مجموع الفتاوى/المجلد الخامس عشر/فصل في تفسير قوله تعالى فلم تقتلوهم
فصل في تفسير قوله تعالى فلم تقتلوهم
وَقَالَ رَحِمَهُ الله:
فى قوله: { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ } الآية 1 ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه مبنى على أن الفعل المتولد ليس من فعل الآدمى، بل من فعل الله، والقتل هو الإزهاق، وذاك متولد، وهذا قد يقوله من ينفى التولد وهو ضعيف؛ لأنه نفى الرمى أيضا، وهو فعل مباشر؛ ولأنه قال: { فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } 2، وقال: { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا } 3، فأثبت القتل؛ ولأن القتل هو الفعل الصالح للإزهاق، ليس هو الزهوق، بخلاف الإماتة.
الثاني: أنه مبنى على خلق الأفعال، وهذا قد يقوله كثير من الصوفية، وأظنه مأثورًا عن الجنيد سلب العبد الفعل، نظرًا إلى الحقيقة؛ لأن الله هو خالق كل صانع وصنعته، وهذا ضعيف لوجهين:
أحدهما: إنا وإن قلنا بخلق الفعل فالعبد لا يسلبه، بل يضاف الفعل إليه أيضا فلا يقال: ما آمنت ولا صليت، ولا صمت، ولا صدقت، ولا علمت، فإن هذا مكابرة؛ إذ أقل أحواله الاتصاف وهو ثابت.
وأيضا، فإن هذا لم يأت في شيء من الأفعال المأمور بها إلا في القتل والرمى ببدر، ولو كان هذا لعموم خلق الله أفعال العباد لم يختص ببدر.
الثالث: أن الله سبحانه خرق العادة في ذلك، فصارت رؤوس المشركين تطير قبل وصول السلاح إليها بالإشارة، وصارت الجريدة تصير سيفًا يُقْتَل به.
وكذلك رمية رسول الله ﷺ أصابت من لم يكن في قدرته أن يصيبه، فكان ما وجد من القتل وإصابة الرمية خارجًا عن قدرتهم المعهودة، فسلبوه لانتفاء قدرتهم عليه، وهذا أصح، وبه يصح الجمع بين النفى والإثبات { وَمَا رَمَيْتَ } أي ما أصبت { إِذْ رَمَيْتَ } إذ طرحت { وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى } 4، أصاب.
وهكذا، كل ما فعله الله من الأفعال الخارجة عن القدرة المعتادة، بسبب ضعيف، كإنباع الماء وغيره من خوارق العادات، أو الأمور الخارجة عن قدرة الفاعل، وهذا ظاهر، فلا حجة فيه لا على الجبر ولا على نفى التولد.
هامش