البداية والنهاية/الجزء الثاني/فصل شهود رسول الله عليه الصلاة والسلام حلف المطيبين مع عمومته

البداية والنهايةالجزء الثاني المؤلف ابن كثير
فصل شهود رسول الله عليه الصلاة والسلام حلف المطيبين مع عمومته



فصل شهود رسول الله عليه الصلاة والسلام حلف المطيبين مع عمومته


قال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو سعد الماليني، أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، حدثنا يحيى بن علي بن هاشم الخفاف، حدثنا أبو عبد الرحمن الأزدي، حدثنا إسماعيل بن علية، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال:

قال رسول الله : « شهدت مع عمومتي حلف المطيبين، فما أحب أن أنكثه - أو كلمة نحوها - وإن لي حمر النعم ».

قال: وكذلك رواه بشر بن المفضل عن عبد الرحمن.

قال: وأخبرنا أبو نصر بن قتادة، حدثنا أبو عمرو ابن مطر، حدثنا أبو بكر ابن أحمد بن داود السمناني، حدثنا معلى بن مهدي، حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : « ما شهدت حلفا لقريش إلا حلف المطيبين وما أحب أن لي حمر النعم وأني كنت نقضته ».

قال: والمطيبون: هاشم، وأمية، وزهرة، ومخزوم.

قال البيهقي: كذا روى هذا التفسير مدرجا في الحديث، ولا أدري قائله، وزعم بعض أهل السير أنه أراد حلف الفضول، فإن النبي لم يدرك حلف المطيبين.

قلت: هذا لا شك فيه، وذلك أن قريشا تحالفوا بعد موت قصي، وتنازعوا في الذي كان جعله قصي لابنه عبد الدار من السقاية، والرفادة، واللواء، والندوة، والحجابة، ونازعهم فيه بنو عبد مناف، وقامت مع كل طائفة قبائل من قريش وتحالفوا على النصرة لحزبهم، فأحضر أصحاب بني عبد مناف جفنة فيها طيب فوضعوا أيديهم فيها وتحالفوا، فلما قاموا مسحوا أيديهم بأركان البيت، فسموا المطيبين كما تقدم.

وكان هذا قديما، ولكن المراد بهذا الحلف حلف الفضول، وكان في دار عبد الله بن جدعان، كما رواه الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الله، عن محمد وعبد الرحمن ابني أبي بكر قالا: قال رسول الله :

« لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به في الإسلام لأجبت، تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها، وألا يعد ظالم مظلوما ».

قالوا: وكان حلف الفضول قبل المبعث بعشرين سنة في شهر ذي القعدة، وكان بعد حرب الفجار بأربعة أشهر، وذلك لأن الفجار كان في شعبان من هذه السنة، وكان حلف الفضول أكرم حلف سمع به، وأشرفه في العرب، وكان أول من تكلم به ودعا إليه الزبير بن عبد المطلب.

وكان سببه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة، فاشتراها منه العاص بن وائل، فحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف عبد الدار، ومخزوما، وجمحا، وسهما، وعدي بن كعب، فأبوا أن يعينوا على العاص بن وائل وزبروه أي: انتهروه.

فلما رأى الزبيدي الشر أوفى على أبي قبيس عند طلوع الشمس -وقريش في أنديتهم حول الكعبة - فنادى بأعلى صوته:

يا آل فهر لمظلوم بضاعته * ببطن مكة نائي الدار والنفر

ومحرم أشعث لم يقض عمرته * يا للرجال وبين الحجر والحجر

إن الحرام لمن أثت كرامته * ولا حرام لثوب الفاجر الغدر

فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب وقال: ما لهذا متروك؟ فاجتمعت هاشم وزهرة وتيم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان، فصنع لهم طعاما وتحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام، فتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم، حتى يؤدي إليه حقه، ما بل بحر صوفة، وما رسى ثبير وحراء مكنهما، وعلى التأسي في المعاش.

فسمت قريش ذلك الحلف: حلف الفضول، وقالوا: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر، ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه.

وقال الزبير بن عبد المطلب في ذلك:

حلفت لنعقدن حلفا عليهم * وإن كنا جميعا أهل دار

نسميه الفضول إذا عقدنا * يعزبه الغريب لذي الجوار

ويعلم من حوالي البيت أنا * أباة الضيم نمنع كل عار

وقال الزبير أيضا:

إن الفضول تعاقدوا وتحالفوا * ألا يقيم ببطن مكة ظالم

أمر عليه تعاقدوا وتواثقوا * فالجار والمعتر فيهم سالم

وذكر قاسم بن ثابت في - غريب الحديث - أن رجلا من خثعم قدم مكة حاجا - أو معتمرا - ومعه ابنة له يقال لها القتول من أوضأ نساء العالمين، فاغتصبها منه نبيه بن الحجاج وغيبها عنه.

فقال الخثعمي: من يعديني على هذا الرجل؟

فقيل له: عليك بحلف الفضول.

فوقف عند الكعبة ونادى: يا آل حلف الفضول، فإذا هم يعنقون إليه من كل جانب، وقد انتضوا أسيافهم، يقولون: جاءك الغوث فما لك؟

فقال: إن نبيها ظلمني في بنتي وانتزعها مني قسرا، فساروا معه حتى وقفوا على باب داره، فخرج إليهم فقالوا له: أخرج الجارية ويحك فقد علمت من نحن وما تعاقدنا عليه، فقال: أفعل ولكن متعوني بها الليلة. فقالوا: لا والله ولا شخب لقحة، فأخرجها إليهم وهو يقول:

راح صحبي ولم أحيي القتولا * لم أودعهم وداعا جميلا

إذ أجد الفضول أن يمنعوها * قد أراني ولا أخاف الفضولا

لا تخالي أني عشية راح الركب * هنتم علي أن لا يزولا

وذكر أبياتا أخر غير هذه، وقد قيل: إنما سمي هذا حلف الفضول لأنه أشبه حلفا تحالفته جرهم على مثل هذا من نصر المظلوم على ظالمه، وكان الداعي إليه ثلاثة من أشرافهم، اسم كل واحد منهم فضل، وهم: الفضل بن فضالة، والفضل بن وداعة، والفضل بن الحارث، هذا قول ابن قتيبة.

وقال غيره: الفضل بن شراعة، والفضل بن بضاعة، والفضل بن قضاعة. وقد أورد السهيلي هذا رحمه الله.

وقال محمد بن إسحاق بن يسار: وتداعت قبائل من قريش إلى حلف فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان لشرفه وسنه، وكان حلفهم عنده بنو هاشم، وبنو عبد المطلب، وبنو أسد بن عبد العزى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرة، فتعاهدوا وتعاقدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها، وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا كانوا معه، وكانوا على من ظلمه، حتى يرد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول.

قال محمد بن إسحاق: فحدثني محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ التيمي أنه سمع طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري يقول: قال رسول الله :

« لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعي به في الإسلام لأجبت ».

قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي أن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي حدثه: أنه كان بين الحسين بن علي بن أبي طالب، وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - والوليد يومئذ أمير المدنية أمره عليها عمه معاوية بن أبي سفيان - منازعة في مال كان بينهما بذي المروة، فكان الوليد تحامل على الحسين في حقه لسلطانه.

فقال له الحسين: احلف بالله لتنصفني من حقي، أو لآخذن سيفي ثم لأقومن في مسجد رسول الله ، ثم لأدعون بحلف الفضول.

قال: فقال عبد الله بن الزبير - وهو عند الوليد حين قال له الحسين ما قال - وأنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي، ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه، أو نموت جميعا.

قال: وبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري فقال مثل ذلك، وبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك. فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي.

البداية والنهاية - الجزء الثاني
ذكر جماعة من أنبياء بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام | قصة حزقيل | قصة اليسع عليه السلام | فصل في حال بني إسرائيل | قصة شمويل عليه السلام | قصة داود وما كان في أيامه وذكر فضائله وشمائله ودلائل نبوته وإعلامه | ذكر كمية حياته وكيفية وفاته عليه السلام | قصة سليمان بن داود عليهما السلام | ذكر وفاته وكم كانت مدة ملكه وحياته | باب ذكر جماعة من أنبياء بني إسرائيل بعد داود وسليمان | ومنهم ارميا بن حلقيا من سبط لاوي بن يعقوب | ذكر خراب بيت المقدس | ذكر شيء من خبر دانيال عليه السلام | ذكر عمارة بيت المقدس بعد خرابها | وهذه قصة العزير | فصل:حفظ عزيرا التوراة | قصة زكريا ويحيى عليهما السلام | بيان سبب قتل يحيى عليه السلام | قصة عيسى بن مريم عبد الله ورسوله وابن أمته عليه من الله أفضل الصلاة والسلام | ميلاد العبد الرسول عيسى بن مريم العذراء البتول | باب بيان أن الله تعالى منزه عن الولد تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا | ذكر منشأ عيسى بن مريم عليهما السلام | بيان نزول الكتب الأربعة ومواقيتها | بيان شجرة طوبى ما هي؟ | ذكر خبر المائدة | فصل توجه عيسى عليه السلام نحو البحر. | ذكر رفع عيسى عليه السلام إلى السماء | ذكر صفة عيسى عليه السلام وشمائله وفضائله | فصل اختلاف أصحاب المسيح في رفع عيسى إلى السماء. | بيان بناء بيت لحم والقمامة | كتاب أخبار الماضين من بني إسرائيل وغيرهم | خبر ذي القرنين | بيان طلب ذي القرنين عين الحياة | ذكر أمتي يأجوج ومأجوج وصفاتهم | قصة أصحاب الكهف | قصة الرجلين المؤمن والكافر | قصة أصحاب الجنة | قصة أصحاب أيلة الذين اعتدوا في سبتهم | قصة أصحاب القرية | قصة لقمان | قصة أصحاب الأخدود | بيان الإذن في الرواية عن أخبار بني إسرائيل | قصة جريج أحد عباد بني إسرائيل | قصة برصيصا | قصة الثلاثة الذين أووا إلى الغار فانطبق عليهم | خبر الثلاثة الأعمى والأبرص والأقرع | حديث الذي استلف من صاحبه ألف دينار فأداها | قصة أخرى شبيهة بهذه القصة في الصدق والأمانة | قصة توبة قاتل التسعة وتسعين نفسا | حديث بينما رجل يسوق بقرة إذ ركبها | حديث كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون | حديث إنما هلكت بنو إسرائيل | حديث بينما كلب يطيف بركيه كاد يقتله العطش | حديث عذبت امرأة في هرة | حديث كان في بني إسرائيل امرأة قصيرة | حديث إن مما أدرك الناس | حديث بينما رجل وامرأة له في السلف الخالي | قصة الملكين التائبين | حديث إن رجلا كان قبلكم رغسه الله مالا | حديث كان رجل يداين الناس | حديث الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل | حديث أتشفع في حد من حدود الله؟ | حديث كلاكما محسن | حديث إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم | حديث لعن الله اليهود | حديث فأمر بلال أن يشفع الأذان | حديث لعنة الله على اليهود والنصارى | حديث لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر | حديث إنما أجلكم في أجل من خلا من قبلكم من الأمم | فصل: بعض القصص من الإسرائيليات | تحريف أهل الكتاب وتبديلهم أديانهم | ليس للجنب لمس التوراة | كتاب الجامع الأخبار الأنبياء المتقدمين | حديث إني خاتم ألف نبي | ذكر أخبار العرب | قصة سبأ | فصل إقامة ست قبائل من سبأ في اليمن. | قصة ربيعة بن نصر بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر | قصة تبع أبي كرب مع أهل المدينة | وثوب لخنيعة ذي شناتر على ملك اليمن | خروج الملك باليمن من حمير إلى الحبشة السودان | خروج أبرهة الأشرم على أرياط واختلافهما | سبب قصد أبرهة بالفيل مكة ليخرب الكعبة | خروج الملك عن الحبشة ورجوعه إلى سيف بن ذي يزن | ما آل إليه أمر الفرس باليمن | قصة الساطرون صاحب الحضر | خبر ملوك الطوائف | ذكر بني إسماعيل وما كان من أمور الجاهلية إلى زمان البعثة | قصة خزاعة وعمرو بن يحيى وعبادة العرب للأصنام | باب جهل العرب | خبر عدنان جد عرب الحجاز | أصول أنساب عرب الحجاز إلى عدنان | قريش نسبا واشتقاقا وفضلا وهم بنو النضر بن كنانة | خبر قصي بن كلاب وارتجاعه ولاية البيت إلى قريش وانتزاعه ذلك من خزاعة | فصل: تفويض قصي أمر الوظائف لابنه عبد الدار | ذكر جمل من الأحداث في الجاهلية | ذكر جماعة مشهورين في الجاهلية | حاتم الطائي أحد أجواد الجاهلية | شيء من أخبار عبد الله بن جدعان | امرؤ القيس بن حجر الكندي صاحب إحدى المعلقات | أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي | بحيرا الراهب | ذكر قس بن ساعدة الإيادي | زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه | شيء من الحوادث في زمن الفترة | كعب بن لؤي | تجديد حفر زمزم | نذر عبد المطلب ذبح ولده | تزويج عبد المطلب ابنه عبد الله من آمنة بنت وهب الزهرية | كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم | باب مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم | صفة مولده الشريف عليه الصلاة والسلام | فصل فيما وقع من الآيات ليلة مولده عليه الصلاة والسلام | ذكر ارتجاس إيوان كسرى، وسقوط الشرفات | حواضنه ومراضعه عليه الصلاة والسلام | رضاعه عليه الصلاة والسلام من حليمة | فصل ذكر رجوعه عليه الصلاة والسلام إلى أمه آمنة بعد رضاعة حليمة | فصل كفالة عبد المطلب للنبي عليه الصلاة والسلام | فصل في خروجه عليه الصلاة والسلام مع عمه أبي طالب إلى الشام | قصة بحيرا | فصل في منشئه ومرباه عليه الصلاة والسلام | شهوده عليه الصلاة والسلام حرب الفجار | فصل شهود رسول الله عليه الصلاة والسلام حلف المطيبين مع عمومته | تزويجه عليه الصلاة والسلام خديجة بنت خويلد | باب ما كان يشتغل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوج خديجة | فصل ذكر خديجة لورقة بن نوفل عن النبي عليه الصلاة والسلام | فصل في تجديد قريش بناء الكعبة قبل المبعث بخمس سنين | فصل تعظيم قريش للحرم تعظيما زائدا أدى إلى الابتداع | مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا وذكر شيء من البشارات بذلك | فصل طلب اليهود من الله تعالى أن يبعث لهم نبيا يحكم بينهم وبين الناس | ذكر أخبار غريبة في ذلك | قصة عمرو بن مرة الجهني | قصة سيف بن ذي يزن وبشارته بالنبي | باب في هواتف الجان