كتاب الأم/كتاب الجزية/بلاد العنوة

ملاحظات: بلاد العنوة



[قال الشافعي]: وإذا ظهر الإمام على بلاد أهل الحرب ونفى عنها أهلها، أو ظهر على بلاد وقهر أهلها، ولم يكن بين بلاد الحرب التي ظهر عليها وبين بلاد الإسلام مشرك، أو كان بينه وبينهم مشركون لا يمنعون أهل الحرب الذين ظهروا على بلادهم وكان قاهرا لمن بقي محصورا ومناظرا له، وإن لم يكن محصورا فسأله أولئك من العدو وأن يدع لهم أموالهم على شيء يأخذ منهم فيها، أو منها قل أو كثر لم يكن ذلك له؛ لأنها قد صارت بلاد المسلمين وملكا لهم، ولم يجز له إلا قسمها بين أظهرهم كما صنع رسول الله بخيبر فإنه ظهر عليها، وهو في عدد المشركون من أهلها أكثر منهم وقربها مشركون من العرب غير يهود، وقد أرادوا منعهم منه فلما بان له أنه قاهر قسم أموالهم كما يقسم ما أحرز في بلاد المسلمين وخمسها وسألوه وهم متحصنون منه لهم شوكة ثابتة أن يؤمنهم، ولا يسبي ذراريهم فأعطاهم ذلك؛ لأنه لم يظهر على الحصون ومن فيها فيملكها المسلمون، ولم يعطهم رسول الله فيما ظهر عليه من الأموال إذ رأى أن لا قوة بهم على أن يبرزوا عن الحصون لمنع الأموال، وكذلك لم يعطهم ذلك في حصن ظهر فيه بصفية بنت حيي وأختها وصارت في يديه؛ لأنه ظهر عليه كما ظهر على الأموال، ولم يكن لهم قوة على منعه إياه.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وهكذا كل ما ظهر عليه من قليل أموال المشركين، أو كثيره أرض، أو دار، أو غيره لا يختلف؛ لأنه غنيمة وحكم الله عز وجل في الغنيمة أن تخمس، وقد بين رسول الله أن الأربعة الأخماس لمن أوجف عليها بالخيل والركاب.

وإن ظهر المسلمون على طرف من أطراف المشركين حتى يكون بهم قوة على منعه من المشركين، وإن لم ينالوا المشركين فهو بلد عنوة يجب عليه قسمه وقسم أربعة أخماسه بين من أوجف عليه بخيل وركاب إن كان فيه عمارة، أو كانت لأرضه قيمة.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وكل ما وصفت أنه يجب قسمه فإن تركه الإمام، ولم يقسمه فوقفه المسلمون أو تركه لأهله رد حكم الإمام فيه؛ لأنه مخالف للكتاب ثم السنة معا، فإن قيل: فأين ذكر ذلك في الكتاب؟ قيل: قال الله عز وجل: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول} الآية. (وقسم رسول الله الأربعة الأخماس على من أوجف عليه بالخيل والركاب من كل ما أوجف عليه من أرض، أو عمارة، أو مال)، وإن تركها لأهلها أتبع أهلها بجميع ما كان في أيديهم من غلتها فاستخرج من أيديهم وجعل أجر مثلهم فيما قاموا عليه فيها وكان لأهلها أن يتبعوا الإمام بكل ما فات فيها؛ لأنها أموالهم أفاتها.

قال: فإن ظهر الإمام على بلاد عنوة فخمسها ثم سأل أهل الأربعة الأخماس ترك حقوقهم منها فأعطوه ذلك طيبة به أنفسهم فله قبوله إن أعطوه إياه يضعه حيث يرى فإن تركوه كالوقف على المسلمين فلا بأس أن يقبله من أهله وغير أهله بما يجوز للرجل أن يقبل به أرضه وأحسب عمر بن الخطاب إن كان صنع هذا في شيء من بلاد العنوة إنما استطاب أنفس أهلها عنها فصنع ما وصفت فيها كما استطاب النبي أنفس من صار في يديه سبي هوازن بحنين فمن طاب نفسا رده ومن لم يطب نفسا لم يكرهه على أخذ ما في يديه.


كتاب الأم - كتاب الجزية
مبتدأ التنزيل والفرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم على الناس | الإذن بالهجرة | مبتدأ الإذن بالقتال | فرض الهجرة | أصل فرض الجهاد | من لا يجب عليه الجهاد | من له عذر بالضعف والمرض والزمانة في ترك الجهاد | العذر بغير العارض في البدن | العذر الحادث | تحويل حال من لا جهاد عليه | شهود من لا فرض عليه القتال | من ليس للإمام أن يغزو به بحال | كيف تفضل فرض الجهاد | تفريع فرض الجهاد | تحريم الفرار من الزحف | في إظهار دين النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأديان | الأصل فيمن تؤخذ الجزية منه ومن لا تؤخذ | من يلحق بأهل الكتاب | تفريع من تؤخذ منه الجزية من أهل الأوثان | من ترفع عنه الجزية | الصغار مع الجزية | مسألة إعطاء الجزية بعدما يؤسرون | مسألة إعطاء الجزية على سكنى بلد ودخوله | كم الجزية ؟ | بلاد العنوة | بلاد أهل الصلح | الفرق بين نكاح من تؤخذ منه الجزية وتؤكل ذبائحهم | تبديل أهل الجزية دينهم | جماع الوفاء بالنذر والعهد ونقضه | جماع نقض العهد بلا خيانة | نقض العهد | ما أحدث الذين نقضوا العهد | ما أحدث أهل الذمة الموادعون مما لا يكون نقضا | المهادنة | المهادنة على النظر للمسلمين | مهادنة من يقوى على قتاله | جماع الهدنة على أن يرد الإمام من جاء بلده مسلما أو مشركا | أصل نقض الصلح فيما لا يجوز | جماع الصلح في المؤمنات | تفريع أمر نساء المهادنين | إذا أراد الإمام أن يكتب كتاب صلح على الجزية كتب: بسم الله الرحمن الرحيم | الصلح على أموال أهل الذمة | كتاب الجزية على شيء من أموالهم | الضيافة مع الجزية | الضيافة في الصلح | الصلح على الاختلاف في بلاد المسلمين | ذكر ما أخذ عمر رضي الله تعالى عنه من أهل الذمة | تحديد الإمام ما يأخذ من أهل الذمة في الأمصار | ما يعطيهم الإمام من المنع من العدو | تفريع ما يمنع من أهل الذمة | الحكم بين أهل الذمة | الحكم بين أهل الجزية