البداية والنهاية/الجزء الثاني/باب ما كان يشتغل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوج خديجة
وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو بكر بن عبد الله، أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا عمرو بن أبي يحيى بن سعيد القرشي، عن جده سعيد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
« ما بعث الله نبيا إلا راعي غنم ».
فقال له أصحابه: وأنت يا رسول الله؟
قال: « وأنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط ».
رواه البخاري عن أحمد بن محمد المكي، عن عمرو بن يحيى به.
ثم روى البيهقي من طريق الربيع بن بدر - وهو ضعيف - عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ:
« آجرت نفسي من خديجة سفرتين بقلوص ».
وروى البيهقي من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس: أن أبا خديجة زوج رسول الله ﷺ وهو - أظنه - قال: سكران.
ثم قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين ابن الفضل القطان، أنا عبد الله بن جعفر، حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، حدثني عبد الله بن أبي عبيد بن محمد بن عمار بن ياسر، عن أبيه، عن مقسم بن أبي القاسم - مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل - أن عبد الله بن الحارث حدثه:
أن عمار بن ياسر كان إذا سمع ما يتحدث به الناس عن تزويج رسول الله ﷺ خديجة وما يكثرون فيه يقول: أنا أعلم الناس بتزويجه إياها، إني كنت له تربا، وكنت له إلفا وخدنا.
وإني خرجت مع رسول الله ﷺ ذات يوم حتى إذا كنا بالحزورة، أجزنا على أخت خديجة وهي جالسة على أدم تبيعها فنادتني، فانصرفت إليها، ووقف لي رسول الله ﷺ فقالت: أما بصاحبك هذا من حاجة في تزويج خديجة.
قال عمار: فرجعت إليه فأخبرته، فقال: « بل لعمري ».
فذكرت لها قول رسول الله ﷺ فقالت: اغدوا علينا إذا أصبحنا، فغدونا عليهم فوجدناهم قد ذبحوا بقرة، وألبسوا أبا خديجة حلة وصفرت لحيته، وكلمت أخاها، فكلم أباه، وقد سقى خمرا، فذكر له رسول الله ﷺ ومكانه، وسألته أن يزوجه فزوجه خديجة، وصنعوا من البقرة طعاما فأكلنا منه.
ونام أبوها ثم استيقظ صاحيا فقال: ما هذه الحلة؟ وما هذه الصفرة وهذا الطعام؟
فقالت له ابنته التي كانت قد كلمت عمارا: هذه حلة كساكها محمد بن عبد الله ختنك، وبقرة أهداها لك فذبحناها حين زوجته خديجة، فأنكر أن يكون زوجه، وخرج يصيح حتى جاء الحجر، وخرج بنو هاشم برسول الله ﷺ فجاؤه فكلموه.
فقال: أين صاحبكم الذي تزعمون أني زوجته خديجة؟ فبرز له رسول الله ﷺ فلما نظر إليه قال: إن كنت زوجته فسبيل ذاك، وإن لم أكن فعلت فقد زوجته.
وقد ذكر الزهري في سيره أن أباها زوجها منه وهو سكران، وذكر نحو ما تقدم، حكاه السهيلي.
قال المؤملي: المجتمع عليه أن عمها عمرو بن أسد هو الذي زوجها منه، وهذا هو الذي رجحه السهيلي، وحكاه عن ابن عباس وعائشة قالت:
وكان خويلد مات قبل الفجار، وهو الذي نازع تبعا حين أراد أخذ الحجر الأسود إلى اليمن، فقام في ذلك خويلد وقام معه جماعة من قريش، ثم رأى تبع في منامه ما روعه، فنزع عن ذلك وترك الحجر الأسود مكانه.
وذكر ابن إسحاق في آخر السيرة: أن أخاها عمرو بن خويلد هو الذي زوجها رسول الله ﷺ فالله أعلم.