الرد على المنطقيين

هذا إذا جعل الفصل مصورا للمحدود في نفس من لم يتصوره وأما إذا جعل الفصل مميزا له عن غيره فلا ريب أنه يكون بالصفات المختصة

والمقصود انه من تصور المحدود بنفسه فلا بد ان يتصور ما يختصه ويميزه عن غيره وهذا لا يحتاج في تصوره الى حد ولكن يترجم له الاسم الدال عليه ويميز له المسمى عن غيره لكن الحد يكون منبها له على الحقيقة كما ينبهه الاسم إذا كان عارفا بمسماه

وأما من لم يكن متصورا له فلا يمكن ان يذكر له صفة واحدة تختص بالمحدود فلا يمكن تعريفه إياه لا ب فصل ولا خاصة سواء ذكر الجنس والعرض العام او لم يذكر لان الصفة التي تختص المحدود لا تتصور بدون تصور المحدود إذ لا وجود لها بدونه والعقل إنما يجرد الكليات إذا تصور بعض جزئياتها فمن لم يتصور الشيء الموجود كيف يتصور جنسه ونوعه

ولكن يتصور بالتثميل والتشبيه ويتصور القدر المشترك بين تلك الصفة الخاصة وبين نظيرها من الصفات والقدر المشترك ليس هو فصلا ولا خاصة ولكن قد ينتظم من قدر مشترك وقدر مشترك ما يخص المحدود كما في قولك شراب مسكر

وعلى هذا فاذا قيل في الفرس إنه حيوان صاهل وفي الحمار إنه حيوان ناهق وفي البعير إنه حيوان راغ وفي الثور إنه حيوان خائر وفي الشاة إنها حيوان ثاغ وفي الظبي إنه حيوان باغم وامثال ذلك فهذه الاصوات مختصة بهذه الانواع لكن لا تفيد تعريف هذه الحيوانات لمن لم يكن عارفا بها فمن لم يعرف الفرس لا يعرف الصهيل ومن لم يعرف الحمار لا يعرف النهيق أعنى لا يعرف معناه وإن سمع اللفظ فاذا أريد تعريف النهيق قيل له هو صوت الحمار فيلزم الدور إذ يكون قد عرف الحمار بالنهيق والنهيق بالحمار

وهكذا سائر الخواص المميزة للمحدود لا يعرف بها المحدود لمن لم يكن عرفه

فتبين ان تعريف الشئ إنما هو بتعريف عينه أو بذكر ما يشبهه فمن عرف عين

الشئ لا يقتصر في معرفته الى حد ومن لم يعرفه فانما يعرف به إذا عرف ما يشبهه ولو من بعض الوجوه فيؤلف له من الصفات المشتبهة المشتركة بينه وبين غيره ما يخص المعرف

ومن تدبر هذا وجد حقيقته وعلم معرفة الخلق بما أخبروا به من الغيب من الملائكة واليوم الاخر وما في الجنة والنار من انواع النعيم والعذاب بل عرف أيضا ما يدخل من ذلك في معرفتهم بالله تعالى وصفاته ولم قال كثير من السلف المتشابه هو الوعد والوعيد والمحكم هو الامر والنهى ولم قيل القرآن يعمل ب محكمة ويؤمن ب متشابهه وعلم أن تأويل المتشابه الذي هو العلم بكيفية ما أخبرنا به لا يعلمه إلا الله وإن كان العلم بتأويله الذي هو تفسيره ومعناه المراد به يعلمه الراسخون في العلم كما قد بسطناه في غير هذا الموضع

هذا كله إذا كان السائل القائل ما هو غير عالم بالمسمى

واما إن كان عالما بالمسمى ودلالة الاسم عليه فلا يحتاج الى التمييز بين المسمى وغيره ولا الى تعريفه دلالة الاسم عليه فيكون مطلوبه قدرا زائدا على التمييز بينه وبين غيره وهذا هو الذي يجعلونه مطلوبا للسائل عن المحدود وجوابه هو عندهم المقول في جواب ما هو

ومعلوم أن مطلوب هذا قد يكون ذكر خصائص له باطنة لم يطلع عليها وقد يكون مطلوبه بيان علته الفاعلية أو الغائية وقد يكون مطلوبه معرفة ما تركب منه شئ ما وقد يكون مطلوبه معرفة حقيقته التي لا يعلمها المسئول او علمها ولا عبارة تدل السائل عليها كالسائل عن حقيقة النفس وأمثال ذلك

وجواب مثل هذا لا يجب ان يحصل بذكر صفة مشتركة مع الصفات المختصة بل قد لا يحصل إلا بذكر جميع المشتركات وقد يحصل بذكر بعض المختصات وقد يحصل بغير ذلك بحسب غرض السائل ومقصوده

الوجه الخامس: التصورات المفردة يمتنع أن تكون مطلوبة

الخامس إن التصورات المفردة يمتنع ان تكون مطلوبة فيمتنع ان تطلب بالحد وذلك لأن الذهن إما أن يكون شاعرا بها وإما أن لا يكون شاعرا بها فان كان شاعرا بها امتنع طلب الشعور وحصوله لان تحصيل الحاصل ممتنع وإنما قد يطلب دوام الشعور وتكرره او قوته وإن لم يكن شاعرا بها امتنع من النفس طلب ما لا تشعر به فان الطلب والقصد مسبوق بالشعور

فان قيل فالانسان يطلب تصور الملك والجن والروح واشياء كثيرة وهو لا يشعر بها قيل هو قد سمع هذه الاسماء فهو يطلب تصور مسماها كما يطلب من سمع الفاظا لا يفهم معانيها تصور معانيها سواء كانت المعاني متصورة له قبل ذلك او لم تكن وهو اذا تصور مسمى هذه الاسماء فلا بد ان يعلم انها مسماة بهذا الاسم اذ لو تصور حقيقة ولم يكن ذلك الاسم فيها لم يكن تصور مطلوبه فهنا المتصور ذات وانها مسماة بكذا من جنس ما يرى الثلج من لم يكن يعرفه فيراه ويعلم ان اسمه الثلج وهذا ليس تصورا للمعنى فقط بل للمعنى ولا سمه وهذا لا ريب ان يكون مطلوبا ولكن هذا لا يوجب ان يكون المعنى المفرد مطلوبا فان المطلوب هنا تصديق وفيه امر لغوي

وايضا فان المطلوب هنا لا يحصل بمجرد الحد بل لا بد من تعريف المحدود بالاشارة اليه او غير ذلك مما لا يكتفى فيه بمجرد اللفظ

فان قيل جعلتم امتناع الطلب لازما للنقيضين والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان واذا عدم اللازم عدم الملزوم فاذا كان امتناع الطلب وهو اللازم معدوما لزم عدم النقيضين وعدم النقيضين محال قيل هذا الامتناع لازم على تقدير هذا النقيض او تقدير هذا النقيض فأيهما كان ثابتا في نفس الامر كان الامتناع لازما له يلزم به في نفس الامر وليس في هذا جمع بين النقيضين ولا رفع للنقيضين وهذا يقوى المقصود فان هذا الامتناع اذا لزم من انتفائه المحال لم يكن منتفيا بل يكون هذا الامتناع ثابتا وهو المطلوب واذا كان عدم هذا الامتناع مستلزما للنقيضين كان محالا فيكون نقيضه وهو ثبوت هذا الامتناع حقا فيكون امتناع الطلب للتصورات المفردة ثابتا وهو المراد

واذا لم تكن التصورات المفردة مطلوبة فاما ان تكون حاصلة للانسان فلا تحصل بالحد فلا يفيد الحد التصوير واما ان تكون حاصلة فمجرد حصول الحد لا يوجب ذكر الاسماء تصور المسميات لمن لا يعرفها ومتى كان له شعور بها لم يحتج الى الحد في ذلك الشعور الا من جنس ما يحتاج الى الاسم

والمقصود هو التسوية بين فائدة الحدود وفائدة الاسم لكن الحد اذا تعددت فيه الالفاظ كان كتعداد الاسماء سواء كانت مشتقة او غير مشتقة

الوجه السادس: التفريق بين الذاتي والعرضي باطل

السادس ان يقال المفيد لتصور الحقيقة عندهم هو الحد التام وهو الحقيقي وهو المؤلف من الجنس والفصل من الذاتيات المشتركة والمميزة دون العرضيات العرضيات التي هي العرض العام والخاصة والمثال المشهور

عندهم ان الذاتي المميز الانسان الذي هو الفصل هو الناطق والخاصة هي الضاحك

فنقول مبنى هذا الكلام على الفرق بين الذاتي والعرضي

وهم يقولون المحمول الذاتي داخل في حقيقة الموضوع أي الوصف الذاتي داخل في حقيقة الموصوف بخلاف المحمول العرضي فانه خارج عن حقيقة

ويقولون الذاتي هو الذي تتوقف الحقيقة عليه بخلاف العرضي ويقسمون العرضي الى لازم وعارض واللازم الى لازم لوجود الماهية دون حقيقتها كالظل للفرس والموت للحيوان والى لازم للماهية كالزوجية والفردية للا ربعة والثلاثة

والفرق بين لازم الماهية ولازم وجودها ان لازم وجودها يمكن ان تعقل الماهيه موجودة دونه بخلاف لازم الماهية لا يمكن ان يعقل موجودا دونه

وجعلوا له خاصة ثانيه وهو ان الذاتي ما كان معلولا للماهيه بخلاف للازم ثم قالوا من اللوازم ما يكون معلولا للماهيه بغير وسط وقد يقولون ما كان ثابتا لها بواسطة وقالوا ايضا الذاتي ما يكون سابقا للماهية في الذهن والخارج بخلاف اللازم فانه ما يكون تابعا

فذكروا هذه الفروق الثلاثة وطعن محققوهم في كل واحد من هذه الفروق الثلاثة وبينوا انه لا يحصل به الفرق بين الذاتي وغيره كما قد بسطت كلامهم في غير هذا الموضع

وقد يقولون ايضا هو المقوم للماهية الذي يكون متقدما عليها في الوجود وهذه الماهية وهو ان يسبق الذاتي للماهية فانه لا يتأخر عن الماهية في التصور

والفرق الثالث انه لازم لها بواسطة والعرض اللازم لازم لها بوسط والوسط عند ائمتهم كابن سينا وغيره وهو ما يسمونه باللازم في ذلك ولانه معناه الدليل لبعض متأخريهم كالرازي

ثم قد تناقضوا في هذا المقام كما قد بسطته في غير هذا المقام لما حكيت الفاظهم وتناقضهم كما ذكرته من اقوال ابن سينا في الاشارات وغير ذلك من اقوالهم اذ لم نحك هنا نفس الفاظهم وانما القصد التنبيه على جوامع تعرف ما يظهر به بطلان كثير من اقوالهم المنطقية

وهذا الكلام الذي ذكروه مبني على اصلين فاسدين الفرق بين الماهية ووجودها ثم الفرق بين الذاتي لها واللازم لها

الكلام على الفرق بين الماهية ووجودها

فالاصل الاول قولهم ان الماهية لها حقيقة ثابتة في الخارج غير وجودها وهذا هو قولهم بان حقائق الانواع المطلقة التي هي ماهيات الانواع والاجناس وسائر الكليات موجودة في الاعيان وهو يشبه من بعض الوجوه قول من يقول المعدوم شيء وقد بسطت الكلام على ذلك في غير هذا الموضع وهذا من افسد ما يكون

وانما اصل ضلالهم انهم راوا الشيء قبل وجوده يعلم ويراد ويميز بين المقدور عليه والمعجوز عنه ونحو ذلك فقالوا ولو لم يكن ثابتا لما كان كذلك كما انا نتكلم في حقائق الاشياء التي هي ماهياتها مع قطع النظر عن وجودها في الخارج فنتخيل الغلط ان هذه الحقائق والماهيات امور ثابتة في الخارج

والتحقيق ان ذلك كله امر موجود وثابت في الذهن لا في الخارج عن الذهن والمقدر في الاذهان قد يكون اوسع من الموجود في الاعيان وهو موجود وثابت في الذهن وليس هو في نفس الامر لا موجودا ولا ثابتا فالتفريق بين الوجود والثبوت مع دعوى ان كليهما في الخارج غلط عظيم وكذلك التفريق بين الوجود والماهية مع دعوى ان كليهما في الخارج

وانما نشأت الشبهة من جهة انه غلب على ان ما يوجد في الذهن يسمى ماهية وما يوجد في الخارج يسمى وجودا لان الماهية مأخوذة من قولهم ما هو كسائر الاسماء المأخوذة من الجمل الاستفهامية كما يقولون الكيفية والاينية ويقال ماهية ومايية وهي أسماء مولدة وهي المقول في جواب ما هو بما يصور الشئ في نفس السائل

فلما كانت الماهية منسوبة الى الاستفهام ب ما هو والمستفهم إنما يطلب تصوير الشئ في نفسه كان الجواب عنها هو المقول في جواب ما هو بما يصور الشئ في نفس السائل وهو الثبوت الذهني سواء كان ذلك المقول موجودا في الخارج او لم يكن فصار بحكم الاصطلاح اكثر ما يطلق الماهية على ما في الذهن ويطلق الوجود على ما في الخارج فهذا امر لفظي اصطلاحي

وإذا قيد وقيل الوجود الذهبي كان هو الماهية التي في الذهن وإذا قيل ماهية الشئ في الخارج كان هو عين وجوده الذي في الخارج

فوجود الشئ في الخارج عين ماهيته في الخارج كما اتفق على ذلك أئمة النظار المنتسبين الى أهل السنة والجماعة وسائر أهل الاثبات من المتكلمة الصفاتية وغيرهم كأبى محمد بن كلاب وأبى الحسن الاشعري وابى عبدالله بن كرام وأتباعهم دع أئمة أهل السنة والجماعة من السلف والائمة الكبار

واتفقوا على ان المعدوم ليس له في الخارج ذات قبل وجوده وأما في الذهن فنفس ماهيته التي في الذهن هي ايضا وجوده الذي في الذهن وإذا أريد بالماهية ما في الذهن وب الوجود ما في الخارج كانت هذه الماهية غير الوجود لكن ذلك لا يقتضى ان يكون وجود الماهيات التي في الخارج زائدا عليها في الخارج وأن يكون للماهيات ثبوت في الخارج غير وجودها في الخارج

ومما يوضح الكلام في الاصل الاول ان المتفلسفة أتباع أرسطو كابن سينا ودونه لا يقولون ان كل معدوم من الاشخاص وغيرها هو ثابت في الخارج

وإنما يقول ذلك من يقوله من المعتزلة والشيعة وهم أحسن حالا من المتفلسفة فان المتفلسفة على قولين

وأما قد ماؤهم كفيثاغورس وأتباعه وأفلاطون وأتباعه فقد كانوا في ذلك على ضلال مبين رد عليهم أرسطو وأتباعه كما ذكر ذلك ابن سينا في الشفاء وغيره

كان اصحاب فيثاغورس يظنون ان الاعداد والمقادير امور موجودة في الخارج غير المعدودات والمقدرات

ثم اصحاب أفلاطون تفطنوا لفساد هذا وظنوا ان الحقائق النوعية كحقيقة الانسان والفرس وامثال ذلك ثابتة في الخارج غير الاعيان الموجودة في الخارج وأنها ازلية لا تقبل الاستحالة وهذه التي تسمى المثل الافلاطونية والمثل المعلقة

ولم يقتصروا على ذلك بل أثبتوا ذلك ايضا في المادة والمدة والمكان فأثبتوا مادة مجردة عن الصور ثابتة في الخارج وهي الهيولى الاولية التي غلطهم فيها جمهور العقلاء من إخوانهم وغير إخوانهم وأثبتوا مدة وجودية خارجة عن الاجسام وصفاتها وأثبتوا خلاء وجوديا خارجا من الاجسام وصفاتها وتفطن ارسطو وذووه ان هذه كلها امور مقدرة في الاذهان لا ثابتة في الاعيان كالعدد مع المعدود ثم زعم أرسطو وذووه ان المادة موجوده في الخارج غير الصور المشهودة وأن الحقائق النوعية ثابتة في الخارج غير الاشخاص المعينة وهذا أيضا باطل كما بسط في غير هذا الموضع وبين ان قول من يقول إن الجسم مركب من الهيولى والصورة باطل كما ان قول من يقول إنه مركب من الجواهر المفردة باطل وأن اكثر فرق اهل الكلام من المسلمين وغيرهم كالكلابية والنجارية والضرارية والهشامية وكثير من الكرامية لا يقولون بهذا ولا بهذا كما عليه جماهير أهل الفقه وغيرهم

والكلام على من فرق بين الوجود والماهية مبسوط في غير هذا الموضع والمقصود هنا التنبيه على أن ما ذكروه في المنطق من الفرق بين الماهية ووجود الماهية في الخارج هو مبنى على هذا الأصل الفاسد

وحقيقة الفرق الصحيح أن الماهية هي ما يرتسم في النفس من الشيء والوجود هو نفس ما يكون في الخارج منه وهذا فرق صحيح فان الفرق بين ما في النفس وما في الخارج ثابت معلوم لا ريب فيه وأما تقدير حقيقة لا تكون ثابتة في العلم ولا في الوجود فهذا باطل

ومعلوم أن لفظ الماهية يراد به ما في النفس والموجود في الخارج ولفظ الوجود يراد به بيان ما في النفس والموجود في الخارج فمتى أريد بهما ما في النفس ف الماهية هي الوجود وإن أريد بهما ما في الخارج ف الماهية هي الوجود أيضا وأما إذا بأحدهما ما في النفس وبالأخر ما في الوجود الخارج ف الماهية غير الوجود

وكلامهم إنما يستلزم ثبوت ماهية في الذهن لا في الوجود الخارجي وهذا لا نزاع فيه ولا فائدة فيه إذ هذا خبر عن مجرد وضع واختراع إذ يقدر كل إنسان أن يخترع ماهية في نفسه غير ما اخترعه الأخر وإذا ادعى هذا أن الماهية هي الحيوان الناطق أمكن الأخر أن يقول بل هي الحيوان الضاحك وإذا قال هذا إن الحيوانية ذاتية ل الانسان بخلاف العددية ل الزوج والفرد أمكن الآخر أن يعارضه ويقول بل العدد ذاتي ل الزوج والفرد واللون ذاتي ل السواد بخلاف الحيوان فليس ذاتيا ل الانسان إذ مضمون هذا كله أن يأتي شخص إلى صفات متماثلة في الخارج فيدعى أن الماهية التي يخترعها في نفسه هي هذه الصفة دون هذه فأنه إن جعل هذا مطابقا للأمر في نفسه وهو قولهم كان مبطلا وإن قال هذا اصطلاح اصطلحته قوبل باصطلاح آخر وكان هذا مما لا فائدة فيه

فان قيل فهم يردون بذلك ما ذكره ابن سينا وغيره من أن كون العدد زوجا وفردا ليس وصفا بينا لكل عدد بل تارة يعلم ثبوته ل العدد بلا وسط كما يعلم أن الاثنين نصف الأربعة وتارة لا يعلم ثبوته إلا بوسط به يعلم أن هذا نصف هذا كما يعلم أن ألفا وثلاثمائة واثنين وسبعين لها نصف بخلاف الحيوانية ل الحيوان فانها بينة بلا وسط إذ كل حيوان أنه حيوان

قيل هذا باطل من وجهين

أحدهما إن هذا أمر يرجع إلى علم الانسان بأن هذه الصفة ثابتة للموصوف بلا وسط وإلى أن علمه بأن هذه الصفة ثابتة لا بد له من وسط وليس هذا فرقا يعود إلى الموجودات في نفسها فان كون هذا العدد زوجا أو فردا هو مثل كون هذا العدد زوجا أو فردا سواء علم الانسان بذلك أو لم يعلم وإذا كان علمه بأحدهما يحتاج إلى دليل دون الآخر لم يوجب ذلك الفرق بينهما في نفس الأمر ولكن هذا مما يبين حقيقة قولهم الذي بيناه في غير هذا الموضع وهو أن الماهية عندهم عبارة عما دل عليه اللفظ بالمطابقة وجزؤها الداخل فيها ما دل عليه اللفظ بالتضمن واللازم الخارج عنها ما دل عليه بالالتزام فترجع الماهية وجزؤها الداخل واللازم الخارج إلى مدلول المطابقة والتضمن والالتزام وهذا أمر يتبع قصد المتكلم وغايته وما دل عليه بلفظه لا يتبع الحقائق الموجودة في نفسها فان تصور المتكلم قد يكون مطابقا وقد يكون غير مطابق

وهم هنا فرقوا بين الصفات المتماثلة فجعلوا بعضها ذاتيا داخلا في الحقيقة وبعضها عرضيا خارجا لازما للحقيقة

الوجه الثاني أن يقال علم الناس بلزوم الصفات للموصوف وعدم لزومها أمر يتفاوت فيه الناس فقد يشك بعض الناس في بعض الأشياء أنه حيوان أو أنه لون حتى يعلم ذلك كما يشك في بعض الأعداد أنه زوج حتى يعلم ذلك بالوسط فلا فرق حينئذ بين ما جعلوه ذاتيا وما جعلوه عرضيا لازما للحقيقة وهو المطلوب

وأما اللازم للماهية والعرض لوجودها فملخصه أنه يمكن أن يفرض في الذهن ماهية خالية عن هذا اللازم بخلاف الآخر كما يفرض في الذهن فرس لاظل لها وفرس غير مخلوقة بل كما يفرض في الذهن زنجي غير أسود وغراب غير أسود وأمثال ذلك

فيقال إذا قدر أن هذا الذي في الذهن هو الحقيقة فان عني به هو حقيقة ما في الذهن فهذا حق وهذا وجود ما في الذهن فلا فرق بين الماهية ووجودها وإن عني به أن هذا هو الماهية التي في الخارج كان بمنزلة أن يقال هذا هو الموجود الذي في الخارج فانه إن جعلت الماهية التي في الخارج مجردة عن هذه الصفات اللازمة أمكن أن يجعل الوجود الذي في الخارج مجردا عن هذه الصفات اللازمة وإن جعل هذا هو نفس الماهية بلوازمها كان هذا بمنزلة أن يقال هذا الوجود بلوازمه

وعلى التقديرين فلا فرق بين الوجود والماهية إلا فرق بين ما في الذهن وما في الخارج وتقدير ماهية في الخارج بدون هذا اللازم كتقدير وجود في الخارج بدون هذا اللازم وهما باطلان

الكلام على التفريق بين الذاتي واللازم

الأصل الثاني وهو المقصود إن ما ذكروه من الفرق بين العرضي اللازم للماهية والذاتي لا حقيقة له فان الزوجية والفردية للعدد الزوج والفرد مثل الناطقية والصاهلية للحيوان الانسان والفرس وكلاهما إذا خطر بالبال منه الموصوف والصفة لم يمكن تقدير الموصوف دون الصفة

وإذا قيل إنه يمكن أن يخطر بالبال الأربعة والثلاثة فيفهم بدون أن يخطر بالبال كون ذلك عددا شفعا أو وترا قيل يمكن أن يخطر بالبال الانسان مع أنه لم يخطر بالبال أنه ناطق ولا أنه حيوان وإذا قيل إن هذا لا يكون تصورا تاما ل الانسان قيل إن هذا لا يكون تصورا تاما ل الأربعة أو الثلاثة

وكذلك العرض الذي هو سواد إذا خطر بالبال أنه سواد ولم يخطر أنه لون أو لم يخطر بالبال أنه عرض أو صفة لغيره أو قائم بغيره ونحو ذلك فأنه لا يمكن أن يقدر في الذهن سواد أو بياض ويقدر أنه ليس ب قائم بغيره بل إذا خطر بالبال معا فلا بد أن يعلم أنه قائم بغيره كما إذا خطر بالبال الجسم الحساس النامي المتحرك بالارادة مع الانسان فلا بد أن يعلم أنه موصوف بذلك بل لزوم ذلك ل اللون في الذهن آكد

فجعل هذه الصفات اللازمة في الذهن لهذه الموصوفات ليست ذاتية لها وهذه ذاتية ل الانسان تحكم محض ولعلة إلى العكس أقرب إن صح التفريق بينهما

لهذا يتناقضون في التمثيل فهم يقولون الحيوانية ذاتية ل الحيوان كالانسان والفرس وغيرهما ف الحيوان هو الذاتي المشترك والناطق هو الذاتي المميز ويقولون العددية ليست ذاتية مشتركة ل الزوج والفرد ولا الزوجية والفردية ذاتية مميزة ل الزوج والفرد وأما اللونية فتارة يجعلونها ك الحيوانية فيجعلونها ذاتية وتارة يجعلونها ك العددية فيجعلونها غير ذاتية وسسب ذلك دعواهم أن كون العدد المعين زوجا أو فردا قد يخفى فلا يعلم إلا بوسط هو الدليل بخلاف كون الانسان والفرس والجمل والحمار والقرد ونحو ذلك حيوانا فانه بين لكل أحد

ومعلوم أن جميع الصفات اللازمة منها ما هو خاص بالموصوف يصلح أن يكون فصلا ومنها ما هو مشترك بينه وبين غيره وكل منهما في الخارج واحد فكما أن السواد هو اللون وهو العرض القائم بغيره والثلاثة هي العدد وهي الفرد فالانسان هو الحيوان وهوالناطق والفرس هو الحيوان وهو الصاهل وهكذا سائر المحدودات

وما ذكروه من أن ما جعلوه هو الذاتي يتقدم تصوره في الذهن لتصور الموصوف دون الآخر فباطل من وجهين

أحدهما إن هذا خبر عن وضعهم إذ هم يقدمون هذا في أذهانهم ويؤخرون هذا وهذا تحكم محض فكل من قدم هذا دون هذا فانما قلدهم في ذلك ومعلوم أن الحقائق الخارجية المستغنية عنا لا تكون تابعة لتصوراتنا بل تصوراتنا تابعة لها فليس إذا فرضنا هذا مقدما وهذا مؤخرا يكون هذا في الخارج كذلك وسائر بني آدم الذين لم يقلدوهم في هذا الوضع لا يستحضرون هذا التقديم والتأخير ولو كان هذا فطريا لكانت الفطرة تدركه بدون التقليد المغير لها كما تدرك سائر الأمور الفطرية والذي في الفطرة أن هذه اللوازم كلها لوازم للموصوف وقد تخطر بالبال وقد لاتخطر وكلما خطرت كان الانسان أعلم بالموصوف وإذا لم تخطر كان علمه بصفاته أقل أما أ أن يكون هذا خارجا عن الذات وهذا داخلا في الذات فهذا تحكم ليس له شاهد لا في الخارج ولا في الفطرة، لاسيما وهم يقولون الذاتي يتقدم على الماهية في الذهن وفي الخارج ويسمونه الجزء المقوم لها ويقولون أجزاء الماهية متقدمة عليها في الذهن وفي الخارج لأن الماهية مركبة منها وكل مركب فانه مسبوق بمفرداته

ومعلوم أن صفات الموصوف قائمة به يمتنع أن تكون مقدمة عليه في الخارج وأما تسمية الصفة جزء فسبب ذلك أنها أجزاء في التصور الذهني وفي اللفظ فانك إذا قلت جسم حساس نام متحرك بالارادة ناطق كان هذا المجموع لفظه ومعناه مركبا من هذه الألفاظ ومعانيها وتلك من أجزاء هذا المركب ولكن هذا تحقيق ما قلناه من أن ما سموه الماهية وجزئها الداخل فيها ولازمها الخارج منها يعود إلى المعاني المتصورة في الذهن التي يدل عليها اللفظ بالمطابقة وجزؤها هو ما دل عليه بالتضمن وخارجها اللازم ما دل عليه بالالتزام

وهم تارة يقولون الذاتي يسبق الماهية وتارة يقولون لا يتأخر عنها ويجعلون كلا من هذين فرقا وهما متداخلان فان ما يتقدم عنها يمتنع أن يتأخر عنها

الوجه الثاني إن كون الوصف ذاتيا للموصوف هو أمر تابع للحقيقة التي هو بها سواء تصورته أذهاننا أو لم تتصوره فلا بد إذا كان احد الوصفين ذاتيا دون الآخر ان يكون بينهما أمرا يعود الى حقيقتهما الخارجة الثابتة بدون الذهن وأما أن يكون الفرق بين الحقائق الخارجة لا حقيقة له إلا بمجرد التقدم والتأخر في الذهن فهذا لا يكون حقا إلا ان تكون الحقيقة والماهية هي ما تقدر في الذهن لا ما يوجد في الخارج وذلك أمر يتبع تقدير صاحب الذهن وحينئذ فيعود حاصل هذا الكلام الى امور مقدرة في الاذهان لا حقيقة لها في الخارج وهي التخيلات والوهميات الباطلة وهذا كثير في أصولهم كما بيناه في غير موضع في بيان ما ذكروه في الهيولي والعقول والماهيات وغير ذلك

وهنا وجه ثالث يظهر به فساد ما ذكروه وهو أنهم قالوا الذاتيات هي أجزاء الماهية وهي متقدمة عليها في الذهن وفي الخارج والاجزاء هي هذه الصفات فجعلوا صفة الموصوف متقدمة عليه في الخارج وهذا مما يعلم بصريح العقل بطلانه

وسبب غلطهم أن ذلك الوصف إذا تكلم به كان جزءا من الكلام متقدما على سائر الجملة في التصور والتعبير وهو في الذهن واللسان جزؤ من الجملة التي هي في الحقيقة وما به الماهية عندهم فلما كان ما يشتبه عليهم ما في الاذهان وما في الاعيان فظنوا أن صفات الاعيان المقومة لماهياتها الثابتة في الخارج هي متقدمة عليها في الخارج وكان هذا من أظهر الغلط لمن تصور ما قالوا وقد يثبتون ماهيته متقدم عليها

الوجه السابع اشتراط الصفات الذاتية المشتركة أمر وضعي محض

الوجه السابع ان يقال قولهم إن الحد التام يفيد تصوير الحقيقة واشتراطهم ان يكون مؤلفا من الذاتي المميز والذاتي المشترك وهو الجنس

يقال لهم هل تشترطون فيه ان تتصور جميع صفاته الذاتيه المشتركة بينه وبين غيره ام لا فان اشترطتم ذلك لزم ان تقولوا مثلا جسم نام حساس متحرك بالارادة فأما لفظ الحيوان فلا يدل على هذه الصفات بالمطابقة ولا ب فصلها وإن لم تشترطوا ذلك فاكتفوا بمجرد المميز ك الناطق مثلا فان الناطق يدل على الحيوان كما يدل الحيوان على النامى إذ النامى جنس قريب ل الحيوان يشترك فيه الحيوان والنبات فاذا اردت حد الحيوان على وضعهم قلت الجسم النامى الحساس المتحرك بالارادة كما تقول في الانسان حيوان ناطق

والمقصود انهم إن اكتفوا في الدلالة على الصفات المشتركة بما يدل بالتضمين أو بالالتزام ف الفصل يدل على ذلك وإن أرادوا تفصيلها بدلالة المطابقة فلم يفعلوا ذلك

وهذا يبين أن إيجابهم في الحد التام الجنس القريب دون غيره تحكم محض ونظير هذا دعواهم أن البرهان لا بد أن يكون مؤلفا من مقدمتين لا أقل ولا أكثر فان اكتفى فبه ب مقدمة واحدة قالوا الأخرى محذوفة وسموه قياس الضمير وإن احتج فيه إلى مقدمات قالوا هذه قياسات متداخلة، فاصطلحوا على انه لابد في الحد من لفظين جنس وفصل ولابد في القياس من مقدمتين وكل هذا تحكم

فان البرهان قد يكتفى فيه ب مقدمة وقد لا يتم إلا ب مقدمتين وقد لايتم إلا بثلاث مقدمات وأربع وخمس بحسب حاجة المستدل وما يعلم مما لا يعلم من المقددمات

وكذلك اكتفاؤهم في الحد بلفظين لفظ يدل على المشترك ولفظ يدل على المميز وزعمهم أن الحد التام لا يحصل إلا بهذا لا يحتاج إلى زيادة عليه ولا يحصل بدونه فانه يقال إن أريد بالحد التام ما يصور الصفات الذاتيات على التفصيل مشتركها ومميزيها ف الجنس القريب مع الفصل لا يحصل ذلك وإن أريد بما يدل على الذاتيات ولو بالتضمن او الالتزام ف الفصل بل الخاصة يدل على ذلك

وإذا عارضهم من يوجب ذكر جميع الأجناس او يحذف جميع الأجناس لم يكن لهم عنه جواب إلا ان هذا وضعهم واصطلاحهم ومعلوم أن العلوم الحقيقية لا تختلف باختلاف الأوضاع فقد تبين أن ما ذكروه هو من باب الوضع

والاصطلاح الذي جعلوه من باب الحقائق الذاتية والمعارف وهذا عين الضلال والاضلال كمن يجيء إلى شخصين متماثلين يجعل هذا مؤمنا وهذا كافرا وهذا عالما وهذا جاهلا وهذا سعيدا وهذا شقيا من غير افتراق بين ذاتيهما وصفاتهما بل بمجرد وضعه واصطلاحه فهم مع دعواهم القياس العقلي يفرقون بين المتماثلات ويسوون بين المختلفات

ولهذا كان الذي عليه عامة الناس من نظار المسلمين وغيرهم الاقتصار في الحدود على الوصف المميز الفاصل بن المحدود وغيره إذ التمييز يحصل بهذا وذلك هو الوصف المطابق للمحدود في العموم والخصوص إلى أخرها بحيث يدخل فيه جميع أفراد المحدود وأجزائه ويخرج منه ما ليس منه فهذا هو الحد الذي عليه نظار المسلمين كما يسطنا قولهم في غير هذا الموضع

وأما سائر الصفات المشتركة فقد لا يمكن الاحاطة بها ولا ريب أنه كلما كان الانسان بها أعلم كان بالموصوف اعلم وأنه ما من تصور إلا وفوقه تصور أكمل منه ونحن لا سبيل إلى ان نعلم شيئا من كل وجه

ولا نعلم لوازم كل مربوب ولوازم لوازمه إلى آخرها فانه ما من مخلوق إلا وهو مستلزم للخالق والخالق مستلزم لصفاته التي منها علمه وعلمه محيط بكل شئ فلو علمنا لوازم لوازم الشئ الى آخرها لزم أن نعلم كل شئ وهذا ممتنع من البشر فان الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الاشياء كما هي عليه من غير احتمال زيادة وأما نحن فما من شئ نعلمه إلا ويخفى علينا من أموره ولوازمه ما لا نعلمه

يوضح ذلك انهم يقولون ما ذكره أبو حامد في معيار العلم أن دلالة التضمن كدلالة لفظ البيت على الحائط ودلالة لفظ الانسان على الحيوان وكذلك دلالة كل وصف اخص على الوصف الاعم الجوهري، ودلالة الالتزام والاستتباع كدلالة لفظ السقف على الحائط فانه مستتبع له استتباع الرفيق اللازم الخارج عن ذاته ودلالة لفظ الانسان على قابل صنعة الخياطة ومعلمها

قال: والمعتبر في التعريفات دلالة المطابقة والتضمن فأما دلالة الالتزام فلا لأن المدلول عليه فيها غير محدود ولا محصور إذ لوازم الاشياء ولوازم لوازمها لا تنضبط ولا تنحصر فيؤدي الى ان يكون اللفظ الواحد على ما لا يتناهى من المعانى وهو محال

فقد جعل دلالة الخاص على الاسم دلالة تضمن كدلالة الانسان على الحيوان وذكر أنها معتبرة فىالتعريفات ومعلوم أن دلالة الحيوان على الحساس المتحرك بالارادة ودلالة الحساس على النامى ودلالة النامى على الجسم هو كذلك عندهم ومعلوم أن دلالة الناطق على الحيوان كدلالة النامى على الجسم فكان الواجب حينئذ ان يكتفى بالناطق أو لا يكتفي معه بلفظ الحيوان فانهم إن اكتفوا بدلالة التضمن لزم الحذف وإن لم يكتفوا لزم التفصيل

الوجه الثامن: اشتراط ذكر الفصول مع التفريق بين الذاتي واللازم غير ممكن

الوجه الثامن وهو أن اشتراطهم مثلا ذكر الفصول التي هي الذاتيات المميزة مع تفريقهم بين الذاتي والعرضى اللازم للماهية غير ممكن إذ ما من مميز هو من خواص المحدود المطابقة له في العموم والخصوص إلا ويمكن شخصا

أن يجعله ذاتيا مميزا ويمكن الآخر ان يجعله عرضيا لازما للماهية

الوجه التاسع: توقف معرفة الذات على معرفة الذاتيات وبالعكس يستلزم الدور

الوجه التاسع ان يقال هذا التعليم دوري قبلي فلا يصح

وذلك أنهم يقولون إن المحدود لا يتصور ولا يحد حدا حقيقيا إلا بذكر صفاته الذاتية ثم يقولون الذاتي هو ما لا يمكن تصور الماهية بدون تصوره فيفرقون بين الذاتي وغير الذاتي ان الذاتي ما يتوقف عليه تصور الماهية فلا بد أن يتصور قبلها

ويقولون تارة لا بد أن يتصور معها فلا يمكن عندهم أن يتأخر تصوره عن تصور الماهية وبذلك يعرف أنه وصف ذاتي

فحقيقة قولهم انه لا يعلم الذاتي من غير الذاتي حتى تعلم الماهية ولا تعلم الماهية حتى تعلم الصفات الذاتية التي منها تؤلف الماهية وهذا دور

فاذا كان المتعلم لا يتصور المحدود حتى يتصور صفاته الذاتية ولا يعرف ان الصفة ذاتية حتى يتصور الموصوف الذي هو المحدود حتى تتصور فلا يعلم أنها ذاتية حتى يتصور الموصوف ولا يتصور الموصوف حتى يتصور الصفات الذاتية ويميز بينها وبين غيرها داخل فيها وما هو جزء لها فان تصور كون الشيء جزءا لغيره بدون تصور ذلك الغير ممتنع

ونحن لم نقل أنه لا يتصور الوصف الذاتي حتى يتصور الموصوف بل الانسان يتصور أشياء كثيرة ولا يتصور أنها صفات لغيرها ولا أجزاء لها فضلا عن كونها لازمة ذاتية أو غير لازمة وإنا قلنا لا يعلم أنها جزء من الماهية وأنها ذاتية ل الماهية داخلة في حقيقة الماهية إن لم تتصور الماهية

وإن قيل إن مجرد تصور الصفات الذاتيات كاف في تصور الماهية وإن لم أعلم ان تلك الصفات ذاتية قيل من أين يعلم الانسان أن هذه الصفات هي الذاتيات دون غيرها إن لم يعرف الماهية التي هذه الصفات ذاتيه لها داخلة فيها ومن اين يعلم إذا تصور بعض الصفات اللازمة أن هذه هي الذاتية التي تتركب منها الماهية والذات دون غيرها إن لم يعلم الذات فيتوقف معرفة الذات التي هي الماهية على معرفة الذاتيات وتتوقف معرفة الذاتيات أي معرفة كونها هي الذاتيات لهذه الماهية دون غيرها من اللوازم على معرفة الذات فيتوقف معرفتها على معرفتها فلا يعرف هو ولا يعرف الذاتيات

وهذا كلام متين يجتاح اصل كلامهم ويبين أنهم متحكمون فيما وضعوه لم يثبتوه على اصل علمي تابع للحقائق ولكن قالوا هذا ذاتي وهذا غير ذاتي بمجرد التحكم ولم يعتمدوا على امر يمكن الفرق به بين الذاتي وغيره إذ هذا غير ممكن فيما وضعوه ويبين ان ما ذكروه مما زعموا انه صفات ذاتية لا يعرف حقيقة الموصوف اصلا بل ما ذكروه يستلزم انه لا يمكن حده فاذا لم يعرف المحدود إلا بالحد والحد غير ممكن لم يعرف وذلك باطل

مثال ذلك إذا قدر أنه لا تتصور حقيقة الانسان حتى تتصور صفاته الذاتية التي هي عندهم الحيوانية والناطقية وهذه الحيوانية والناطقية لا يعرف انها صفاته الذاتية دون غيرها حتى يعرف ان ذاته لا تتصور إلا بها وأن ذاته تتصور بها دون غيرها ولا يعلم أن ذاته لا تتصور إلا بها حتى تعرف ذاته

فان قيل مجرد تصور الحيوانية والناطقية يوجب تصور الانسان قيل مجرد تصوره بذلك لا يوجب ان يعلم أن هذا هو الانسان حتى يعلم ان الانسان مؤلف من هذه دون غيرها وهذا يوجب معرفته بالانسان قبل ذلك

وأما مجرد قوله حيوان ناطق إذا جعل مفردا ولم يكن خبر مبتدإ محذوف فانه بمنزلة الاسم المفرد وهذا لا يفيد فهم كلام

وإذا ادعى المدعى أن من تصور هذا فقد تصور الانسان بدون دليل يقيمة على ان هذا هو حقيقة الانسان كان بمنزلة من يقول في حده الحيوان الضاحك ويدعى ان هذا هو حقيقة الانسان فكلاهما دعوى بلا برهان

وهذا يبين ان دلالة الحد بمنزلة دلالة الاسم إنما يفيد التمييز بين المحدود المسمى وغيره ولكنه قد يفيد تفصيل ما دل عليه الاسم بالاجمال وذلك التفصيل يتنوع بحسب ما يذكر من الصفات لا يختص ذلك ببعض الصفات المطابقة للموصوف التي هي لازمة ملزومة دون غيرها ويبين أن الالفاظ بمجردها لا تفيد تصور الحقائق لمن لم يتصورها بدون ذلك لكنها تفيد التنبيه والاشارة لمن كان غافلا معرضا

فان قيل تصوره موقوف على تصور الصفات الذاتية لا على معرفة أنها ذاتية وقد يمكن تصورها وإن لم يعرف أنها ذاتية له قيل هب أن الامر كذلك لكن لا بد من التمييز بين الصفات الذاتية التي لا تتصور الذات إلا بها وبين العرضية التي تتصور بدونها ولا يمكن التمييز بين هذين النوعين إلا إذا عرفت ذاته المؤلفة من الصفات الذاتية ولا تعرف ذاته حتى تعرف الصفات الذاتية ولا تميز بين الذاتيات وغيرها حتى تعرف ذاته فصار معرفة الذات موقوفا على معرفة الذات وهذا هوالدور

وكذلك معرفة الذاتيات موقوف على معرفة الذاتيات فلا تعرف الصفات التي هي ذاتية للموصوف حتى تعرف ان تصور الذات موقوف على تصورها ولا يعرف أن تصور الذات موقوف على تصورها حتى تعرف الذات ولا تعرف الذات حتى تعرف الذاتيات وهذا بين عند تأمل مقصودهم فانهم يقولون لا يحد الشيء حدا حقيقيا إلا بذكر صفاته الذاتية فلا بد من الفرق بين صفاته الذاتية والعرضية والفرق بينهما أن الذاتي هو ما لا تتصور الحقيقة إلا به فاذا كنالم نعرف الحقيقة لم نعرف الصفات التي يتوقف معرفة الحقيقة عليها وإذا لم نعرف هذه الصفات لم نعرف الصفات الذاتية من العرضية وهو المطلوب

وهذا بخلاف الفرق بين الصفات اللازمة والعارضة فانه فرق حقيقي ثابت في نفس الأمر

أبحاث في حد العلم والخبر

مثال ذلك إنهم يتنازعون في حد العلم والأمر والخبر ونحو ذلك من الأمور التي شاع الكلام عليها في العلوم المشهورة فمن النظار من يحدها كما يقولون في العلم معرفة المعلوم على ما هو به أو يقولون إعتقاد المعلوم على رأي ال معتزلة الذين لا يقولون إن لله علما أو يقولون العلم ما أوجب لمن قام به أن يكون عالما ونحو ذلك

ويقال في حد الخبر هو ما احتمل الصدق والكذب أو ما شاع أن يقال لصاحبه في اللغة صدقت أو كذبت ونحو ذلك

ويعترض على هذه الحدود بالاعتراضات المشهورة

مثل أن يقال المعلوم مشتق من العلم ومعرفة المشتق متوقفة على معرفة المشتق منه فلو عرف المشتق بالمشتق منه لزم الدور

أو يقال العلم هو المعرفة وهذا حد لفظي

أو يقال قولك على ما هو به زيادة

ويقال إدخال الصدق والكذب او التصديق والتكذيب في حد الخبر لا يصلح لأنهما نوعا الخبر وتعريفهما إنما يمكن بالخبر فلو عرف الخبر بهما لزم الدور

وأمثال ذلك من الاعتراضات المشهورة على الحدود المشهورة

ومنهم من يقول هذه الأشياء لا يمكن تحديدها أو لا يحتاج إلى تحديدها بل هي غنية عن الحد

كما يقال في العلم إن غير العلم لا يعرف إلا بالعلم فلو عرف العلم بغيره لزم الدور

أو يقال تصوره العلم لا يحصل إلا ب علم وذلك العلم العين موقوف على العلم فلو توقف تصور العلم على غيره لزم الدور

أو يقال في تعريف العلم والخبر والأمر إن كل أحد يعلم جوعه وشبعه ويعلم أنه عالم بذاك والعلم بالمركب مسبوق بالعلم بالمفرد فاذن كل أحد يعلم العلم فيكون تصوره بديهيا

ويقال في الأمر والخبر كل أحد يحسن أن يأمر وأن يخبر ويعلم أن هذا أمر وهذا خبر والعلم بالمركب مسبوق بالعلم بالمفرد

فيقال له العلم بالخبر المعين والأمر المعين لا يستلزم العلم بالمطلوب بالحد لأن المطلوب بالحد تعريف الحقيقة العامة الجامعة المانعة وتصور المعين إنما يستلزم تصور الحقيقة مطلقا لا بشرط العموم والمطابقة فان الحقيقة لا توجد عامة في الأعيان اذ الكليات بشرطكونها كليات انما توجد في الذهن والعلم بالعين لا يستلزم العلم بالكلى بشرط كونه كليا فإذن ما علمه بالمعين ليس هو المحدود

يوضح ذلك بأن تصور خر معين وعلم معين تصور لامر جزئي والمطلوب بالحد هو المعنى الكلي الجامع المانع فأن قيل يلزم من وجود الجزئي وجود الكلي او قيل المطلق جزؤ المعين

فإن اريد بذلك انه يوجد جزءا معينا فأن ما هو مطلق في الذهن اذا وجد في الخارج كان معينا فهذا حق ولكن لا يفيدهم واما ان اريد بذلك ان المطلق الذي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه هو نفسه جزء من هذا المعين مع كونه كليا فهذا مكابرة ظاهرة ونفس تصوره كاف للعلم بفساده فأن الجزئي من معين خاص والكلي اعم واكثر منه فكيف يكون الكثير بعض القليل وإذا كان المطلوب بالحد هو الكلي الجامع المانع الذي يطابق جميع أفراد المحدود فلا يخرج عنه شيء ولا يدخل فيه ما ليس منه فمعلوم أن تصور المعين لا يستلزم مثل هذا

وأيضا فهذا منقوض بسائر المحدودات كالانسان وغيره مما يتصور جنس مفرداته كل أحد

ويقال قوله إن غير العلم لا يعرف إلا بالعلم فلو عرف العلم بغيره لزم إن أراد به المعلوم لا يعرف إلا بعلمه فهذا حق لكن العلم لا يعرف ب غير العلم فيعرف العلم المطلق أو العام ب علم معين فلفظ العلم في أحد المقدمتين ليس معناه معنى العلم في المقدمة الأخرى فيلزم الدور إذ قول القائل العلم لا يعرف إلا بالعلم معناه أن كل معلوم لا يعرف إلا بالعلم

وقوله فلو عرف العلم بغيره لزم الدور يقال المعرف المحدود ليس هو علما ب معلوم معين بل هو العلم الكلي والعلم الكلي يعلم ب علم جزئي مقيد ولا منافاة في ذلك كما يخبر عن الخبر بخبر فيخبر عن الخبر المطلق أو العام ب خبر معين خاص

وقول القائل في الجواب إن توقف تصور غير العلم على حصول العلم بغيره أي ب غير العلم لا على تصور العلم فانقطع الدور وهو أحد الجوابين فان حصول العلم بكل معلوم يتوقف على حصول العلم المعين لا على تصوره والمطلوب ما يحد تصور العلم لا حصول العلم بتلك المعلومات

والجواب الآخر أن يقال تصور غير العلم مما يتوقف على حصول العلم بذلك المعلوم لا على حصول العلم المحدود وهو الجامع المانع والمطلوب بالحد هو هذا قدر فلو أن حصول تصور غير العلم موقوف على العلم بذلك المعلوم وعلى تصور ذلك العلم لم يكن هذا مانعا من الحاجة إلى الحد فكيف وقد يقال من علم الشيء قد يعلم أنه عالم ويعود ما ذكر

وإيضاح هذا أن في الخارج امورا معينة كالانسان المعين والعلم المعين

والخبر المعين وقد يتصور الانسان أمرا مطلقا كالانسان المطلق والعلم المطلق والخبر المطلق وهذا المطلق قد يراد به المطلق بشرط له إطلاق وهو الذي يقال إنه كل عقل وقد يراد به المطلق لا بشرط وهو الذي يسمى الكلى الطبيعي

وهذا الكلى المطلق لا بشرط قد يتنازعون هل هو موجود في الخارج ام لا والتحقيق انه يوجد في الخارج لكن معينا مشخصا فلا يوجد في الخارج إلا إنسان معين وفيه حيوانية معينة وناطقية معينة ولا يوجد فيه إلا علم معين وخبر معين

ثم من الناس من يقول إن المطلق جزؤ من المعين ويقولون العام جزؤ من الخاص فانه حيث وجد هذا الانسان وهذا الحيوان وجد مسمى الانسان ومسمى الحيوان وهو المطلق

ومن الناس من ينكر هذا ويقول المطلق الكلى هو الذي لا يمنع تصور معناه من وقوع الشركة فيه فيجوز ان تدخل فيه أفراد كثيرة والمعين هو جزئي يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه فكيف يكون الكبير بعض القليل وكيف يكون العام أو المطلق الذي يتناول أفرادا كثيرة أو يصلح ليتناول جزءا من المعين الجزئي الذي لا يتناول إلا ذلك الشخص الجزئي الموجود في الخارج

وفصل الخطاب انه ليس في الخارج إلا جزئي معين ليس في الخارج ما هو مطلق عام مع كونه مطلقا عاما وإذا وجد المعين الجزئي ف الانسان والحيوان وجدت فيه إنسانية معينة مختصة مقيدة غير عامة ولا مطلقة

ف المطلق إذا قيل هو جزؤ من المعين فانما يكون جزءا بشرط ان لا يكون مطلقا عاما والمعنى أن ما يتصوره الذهن مطلقا عاما يوجد في الخارج لكن لا يوجد إلا مقيدا خاصا وهذا كما إذا قيل إن ما في نفسي وجد أو فعل أو فعلت ما في نفسي فمعناه ان الصور الذهنية وجدت في الخارج أي وجد ما يطابقها

إذا عرف هذا فكل ما يعلم إنما يعلم بعلم معين وهذا العلم المعين فيه حصة من العلم المطلق العام ليس فيه علم مطلق عام مع كونه مطلقا عاما والانسان إذا تصور هذا الانسان وهذا العلم وهذا الخبر لم يتصوره مطلقا عاما وإنما يتصوره معينا خاصا

وذلك لا يستلزم ان يعلم المحدود الكلى الجامع المانع الشامل لجميع الافراد المانع من دخول غيرها فيه ف غير العلم إذا توقف على حصول العلم فانما توقف على حصول علم معين جزئي لا على تصوره كما قيل في الجواب الاول

فلو قيل إنه موقوف أيضا على تصوره لكان موقوفا على تصور امر جزئي معين لا على تصور المحدود المطلق الجامع المانع فان تصور هذا الكلى الجامع المانع لا يتوقف عليه وجود علم شئ من الاشياء ولا يتوقف على وجوده ولا على تصوره فلا يتوقف العلم بشئ من الاشياء على المحدود وهو العلم الجامع المانع ولا على الحد وهو العلم بهذا الجامع المانع فلا يقف لا على تصوره ولا على وجوده

وكذلك ما ذكروه في إثبات النظر بالنظر يقال فيه صحة جنس النظر ب نظر معين والنظر المعين يعلم صحته بالضرورة فالدليل نظر معين والمدلول عليه جنس النظر والنظر المعين يعلم صحته بالضرورة

وأمثال ذلك من التصورات والتصديقات التي يعلم المعين منها بالضرورة ويعلم جنسها بهذا المعين منها وليس ذلك من باب تعريف الشئ بنفسه

فاذا كان القول ب ان هذه الامور محدودة بالحدود الممكنة ترد عليه الاعتراضات القادحة على أصلهم والقول ب انها غير مفتقرة الى الحدود ترد عليه الاعتراضات الفادحة على أصلهم لم يكن القول على أصلهم لا بأنها محدودة بما يمكن من الحدود ولا بأنها مستغنية عن الحدود وإذا لم تكن غنية عن الحد بل مفتقرة اليه والحدود غير ممكنة لزم توقف تعريفها على ما لا يمكن فيلزم امتناع تعريفها ومعلوم أن معرفتها حاصلة فعلم بطلان قولهم

وأيضا فيبقى الانسان غير متمكن لا من إثبات أن لها حدودا ولا من نفي أن يكون لها حدود وما استلزم المنع من النفي والاثبات أو رفع النفي والاثبات كان باطلا فان كل ما يذكر من الحدود يرد عليه ما يقدح فيه على أصلهم وقد ثبت عندهم انه لا بد لها من حد فيلزم أنه لا بد لها من حد وكل حد فهو باطل فيلزم إثبات الحد ونفيه

وما استلزم ذاك إلا لأنهم جعلوا مقصود الحد تصوير المحدود وإذا قيل المقصود من الحد التمييز بين المحدود وغيره كان كل من القولين حقا ولم يتقابل النفي والاثبات بل الذين حدوها بحدودهم أفادت حدودهم التمييز بينها وبين غيرها والتمييز يحصل بما يطابق المحدود في العموم والخصوص وهو الملازم له من الطرفين في النفي والاثبات

وأما اللوازم فقد تكون أعم من المحدود كما أن الملزومات قد تكون أخص منه فان الملزوم قد يكون اخص من اللازم كما أن اللازم قد يكون أعم من الملزوم فان الانسان مستلزم الحيوان والانسان أخص منه والحيوان لازم له وهو أعم منه بخلاف المتلازمين فانهما متساويان في العموم والخصوص كالانسانية مع الناطقية والصاهلية مع الفرسية ونحو ذلك

والحدود لا تجوز إلا بالملازم في الطرفين النفي والاثبات لا بمجرد اللوازم كما يطلقه بعضهم ولا بمجرد الملزومات ثم التمييز يحصل بالمطابق الملازم وإن كان قد لا يحتاج الى هذا التمييز إذا حصل الاستغناء عنه بالاسم

والذين قالوا إنها غنية عن الحدود بينوا ان مطلق الحقيقة تتصور بلا حد وهذا حق بل هذا ثابت في جميع الحقائق ان مطلقها متصور بلا حد ولكن المقصود التمييز بين مسمى هذا الاسم العام وبين غيره أو التمييز بين المعنى العام المتشابه في افراده وبين غيره وتمييز العام من غيره قد لا يكفى فيه مجرد تصوره مطلقا او تصور بعض افراده فليس كل من تصور معنى مطلقا تصوره عاما مميزا بينه وبين غيره فكيف إذا لم يتصوره إلا خاصا مقيدا معينا إذ قد يقطع في مواضع بأنها خبر وأنها امر وأنها علم ويشك في مواضع كما يشك في الاعتقاد المطابق الذي يحصل للمقلد وفي امر الادنى للاعلى وفي الامر الخالي عن الارادة ونحو ذلك

فالمطلوب من الجمع والمنع الذي هو مقصود الحد لا يحصل بتصور أعيان معينة ولكن يحصل منه تصور الحقيقة في الجملة فان من تصورها معينة تصورها في الجملة وهو تصورها مع كونها مقيدة فيمكنه حينئذ ان يتصورها لا بشرط إذا جردها عن التعريف بمعنىا انه لا يشترط فيها التعريف ولا انه يشترط عدمه

وهذا المطلق هل هو في الخارج جزؤ من المعين أو هذا المطلق وهوالمطلق لا بشرط ليس هو في الخارج شيئا غير الاعيان الموجودة فيه قولان كما تقدم بيانه وفصل الخطاب فيه

فحينئذ فلا يكون المتصور ل الامر المعين والخبر المعين والعلم المعين قد تصور الاشياء معينة او تصور الحقيقة معينة لا مطلقة ولا عامة

الرد على المنطقيين
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19