السيرة الحلبية/غزوة العشيرة



غزوة العشيرة


أي وبها بدأ البخاري المغازي، ويدل له ما جاء عن زيد بن أسلم وقد قيل له: ما أول غزوة غزاها رسول الله؟ فقال: ذات العشيرة. وأجيب عنه بأن المراد ما أول غزوة غزاها وأنت معه.

ثم غزا رسول الله في شهر جمادي الأولى. وفي سيرة الدمياطي الآخرة من تلك السنة.

أي وفي الإمتاع في جمادي الآخرة: ويقال جمادي الأولى، يريد عيرا لقريش متوجهة للشام. يقال إن قريشا جمعت جميع أموالها في تلك العير لم يبق بمكة لا قرشي ولا قرشية له مثقال فصاعدا إلا بعث به في تلك العير إلا حويطب بن عبد العزى، يقال إن في تلك العير خمسين ألف دينار أي وألف بعير. وكان فيها أبو سفيان، أي قائدها. وكان معه سبعة وعشرون وقيل تسعة وثلاثون رجلا منهم مخرمة بن نوفل، وعمرو بن العاص، وهي العير التي خرج إليها حين رجعت من الشام. وكان سببا لوقعة بدر الكبرى كما سيأتي. خرج في خمسين ومائة؛ ويقال في مائتين من المهاجرين خاصة حتى بلغ العشيرة بالمعجمة والتصغير آخره هاء، أي ولم يختلف فيه أهل المغازي كما قال الحافظ ابن حجر. وفي البخاري آخرها همزة، وفيه أيضا العسيرة بالسين المهملة آخره هاء أي بالتصغير. وأما التي بغيرتصغير فهي غزوة تبوك كما سيأتي، والتي بالتصغير فقال أيضا لموضع ببطن الينبع: أي وهو منزل الحاج المصري، وهي لبني مدلج. واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، وحمل اللواء ـ وكان أبيض ـ عمه حمزة بن عبد المطلب، خرجوا على ثلاثين بعيرا يعتقبونها، فوجدوا العير قد مضت قبل ذلك بأيام، ورجع ولم يلق حربا. ووادع فيها بني مدلج، قال في الأصل وحلفاءهم من بني ضمرة.

وذكر في المواهب هنا صورة الكتاب الذي كتبه لبني ضمرة في غزوة ودّان الذي قدمناه ثم، فليتأمل ذلك؛ وكنى فيها عليا بأبي تراب حين وجده نائما وهو وعمار بن ياسر وقد علق به التراب، فأيقظه عليه الصلاة والسلام برجله وقال له «قم أبا تراب» لما يرى عليه من التراب: أي الذي سفته عليه الريح؛ ولما قام قال له «ألا أخبرك بأشقى الناس أجمعين: عاقر الناقة والذي يضربك على هذا ووضع يده على قرن رأسه، فيخضب هذه ووضع يده على لحيته» وفي رواية «أشقى الأولين عاقر ناقة صالح، وأشقى الآخرين قاتلك». وفي رواية «أنه قال يوما لعليّ كرم الله وجهه من أشقى من الأولين؟ فقال عليّ: الذي عقر الناقة يا رسول الله قال: فمن أشقى الآخرين؟ قال عليّ: لا علم لي يا رسول الله قال: الذي يضربك على هذه وأشار إلى يافوخه» وكان كما أخبر، فهو من أعلام نبوته.

فإنه لما كان شهر رمضان سنة أربعين صار يفطر ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين وليلة عند عبدالله بن جعفر، لا يزيد في أكله على ثلاث لقم ويقول: أحب أن ألقى الله وأنا خميص، فما كانت الليلة التي ضرب صبيحتها أكثر الخروج والنظر إلى السماء، وجعل يقول: والله إنها الليلة التي وعدت، فلما كان وقت السحر وأذن المؤذن بالصلاة خرج إلى المسجد فأقبل الأوز الذي في داره يصحن في وجهه فمنعهن بعض نساء أهل بيته، فقال: دعوهن فإنهن نوائح، فلما دخل المسجد أقبل ينادي «الصلاة الصلاة» فشد عليه عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله من طائفة الخوارج، فضربه الضربة التي أخبر بها، وعند ذلك شد عليه الناس من كل جانب فطرح عليه رجل قطيفة ثم طنبوه وأخذ السيف منه، وقالوا له: يا أمير المؤمنين خلّ بيننا وبين مراد، يعنون قبيلة الرجل الذي ضربه، فقال: لا، ولكن احبسوا الرجل، فإن أنا مت فاقتلوه، وإن أعش فالجروح قصاص. فحبس.

فلما مات رضي الله تعالى عنه غسله الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر، ومحمد بن الحنفية يصب الماء، وكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، وصلى عليه الحسن وكبر عليه سبعا، ودفن ليلا؛ قيل بدار الإمارة بالكوفة، وقيل بغير ذلك، وأخفي قبره لئلا تنبشه الخوارج. وقيل حملوه على بعير ليدفنوه مع رسول الله، فبينا هم في مسيرهم ليلا إذ ندّ البعير الذي عليه فلم يدر أين ذهب. ومن الناس من يزعم أنه انتقل إلى السماء، وأنه الآن في السحاب.

ولما أصيب كرم الله وجهه دعا الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما فقال لهما: أوصيكما بتقوى الله، ولا تبغيا الدنيا، ولا تبكيا على شيء زوى منها عنكما، وقولا الحق فلا تأخذكما في الله لومة لائم. ثم نظر إلى ولده محمد ابن الحنفية فقال: هل حفظت ما أوصيت به أخويك؟ فقال نعم، فقال: أوصيك بمثله، وأوصيك بتوقير أخويك لعظم حقهما عليك، ولا ترينّ أمرا دونهما، ثم قال: أوصيكما به فإنه أخوكما وابن أبيكما وقد علمتما أن أباكما كان يحبه، ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله إلى أن قبض، فلما قبض أخرج الحسن رضي الله تعالى عنه ابن ملجم من الحبس وقتله.

أقول: ذكر بعضهم عن المبرد قال ابن ملجم لعليّ كرم الله تعالى وجهه: إني اشتريت سيفي هذا بألف، وسممته بألف، وسألت الله تعالى أن يقتل به شر خلقه، فقال عليّ: قد أجاب الله دعوتك، يا حسن إذا أنا مت فاقتله بسيفه ففعل به الحسن ذلك ثم أحرقت جثته. وقد ذكر أنه قطعت أطرافه وجعل في قوصرة وأحرقوه بالنار.

وقد ذكر أن عليا قال يوما وهو مشير لابن ملجم: هذا والله قاتلي، فقيل له ألا نقتله؟ فقال: من يقتلني؟ وتبع الأصل في كون تكنية عليّ بأبي تراب في هذه الغزوة شيخه الدمياطي.

واعترضه في الهدي بأنه إنما كناه بذلك بعد نكاحه فاطمة رضي الله تعال عنها «فإنه دخل عليها يوما وقال أين ابن عمك؟ قالت: خرج مغاضبا، فجاء إلى المسجد فوجده مضطجعا فيه وقد لصق به التراب، فجعل ينفضه عنه ويقول: اجلس أبا تراب» وقيل إنما كناه أبا تراب لأنه كان إذا غضب على فاطمة في شيء لم يكلمها ولم يقل لها شيئا تكرهه، إلا أنه يأخذ ترابا فيضعه على رأسه. وكان رسول الله إذا رأى التراب على رأسه عرف أنه عاتب على فاطمة.

قال في النور: يجوز أن يكون خاطبه بهذه الكنية مرتين، أي ويكون سبب الكنية علوق التراب به، وكونه يضعه على رأسه، والله أعلم.

السيرة الحلبية
مقدمة | نسبه الشريف | تزويج عبد الله أبي النبي آمنة أمه وحفر زمزم | حمل أمه به | وفاة والده | مولده | تسميته محمدا وأحمد | رضاعه | وفاة أمه وحضانة أم أيمن له وكفالة جده عبد المطلب إياه | وفاة عبد المطلب وكفالة عمه أبي طالب له | سفره مع عمه إلى الشام | ما حفظه الله به في صغره | رعيته الغنم | حضوره حرب الفجار | شهوده حلف الفضول | سفره إلى الشام ثانيا | تزوجه خديجة بنت خويلد | بنيان قريش الكعبة | ما جاء من أمر رسول الله عن أحبار اليهود ورهبان النصارى والكهان والجان | سلام الحجر والشجر عليه قبل مبعثه | المبعث وعموم بعثته | بدء الوحي | وضوؤه وصلاته أول البعثة | أول الناس إيمانا به | استخفائه وأصحابه في دار الأرقم ودعائه إلى الإسلام جهرة وكلام قريش لأبي طالب في أن يخلي بينهم وبينه | عرض قريش عليه أشياء من خوارق العادات وغير العادات ليكف عنهم لما رأوا المسلمين يزيدون وسؤالهم له أشياء من خوارق العادات وبعثهم إلى أحبار يهود بالمدينة يسألونهم عن صفة النبي | الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة وإسلام عمر بن الخطاب | اجتماع المشركين على منابذة بني هاشم وبني المطلب وكتابة الصحيفة | الهجرة الثانية إلى الحبشة | وفد نجران | وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة | خروج النبي إلى الطائف | الطفيل بن عمرو الدوسي وإسلامه | الإسراء والمعراج وفرض الصلوات الخمس | عرض رسول الله نفسه على القبائل أن يحموه ويناصروه | الهجرة إلى المدينة | بدء الأذان والإقامة | مغازيه: غزوة بواط | غزوة العشيرة | غزوة سفوان ويقال لها غزوة بدر الأولى | تحويل القبلة | غزوة بدر الكبرى | غزوة بني سليم | غزوة بني قينقاع | غزوة السويق | غزوة قرقرة الكدر | غزوة ذي أمر | غزوة بحران | غزوة أحد | غزوة حمراء الأسد | غزوة بني النضير | غزوة ذات الرقاع | غزوة بدر الآخرة | غزوة دومة الجندل | غزوة بني المصطلق | غزوة الخندق | غزوة بني قريظة | غزوة بن لحيان | غزوة ذي قرد | غزوة الحديبية | غزوة خيبر | غزوة وادي القرى | عمرة القضاء | غزوة مؤتة | فتح مكة | غزوة حنين | غزوة الطائف | غزوة تبوك | سراياه وبعوثه: سرية حمزة بن عبد المطلب | سرية عبيدة بن الحارث | سرية سعد بن أبي وقاص | سرية عبد الله بن جحش | سرية عمير بن عدي الخطمي | سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك | سرية عبد الله بن مسلمة إلى كعب بن الأشرف الأوسي | سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبي رافع | سرية زيد بن حارثة إلى القردة | سرية أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد | سرية الرجيع | سرية القراء إلى بئر معونة | سرية محمد بن سلمة إلى القرطاء | سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر | سرية محمد بن مسلمة لذي القصة | سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة أيضا | سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم | سرية زيد بن حارثة إلى العيص | سرية زيد بن حارثة إلى بني ثعلبة | سرية زيد بن حارثة إلى جذام | سرية أمير المؤمنين أبي بكر الصديق لبني فزارة | سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل | سرية زيد بن حارثة إلى مدين | سرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك | سرية عبد الله بن رواحة إلى أُسَير | سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم | سرية سعيد بن زيد | سرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى طائفة من هوازن | سرية أبي بكر إلى بني كلاب | سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى بني مرة بفدك | سرية غالب بن عبد الله الليثي | سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن | سرية ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم | سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح | سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد | سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى بني عامر | سرية كعب بن عمير الغفاري | سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل | سرية الخبط | سرية أبي قتادة إلى غطفان | سرية عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي إلى الغابة | سرية أبي قتادة إلى بطن أضم | سرية خالد بن الوليد إلى العزى | سرية عمرو بن العاص إلى سواع | سرية سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة | سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة | سرية أبي عامر الأشعري إلى أوطاس | سرية الطفيل بن عمرو الدوسي إلى ذي الكفين الصنم ليهدمه | سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم | سرية قطبة بن عامر إلى خثعم | سرية الضحاك الكلابي | سرية علقمة بن مجزز | سرية علي بن أبي طالب | سرية علي بن أبي طالب إلى بلاد مذحج | سرية خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل | سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى أبنى | الوفود التي وفدت عليه | كتبه التي أرسلها إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام | كتابه إلى قيصر | كتابه إلى كسرى | كتابه للنجاشي | كتابه للمقوقس ملك القبط | كتابه للمنذر بالبحرين | كتابه إلى جيفر وعبد ابني الجلندي ملكي عمان | كتابه إلى هوذة | كتابه إلى الحارث الغساني | حجة الوداع | عمَره | معجزاته | خصائصه | أولاده | أعمامه وعماته | أزواجه وسراريه | خدمه الأحرار | الذين أعتقهم | كتّابه | حراسه | من ولي السوق في زمنه | من كان يضحكه | أمناء الرسول | شعراؤه | من كان يضرب الأعناق بين يديه | مؤذنوه | العشرة المبشرون بالجنة | حواريوه | سلاحه | خيله وبغاله وحمره | صفته الظاهرة | صفته الباطنة | مرضه ووفاته | بيان ما وقع من عام ولادته إلى زمان وفاته على سبيل الإجمال