إعراب القرآن للسيوطي/الثالث والثلاثون
الثالث والثلاثون ما جاء في التنزيل قد حذف منه المضاف إليه
وذلك يجيء أكثرها من كلمات تلت: قبل وبعد وكل.
فأما قبل وبعد إذا كانا مضافين فإنهما معربان وإذا كانا مبنيين كان المضاف إليهما قد حذف منهما ونوى فيهما فاستحقا البناء وذلك قوله تعالى: وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا أي: كانوا من قبل مجيئه أي: مجيء الكتاب يعني القرآن أي: يستفتحون على الذين كفروا فحذف المضاف.
وكذلك قوله: وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات أي: من قبل مجيئهم.
وقال: لله الأمر من قبل ومن بعد أي: من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء وقرئ: لله الأمر من قبل ومن بعد ولم يبنيا وجعلا اسمين من غير تقدير المضاف إليه.
ومن ذلك قوله: ولكل وجهة أي: ولكل أهل قبلة وجهة فحذف المضاف.
وكذلك: كل له قانتون أي: كل من في السموات والأرض.
وكذا: وكل أتوه داخرين أي: وكلهم.
وكذا: كل في فلك يسبحون أي: كل ذلك.
وكذا قوله: إنا كل فيها أي: كلنا فحذف المضاف إليه.
فأما قوله فيما فلا يخلو قوله فيها أن يكون صفة أو حالاً فإن حملته على الحال لم يستقم لأنه ليس في هذا الكلام ما يكون هذا حالاً عنه وإذا لم يستقم أن يكون حالاً كان صفة وإذا كان صفة كان كل نكرة وإذا كان نكرة جاز دخول لام المعرفة عليه.
فإن قلت: فأجعله حالاً وأحمله على المعنى لأن معناه الجميع وكأنه قال: نجتمع مستقرين فهذا لا يستقيم.
فإن قال قائل: هذا التأويل ليس بالقريب لأن المعنى كأنه ليس عليه لأنه ليس يريد: إنا كل وإنا فيها أي جمعنا الأمرين ولكن المعنى على الصفة ولا حجة في هذا أن كل نكرة لأنه يجوز أن يجعل كلا مبتدأ ثانياً وفيها خبره فيها التقدير: إنا كلنا فيها إن الأمر كله لله.
فإن قلت: واجعل فيها وكل جميعاً الخبر لأن ذلك كما قال سيبويه في قوله: وهذا بعلي شيخ ومثل: حلو حامض.
فإذا كان كذلك جاز أن يتعلق بالمضمر على حد: زيد في الدار فإذا جاز ذلك لم يكن صفة وإذا لم يكن صفة لم يكن هذا دليلاً قاطعاً على أن كل نكرة وإذا لم يكن نكرة لم يجز دخول اللام عليه فهذا يمكن أن يقال.
ويجوز أن يكون كل ابتداء وفيها خبراً والجملة خبر إن كقوله: إن الأمر كله لله وكقوله: والمؤمنون كل آمن بالله فيمن رفع المؤمنون بالابتداء دون العطف على الرسول في قوله: آمن الرسول.
وهذه آية يتجاذبها على ما وصف لك سيبويه وأبو العباس لأن سيبويه يجيز إدخال لام التعريف على كل وبه قال الأخفش.
وقال المبرد: لا يجوز واحتج المبرد بأن كلاً وبعضاً لا يكونان أبداً منفردين إنما يجيئان مضافين في الابتداء نحو قولك: كل القوم جاءوني وبعضهم قال كيت وكيت ولا تقول كل جاءوني إلا أن يكون هذا مبنياً على كلام كأنه قيل: ما جاءك القوم فقلت: كل جاءوني على تقدير كلهم جاءوني.
وهذا الحكم في كل وبعض قائم فيهما أبداً مضافين أو في تقدير الإضافة وإذا كان كذلك لم يجز إدخال الألف واللام عليهما لأن الألف واللام والإضافة لا يجتمعان فثبت أنهما لا يدخلان عليهما ونحن نقيس البعض والكل على النصف.
وفي التنزيل: وإن كانت واحدة فلها النصف.
وقد ذكرنا هذه المسألة في الخلاف مستقصى.
وأما قوله تعالى: ولكل جعلنا موالي فقيل: التقدير: ولكل مال جعلنا موالي.
أو: ولكل قوم جعلنا موالي.
والأول الوجه لقوله: مما ترك الوالدان والأقربون وهو صفة كل أي: ولكل مال مستقر مما تركه الوالدان أي: متروك الوالدين.
والظرف وصف لكل.
وزعم أبو إسحاق أن أياً في قوله: يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا ويا أيها الرسول ويا أيها الذين هادوا: أن أياً حذف منها المضاف إليه وعوضت ها عما أضيفت إليه.
قال أبو إسحاق: وها لازمة لأي عوض مما حذف منها من الإضافة وزيادة في التنبيه وأي في غير النداء لا يكون معها ها ويحذف معها الذكر نحو: اضرب أيهم أفضل أي: أيهم هو أفضل.
ومذهب سيبويه خلاف ما قال جعلوا ها فيها بمنزلة يا وأكدوا بها التنبيه فمن ثم لم يجز لهم أن يسكتوا على أي ولزمه التفسير.
وقوله ومن حيث أي: من حيث ألزموها فصارا كاستئناف نداء.
وقال في موضع آخر: وأما الألف والهاء اللتان لحقتا أي توكيداً فكأنك كررت يا مرتين إذا قلت يا وصار الاسم بينهما كما صار بين ذا وها وإذا قلت: هاهو ذا فقوله: ذا هذا إشارة إلى أن المقصود بالنداء في هذا الكلام هو: الرجل كما أن المقصود بالإشارة في قولهم: هاهو ذا: الاسم المبهم دون المضمر والمضمر قد اعترض بين حرف الإشارة والمشار إليه كما أن المقصود في النداء في المعنى من قولهم: يا أيها الرجل: هو الرجل وإن كان النداء واقعاً في اللفظ على أي وصار هذا دلالة على هذا المعنى ولا يلزم أن يعوض أي منها فحذف الإضافة فيها لأنها تدل على الإضافة وإن حذف منها لأنها لا تكون إلا بعضاً لكل فهي دالة على الإضافة وكما لم يعوض كذلك ولا يلزم تعويض أي بل لو عوض بعض وكل لكان أي جديراً ألا يعوض هنا منه لأمرين: أحدهما: أن النداء موضع حذف وتخفيف ألا ترى أن فيه نحو الترخيم وحذف الياآت ويافل وما أشبه ذلك.
والآخر: أن الإضافة قد حذفت مما هو أمكن منه ولم تعوض لدلالة المضاف على الإضافة فإذا لم يعوض ما هو أمكن منه في الموضع الذي هو أولى بالعوض كذلك العوض هذا في الموضع الذي لا تليق به الزيادات للعوض.
وأيضاً فإن أياً قد حذفت صلتها في غير النداء ولم تعوض من صلتها شيء مع أن الدلالة على الحذف من الصلة أنقص من الدلالة على حذف المضاف إليه منه لأنها يعلم منها أن معناها الإضافة كيف كانت موصولة كالعلم بأنها أبداً مقتضية للإضافة.
فإذا لم تعوض من حذف صلتها شيء وإن قال قائل: فإذٍ ليس بمتمكن وقد عوض إضافتها لما حذفت منها يومئذ وحينئذ وقوله: ومن خزي يومئذ ومن فزع يومئذ وعذاب يومئذ فما تنكر أن تعوض أي في النداء.
إذا حذف المضاف إليه فإن لم يعوض من بعض وكل.
قيل له: أي أشبه ببعض وكل في اللفظ والمعنى بحمله عليهما أولى من حملها على إذ على انه لا يلزم إذا عوض إذ أن يعوض أي لما ذكرنا من دلالتها على المضاف إليه بمعناها ولفظها ولأنها في موضع حذف وليست إذ كذلك ألا تراها أنها لا تدل على إضافة كما تدل أي عليه وإنما تدل على وقت ماض ولا تتمكن تمكن أي لأنها تتصرف في وجوه الإعراب وإذ إنما تمكنت في موضعين هذا أحدهما وكأنه كره أن يسلب ذلك ولا يعوض منه وأي أمكن منها وأشد تصرفاً فلم يلزم العوض منها من حيث لزم في إذ ولأنهم قالوا: اضرب أي أفضل فحذفوا الصلة منه والإضافة ولم يعوضوا مع حذف شيئين فلأن لا يعوض في النداء أولى وقد استقصينا هذا في الخلاف