كتاب الرسالة/باب: ما أمر الله من طاعة رسوله



باب: ما أمر الله من طاعة رسوله


قال الله - جل ثناؤه -: { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ. يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } 1.

وقال: { مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } 2.

فأعْلَمَهم أنَّ بَيْعَتهم رسولَه بيعتُه، وكذلك أعْلمهم أنَّ طاعتَهم طاعتُه.

وقال: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ، وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } 3.

نزلت هذه الآية فيما بلغنا - والله أعلم - في رجل خاصَمَ الزُّبَيْر في أرضٍ، فقضى النبي بها للزبير.

وهذا القضاء سنة من رسول الله، لا حُكْمٌ منصوص في القُرَآن.

والقُرَآن يدل - والله أعلم - على ما وصفْتُ، لأنه لو كان قضاءً بالقُرَآن كان حُكما منصوصا بكتاب الله، وأشبَهَ أن يكونوا إذا لم يُسَلِّموا لحكم كتاب الله نصًّا غيرَ مُشْكِل الأمر، أنَّهم ليسوا بِمُؤمنين، إذا رَدُّوا حكمَ التنزيل، إذا لم يسلموا له.

وقال تبارك وتعالى: { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا. قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا، فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } 4.

وقال: { وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ(48). وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ(49). أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ؟ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(51). وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ، فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ(52) } 5

فأعلم اللهُ الناسَ في هذه الآية، أنَّ دعاءهم إلى رسول الله ليحكم بينهم: دعاء إلى حكم الله، لأن الحاكم بيْنهم رسولُ الله، وإذا سلَّموا لحكم رسول الله، فإنما سلموا لحكمه بفرض الله.

وأنَّه أعْلَمَهم أن حكمَه: حكمُه، على معنى افتراضه حكمَه، وما سبق في علمه - جل ثناؤه - مِن إسْعاده بعِصْمته وتوفيقه، وما شَهِد له به من هِدايتِه واتباعِه أمْرَه.

فأَحْكَمَ فرضَه بإلزام خَلْقِه طاعةَ رسوله، وإعْلامِهم أنها طاعتُه.

فَجَمَعَ لهم أنْ أعْلمَهم أنَّ الفرض عليهم اتباعُ أمره، وأمرِ رسوله، وأن طاعة رسوله: طاعتُه، ثم أعلمهم أنه فَرَضَ على رسوله اتباعَ أمرِه - جل ثناؤه -.


هامش

  1. [الفتح: 10]
  2. [النساء: 80]
  3. [النساء: 65]
  4. [النور: 63]
  5. [النور: 48، 52]
كتاب الرسالة
المقدمة | باب كيف البيان | باب البيان الأول | باب البيان الثاني | باب البيان الثالث | باب البيان الرابع | باب البيان الخامس | باب: بيان ما نزل من الكتاب عاما يُراد به العام | باب: بيان ما أنزل من الكتاب عام الظاهر وهو يجمع العام والخصوص | باب: بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص | باب: الصنف الذي يبين سياقه معناه | الصنف الذي يدل لفظه على باطنه، دون ظاهره | باب: ما نزل عاماًّ دلت السنة خاصة على أنه يراد به الخاص | بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه | باب: ما أمر الله من طاعة رسوله | باب: ما أبان الله لخلقه من فرائض | ابتداء الناسخ والمنسوخ | الناسخ والمنسوخ الذي يدل الكتاب على بعضه والسنة على بعضه | باب: فرض الصلاة الذي دل الكتاب ثم السنة على من تزول عنه بعذر | الناسخ والمنسوخ الذي تدلُّ عليه السنة والإجماع | باب: الفرائض التي أنزل الله نصاً | الفرائض المنصوصة التي سن رسول الله معها | الفرض المنصوص الذي دلت السنة على أنه إنما أراد الخاص | جمل الفرائض | في الزكاة | (في الحج) | (في العدد) | في محرمات النساء | في محرمات الطعام | عدة الوفاة | باب العلل في الحديث | وجه آخر من الناسخ والمنسوخ | وجه آخر في الناسخ والمنسوخ | وَجه آخر | وجه آخر من الاختلاف | اختلاف الرواية على وجه غير الذي قبله | وجه آخر مما يعد مختلفا وليس عندنا بمختلف | وجه آخر مما يعد مختلفا | وجه آخر في الاختلاف | في غسل الجمعة | النهي عن معنى دل عليه معنى في حديث غيره | النهي عن معنى أوضح من معنى قبله | النهي عن معنى يشبه الذي قبله في شيء ويفارقه في شيء غيره | باب آخر- وجه آخر يشبه الباب قبله | وجه يشبه المعنى الذي قبله | صفة نهي الله ونهي رسوله | باب العلم | باب خبر الواحد | الحجة في تثبيت خبر الواحد | باب الإجماع | القياس | باب الاجتهاد | باب الاستحسان | باب الاختلاف | أقاويل الصحابة | منزلة الإجماع والقياس