجة على عمر في قتال مانعي الزكاة وغير ذلك

وكانوا إذا أمرهم أطاعوه وعلي رضى الله عنه لما ذكر قوله في أمهات الأولاد وأنه اتفق رأيه ورأي عمر على أن لا يبعن ثم رأى أن يبعن فقال له قاضيه عبيدة السلماني رأيك مع عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة

وكان يقول اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الخلاف حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي

وكانت رعيته كثيرة المعصية له وكانوا يشيرون عليه بالرأي الذي يخالفهم فيه ثم يتبين له أن الصواب كان معهم كما أشار عليه الحسن بأمور مثل أن لا يخرج من المدينة دون المبايعة وأن لا يخرج إلى الكوفة وأن لا يقاتل بصفين وأشار عليه أن لا يعزل معاوية وغير ذلك من الأمور

وفي الجملة فلا يشك عاقل أن السياسة انتظمت لأبي بكر وعمر وعثمان ما لم تنتظم لعلي رضي الله عنهم فإن كان هذا لكمال المتولي وكمال الرعية كانوا هم ورعيتهم أفضل وإن كان لكمال المتولي وحده فهو أبلغ في فضلهم وإن كان ذلك لفرط نقص رعية علي كان رعية علي أنقص من رعية أبي بكر رضي الله عنه وعمر وعثمان

ورعيته هم الذين قاتلوا معه وأقروا بإمامته ورعية الثلاثة كانوا مقرين بإمامتهم فإذا كان المقرون بإمامة الثلاثة أفضل من المقرين بإمامة علي لزم أن يكون كل واحد من الثلاثة أفضل منه

وأيضا فقد انتظمت السياسة لمعاوية ما لم تنتظم لعلي فيلزم أن تكون رعية معاوية خيرا من رعية علي ورعية معاوية شيعة عثمان وفيهم النواصب المبغضون لعلي فتكون شيعة عثمان والنواصب أفضل من شيعة علي فيلزم على كل تقدير إما أن يكون الثلاثة أفضل من علي وإما أن تكون شيعة عثمان والنواصب أفضل من شيعة علي والروافض

وأيهما كان لزم فساد مذهب الرافضة فإنهم يدعون أن عليا أكمل من الثلاثة وأن شيعته الذين قاتلوا معه أفضل من الذين بايعوا الثلاثة فضلا عن أصحاب معاوية

والمعلوم باتفاق الناس أن الأمر انتظم للثلاثة ولمعاوية ما لم ينتظم لعلي فكيف يكون الإمام الكامل والرعية الكاملة على رأيهم أعظم اضطرابا وأقل انتظاما من الإمام الناقص والرعية الناقصة بل من الكافرة والفاسقة على رأيهم

ولم يكن في أصحاب علي من العلم والدين والشجاعة والكرم إلا ما هو دون ما في رعية الثلاثة فلم يكونوا أصلح في الدنيا ولا في الدين

ومع هذا فلم يكن للشيعة إمام ذو سلطان معصوم بزعمهم أعظم من علي فإذا لم يستقيموا معه كانوا أن لا يستقيموا مع من هو دونه أولى وأحرى فعلم أنهم شر وأنقص من غيرهم

وهم يقولون المعصوم إنما وجبت عصمته لما في ذلك من اللطف بالمكلفين والمصلحة لهم فإذا علم أن مصلحة غير الشيعة في كل زمان خير من مصلحة الشيعة واللطف لهم أعظم من اللطف للشيعة علم أن ما ذكروه من إثبات العصمة باطل

وتبين حينئذ حاجة الأئمة إلى الأمة وأن الصديق هو الذي قال الحق وأقام العدل أكثر من غيره

فصل

قال الرافضي وقال أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم فإن كانت إمامته حقا كانت استقالته منها معصية وإن كانت باطلة لزم الطعن

والجواب أن هذا كذب ليس في شيء من كتب الحديث ولا له إسناد معلوم فإنه لم يقل وعلي فيكم بل الذي ثبت عنه في الصحيح أنه قال يوم السقيفة بايعوا أحد هذين الرجلين عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح فقال له عمر بل أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله قال عمر كنت والله لأن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من تأمري على قوم فيهم أبو بكر

ثم لو قال وعلي فيكم لاستخلفه مكان عمر فإن أمره كان مطاعا

وأما قوله إن كانت إمامته حقا كانت استقالته منها معصية

فيقال إن ثبت أنه قال ذلك فإن كونها حقا إما بمعنى كونها جائزة والجائز يجوز تركه وإما بمعنى كونها واجبة إذا لم يولوا غيره ولم يقيلوه وأما إذا أقالواه وولوا غيره لم تكن واجبة عليه

والإنسان قد يعقد بيعا أو إجارة ويكون العقد حقا ثم يطلب الإقالة وهو لتواضعه وثقل الحمل عليه قد يطلب الإقالة وإن لم يكن هناك من هو أحق بها منه وتواضع الإنسان لا يسقط حقه

فصل

قال الرافضي وقال عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ولو كانت إمامته صحيحة لم يستحق فاعلها القتل فيلزم تطرق الطعن إلى عمر وإن كانت باطلة لزم الطعن عليهما معا

والجواب أن لفظ الحديث سيأتي قال فيه فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة فتمت ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن وقي الله شرها وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر ومعناه أن بيعة أبي بكر بودر إليها من غير تريث ولا انتظار لكونه كان متعينا لهذا الأمر كما قال عمر ليس فيكم من تقطع إليه الاعناق مثل أبي بكر

وكان ظهور فضيلة أبي بكر على من سواه وتقديم رسول الله له على سائر الصحابة أمرا ظهرا معلوما فكانت دلالة النصوص على تعيينه تغني عن مشاورة وانتظار وتريث بخلاف غيره فإنه لا تجوز مبايعته إلا بعد المشاورة والإنتظار والتريث فمن بايع غير أبي بكر عن غير انتظار وتشاور لم يكن له ذلك

وهذا قد جاء مفسرا في حديث عمر هذا في خطبته المشهورة الثابتة في الصحيح التي خطب بها مرجعه من الحج في آخر عمره وهذه الخطبة معروفة عند أهل العلم وقد رواها البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال كنت اقرىء رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها إذ رجع إلى عبد الرحمن بن عوف فقال لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت فغضب عمر ثم قال إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغضبوهم أمورهم فقال عبد الرحمن فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول مقالتك متمكنا فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها فقال عمر أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة قال ابن عباس فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلت بالرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبته فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف فأنكر علي وقال ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها رجم رسول الله ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله إن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ألا إن رسول الله قال لا تطروني كما أطرت النصاري عيسى بن مريم وقولوا عبد الله ورسوله ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول والله لو مات عمر لبايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة فتمت ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا وإنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلنا نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا لا عليكم أن لا تقربوهم أقضوا أمركم فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم فقلت من هذا فقالوا هذا سعد بن عبادة فقلت ما له قالوا يوعك فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحصنونا من الأمر فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر على رسلك فكرهت أن أغضبه فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت فقال ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فلم أكره مما قال غيرها كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر اللهم إلا أن تسول لي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن فقال قائل من الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعد بن عبادة قال عمر وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما أن نخالفهم فيكون فساد فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا قال مالك وأخبرني ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن الرجلين اللذين لقياهما عويمر بن ساعدة ومعن بن عدي وهما ممن شهد بدرا قال ابن شهاب وأخبرني سعيد بن المسيب أن الذي قال أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب الحباب بن المنذر

وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله مات وأبوبكر بالسنح فقام عمر يقول والله ما مات رسول الله قال وقال عمر والله ما كان يقع في قلبي إلا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم فجاء أبو بكر رضي الله عنه فكشف عن رسول فقبله فقال بأبي وأمي طبت حيا وميتا والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا ثم خرج فقال أيها الحالف على رسلك فلما تكلم أبو بكر جلس عمر فحمد الله أبوبكر وأثنى عليه وقال ألا من كان يعبد محمدا فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وقال الله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون سورة الزمر 30 وقال وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل أنقلبتم على أعاقبكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله سشيئا شيئا وسيجزي الله الشاكرين سورة آل عمران 144 قال فنشج الناس يبكون واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا منا أمير ومنكم أمير فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر وكان عمر يقول والله ما أردت بذلك إلا أني هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه نحن الأمراء وأنتم الوزراء فقال حباب ابن المنذر لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا فبايعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح فقال عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس فقال قائل قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر قتله الله

وفي صحيح البخاري عن عائشة في هذه القصة قالت ما كان من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها لقد خوف عمر الناس وإن فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى وعرفهم الحق الذي عليهم

وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك أنه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس على المنبر وذلك الغد من يوم توفي رسول الله فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم قال كنت أرجو أن يعيش رسول الله حتى يدبرنا يريد بذلك أن يكون آخرهم فإن يكن محمد قد مات فإن الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به به هدى الله محمدا وإن إبا بكر صاحب رسول الله ثاني اثنين وإنه أولى المسلمين بأموركم فقوموا فبايعوه وكانت طائفة منهم قد بايعوه قيل ذلك في سقيفة بني ساعدة وكانت بيعة العامة على المنبر

وعنه قال سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذ اصعد المنبر فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة

وفي طريق أخرى لهذه الخطبة أما بعد فاختار الله لرسوله الذي عنده على الذي عندكم وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسوله فخذوا به تهتدوا لما هدى الله به رسوله

فصل

قال الرافضي وقال أبو بكر عند موته ليتني كنت سألت رسول الله هل للأنصار في هذا الأمر حق وهذا يدل على أنه في شك من إمامته ولم تقع صوابا

والجواب أن هذا كذب على أبي بكر رضي الله عنه وهو لم يذكر له إسنادا ومعلوم أن من احتج في أي مسألة كانت بشيء من النقل فلا بد أن يذكر إسنادا تقوم به الحجة فكيف بمن يطعن في السابقين الأولين بمجرد حكاية لا إسناد لها

ثم يقال هذا يقدح فيما تدعونه من النص على علي فإنه لو كان قد نص عل علي لم يكن للأنصار فيه حق ولم يكن في ذلك شك

فصل

قال الرافضي وقال عند احتضاره ليت أمي لم تلدني يا ليتني كنت تبنة في لبنة مع أنهم قد نقلوا عن النبي أنه قال ما من محتضر يحتضر إلا ويرى مقعده من الجنة والنار

والجواب أن تكلمه بهذا عند الموت غير معروف بل هو باطل فلا ريب بل الثابت عنه أنه لما احتضر وتمثلت عنده عائشة بقول الشاعر

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

فكشف عن وجهه وقال ليس كذلك ولكن قولي وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد سورة ق 14ولكن نقل عنه أنه قال في صحته ليت أمي لم تلدني ونحو هذا قاله خوفا إن صح النقل عنه ومثل هذا الكلام منقول عن جماعة أنهم قالوه خوفا وهيبة من أهوال يوم القيامة حتى قال بعضهم لو خيرت بين أن أحاسب وأدخل الجنة وبين أن أصير ترابا لاخترت أن أصير ترابا وروى الإمام أحمد عن أبي ذر أنه قال والله لوددت أني شجرة تعضد وقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء قال حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا محمد بن علي الصائغ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو معاوية حدثنا السري بن يحيى قال قال عبد الله بن مسعود لو وقفت بين الجنة والنار فقيل لي اختر في أيهما تكون أو تكون رمادا لاخترت أن أكون رمادا

وروى الإمام أحمد بن حنبل حدثنا يحيي بن سعيد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال قال رجل عند عبد الله بن مسعود ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين أكون من المقربين أحب إلي فقال عبد الله بن مسعود لكن ها هنا رجل ود أنه إذا مات لم يبعث يعني نفسه

والكلام في مثل هذا هل هو مشروع أم لا له موضع آخر لكن الكلام الصادر عن خوف العبد من الله يدل على إيمانه بالله وقد غفر الله لمن خافه حين أمر أهله بتحريقه وتذرية نصفه في البر ونصفه في البحر مع أنه لم يعمل خيرا قط وقال والله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه وقال ما حملك على ما صنعت قال من خشيتك يا رب فغفر له أخرجاه في الصحيحين

فإذا كان مع شكه في القدرة والمعاد إذا فعل ذلك غفر له بخوفه من الله علم أن الخوف من الله من أعظم أسباب المغفرة للأمور الحقيقية إذا قدر أنها ذنوب

فصل

قال الرافضي وقال أبو بكر ليتني في ظلة بني ساعدة ضربت بيدي على يد أحد الرجلين فكان هو الأمير وكنت الوزير قال وهو يدل على أنه لم يكن صالحا يرتضي لنفسه الإمامة

والجواب أن هذا إن كان قاله فهو أدل دليل على أن عليا لم يكن هو الإمام وذلك إن قائل هذا إنما يقوله خوفا من الله أن يضيع حق الولاية وأنه إذا ولى غيره وكان وزيرا له كان أبرأ لذمته فلو كان علي هو الإمام لكانت توليته لأحد الرجلين إضاعة للإمامة أيضا وكان يكون وزيرا لظالم غيره وكان قد باع آخرته بدنيا غيره وهذا لا يفعله من يخاف الله ويطلب براءة ذمته

وهذا كما لو كان الميت قد وصى بديون فاعتقد الوارث أن المستحق لها شخص فأرسلها إليه مع رسوله ثم قال يا ليتني أرسلتها مع من هو أدين منه خوفا أن يكون الرسول الأول مقصرا في الوفاء تفريطا أو خيانة وهناك شخص حاضر يدعي أنه المستحق للدين دون ذلك الغائب فلو علم الوارث أنه المستحق لكان يعطيه ولا يحتاج إلى الإرسال به إلى ذلك الغائب

فصل

قال الرافضي وقال رسول الله في مرض موته مرة بعد أخرى مكررا لذلك أنفذوا جيش أسامة لعن الله المتخلف عن جيش أسامة وكان الثلاثة معه ومنع أبو بكر وعمر من ذلك

والجواب أن هذا من الكذب المتفق على أنه كذب عند كل من يعرف السيرة ولم ينقل أحد من أهل العلم أن النبي أرسل أبا بكر أو عثمان في جيش أسامة وإنما روي ذلك في عمر وكيف يرسل أبا بكر في جيش أسامة وقد استخلفه يصلي بالمسلمين مدة مرضه وكان ابتداء مرضه من يوم الخميس إلى الخميس إلى يوم الإثنين اثني عشر يوما ولم يقدم في الصلاة بالمسلمين إلا أبا بكر بالنقل المتواتر ولم تكن الصلاة التي صلاها أبو بكر بالمسلمين في مرض النبي صلاة ولا صلاتين ولا صلاة يوم ولا يومين حتى يظن ما تدعيه الرافضة من التلبيس وأن عائشة قدمته بغير أمره بل كان يصلي بهم مدة مرضه فإن الناس متفقون على أن النبي لم يصل بهم في مرض موته إلا أبو بكر وعلي أنه صلى بهم عدة أيام وأقل ما قيل إنه صلى بهم سبعة عشرة صلاة صلى بهم صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة وخطب بهم يوم الجمعة هذا مما تواترت به الأحاديث الصحيحة ولم يزل يصلي بهم إلى فجر يوم الاثنين صلى بهم صلاة الفجر وكشف النبي الستارة فرآهم يصلون خلف أبي بكر فلما رأوه كادوا يفتنون في صلاتهم ثم أرخى الستارة وكان ذلك آخر عهدهم به وتوفي يوم الإثنين حين اشتد الضحى قريبا من الزوال

وقد قيل إنه صلى به أكثر من ذلك من الجمعة التي قبل فيكون قد صلى بهم مدة مرضه كلها لكن خرج النبي في صلاة واحدة لما وجد خفة في نفسه فتقدم وجعل أبا بكر عن يمينه فكان أبو بكر يأتم بالنبي والناس يأتمون بأبي بكر وقد كشف الستارة يوم الإثنين صلاة الفجر وهم يصلون خلف أبي بكر ووجهه كأنه ورقة مصحف فسر بذلك لما رأى اجتماع الناس في الصلاة خلف أبي بكر ولم يروه بعدها

وقد قيل إن آخر صلاة صلاها كانت خلف أبي بكر وقيل صلى خلفه غيرها

فكيف يتصور أن يأمره بالخروج في الغزاة وهو يأمره بالصلاة بالناس

وأيضا فإنه جهز جيش أسامة قبل أن يمرض فإنه أمره على جيش عامتهم المهاجرون منهم عمر بن الخطاب في آخر عهده وكانوا ثلاثة آلاف وأمره أن يغير على أهل مؤتة وعلى جانب فلسطين حيث أصيب أبوه وجعفر وابن رواحة فتجهز أسامة ابن زيد للغزو وخرج في ثقله إلى الجرف وأقام بها أياما لشكوى رسول الله فدعا رسول الله أسامة فقال اغد على بركة الله والنصر والعافية ثم أغر حيث أمرتك أن تغير قال أسامة يا رسول الله قد أصبحت ضعيفا وأرجو أن يكون الله قد عافاك فاذن لي فأمكث حتى يشفيك الله فإني إن خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي نفسي منك قرحة وأكره أن أسأل عنك الناس فسكت عنه رسول الله وتوفي رسول الله بعد ذلك بأيام فلما جلس أبو بكر للخلافة أنفذه مع ذلك الجيش غير أنه استأذنه في أن يأذن لعمر بن الخطاب في الإقامة لأنه ذو رأي ناصح للإسلام فأذن له وسار أسامة لوجهه الذي أمر رسول الله فأصاب في ذلك العدو مصيبة عظيمة وغنم هو وأصحابه وقتل قاتل أبيه وردهم الله سالمين إلى المدينة

وإنما أنفذ جيش أسامة أبوبكر الصديق بعد موت النبي وقال لا أحل راية عقدها رسول الله وأشار عليه غير واحد أن يرد الجيش خوفا عليهم فإنهم خافوا أن يطمع الناس في الجيش بموت النبي فامتنع أبو بكر من رد الجيش وأمر بإنفاذه فلما رآهم الناس يغزون عقب موت النبي كان ذلك مما أيد الله به الدين وشد به قلوب المؤمنين وأذل به الكفار والمنافقين وكان ذلك من كمال معرفة أبي بكر الصديق وإيمانه ويقينه وتدبيره ورأيه

فصل

قال الرافضي وأيضا لم يؤل النبي أبا بكر ألبتة عملا في وقته بل ولى عليه عمرو بن العاص تارة وأسامة أخرى ولما أنفذه بسورة براءة رده بعد ثلاثة أيام بوحي من الله وكيف يرتضي العاقل إمامة من لا يرتضيه النبي بوحي من الله لأداء عشر آيات من براءة

والجواب أن هذا من أبين الكذب فإنه من المعلوم المتواتر عند أهل التفسير والمغازي والسير والحديث والفقه وغيرهم أن النبي استعمل أبا بكر على الحج عام تسع وهو أول حج كان في الإسلام من مدينة رسول الله ولم يكن قبله حج في الإسلام إلا الحجة التي أقامها عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية من مكة فإن مكة فتحت سنة ثمان أقام الحج ذلك العام عتاب بن أسيد الذي استعمله النبي على أهل مكة ثم أمر أبا بكر سنة تسع للحج بعد رجوع النبي من غزوة تبوك وفيها أمر أبا بكر بالمناداة في الموسم أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولم يؤمر النبي غير أبي بكر على مثل هذه الولاية فولاية أبي بكر كانت من خصائصه فإن النبي لم يؤمر على الحج أحد كتأمير أبي بكر ولم يستخلف على الصلاة أحدا كاستخلاف أبي بكر وكان علي من رعيته في هذه الحجة فإنه لحقه فقال أمير أو مأمور فقال علي بل مأمور وكان علي يصلي خلف أبي بكر مع سائر المسلمين في هذه الولاية ويأتمر لأمره كما يأتمر له سائر من معه ونادى علي مع الناس في هذه الحجة بأمر أبي بكر

وأما ولاية غير أبي بكر فكانت مما يشاركه فيها غيره كولاية علي وغيره فلم يكن لعلي ولاية إلا ولغيره مثلها بخلاف ولاية أبي بكر فإنها من خصائصه ولم يول النبي على أبي بكر لا أسامة بن زيد ولا عمرو بن العاص

فأما تأمير أسامة عليه فمن الكذب المتفق على كذبه

وأما قصة عمرو بن العاص فإن النبي كان أرسل عمرا في سرية وهي غزوة ذات السلاسل وكانت إلى بني عذرة وهم أخوال عمرو فأمر عمرا ليكون ذلك سببا لإسلامهم للقرابة التي له منهم ثم أردفه بأبي عبيدة ومعه أبو بكر وعمر وغيرهما من المهاجرين وقال تطاوعا ولا تختلفا فلما لحق عمرا قال أصلي بأصحابي وتصلي بأصحابك قال بل أنا أصلي بكم فإنما أنت مدد لي فقال له أبو عبيدة إن رسول الله أمرني أن أطاوعك فإن عصيتني أطعتك قال فإنى أعصيك فأراد عمرو أن ينازعه في ذلك فأشار عليه أبو بكر أن لا يفعل ورأى أبو بكر أن ذلك أصلح للأمر فكانوا يصلون خلف عمرو مع علم كل أحد أن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة أفضل من عمرو وكان ذلك لفضلهم وصلاحهم لأن عمرا كانت إمارته قد تقدمت لأجل ما في ذلك من تآلف قومه الذين أرسل إليهم لكونهم أقاربه ويجوز تولية المفضول لمصلحة راجحة كما أمر أسامة بن زيد ليأخذ بثأر أبيه زيد بن حارثة لما قتل في غزوة مؤتة فكيف والنبي لم يؤمر على أبي بكر أحدا في شيء من الأمور

بل قد علم بالنقل العام المتواتر أنه لم يكن أحد عنده أقرب إليه ولا أخص به ولا أكثر اجتماعا به ليلا ونهارا سرا وعلانية من أبي بكر ولا كان أحد من الصحابة يتكلم بحضرة النبي قبله فيأمر فيأمر وينهى ويخطب ويفتي يوقره النبي على ذلك راضيا بما يفعل

ولم يكن ذلك تقدما بين يديه بل بإذن منه قد علمه وكان ذلك معونة للنبي وتبليغا عنه وتنفيذا لأمره لأنه كان أعلمهم بالرسول وأحبهم إلى الرسول واتبعهم له

وأما قول الرافضي إنه لما أنفذه ببراءة رده بعد ثلاثة أيام فهذا من الكذب المعلوم أنه كذب فإن النبي لما أمر أبا بكر على الحج ذهب كما أمره وأقام الحج في ذلك العام عام تسع للناس ولم يرجع إلى المدينة حتى قضى الحج وأنفذ فيه ما أمره به النبي فإن المشركين كانوا يحجون البيت وكانوا يطوفون بالبيت عراة وكان بين النبي وبين المشركين عهود مطلقة فبعث أبا بكر وأمره أن ينادي أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فنادى بذلك من أمره أبو بكر بالنداء ذلك العام وكان علي بن أبي طالب من جملة من نادى بذلك في الموسم بأمر أبي بكر ولكن لما خرج أبو بكر أردفه النبي بعلي بن أبي طالب لينبذ إلى المشركين العهود

قالوا وكان من عادة العرب أن لا يعقد العهود ولا يفسخها إلا المطاع أو رجل من أهل بيته فبعث عليا لأجل فسخ العهود التي كانت مع المشركين خاصة لم يبعثه لشيء آخر ولهذا كان علي يصلي خلف أبي بكر ويدفع بدفعه في الحج كسائر رعية أبي بكر الذين كانوا معه في الموسم

وكان هذا بعد غزوة تبوك واستخلافه له فيها على من تركه بالمدينة وقوله له أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى

ثم بعد هذا أمر أبا بكر على الموسم وأردفه بعلي مأمورا عليه لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان هذا مما دل على أن عليا لم يكن خليفة له إلا مدة مغيبه عن المدينة فقط ثم أمر أبا بكر عليه عام تسع ثم إنه بعد هذا بعث عليا وأبا موسى الأشعري ومعاذا إلى اليمن فرجع علي وأبو موسى إليه وهو بمكة في حجة الوداع وكل منهما قد أهل بإهلال النبي فأما معاذ فلم يرجع إلا بعد وفاة النبي في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

فصل

قال الرافضي وقطع يسار سارق ولم يعلم أن القطع لليد اليمنى

والجواب أن قول القائل إن أبا بكر يجهل هذا من أظهر الكذب ولو قدر أن أبا بكر كان يجيز ذلك لكان ذلك قولا سائغا لأن القرآن ليس في ظاهره ما يعين اليمين لكن تعيين اليمين في قراءة ابن مسعود فاقطعوا أيمانهما وبذلك مضت السنة ولكن أين النقل بذلك عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قطع اليسرى وأين الإسناد الثابت بذلك وهذه كتب أهل العلم بالآثار موجودة ليس فيها ذلك ولا نقل أهل العلم بالاختلاف ذلك قولا مع تعظيمهم لأبي بكر رضي الله عنه

فصل

قال الرافضي وأحرق الفجاءة السلمي بالنار وقد نهى النبي عن الإحراق بالنار

الجواب أن الإحراق بالنار عن علي أشهر وأظهر منه عن أبي بكر وأنه قد ثبت في الصحيح أن عليا أتى بقوم زنادقة من غلاة الشيعة فحرقهم بالنار فبلغ ذلك ابن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم بالنار لنهى النبي أن يعذب بعذاب الله ولضربت أعناقهم لقول النبي من بدل دينه فاقتلوه فبلغ ذلك عليا فقال ويح ابن أم الفضل ما أسقطه على الهنات

فعلي حرق جماعة بالنار فإن كان ما فعله أبو بكر منكرا ففعل علي أنكر منه وإن كان فعل علي مما لا ينكر مثله على الأئمة فأبو بكر أولى أن لا ينكر عليه

فصل

قال الرافضي وخفي عليه أكثر أحكام الشريعة فلم يعرف حكم الكلالة وقال أقول فيها برأيي فإن يك صوابا فمن الله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان وقضى في الجد بسبعين قضية وهو يدل على قصوره في العلم

والجواب أن هذا من أعظم البهتان كيف يخفى عليه أكثر أحكام الشريعة ولم يكن بحضرة النبي من يقضي ويفتي إلا هو ولم يكن النبي أكثر مشاورة لأحد من أصحابه منه له ولعمر ولم يكن أحد أعظم اختصاصا بالنبي منه ثم عمر وقد ذكر غير واحد مثل منصور بن عبد الجبار السمعاني وغيره إجماع أهل العلم على أن الصديق أعلم الأمة وهذا بين فإن الأمة لم تختلف في ولايته في مسألة إلا فصلها هو بعلم يبينه لهم وحجة يذكرها لهم من الكتاب والسنة كما بين لهم موت النبي وتثبيتهم على الإيمان وقراءته عليهم الآية ثم بين لهم موضع دفنه وبين لهم قتال مانعي الزكاة لما استراب فيه عمر وبين لهم أن الخلافة في قريش في سقيفة بني ساعدة لما ظن من ظن أنها تكون في غير قريش

وقد استعمله النبي على أول حجة حجت من مدينة النبي وعلم المناسك أدق ما في العبادات ولولا سعة علمه بها لم يستعمله وكذلك الصلاة استخلفه فيها ولولا علمه بها لم يستخلفه ولم يستخلف غيره لا في حج ولا في صلاة

وكتاب الصدقة التي فرضها رسول الله أخذه أنس من أبي بكر وهو أصح ما روي فيها وعليه اعتمد الفقهاء

وفي الجملة لا يعرف لأبي بكر مسسائل من الشريعة غلط فيها وقد عرف لغيره مائل كثيرة كما بسط في موضعه

وقد تنازعت الصحابة بعده في مسائل مثل الجد والإخوة ومثل العمرتين ومثل العول وغير ذلك من مسائل الفرائض وتنازعوا في مسألة الحرام والطلاق الثلاث بكلمة والخلية والبرية والبتة وغير ذلك من مسائل الطلاق

وكذلك تنازعوا في مسائل صارت مسائل نزاع بين الأمة إلى اليوم وكان تنازعهم في خلافة عمر نزاع اجتهاد محض كل منهم يقر صاحبه على اجتهاده كتنازع الفقهاء أهل العلم والدين

وأما في خلافة عثمان فقوى النزاع في بعض الأمور حتى صار يحصل كلام غليظ من بعضهم لبعض ولكن لم يقاتل بعضهم بعضا باليد ولا بسيف ولا غيره

وأما في خلافة علي فتغلظ النزاع حتى تقاتلوا بالسيوف

وأما في خلافة أبي بكر فلم يعلم أنه استقر بينهم نزاع في مسألة واحدة من مسائل الدين وذلك لكمال علم الصديق وعدله ومعرفته بالأدلة التي تزيل النزاع فلم يكن يقع بينهم نزاع إلا أظهر الصديق من الحجة التي تفصل النزاع ما يزول معها النزاع وكان عامة الحجج الفاصلة للنزاع يأتي بها الصديق ابتداء وقليل من ذلك يقوله عمر أو غيره فيقره أبو بكر الصديق

وهذا مما يدل على أن الصديق ورعيته أفضل من عمر ورعيته وعثمان ورعيته وعلي ورعيته فإن أبا بكر ورعيته أفضل الأئمة والأمة بعد النبي

ثم الأقوال التي خولف فيها الصديق بعد موته قوله فيها أرجح من قول من خالفه بعد موته وطرد ذلك الجد والإخوة فإن قول الصديق وجمهور الصحابة وأكابرهم أنه يسقط الإخوة وهو قول طوائف من العلماء وهو مذهب أبي حنيفة وطائفة من أصحاب الشافعي وأحمد كأبي العباس بن سريج من الشافعية وأبي حفص البرمكي من الحنابلة ويذكر ذلك رواية عن أحمد

والذين قالوا بتوريث الإخوة مع الجد كعلي وزيد وابن مسعود اختلفوا اختلافا معروفا وكل منهم قال قولا خالفه فيه الآخر وانفرد بقوله عن سائر الصحابة وقد بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع في مصنف مفرد وبينا أن قول الصديق وجمهور الصحابة هو الصواب وهو القول الراجح الذي تدل عليه الأدلة الشرعية من وجوه كثيرة ليس هذا موضع بسطها

وكذلك ما كان عليه الأمر في زمن صديق الأمة رضي الله عنه من جواز فسخ الحج إلى العمرة بالتمتع وأن من طلق ثلاثا بكلمة واحدة لا يلزمه إلا طلقة واحدة هو الراجح دون من يحرم الفسخ ويلزم بالثلاث فإن الكتاب والسنة إنما يدل على ما كان عليه الأمر في عهد النبي وخلافة أبي بكر دون القول المخالف لذلك

ومما يدل على كمال حال الصديق وأنه أفضل من كل من ولى الأمة بل وممن ولى غيرها من الأمم بعد الأنبياء أنه من المعلوم أن رسول الله أفضل الأولين والأخرين وأفضل من سائر الخلق من جميع العالمين

وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال كانت بنو اسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء ويكثرون قالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال فوا بيعة الأول فالأول

ومن المعلوم أنه من تولى بعد الفاضل إذا كان فيه نقص كثير عن سياسة الأول ظهر ذلك النقص ظهورا بينا وهذا معلوم من حال الولاة إذا تولى ملك بعد ملك أو قاض بعد قاض أو شيخ بعد شيخ أو غير ذلك فإن الثاني إذا كان ناقص الولاية نقصا بينا ظهر ذلك فيه وتغيرت الأمور التي كان الأول قد نظمها وألفها ثم الصديق تولى بعد أكمل الخلق سياسة فلم يظهر في الإسلام نقص بوجه من الوجوه بل قاتل المرتدين حتى عاد الأمر إلى ما كان عليه وأدخل الناس في الباب الذي خرجوا منه ثم شرع في قتال الكفار من أهل الكتاب وعلم الأمة ما خفي عليهم وقواهم لما ضعفوا وشجعهم لما جبنوا وسار فيهم سيرة توجب صلاح دينهم ودنياهم فأصلح الله بسببه الأمة في علمهم وقدرتهم ودينهم وكان ذلك مما حفظ الله به على الأمة دينها وهذا مما يحقق أنه أحق الناس بخلافة رسول الله

وأما قول الرافضي لم يعرف حكم الكلالة حتى قال فيها برأيه

فالجواب أن هذا من أعظم علمه فإن هذا الرأي الذي رآه في الكلالة قد اتفق عليه جماهير العلماء بعده فإنهم أخذوا في الكلالة بقول أبي بكر بكر وهو من لا ولد له ولا والد والقول بالرأي هو معروف عن سائر الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وابن معروف عن سائر الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل لكن الرأي الموافق للحق هو الذي يكون لصاحبه أجران كرأي الصديق فإن هذا خير من الرأي الذي غاية صاحبه أن يكون له أجر واحد

وقد قال قيس بن عباد لعلي أرأيت مسيرك هذا ألعهد عهده إليك رسول الله أم رأى رأيته فقال بلى رأي رأيته رواه أبو داود وغيره

فإذا كان مثل هذا الرأى الذي حصل به من سفك الدماء ما حصل لا يمنع صاحبه أن يكون إماما فكيف بذلك الرأي الذي اتفق جماهير العلماء على حسنه

وأما ما ذكره من قضائه في الجد بسبعين قضية فهذا كذب وليس هو قول أبي بكر ولا نقل هذا عن أبي بكر بل نقل هذا عن أبي بكر يدل على غاية جهل هؤلاء الروافض وكذبهم ولكن نقل بعض الناس عن عمر أنه قضى في الجد بسبعين قضية ومع هذا هو باطل عن عمر فإنه لم يمت في خلافته سبعون جدا كل منهم كان لابن ابنه إخوة وكانت تلك الوقائع تحتمل سبعين قولا مختلفة بل هذا الاختلاف لا يحتمله كل جد في العالم فعلم أن هذا كذب

وأما مذهب أبي بكر في الجد فإنه جعله أبا وهو قول بضعة عشر من الصحابة وهو مذهب كثير من الفقهاء كأبي حنيفة وطائفة من أصحاب الشافعي وأحمد كأبي حفص البرمكي ويذكر رواية عن أحمد كما تقدم وهو أظهر القولين في الدليل

ولهذا يقال لا يعرف لأبي بكر خطأ في الفتيا بخلاف غيره من الصحابة فإن قوله في الجد أظهر القولين والذين ورثوا الإخوة مع الجد وهم علي وزيد وابن مسعود وعمر في إحدى الروايتين عنه تفرقوا في ذلك وجمهور الفقهاء على قول زيد وهو قول مالك والشافعي وأحمد فالفقهاء في الجد إما على قول أبي بكر وإما على قول زيد الذي أمضاه عمر ولم يذهب أحد من أئمة الفتيا إلى قول علي في الجد وذلك مما يبين أن الحق لا يخرج عن أبي بكر وعمر فإن زيدا قاضي عمر مع أن قول أبي بكر أرجح من قول زيد وعمر كان متوقفا في الجد وقال ثلاث وددت أن رسول الله بينهن لنا الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا

وذلك لأن الله تعالى سمى الجد أبا في غير موضع من كتابه كما قال تعالى أخرج أبويكم من الجنة سورة الأعراف 27 وقوله ملة أبيكم إبراهيم سورة الحج 78 وقد قال يا بني إسرائيل يا بني آدم في غير موضع

وإذا كان ابن الابن ابنا كان أبو الأب أبا ولأن الجد يقوم مقام الأب في غير مورد النزاع فإنه يسقط ولد الأم كالأب ويقدم على جميع العصبات سوى البنين كالأب ويأخذ مع الولد السدس كالأب ويجمع له بين الفرض والتعصيب مع البنات كالأب

وأما في العمريتين زوج وأبوين وزوجة وأبوين فإن الأم تأخذ ثلث الباقي والباقي للآب ولو كان معها جد لأخذت الثلث كله عند جمهور الصحابة والعلماء إلا ابن مسعود لأن الأم أقرب من الجد وإنما الجدة نظير الجد والأم تأخذ مع الأب الثلث والجدة لا تأخذ مع الجد إلا السدس وهذا مما يقوى به الجد ولأن الإخوة مع الجد الأدنى كالأعمام مع الجد الأعلى

وقد وقد اتفق المسلمون على أن الجد الأعلى يقدم على الأعمام فكذلك الجد الأدنى يقدم على الإخوة لأن نسبة الإخوة إلى الجد الأدنى كنسبة الأعمام إلى الجد الأعلى ولأن الأخوة لو كانوا لكونهم بني الأب يشاركون الجد لكان بنو الإخوة كذلك كما يقوم بنو البنين مقام آبائهم ولما كان بنو الإخوة لا يشاركون الجد كان آباؤهم الإخوة كذلك وعكسه البنون لما كان الجد يفرض له مع البنين فرض له مع بني البنين

وأما الحجة التي تورى عن علي وزيد في أن الإخوة يشاركون الجد حيث شبهوا ذلك بأصل شجرة خرج منها فرع خرج منه غصنان فأخذ الغصنين أقرب إلى الآخر منه إلى الأصل وبنهر خرج منه نهر آخر ومنه جدولان فأحدهما إلى الآخر أقرب من الجدول إلى النهر الأول

فمضمون هذه الحجة أن الإخوة أقرب إلى الميت من الجد

ومن تدبر أصول الشريعة علم أن حجة أبي بكر وجمهور الصحابة لا تعارضها هذه الحجة فإن هذه لو كانت صحيحة لكان بنو الأخ أولى من الجد ولكان العم أولى من جد الأب فإن نسبة الإخوة من الأب إلى الجد أبي الأب كنسبة الأعمام بني الجد الأعلى إلى الجد الأعلى جد الأب فلما أجمع المسلمون على أن الجد أولى من الأعمام كان الجد الأدنى أولى من الإخوة

وهذه حجة مستقلة تقتضي ترجيح الجد على الإخوة

وأيضا فالقائلون بمشاركة الإخوة للجد لهم أقوال متعارضة متناقضة لا دليل على شيء منها كما يعرف ذلك من يعرف الفرائض فعلم أن قول أبي بكر في الجد أصح الأقوال كما أن قوله دائما أصح الأقوال

فصل

قال الرافضي فأي نسبة له بمن قال سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عن طرق السماء فإني أعرف بها من طرق الأرض قال أبو البختري رأيت عليا صعد المنبر بالكوفة وعليه مدرعة كانت لرسول الله متقلدا بسيف رسول الله متعمما بعمامة رسول الله وفي إصبعه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد على المنبر وكشف عن بطنه فقال سلوني من قبل أن تفقدوني فإنما بين الجوانح مني علم جم هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله هذا ما زقني رسول الله زقا من غير وحي إلى فوالله لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الله التوراة والإنجيل فتقول صدق علي قد أفتاكم بما أنزل الله في وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون

والجواب أما قول علي سلوني فإنما كان يخاطب بهذا أهل الكوفة ليعلمهم العلم والدين فإن غالبهم كانوا جهالا لم يدركوا النبي وأما أبو بكر فكان الذين حول منبره هم أكابر أصحاب النبي الذين تعلموا من رسول الله العلم والدين فكانت رعية أبي بكر أعلم الأمة وأدينها وأما الذين كان علي يخاطبهم فهم من جملة عوام الناس التابعين وكان كثير منهم من شرار التابعين ولهذا كان علي رضي الله عنه يذمهم ويدعو عليهم وكان التابعون بمكة والمدينة والشام والبصرة خيرا منهم

وقد جمع الناس الأقضية والفتاوي المنقولة عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فوجدوا أصوبها وأدلها على علم صاحبها أمور أبي بكر ثم عمر

ولهذا كان ما يوجد من الأمور التي وجد نص يخالفها عن عمر أقل مما وجد عن علي وأما أبو بكر فلا يكاد يوجد نص يخالفه وكان هو الذي يفصل الأمور المشتبهة عليهم ولم يكن يعرف منهم اختلاف على عهده وعامة ما تنازعوا فيه من الأحكام كان بعد أبي بكر

والحديث المذكور عن علي كذب ظاهر لا تجوز نسبة مثله إلى علي فإن عليا أعلم بالله وبدين الله من أن يحكم بالتوراة والإنجيل إذ كان المسلمون متفقين على أنه لا يجوز لمسلم أن يحكم بين أحد إلا بما أنزل الله في القرآن وإذا تحاكم اليهود والنصارى إلى المسلمين لم يجز لهم أن يحكموا بينهم إلا بما أنزل الله في القرآن كما قال تعالى يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك سورة المائدة إلى قوله تعالى فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين سورة المائدة 42 إلى قوله فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا سورة المائدة 48 إلى قوله وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله من أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون سورة المائدة 4وإذا كان من المعلوم بالكتاب والسنة والإجماع أن الحاكم بين اليهود والنصارى لا يجوز أن يحكم بينهم إلا بما أنزل الله على محمد سواء وافق ما بأيديهم من التوراة والإنجيل أو لم يوافقه كان من نسب عليا إلى أنه يحكم بالتوراة والإنجيل بين اليهود والنصارى أو يفتيهم بذلك ويمدحه بذلك إما أن يكون من أجهل الناس بالدين وبما يمدح به صاحبه وإما أن يكون زنديقا ملحدا أراد القدح في علي بمثل هذا الكلام الذي يستحق صاحبه الذم والعقاب دون المدح والثواب

فصل

قال الرافضي وروى البيهقي بإسناده عن رسول الله أنه قال من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب فأثبت له ما تفرق فيهم

والجواب أن يقال أولا أين إسناد هذا الحديث والبيهقي يروي في الفضائل أحاديث كثيرة ضعيفة بل موضوعة كما جرت عادة أمثاله من أهل العلم

ويقال ثانيا هذا الحديث كذب موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا ريب عند أهل العلم بالحديث ولهذا لا يذكره أهل العلم بالحديث وإن كانوا حراصا على جمع فضائل علي كالنسائي فإنه قصد أن يجمع فضائل علي في كتاب سماه الخصائص والترمذي قد ذكر أحاديث متعددة في فضائله وفيها ما هو ضعيف بل موضوع ومع هذا لم يذكروا هذا ونحوه

فصل

قال الرافضي قال أبو عمر الزاهد قال أبو العباس لا نعلم أحدا قال بعد نبيه سلوني من شيث إلى محمد إلا علي فسأله الأكابر أبو بكر وعمر وأشباههما حتى انقطع السؤال ثم قال بعد هذا يا كميل ابن زياد إن ههنا العلما جما لو أصبت له حملة

والجواب أن هذا النقل إن صح عن ثعلب فثعلب لم يذكر له إسنادا حتى يحتج به وليس ثعلب من أئمة الحديث الذين يعرفون صحيحه من سقيمه حتى يقال قد صح عنده كما إذا قال ذلك أحمد أو يحيى ابن معين أو البخاري ونحوهم بل من هو أعلم من ثعلب من الفقهاء يذكرون أحاديث كثيرة لا أصل لها فكيف ثعلب وهو قد سمع هذا من بعض الناس الذين لا يذكرون ما يقولون عن أحد

وعلي رضي الله عنه لم يكن يقول هذا بالمدينة لا في خلافة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان وإنما كان يقول هذا في خلافته في الكوفة ليعلم أولئك الذين لم يكونوا يعلمون ما ينبغي لهم علمه وكان هذا لتقصيرهم في طلب العلم وكان علي رضي الله عنه يأمرهم بطلب العلم والسؤال

وحديث كميل بن زياد يدل على هذا فإن كميلا من النابغين لم يصحبه إلا بالكوفة فدل على أنه كان يرى تقصيرا من أولئك عن كونهم حملة للعلم ولم يكن يقول هذا في المهاجرين والأنصار بل كان عظيم الثناء عليهم

وأما أبو بكر فلم يسأل عليا قط عن شيء وأما عمر فكان يشاور الصحابة عثمان وعليا وعبد الرحمن وابن مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم فكان علي من أهل الشورى كعثمان وابن مسعود وغيرهما ولم يكن أبو بكر ولا عمر ولا غيرهما من أكابر الصحابة يخصان عليا بسؤال والمعروف أن عليا أخذ العلم عن أبي بكر كما في السنن عن علي قال كنت إذا سمعت من النبي حديثا نفعني الله به ما شاء أن ينفعني وإذا حدثني غيره حديثا استحلفته فإذا حلف لي صدقته وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال سمعت رسول الله يقول ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له

فصل

قال الرافضي وأهمل حدود الله فلم يقتص من خالد بن الوليد ولا حده حيث قتل مالك بن نويرة وكان مسلما وتزوج امرأته في ليلة قتله وضاجعها وأشار عليه عمر بقتله فلم يفعل

والجواب أن يقال أولا أن كان ترك قتل قاتل المعصوم مما ينكر على الأئمة كان هذا من أعظم حجة شيعة عثمان على علي فإن عثمان خير من ملء الأرض من مثل مالك بن نوبرة وهو خليفة المسلمين وقد قتل مظلوما شهيدا بلا تأويل مسوغ لقتله وعلي لم يقتل قتلته وكان هذا من أعظم ما امتنعت به شيعة عثمان عن مبايعة علي

فإن كان علي له عذر شرعي في ترك قتل قتلة عثمان فعذر أبي بكر في ترك قتل قاتل مالك بن نويرة أقوى وإن لم يكن لأبي بكر عذر في ذلك فعلي أولى أن لا يكون له عذر في ترك قتل قتلة عثمان

وأما ما تفعله الرافضة من الإنكار على أبي بكر في هذه القضية الصغيرة وترك إنكار ما هو أعظم منها على علي فهذا من فرط جهلهم وتناقضهم

وكذلك إنكارهم على عثمان كونه لم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان هو من هذا الباب

وإذا قال القائل علي كان معذورا في ترك قتل قتلة عثمان لأن شروط الإستيفاء لم توجد إما لعدم العلم بأعيان القتلة وإما لعجزه عن القوم لكونهم ذوي شوكة ونحو ذلك

قيل فشروط الإستيفاء لم توجد في قتل قاتل مالك بن نويرة وقتل قاتل الهرمزان لوجود الشبهة في ذلك والحدود تدرأ بالشبهات

وإذا قالوا عمر أشار على أبي بكر بقتل خالد بن الوليد وعلي أشار على عثمان بقتل عبيد الله بن عمر

قيل وطلحة والزبير وغيرهما أشاروا على علي بقتل قتلة عثمان مع أن الذين أشاروا على أبي بكر بالقود أقام عليهم حجة سلموا لها إما لظهور الحق معه وإما لكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد

وعلي لما لم يوافق الذين أشاروا عليه بالقود جرى بينه وبينهم من الحروب ما قد علم وقتل قتلة عثمان أهون مما جرى بالجمل وصفين فإذا كان في هذا اجتهاد سائغ ففي ذلك أولى وإن قالوا عثمان كان مباح الدم

قيل لهم فلا يشك أحد في أن إباحة دم مالك بن نويرة أظهر من إباحة دم عثمان بل مالك بن نويرة لا يعرف أنه كان معصوم الدم ولم يثبت ذلك عندنا وأما عثمان فقد ثبت بالتواتر ونصوص الكتاب والسنة أنه كان معصوم الدم وبين عثمان ومالك بن نويرة من الفرق ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى

ومن قال إن عثمان كان مباح الدم لم يمكنه أن يجعل عليا معصوم الدم ولا الحسين فإن عصمة دم عثمان أظهر من عصمة دم علي والحسين وعثمان أبعد عن موجبات القتل من علي والحسين وشبهة قتلة عثمان أضعف بكثير من شبهة قتلة علي والحسين فإن عثمان لم يقتل مسلما ولا قاتل أحدا على ولايته ولم يطلب قتال أحد على ولايته أصلا فإن وجب أن يقال من قتل خلقا من السلمين على ولايته إنه معصوم الدم وإنه مجتهد فيما فعله فلأن يقال عثمان معصوم الدم وإنه مجتهد فيما فعله من الأموال والولايات بطريق الأولى والأحرى ثم يقال غاية ما يقال في قصة مالك ابن نويرة إنه كان معصوم الدم وإن خالدا قتله بتأويل وهذا لا يبيح قتل خالد كما أن أسامة ابن زيد لما قتل الرجل الذي قال لا إله إلا الله وقال له النبي يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله فأنكر عليه قتله ولم يوجب عليه قودا ولا دية ولا كفارة

وقد روى محمد بن جرير الطبري وغيره عن ابن عباس وقتادة أن هذه الآية قوله تعالى ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا الآية سورة النساء 94 نزلت في شأن مرداس رجل من غطفان بعث النبي جيشا إلى قومه عليهم غالب الليثي ففر أصحابه ولم يفر قال إني مؤمن فصبحته الخيل فسلم عليهم فقتلوه وأخذوا غنمه فأنزل الله هذه الآية وأمر رسول الله برد أمواله إلى أهله وبديته إليهم ونهى المؤمنين عن مثل ذلك

وكذلك خالد بن الوليد قد قتل بني جذيمة متأولا ورفع النبي يديه وقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ومع هذا فلم يقتله النبي لأنه كان متأولا

فإذا كان النبي لم يقتله مع قتله غير واحد من المسلمين من بني جذيمة للتأويل فلأن لا يقتله أبو بكر لقتله مالك ابن نويرة بطريق الأولى والأحرى

وقد تقدم ما ذكره هذا الرافضي من فعل خالد ببني جذيمة وهو يعلم أن النبي لم يقتله فكيف لم يجعل ذلك حجة لأبي بكر في أن لا يقتله لكن من كان متبعا لهواه أعماه عن اتباع الهدى

وقوله إن عمر أشار بقتله

فيقال غاية هذا أن تكون مسألة اجتهاد كان رأي أبي بكر فيها أن لا يقتل خالدا وكان رأي عمر فيها قتله وليس عمر بأعلم من أبي بكر لا عند السنة ولا عند الشيعة ولا يجب على أبي بكر ترك رأيه لرأي عمر ولم يظهر بدليل شرعي أن قول عمر هو الراجح فكيف يجوز أن يجعل مثل هذا عيبا لأبي بكر إلا من هو من أقل الناس علما ودينا

وليس عندنا أخبار صحيحة ثابتة بأن الأمر جرى على وجه يوجب قتل خالد

وأما ما ذكره من تزوجه بامرأته ليلة قتله فهذا مما لم يعرفه ثبوته ولو ثبت لكان هناك تأويل يمنع الرجم والفقهاء مختلفون في عدة الوفاة هل تجب للكافر على قولين وكذلك تنازعوا هل يجب على الذمية عدة وفاة على قولين مشهورين للمسلمين بخلاف عدة الطلاق فإن تلك سببها الوطء فلا بد من براءة الرحم وأما عدة الوفاة فتجب بمجرد العقد فإذا مات قبل الدخول بها فهل تعتد من الكافر أم لا فيه نزاع وكذلك إن كان دخل بها وقد حاضت بعد الدخول حيضة

هذا إذا كان الكافر أصليا وأما المرتد إذا قتل أو مات على ردته ففي مذهب الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد ليس عليها عدة وفاة بل عدة فرقة بائنة لأن النكاح بطل بردة الزوج وهذه الفرقة ليست طلاقا عند الشافعي وأحمد وهي طلاق عند مالك وأبي حنيفة ولهذا لم يوجبوا عليها عدة وفاة بل عدة فرقة بائنة فإن كان لم يدخل بها فلا عدة عليها كما ليس عليها عدة من الطلاق

ومعلوم أن خالدا قتل مالك بن نويرة لأنه رآه مرتدا فإذا كان لم يدخل بامرأته فلا عدة عليها عند عامة العلماء وإن كان قد دخل بها فإنه يجب عليها استبراء بحيضة لا بعدة كاملة في أحد قوليهم وفي الآخر بثلاث حيض وإن كان كافرا أصليا فليس على أمرأته عدة وفاة في أحد قوليهم وإذا كان الواجب استبراء بحيضة فقد تكون حاضت ومن الفقهاء من يجعل بعض الحيضة استبراء فإذا كانت في آخر الحيض جعل ذلك استبراء لدلالته على براءة الرحم

وبالجملة فنحن لم نعلم أن القضية وقعت على وجه لا يسوغ فيها الاجتهاد والطعن بمثل ذلك من قول من يتكلم بلا علم وهذا مما حرمه الله ورسوله

فصل

قال الرافضي وخالف أمر النبي في توريث بنت النبي ومنعها فدكا وتسمى بخليفة رسول الله من غير أن يستخلفه

والجواب أما الميراث فجميع المسلمين مع أبي بكر في ذلك ما خلا بعض الشيعة وقد تقدم الكلام في ذلك وبينا أن هذا من العلم الثابت عن النبي وأن قول الرافضة باطل قطعا

وكذلك ما ذكر من فدك والخلفاء بعد أبي بكر على هذا القول وأبو بكر وعمر لم يتعلقا من فدك ولا غيرها من العقار بشيء ولا أعطيا أهلهما من ذلك شيئا وقد أعطيا بني هاشم أضعاف أضعاف ذلك

ثم لو احتج محتج بأن عليا كان يمنع المال ابن عباس وغيره من بني هاشم حتى أخذ ابن عباس بعض مال البصرة وذهب له لم يكن الجواب عن علي إلا بأنه إمام عادل قاصد للحق لا يتهم في ذلك

وهذا الجواب هو في حق أبي بكر بطريق الأولى والأحرى وأبو بكر أعظم محبة لفاطمة ومراعاة لها من علي لابن عباس وابن عباس بعلي أشبه من فاطمة بأبي بكر فإن فضل أبي بكر على فاطمة أعظم من فضل علي على ابن عباس

وليس تبرئة الإنسان لفاطمة من الظن والهوى بأولى من تبرئة أبي بكر فإن أبا بكر إمام لا يتصرف لنفسه بل للمسلمين والمال لم يأخذه لنفسه بل للمسلمين وفاطمة تطلب لنفسها وبالضرورة نعلم أن بعد الحاكم عن اتباع الهوى أعظم من بعد الخصم الطالب لنفسه فإن علم أبي بكر وغيره بمثل هذه القضية لكثرة مباشرتهم للنبي أعظم من علم فاطمة

وإذا كان أبو بكر أولى بعلم مثل ذلك وأولى بالعدل فمن جعل فاطمة أعلم منه في ذلك وأعدل كان من أجهل الناس لا سيما وجميع المسلمين الذين لا غرض لهم هم مع أبي بكر في هذه المسألة فجميع أئمة الفقهاء عندهم أن الأنبياء لا يورثون مالا وكلهم يحب فاطمة ويعظم قدرها رضي الله عنها لكن لا يترك ما علموه من قول النبي لقول أحد من الناس ولم يأمرهم الله ورسوله أن يأخذوا دينهم من غير محمد لا عن أقاربه ولا عن غير أقاربه وإنما أمرهم الله بطاعة الرسول وأتباعه وقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال لا أفلح قوم ولوا أمرهم أمرأة فكيف يسوغ للأمة أن تعدل عما علمته من سنة رسول الله لما يحكى عن فاطمة في كونها طلبت الميراث تظن أنها ترث

فصل

وأما تسميته بخليفة رسول الله فإن المسلمين سموه بذلك فإن كان الخليفة هو المستخلف كما ادعاه هذا كان رسول الله قد استخلفه كما يقول ذلك من يقول من أهل السنة وإن كان الخليفة هو الذي خلف غيره وإن كان لم يستخلفه ذلك الغير كما يقوله الجمهور لم يحتج في هذا الاسم إلى الاستخلاف

والاستعمال الموجود في الكتاب والسنة يدل على أن هذا الاسم يتناول كل من خلف غيره سواء استخلفه أو لم يستخلفه كقوله تعالى ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعلمون سورة يونس 14 وقوله تعالى وهو الذي جعلكم خلائف الأرض الآية سورة الإنعام 165 وقال ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون سورة الزخرف 60 وقوله واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح سورة الأعراف 69 وفي القصة الأخرى خلفاء من بعد عاد سورة الأعراف 74 وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي سورة الأعراف فهذا استخلاف

وقال تعالى وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر سورة الفرقان 62 وقال إن في اختلاف الليل والنهار سورة يونس 6 أي هذا يخلف هذا وهذا يخلف هذا فهما يتعاقبان وقال موسى عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون سورة الأعراف 129 وقال تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم سورة النور 55 وقال للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة سورة البقرة 30 وقال يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض سورة ص 2فغالب هذه المواضع ليكون الثاني خليفة عن الأول وإن كان الأول لم يستخلفه وسمي الخليفة خليفة لأنه يخلف من قبله والله تعالى جعله يخلفه كما جعل الليل يخلف النهار والنهار يخلف الليل ليس المراد أنه خليفة عن الله كما ظنه بعض الناس كما قد بسطناه في موضع آخر

والناس يسمون ولاة أمور المسلمين الخلفاء وقال النبي عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي

ومعلوم أن عثمان لم يستخلف عليا وعمر لم يستخلف واحدا معينا وكان يقول إن أستخلف فإن أبا بكر استخلف وإن لم استخلف فإن رسول الله لم يستخلف

وكان مع هذا يقول لأبي بكر يا خليفة رسول الله

وكذلك خلفاء بني أمية وبني العباس كثير منهم لم يستخلفه من قبله فعلم إن الاسم عام فيمن خلف غيره

وفي الحديث إن صح وددت أني رأيت أو قال رحمة الله على خلفائي قالوا ومن خلفاؤك يا رسول الله قال الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس

وهذا إن صح من قول النبي فهو حجة في المسألة وإن لم يكن من قوله فهو يدل على أن الذي وضعه كان من عادتهم استعمال لفظ الخليفة فيمن خلف غيره وإن لم يستخلفه فإذا قام مقامه وسد مسده في بعض الأمور فهو خليفة عنه في ذلك الأمر (تم بحمد الله)

فصل

قال الرافضي

ومنها ما رووه عن عمر روى أبو نعيم الحافظ في كتابه حلية الأولياء أنه قال لما احتضر قال يا ليتني كنت كبشا لقومي فسمنوني ما بدا لهم ثم جاءهم أحب قومهم إليهم فذبحوني فجعلوا نصفي شواء ونصفي قديدا فأكلوني فأكون عذرة ولا أكون بشرا وهل هذا إلا مساو لقول الكافر يا ليتني كنت ترابا سورة النبأ 4قال وقال لابن عباس عند احتضاره لو أن لي ملء الأرض ذهبا ومثله معه لافتديت به نفسي من هول المطلع وهذا مثل قوله ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب سورة الزمر 47 فلينظر المنصف العاقل قول الرجلين عند احتضارهما وقول علي

متى ألقى الأحبة محمدا وحزبه

متى ألقاها متى يبعث أشقاها

وقوله حين قتله ابن ملجم فزت ورب الكعبة

والجواب أن في هذا الكلام من الجهالة ما يدل على فرط جهل قائله وذلك أن ما ذكره عن علي قد نقل مثله عمن هو دون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي بل نقل مثله عمن يكفر علي بن أبي طالب من الخوارج كقول بلال عتيق أبي بكر عند الاحتضار وأمرأته تقول واحرباه وهو يقول واطرباه غدا ألقى الأحبة محمدا وحزبه

وكان عمر قد دعا لما عارضوه في قسمة الأرض فقال اللهم اكفني بلالا وذويه فما حال الحول وفيهم عين تطرف

وروى أبو نعيم في الحلية حدثنا القطيعي حدثنا الحسن بن عبد الله حدثنا عامر بن سيار حدثنا عبد الحميد بن بهرام عن شهر ابن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن الحارث بن عمير قال طعن معاذ وأبو عبيدة وشرحبيل بن حسنة وأبو مالك الأشعري في يوم واحد فقال معاذ إنه رحمة ربكم ودعوة نبيكم وقبض الصالحين قبلكم اللهم آت آل معاذ النصيب الأوفر من هذه الرحمة فما أمسى حتى طعن ابنه عبد الرحمن بكره الذي كان يكنى به وأحب الخلق إليه فرجع من المسجد فوجده مكروبا فقال يا عبد الرحمن كيف أنت قال يا أبت الحق من ربك فلا تكونن من الممترين قال وأنا إن شاء الله ستجدني من الصابرين فأمسكه ليلة ثم دفنه من الغد وطعن معاذ فقال حين اشتد به النزع نزع الموت فنزع نزعا لم ينزعه أحد وكان كلما أفاق فتح طرفه وقال رب اخنقني خنقك فوعزتك إنك لتعلم أن قلبي يحبك

وكذلك قوله فزت ورب الكعبة قد قالها من هو دون علي قالها عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق لما قتل يوم بئر معونة وكان قد بعثه النبي مع سرية قبل نجد قال العلماء بالسير طعنه جبار بن سلمى فأنفذه فقال عامر فزت والله فقال جبار ما قوله فزت والله قال عروة بن الزبير يرون أن الملائكة دفنته

وشبيب الخارجي لما طعن دخل في الطعنة وجعل يقول وعجلت إليك رب لترضى

وأعرف شخصا من أصحابنا لما حضرته الوفاة جعل يقول حبيبي ها قد جئتك حتى خرجت نفسه ومثل هذا كثيره

وأما خوف عمر ففي صحيح البخاري عن المسور بن مخرمة قال لما طعن عمر جعل يألم فقال ابن عباس وكأنه يجزعه أي يزيل جزعه يا أمير المؤمنين ولئن كان ذلك لقد صحبت رسول الله فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت المسلمين فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون فقال أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه فإنما ذاك من من الله من به على وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من من الله من به علي وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه

وفي صحيح البخاري عن عمرو بن ميمون في حديث قتل عمر يا ابن عباس انظر من قتلني فجال ساعة ثم جاء فقال غلام المغيرة قال الصنع قال نعم قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد لله الذي لم يجعل قتلي بيد رجل يدعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة وكان العباس أكثرهم رقيقا فقال إن شئت فعلت أي إن شئت قتلنا قال كذبت بعد ما تعلموا بلسانكم وصلوا قبلتكم وحجوا حجكم فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ فقائل يقول لا بأس وقائل يقول أخاف عليه فأتى بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ثم أتى بلبن فشربه فخرج من جرحه فعلموا أنه ميت فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه وجاء رجل شاب فقال أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله وقدم في الإسلام ما قد علمت ووليت فعدلت ثم شهادة قال وددت أن ذلك كفافا لا علي ولا لي فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض فقال ردوا على الغلام قال يا ابن أخي ارفع إزارك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك يا عبد الله بن عمر انظر ما على من الدين فحسبوه فوجوده ستة وثمانين ألفا أو نحوه قال إن وفى له مال آل عمر فأد من أموالهم وإلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف أموالهم وإلا فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم فاد عني هذا المال انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أريده لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي فلما أقبل قيل هذا عبد الله ابن عمر وقد جاء فقال ارفعوني فأسنده رجل إليه فقال ما لديك قال الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت قال الحمد لله ما كان شيء أهم من ذلك فإذا أنا قضيت فاحملوني ثم سلم وقل يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين وذكر تمام الحديث

ففي نفس الحديث أنه يعلم أن رسول الله مات وهو عنه راض ورعيته عنه راضون مقرون بعدله فيهم ولما مات كأنهم لم يصابوا بمصيبة قبل مصيبته لعظمها عندهم

وقد ثبت في الصحيح أن النبي قال خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذي تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ولم يقتل عمر رضي الله عنه رجل من المسلمين لرضا المسلمين عنه وإنما قتله كافر فارسي مجوسى

وخشيته من الله لكمال علمه فإن الله تعالى يقول إنما يخشى الله من عباده العلماء سورة فاطر 2وقد كان النبي يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء وقرأ عليه ابن مسعود سورة النساء فلما بلغ إلى قوله فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا سورة النساء 41 قال حسبك فنظرت إلى عينيه وهما تذرفان

وقد قال تعالى قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم سورة الأحقاف

وفي صحيح مسلم أنه قال لما قتل عثمان ين مظعون قال ما أدري والله وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم

وفي الترمذي وغيره عن أبي ذر عن النبي أنه قال إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله وددت أني كنت شجرة تعضد وقوله وددت أني كنت شجرة تعضد قيل إنه من قول أبي ذر لا من قول النبي وقال تعالى إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون 2 الآية سورة المؤمنون59 - وفي الترمذي عن عائشة قالت قلت يا رسول الله هو الرجل يزني ويسرق ويخاف فقال لا يا بنت الصديق ولكنه الرجل يصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه


منهاج السنة النبوية
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57