محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الثامنة عشر


كتاب البيوع

1480 - مسألة : والربا لا يجوز في البيع ، والسلم إلا في ستة أشياء فقط : في التمر ، والقمح ، والشعير ، والملح ، والذهب ، والفضة - وهو في القرض في كل شيء ، فلا يحل إقراض شيء ليرد إليك أقل ولا أكثر ، ولا من نوع آخر أصلا ، لكن مثل ما أقرضت في نوعه ومقداره على ما ذكرنا في " كتاب القرض " من ديواننا هذا فأغنى عن إعادته وهذا إجماع مقطوع به . والفرق بين البيع والسلم ، وبين القرض ، هو أن البيع والسلم : يكونان في نوع بنوع آخر ، وفي نوع بنوعه ، ولا يكون القرض إلا في نوع بنوعه ولا بد - وبالله تعالى التوفيق . وكذلك الذي ذكرنا من وقوع الربا في الأنواع الستة المذكورة في البيع والسلم ، فهو إجماع مقطوع به .

وما عدا الأنواع المذكورة فمختلف فيه ، أيقع فيه الربا أم لا ؟ والربا من أكبر الكبائر قال تعالى { : الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا } . وقال تعالى { : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } . ومن طريق مسلم أنا هارون بن سعيد الأيلي أنا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة " أن رسول الله قال : { اجتنبوا السبع الموبقات قيل : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات } . ومن طريق مسلم أنا عثمان بن أبي شيبة أنا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن المغيرة بن مقسم أنا إبراهيم - هو النخعي - عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود قال { لعن رسول الله آكل الربا وموكله } . قال أبو محمد : فإذا أحل الله تعالى البيع وحرم الربا فواجب طلب معرفته ليجتنب ، وقال تعالى { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } . فصح أن ما فصل لنا بيانه على لسان رسوله عليه السلام من الربا ، أو من الحرام ، فهو ربا وحرام ، وما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال ، لأنه لو جاز أن يكون في الشريعة شيء حرمه الله تعالى ثم لم يفصله لنا ، ولا بينه رسوله عليه السلام لكان تعالى كاذبا في قوله تعالى { : وقد فصل لكم ما حرم عليكم } وهذا كفر صريح ممن قال به ، ولكان رسول الله عاصيا لربه تعالى إذ أمره بالبيان فلم يبين فهذا كفر متيقن ممن أجازه . وممن قال : لا ربا إلا في الأصناف المذكورة : طاوس ، وقتادة ، وعثمان البتي ، وأبو سليمان ، وجميع أصحابنا . واختلف الناس في هذا ، فقالت طائفة : إن هذه الأصناف الستة إنما ذكرت لتكون دلالة على ما فيه الربا مما سواها مما يشبهها في العلة التي حيثما وجدت كان ما وجدت فيه ربا . ثم اختلفوا في تلك العلة ، وكل طائفة منها تبطل علة الآخرين أو تنفيها فقالت طائفة : هي الطعم ، واللون - : روينا من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد قال : سئل ابن شهاب عن الحمص بالعدس اثنان بواحد يدا بيد ؟ فقال ابن شهاب : كل شيء خالف صاحبه باللون ، والطعم ، فلا أراه إلا شبه الطعام - وقال ابن وهب : وبلغني عن ابن مسعود ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وربيعة ، مثله . قال أبو محمد : فنظرنا في هذا فوجدناه قولا بلا دليل فسقط - وقد بين ابن شهاب أنه رأي منه والرأي إذا لم يسند إلى النبي فهو خطأ بلا شك . وقالت طائفة : هي وجوب الزكاة ، كما روينا من طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن : أنه كان لا يرى بأسا بالتفاحتين بالتفاحة ، والخوخ مثل ذلك . وكل ما لم تجز فيه الزكاة ، فنظرنا في هذا فوجدناه أيضا قولا بلا دليل ، ووجدنا الملح لا زكاة فيه ، والربا يقع فيه بالنص ، فبطل . قال علي : وما يعجز من قلد ربيعة في هذا عما قدر عليه مالك ، والشافعي ، بزيادتهم في علتهم ، كما قال الشافعي : علة الربا الطعم ، والتثمين . وقول مالك : علة الربا الادخار فيما يؤكل ، والتثمين . فهل هذا إلا كقول من قلد ربيعة : علة الربا بما فيه الزكاة والملحية ؟ وهل هي إلا دعوى كدعوى كلاهما بلا برهان ؟ وقالت طائفة بغير ذلك - : كما روينا من طريق عبد الرزاق أنا عبد الله بن كثير عن شعبة سألت الحكم بن عتيبة عمن اشترى خمسة عشر جريبا من أرض بعشرة أجربة ؟ فقال : لا بأس به - وكرهه حماد بن أبي سليمان ولا ندري ما علته في ذلك ، ولعلها الجنس ، فلم يجز التفاضل في جنس واحد ، كائنا ما كان والله أعلم ، إلا أنها دعوى ليست غيرها أصح منها ، ولا هي بأضعف من غيرها . وقد روي مثله عن سعيد بن جبير ، وهو أنه جعل علة الربا تقارب المنفعة في الجنس الواحد ، أو الجنسين . وقد روينا من طريق الحجاج بن المنهال أنا الربيع بن صبيح عن محمد بن سيرين قال : إذا اختلف النوعان فلا بأس إذا كان يدا بيد ، واحدا باثنين . قال أبو محمد : وهذه أعم العلل فيلزم من قال منهم : بالعلة العامة أن يقول بها - وقال المالكيون : علة الربا هي الاقتيات ، والادخار في الجنس ، فما كان يدخر مما يكون قوتا في الأكل ، فالربا فيه نقدا ونسيئة ، وما كان لا يقتات ولا يدخر ، فلا يدخل الربا فيه يدا بيد - وإن كان جنسا واحدا - لكن يدخل فيه الربا في النسيئة إذا كان جنسا واحدا ، وهذه هي علة المتقدمين منهم ، ثم رغب عنها المتأخرون منهم ؛ لأنهم وجدوها تفسد عليهم ، لأن الثوم ، أو البصل ، والكراث ، والكرويا ، والكزبرة ، والخل ، والفلفل - نعم ، والملح الذي جاء فيه النص ليس منه شيء يكون قوتا أصلا ، بل بعضه يقتل إذا أكل منه نصف وزن ما يؤكل مما يتقوت به ، كالملح ، والفلفل ، فلو أن إنسانا أكل رطل فلفل في جلسة لقتله بلا شك ، وكذلك الملح ، والخل الحاذق ، وكذلك الثوم - ووجدوها تفسد عليهم أيضا في اللبن ، والبيض ، فإنهما لا يمكن ادخارهما ، والربا عندهم يدخل فيهما ، ووجدوها أيضا تفسد عليهم في الكمون ، والشونيز ، والحلبة الرطبة ، والكزبرة ، والكرويا ، ليس شيء من ذلك قوتا ، والربا عندهم في كل ذلك ، فلما رأوا هذه العلة كذلك ، وهي علة من قلدوه دينهم اطرحوها ، ولم تكن عليهم مؤنة في استخراج غيرها بآرائهم لتستقيم لهم آراؤهم في الفتيا عليها ؟ فقال بعضهم : إنما ذكر رسول الله أعلى القوت ، وهو البر ، وأدون القوت ، وهو الملح ، ليدل على أن حكم ما بينهما كحكمهما . قال أبو محمد : هذا كذب على النبي مجرد بلا كلفة ، وما ندري كيف ينشرح صدر مسلم لإطلاق مثل هذا على الله تعالى ، وعلى رسوله ؟ ولو أطلق هذا المطلق مثله على سائس حماره بغير أن يخبره به عن نفسه لكان كاذبا مجرحا بذلك ، فكيف على الله تعالى وعلى نبيه عليه السلام ؟ اللهم لك الحمد على عظيم نعمتك في تنفيرنا عن مثل هذا وشبهه . ثم لم يرض سائرهم هذه العلة وقالوا : ليس الملح دون الأقوات ، بل الحاجة إليه أمس منها إلى الثوم ، والحلبة الرطبة ، والشونيز ، فارتادوا غيرها ، كمن يتحكم في بيدر تمره ، ويأخذ ما استحسن ويترك ما لم يستحسن . فقالوا : العلة في الربا مختلفة ، فمنها الاقتيات ، والادخار ، كما قال أسلافهم قياسا على البر والشعير - ومنها الحلاوة ، والادخار ، كالزبيب والتين ، والعسل قياسا على التمر - ومنها التأدم ، والادخار قياسا على الملح ، وهذا تعليل استصنعه لهم محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري ، وهذا تعليل يفسد عليهم ؛ لأن السلجم والباذنجان ، والقرع ، والكرنب ، والرجلة ، والقطف ، والسلق ، والجزر ، والقنبيط ، واليربز إدام الناس في الأغلب . وكثير من ذلك يدخر ولا يقع الربا فيه عندهم : كاللفت ، والجزر ، والباذنجان ، بل كل ذلك يجوز منه اثنان بواحد يدا بيد من جنس واحد ، فاطرح بعضهم هذه العلة ولم تعجبه لما ذكرنا فزاد فيها بأن قال : ومنها الحلاوة ، والادخار مما يتفكه به ويصلح للقوت - فلم يرض غيره منهم هذه العلة وقال : ليست بشيء ؛ لأن الفلفل ، والثوم ، والكرويا ، والكمون ، ليس شيء منها يتفكه به ولا يصلح للقوت ، ولا يتأدم به ، ولا هو حلو . وأيضا : فإن العناب والإجاص المزبب ، والكمثرى المزبب والمخيطاء كلها يتفكه به ويصلح للقوت ، ولا يدخل الربا في شيء منه عندهم - فاحتاج إلى استعمال علة أخرى ، فقال : العلة هي الاقتيات ، والادخار ، وما يصلح به الطعام المتقوت به ليصح له فيما ظن إدخال : الكمون ، والكرويا ، والبصل ، والثوم ، والكراث ، والفلفل ، والخل ، فيما يقع فيه الربا قياسا على الملح ؛ لأن الطعام يصلح بكل ذلك . قال أبو محمد : وهذه أفسد العلل التي ذكروا ، وإن كانت كلها فاسدة ، واضحة البرهان ، برهان ذلك - : أن إصلاح الطعام بما ذكرنا من التوابل ، والخضراوات ، والخل ، لا يشبه إصلاحه بالملح أصلا ؛ لأن الطعام المطبوخ إن لم يؤكل أصلا ، ولا يقدر عليه أحد ، إلا من قارب الموت من الجوع أو خافه ، وإما إصلاحه بالتابل ، والخضراوات المذكورة فما بالطعام إلى شيء منه حاجة إلا عن بذخ وأشر . وأيضا : فإن كل ذي حس سليم في العالم يدري بضرورة الحس أن إصلاح الطعام بالكرويا ، والكمون ، والفلفل ، والكزبر ، والشونيز ، كإصلاحه بالدارصيني ، والخولنجان ، والقرفة ، والسنبل ، والزعفران ، ولا فرق ، بل إصلاحه بهذه أطيب له وأعبق ، وأصلح منه بتلك ، والربا عندهم لا يدخل في هذه ، وبلا شك أن الضرورة في إصلاح الطعام بالماء أشد وأمس ، والربا عندهم لا يدخل في الماء بالماء - وما نعلم لهم علة غير ما ذكرنا . وهذه العلل كلها ذكر بعضها عبد الله بن أبي زيد القيرواني ، وذكر سائرها ابن القصار ، وعبد الوهاب بن علي بن نصر في كتبهم مفرقة ومجموعة . قال أبو محمد : وكلها فاسد بما ذكرنا من التخاذل ، وبأنها موضوعة مستعملة - ويقال لهم : ما الفرق بين علتكم هذه وبين من قال : بل علة الربا ما كان ذا سنبل قياسا على البر ، والشعير ، وما كان ذا نوى قياسا على التمر ، وما كان طعمه ملحيا قياسا على الملح ، وما كان معدنيا قياسا على الذهب ، والفضة . فإن قالوا : لم يقل بهذا أحد ؟ قلنا : ولا قال بعللكم أحد قبلكم . فإن قال قائل : هذه أيضا يكون مثلكم ، وأيضا : فمن أين خرج لكم أن تعللوا البر ، والشعير ، والتمر ، والملح ؟ ولا تعللون الذهب ، والفضة ، وكلها جاء النص به سواء ، فمن أين هذا التحكم يا هؤلاء ؟ وهل هذا إلا شبه اللعب ؟ وليس هذا مكان دعوى إجماع ، فقد علل الحنفيون الذهب والفضة بالوزن ، وعللوا الأصناف الأربعة بالكيل . قال علي : وغيرهم لم يعلل شيئا من ذلك ، ولا بد من تعليل الجميع والقياس عليه ، أو ترك تعليل الجميع وترك القياس عليه ، والاقتصار على ما جاء به النص فقط ، وهذا ما لا مخلص لهم منه أصلا . وقد أجهدنا أنفسنا في أن نجد لنظارهم شيئا يقوون به شيئا من هذه العلل يمكن إيراده - وإن كال شغبا - فما قدرنا عليه في شيء من كتبهم . وجهدنا أن نجد لهم شيئا نورده - وإن لم يوردوه - كما نفعل بهم وبكل من خالفنا ، فإنهم وإن كانوا لم ينتبهوا له فلا يبعد أن ينتبه له منتبه فيشغب به ، فما قدرنا على ذلك . وأيضا : فإننا لم نجد لمالك في تعليله المذكور الذي عليه بنى أقواله في الربا سلفا ألبتة ، لا من صاحب ؛ ولا من تابع ، ولا من أحد قبله ، ولهم تخاليط عظيمة في أقوالهم في الربا ، فقد تقصيناها في غير هذا المكان ، ولم نذكرها ههنا ؛ لأنه كتاب مختصر ، لكن يكفي من إيرادها : أن ينظر كل ذي فهم كيف تكون أقوال بنيت على هذه القواعد وفروع أنشئت من هذه الأصول ؟ وبالله تعالى التوفيق .

وقالت طائفة منهم : أبو ثور ، ومحمد بن المنذر ، والنيسابوري ، وهو قول الشافعي في أول قوليه - : علة الربا هي الأكل ، والشرب ، والكيل ، والوزن ، والتثمين - فما كان مما يؤكل أو يشرب ، أو يكال أو يوزن ، لم يجز منه من جنس واحد واحد باثنين ، لا يدا بيد ولا نسيئة ، وكذلك الذهب والفضة ، وما كان يكال أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب ، أو كان يؤكل ولا يشرب ، أو كان يؤكل أو يشرب مما لا يكال ولا يوزن ، فلا ربا فيه يدا بيد ، والتفاضل فيه جائز ، فأجازوا الأترج في الأترج متفاضلا نسيئة . وكذلك كل ما لا يوزن ولا يكال مما يؤكل أو يشرب ، وكل ما يكال أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب ، ولا هو ذهب ولا فضة - وهذا القول صح عن سعيد بن المسيب ، ذكره مالك عن أبي الزناد عنه في موطئه ، ولا نعلمه عن أحد قبل سعيد ، ولا عن غيره من أهل عصره . وحجة أهل هذا القول أنهم ادعوا الإجماع عليه ، قالوا : وما عداه فمختلف فيه - ولا دليل على وجوب الربا فيما عدا ما ذكرنا . قال أبو محمد : ودعواهم ههنا باطل ؛ لأن من ادعى الإجماع على أهل الإسلام - وفيهم الجن ، والإنس - في مسألة لم يرو فيها قول عن ثمانية من الصحابة أصلا أكثرها باطل لا يصح ، ولا عن ثلاثة عشر من التابعين أصلا ، على اختلاف شديد بينهم ، فقد ادعى الباطل ، فكيف والخلاف في هذا أشهر من الشمس ؟ لأن مالكا ومن وافقه لا يرون الربا في الماء ، ولا في كل ما يكال أو يوزن مما يؤكل ويشرب ، إذا لم يكن مقتاتا مدخرا . فلا يرون الربا في : التفاح ، ولا في العناب ، ولا في حب القنب ، ولا في زريعة الكتان ، ولا في الكرنب ، ولا في غير ذلك ، وكله يوزن أو يكال ويؤكل - فبطل هذا الإجماع المكذوب . وما وجدنا لهم حجة غير هذا أصلا ، ولا قدرنا على أن نأتي لهم بغيرها ، فبطل هذا القول لتعريه من البرهان - وبالله تعالى التوفيق . وقالت طائفة : علة الربا إنما هي الطعم في الجنس أو الجنسين ، والتثمين في الجنس أو الجنسين ، فما كان يؤكل ، ويشرب ، فلا يجوز متفاضلا أصلا ولا بنسيئة أصلا ، وإنما يجوز فيه التماثل نقدا فقط إذا كان في جنس واحد ، فإن كان من جنسين : جاز فيه التماثل والتفاضل نقدا ، ولم يجز فيهما النسيئة . وما كان لا يؤكل ولا يشرب ، ولا هو ذهب ولا فضة ، فالتماثل والتفاضل ، والنقد والنسيئة : جائز فيه جنسا كان أو جنسين - فأجاز رطل حديد برطلي حديد إلى أجل ، وكذلك في كل ما لا يؤكل ولا يشرب ، ولا هو ذهب ولا فضة . ومنع من بيع رطل سقمونيا برطلي سقمونيا ، وكذلك كل ما يتداوى به ؛ لأنه يطعم على وجه ما - وهو قول الشافعي الآخر ، وعليه يعتمد أصحابه ، وإياه ينصرون . واحتج أهل هذه المقالة بالخبر الثابت عن رسول الله  : { الطعام بالطعام مثلا بمثل } من طريق عمر بن عبد الله العدوي عن رسول الله . قال أبو محمد : هكذا رويناه من طريق مسلم أنا هارون بن معروف أنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو - هو ابن الحارث - أن أبا النضر حدثه أن بسر بن سعيد حدثه عن معمر بن عبد الله العدوي قال " كنت أسمع رسول الله يقول : { الطعام بالطعام مثلا بمثل } . قال علي : وحرفه بعض متأخريهم ممن لا علم له بالحديث ولا ورع له يحجزه عن أن يتكلم عن رسول الله بما لم يقله ، ولا جاء عنه وبما لا علم له به ، فأطلقه إطلاقا بلا إسناد فقال : قال رسول الله { لا يباع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل } . قال أبو محمد : وهذا كذب بحت ، وتعمد لوضع الحديث ، إن لم يكن خطأ من جاهل ، وما جاء هكذا قط ، ولا يوجد أبدا من طريق غير موضوعة . قال أبو محمد : ولا حجة لهم في الخبر المذكور ؛ لأنه إنما فيه " الطعام بالطعام مثلا بمثل ، وليس فيه المنع عنه مثلا بأكثر ، ولا إباحته ، إنما هو مسكوت عنه ، فوجب طلبه من غير هذا الخبر " . وأيضا - فإن لفظة " الطعام " لا تطلق في لغة العرب إلا على البر وحده - : كما روينا من طريق أبي سعيد الخدري وهو حجة في اللغة { كنا نخرج على عهد رسول الله صدقة الفطر صاعا من طعام ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من أقط - فلم يقع اسم الطعام إلا على البر وحده } . وأيضا - فإذا كان قول رسول الله { الطعام بالطعام مثلا بمثل } موجبا عندكم للمنع من بيع الطعام بالطعام أكثر من مثل بمثل ، فاجعلوا - ولا بد - اقتصاره عليه السلام على ذكر الأصناف الستة مانعا من وقوع الربا فيما عداها ، وإلا فقد تناقضتم . فإن قالوا : فما الفائدة في قول رسول الله { الطعام بالطعام مثلا بمثل } ؟ قلنا : أعظم الفائدة إن كنتم تتعدون باسم الطعام إلى كل ما يؤكل ، فإن فيه إبطال قول المالكيين : لا يجوز تفاحة بتفاحة إلا حين يوقن أيهما أكبر ، ولا الخضر بالخضر إلا حين يوقن أيها أكثر ، وإن كان لا يتعدى بلفظة الطعام البر ، ففيه إباحة بيع بر فاضل بأدنى ، وفاضل وأدنى بمتوسط إذا تماثلت في الكيل - . وأيضا : فلا يطلق عربي ولا مستعرب على السقمونيا اسم طعام لا بإطلاق ولا بإضافة . فإن قالوا : قد تؤكل في الأدوية ؟ قلنا : والصندل قد يؤكل في الأدوية ، والطين الأرميني ، والأحمر ، والطفل كذلك ، والسبد ، واللؤلؤ ، وحجر اليهود كذلك ، فأوقعوا الربا في كل ذلك - وهم لا يفعلون هذا ، نعم ، وفي الناس من يأكل أظفاره ، وشعر لحيته ، والرق ، أكلا ذريعا ، فأوقعوها في الطعام ، وأدخلوا الربا فيها ؛ لأنهما قد يؤكلان أيضا . واحتجوا أيضا بما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكي أنا ابن مفرج أنا محمد بن أيوب الرقي أنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار أنا يوسف بن موسى أنا محمد بن فضيل أنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، كلاهما عن أبي سعيد الخدري قال { قسم رسول الله طعاما مختلفا فتبايعناه بيننا بزيادة ، فنهانا رسول الله أن نأخذه إلا كيلا بكيل } . وبما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أخبرني إبراهيم بن الحسن أنا حجاج - هو ابن محمد - قال : قال ابن جريج : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله { لا تباع الصبرة من الطعام بالصبرة من الطعام ، ولا الصبرة من الطعام بالكيل من الطعام المسمى } . فهذان حديثان صحيحان إلا أنهما لا حجة لهم فيهما ؛ لأن اسم " الطعام " لا يقع كما قلنا عند العرب مطلقا إلا على البر فقط ، كما ذكرنا عن أبي سعيد الخدري آنفا . فإن قيل : فقد قال الله عز وجل { : وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم } فأراد تعالى ذبائحنا وذبائحهم . وقال رسول الله  : { لا صلاة بحضرة طعام } ؟ قلنا : لا نمنع من وقوع اسم " الطعام " على غير البر بإضافة أو بدليل من النص على أن هذا الاحتجاج هو على الشافعيين لا لهم ؛ لأنهم لا يختلفون في أحد قوليهم : إن ذبائح أهل الكتاب وذبائحنا جائز بعضها ببعض متفاضلا ، وفي قولهم الثاني : أنه لا يجوز بيع شيء منها بشيء أصلا حتى ييبس . وهذان القولان مخالفان لاحتجاجهم بإطلاق اسم الطعام على اللحوم وغيرها . قال أبو محمد : وهذان الخبران مخالفان لقول مالك ، وأبي حنيفة ، جملة إن حملاهما على أن " الطعام " واقع على كل ما يؤكل مبطلان لقولهما في الربا . وبالله تعالى التوفيق . وأما حديث أبي سعيد فكما قلنا ، ويبطل أيضا احتجاجهم به بأنه قد رواه عن ابن إسحاق من هو أضبط وأحفظ من ابن فضيل : قتيبة ، كما روينا من طريق ابن أبي شيبة أنا ابن نمير - هو عبد الله - أنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري " قال : { قسم فينا رسول الله طعاما من التمر مختلفا بعضه أفضل من بعض ، فذهبنا نتزايد فيه فنهانا رسول الله إلا كيلا بكيل } فبطل تعلقهم بذلك . وأيضا : فإنه لا خلاف بيننا وبينهم في أن ذلك الطعام الذي فرق رسول الله بينهم إنما كان صنفا واحدا : إما تمرا ، أو برا ، أو غير ذلك ؛ لأن فيه نهيهم عن أن يبيعوه بعضه ببعض بزيادة ، هذا ما لا شك فيه . فإذ هو كذلك فتسميته بالطعام من قول رسول الله فيمكن لهم أن ينازعونا في معناه ، ثم يحملوه على عمومه ، إنما هو من كلام أبي سعيد وقد أخبرنا عن أبي سعيد أنه لا يطلق اسم " الطعام " إلا على البر . ثم لا يماروننا في أن حكم ذلك الخبر إنما هو في ذلك المقسوم - هذا نص مقتضى لفظ الخبر يقينا ضرورة ولا بد ، فلا حجة لهم فيه في جميع أصناف ما يريدون أن يسموه طعاما ، إلا بقياس فاسد ينازعون فيه ، وهم لا يدعون معرفة ما كان من صنف ذلك الطعام ، فيمكنهم عندنا أن يحتجوا علينا به لو صح لهم أنه لم يكن برا ، ولا تمرا ، ولا شعيرا ، ويبطل تعلقهم به إن كان برا ، أو تمرا ، أو شعيرا ؛ لأن هذا هو قولنا في هذه الأصناف الثلاثة ، فبطل تعلقهم بخبر أبي سعيد بيقين لا إمكان في سواه - . ولله تعالى الحمد . واستدركنا في حديث جابر ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب قال : وأنا به إبراهيم بن الحسن مرة أخرى فقال : أنا حجاج قال : قال ابن جريج : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول { نهى رسول الله عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر } . فقد أخبر أحمد بن شعيب : أن إبراهيم بن الحسن حدثهم بذلك الحديث مرة أخرى فأخبر عنه : أنه هو ذلك الحديث نفسه . وصح أن إبراهيم بن الحسن حدث به مرة على ما هو معناه عنده ، ومرة على ما سمعه - وأيضا : فإن حجاج بن محمد لم يذكر فيه أنه سمعه من ابن جريج [ فظاهره الانقطاع ] . وقد رويناه مسندا صحيحا من طريق مسلم بن الحجاج قال : أنا [ أبو الطاهر ] أحمد بن عمرو بن السرح أنا ابن وهب أخبرني ابن جريج : أن أبا الزبير أخبره أنه سمع جابر بن عبد الله يقول { نهى رسول الله عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر } . قال مسلم : وناه أيضا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - أنا روح بن عبادة أنا ابن جريج أنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول { نهى رسول الله فذكر مثله إلا أنه لم يقل بالكيل المسمى } في آخر الحديث ، فهذا هو المتصل الصحيح . وصح بهذا كله أن إبراهيم بن الحسن أخطأ فيه مرة واستدرك أخرى ، أو حدث به مرة على ما معناه عنده ، ومرة كما سمعه كما رواه غيره - وبالله تعالى التوفيق - فبطل التعلق بهذين الخبرين جملة . فإن موهوا بما رويناه من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن { جابر قال : كنا في زمان رسول الله نعطي الصاع من حنطة بستة أصوع من تمر فأما سوى ذلك من الطعام فيكره ذلك إلا مثل بمثل } فهذا لا شيء ؛ لأنه من طريق ابن لهيعة هو ساقط . ثم لو صح لكان موقوفا على جابر وليس عن رسول الله . ثم هو مخالف لقول المالكيين ، والشافعيين ، والحنفيين جملة ؛ لأنهم لا يمنعون من التفاضل في التمر مع غير البر ، ولا يقتصرون في إباحة التفاضل في البر بالتمر خاصة ، كما في هذا الخبر . هذا كل ما يمكن أن يحتجوا به فقد تقصيناه . وذكروا في ذلك عمن دون رسول الله ما روينا من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري : بلغنا أن عمر بن الخطاب قال : لا بأس أن تتبايعوا يدا بيد ما اختلفت ألوانه من الطعام - يريد التمر بالقمح والتمر بالزبيب . ومن طريق عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه قال : ما اختلفت ألوانه من الطعام ، فلا بأس به يدا بيد ، البر بالتمر ، والزبيب بالشعير ، وكرهه نسيئة ، وكان يكره الطعام أن يباع شيء منه بشيء نظرة . ومن طريق الحجاج بن المنهال أنا الربيع بن صبيح عن عطاء بن أبي رباح أنه كان يكره أن يشتري شيئا من الفاكهة ما يكال بشيء من الطعام نسيئة . قال أبو محمد : أما قول عمر فمنقطع ، ثم لو صح فقد روي عن عمر خلافه كما نذكر في ذكرنا قول أبي حنيفة - إن شاء الله تعالى . ثم ليس فيه بيان بمنعه من النظرة فيما عدا الستة الأصناف فبطل تعلقهم به . وأما حديث ابن عمر فلا حجة فيه ، وهو صحيح ؛ لأنه كراهية لا تحريم ، ولا حجة في أحد دون رسول الله ، وقد روي عنه خلافه على ما نذكر - إن شاء الله تعالى - في ذكرنا أقوال أبي حنيفة ، فعاد حجة عليهم ؛ لأنه خلاف قولهم . ثم كم قصة خالفوا فيها عمر وابن عمر ، كتوريث عمر المطلقة ثلاثا في المرض - وقول عمر وابن عمر فيمن أكل يظن أنه ليل فإذا به قد طلع الفجر أن صومه تام ولا قضاء عليه - وفي توريث ذوي الأرحام - وفي أن لا يقتل أحد قودا بمكة - وفي أن لا يحج أحد على بعير جلال - وفي غير ما قصة ، فكيف ولم يأت عن عمر وابنه - رضي الله عنهما - وعن عطاء ههنا إلا الكراهة فقط ، لا التحريم الذي يقدمون عليه بلا برهان أصلا ؟ وقد حدثنا محمد بن سعيد بن نبات أنا عبد الله بن نصر أنا قاسم بن أصبغ أنا ابن وضاح أنا موسى بن معاوية أنا وكيع أنا سفيان الثوري عن بعض أصحابه عن ابن عمر قال : إنه ليعجبني أن يكون بين الحلال والحرام ستر من الحرام . وقد جاء عن عمر : أنه خاف أن يزيد فيما نهى عنه من الربا أضعاف الربا المحرم خوفا من الوقوع فيه على ما روينا من طريق الحجاج بن المنهال أنا يزيد بن زريع عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي أن عمر بن الخطاب قام خطيبا فقال : إنا والله ما ندري لعلنا نأمركم بأمور لا تصلح لكم ، ولعلنا ننهاكم عن أمور تصلح لكم ، وإنه كان من آخر القرآن نزولا لآيات الربا ، فتوفي رسول الله قبل أن يبينه لنا ، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم . قال علي : حاش لله من أن يكون رسول الله لم يبين الربا الذي توعد فيه أشد الوعيد ، والذي أذن الله تعالى فيه بالحرب ، ولئن كان لم يبينه لعمر فقد بينه لغيره ، وليس عليه أكثر من ذلك ، ولا عليه أن يبين كل شيء لكل أحد ، لكن إذا بينه لمن يبلغه فقد بلغ ما لزمه تبليغه . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عيسى بن المغيرة عن الشعبي قال : قال عمر بن الخطاب : تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الربا . فبطل أن يكون لهم متعلق في شيء مما ذكرنا ، وحصل قولهم لا سلف لهم فيه أصلا ، ولا نعرفه عن أحد قبلهم . وقالوا : إنما ذكر النبي ستة أصناف : أربعة مأكولة ، واثنتين هما ثمن الأشياء ، فقسنا على المأكولة كل مأكول ، ولم نقس على الأثمان شيئا ؟ فقلنا : هذا أول الخطأ ، إن كان القياس باطلا فما يحل لكم أن تقيسوا على الأربعة المأكولة المذكورة غيرها ، وإن كان القياس حقا فما يحل لكم أن تدعوا الذهب ، والفضة : دون أن تقيسوا عليهما ، كما فعلتم في الأربعة المأكولة ولا فرق ، فقيسوا على الذهب والفضة كل موزون كما فعل أبو حنيفة ، أو كل معدني ، فإن أبيتم وعللتم الذهب والفضة بالتثمين ؟ قلنا : هذا عليكم لا لكم ؛ لأن كل شيء يجوز بيعه فهو ثمن صحيح لكل شيء يجوز بيعه ، بإجماعكم مع الناس على ذلك ، ولا ندري من أين وقع لكم الاقتصار بالتثمين على الذهب ، والفضة ، ولا نص في ذلك ، ولا قول أحد من أهل الإسلام ؟ وهذا خطأ في غاية الفحش ، ولازم للشافعيين ، والمالكيين ، لزوما لا انفكاك منه . وأيضا : فما الذي جعل علتكم بأولى من علة الحنفيين الذين عللوا الأربعة الأصناف بالكيل ، والذهب والفضة بالوزن - وقالوا : لم يذكر عليه السلام إلا مكيلا أو موزونا ، وهذا ما لا مخلص لهم منه ، وحاش لله أن يكون ههنا علة لم يبينها الله في كتابه ، ولا على لسان رسوله عليه السلام ، بل تركنا في ضلال ودين غير تام ، ووكلنا إلى ظنون أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، التي لا معنى لها ، هذا أمر لا يشك فيه ذو عقل . والحمد لله رب العالمين .

محلى ابن حزم - المجلد الرابع/كتاب البيوع
كتاب البيوع (مسأله 1411 - 1414) | كتاب البيوع (مسأله 1415 - 1416) | كتاب البيوع (مسأله 1417) | كتاب البيوع (تتمة مسأله 1417) | كتاب البيوع (مسأله 1418 - 1420) | كتاب البيوع (مسأله 1421) | كتاب البيوع (مسأله 1422) | كتاب البيوع (مسأله 1423 - 1426) | كتاب البيوع (مسأله 1427 - 1428) | كتاب البيوع (مسأله 1429 - 1446) | كتاب البيوع (مسأله 1447) | كتاب البيوع (مسأله 1448 - 1460) | كتاب البيوع (مسأله 1461 - 1464) | كتاب البيوع (مسأله 1465 - 1466) | كتاب البيوع (مسأله 1467 - 1470) | كتاب البيوع (مسأله 1471 - 1474) | كتاب البيوع (مسأله 1475 - 1479) | كتاب البيوع (مسأله 1480) | كتاب البيوع (تتمة مسأله 1480) | كتاب البيوع (مسأله 1481 - 1484) | كتاب البيوع (مسأله 1485 - 1491) | كتاب البيوع (مسأله 1492 - 1500) | كتاب البيوع (مسأله 1501 - 1507) | كتاب البيوع (مسأله 1508 - 1511) | كتاب البيوع (مسأله 1512 - 1516) | كتاب البيوع (مسأله 1517 - 1538) | كتاب البيوع (مسأله 1539 - 1551) | كتاب البيوع (مسأله 1552 - 1556) | كتاب البيوع (مسأله 1557 - 1559) | كتاب البيوع (مسأله 1560 - 1565) | كتاب البيوع (مسأله 1566 - 1567) | كتاب البيوع (مسأله 1568 - 1582) | كتاب البيوع (مسأله 1583 - 1594)