التاج في أخلاق الملوك/باب في صفة ندماء الملك/خلال الندماء وملاعبة الملوك
خلال الندماء وملاعبة الملوك
ولندماء الملك وبطانته خلال يساوون فيها الملك ضرورةً. ليس فيها نقص على الملك، ولا ضعة في الملك. منها: اللعب بالكرة، وطلب الصيد، والرمي في الأغراض، واللعب بالشطرنج، وما أشبه ذلك.
ومن الحق على الملك أن لا يمنع ملاعبه ما يجب له من طلب النصفة في هذه الأقسام التي عددنا. ومن حق الملاعب له المشاحة والمطالبة والمساواة والممانعة، وترك الإغضاء والأخذ من الحق بأقصى حدوده؛ غير أن ذلك لا يكون معه بذاء ولا كلام رفثٍ ولا معارضة بما يزيل حق الملك، ولا صياح يعلو كلامه، ولا نخير ولا قذف ولا ماهو خارج عن ميزان العدل.
وفيما يحكى عن سابور أنه لاعب ترباً كان له بالشطرنج إمرة مطاعة. فقمره تربه، فقال له سابور: ما إمرتك؟ فقال: أركبك حتى أخرج بك إلى باب العامة. فقال له سابور: بئس موضع الدالة وضعتك، فرد غير هذا.
فقال: بهذا جرى لفظي. فأسف لذلك سابور، وقام فدعا ببرقع، فتبرقع، ثم جثا لتربه، فامتنع أن يعلو ظهر الملك إجلالاً له وإعظاماً. فنادى سابور بعد ذلك بسنةٍ في الرعية: لا يلعبن أحد لعبةً على حكمٍ غائبٍ، فمن فعل، فدمه هدر.
فأما إذا كانت المشاحة على طلب الحق في هذه الأقسام التي ذكرنا بمعارضة شعر، وتوبيخٍ في مثلٍ ونادرٍ من الكلام، وإخبارٍ عن سوء لعب اللاعب، وتأنيبٍ له، فهذا مما يخاطب به الملك، ويعارض فيه. فأما إذا خرج عن هذا، فدخل في باب الجرأة كما فعل ترب سابور، فإنه خطأ من فاعله، وجهل من قائله، وجرأة على ملكه. وليس للرعية الجرأة على الراعي.
ومن حق الرجل على الملك، إذا ضرب معه بالكرة، أن يتقدم بدابته على دابة
الملك، وصولجانه على صولجان الملك، وأن يعمل جهده في أن لا يبخس حظه ولا يفتر في مسابقةٍ ولا مراكضةٍ ولا التفاف كرةٍ ولا سبقٍ إلى حدٍ ونهاية وما أشبه ذلك. وكذلك القول في الرماية في الأغراض، وطلب الصيد، ولعب الشطرنج.
سمعت محمد بن الحسن مصعب يقول: كان لي صديق من بني مخزوم، وكان لاعباً بالشطرنج. فذكرته لأبي العباس، عبد الله بن طاهر، فقال: أحضره. فقلت للمخزومي: تهيأ للقاء أبي العباس وكان متصرفاً، كثير الأدب، فغدوت به، فدخل.
فلما وقعت عين أبي العباس عليه، وقف؛ فرآه من بعيد، ثم انصرف من غير أن يكلمه؛ فقال: هذا رجل من أهل الأدب، فاغد به ولاعبه الشطرنج بحضرتي
حتى أبوره؛ وعابثه حتى يخرج إلى باب الهزل والشتيمة.
فلما قعدنا، دارت عليه ضربة، فقلت: خذها، وأنا الغلام البوشنجي! وهو ساكت.
ثم دارت عليه ضربة، فقلت: خذها، وأنا مولى مخزوم، فسكت.
ثم دارت عليه ضربة، فقلتك خذها يا ابن مخزوم، في خرم مخزوم!، فسكت.
واستؤذن لرجلٍ من آل عبد الملك بن صالح، وكان خاصاً بأبي العباس، فأمر بالأذن له. فلما دخل الهاشمي وقعد، قال لي المخزومي: ليس فيك موضع شرف ولا عز، فأفاخرك: أنت بوشنجي ثمن دانق! ولكن قل لهذا الهاشمي يفاخرني حتى ينظر ما يكون حاله.
فأما أنت، فمن أنت حتى أفاخرك؟ فضحك أبو العباس حتى فحص برجليه، وأمر له بخمسمائة دينار، وقربه وآنسه.