السيرة الحلبية/غزوة ذات الرقاع



غزوة ذات الرقاع


أو تسمى غزوة الأعاجيب: أي لما وقع فيها من الأمور العجيبة، وغزوة محارب وغزوة بني ثعلبة، وغزوة بني أنمار.

عن ابن إسحاق رحمه الله: ثم أقام رسول الله بعد غزوة بني النضير شهر ربيع الأول. وقال غيره: شهري ربيع وبعض جمادي. ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة، حين بلغه أنهم جمعوا الجموع: أي من غطفان لمحاربته، فخرج في أربعمائة من أصحابه رضي الله عنهم، أي وقيل سبعمائة وقيل ثمانمائة.

أي واحتج البخاري رحمه الله على أن هذه الغزاة كانت بعد خيبر بما رواه عن أبي موسى رضي الله عنه مما يدل على أن أبا موسى شهد غزاة ذات الرقاع، وهو «خرجنا مع رسول الله ستة نفر بيننا بعير، فنقبت أقدامنا، نقبت قدماي وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرلجنا الخرق: فسميت غزاة ذات الرقاع.

وإذا ثبت أن أبا موسى شهد غزاة ذات الرقاع، وثبت أنه لم يجيء إليه من الحبشة إلا بخيبر لزم أن تكون غزوة ذات الرقاع بعد خيبر، إلا أن يدعي تعدد غزوة ذات الرقاع مرتين، وأنها كانت قبل خيبر وبعدها، والتي وجدت فيها صلاة الخوف هي الثانية. أي والسبب في تسميتها ذات الرقاع ما تقدم عن أبي موسى رضي الله عنه، وحيث كانت بعد خيبر يلزم أن تكون بعد الخندق، لقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: صلاة الخوف في غزوة الخندق لم تكن شرعت، أي لأنها لو كانت شرعت لصلاها، ولم يؤخر الصلاة كما سيأتي، وسيأتي الجواب عن ذلك.

وقد ذكرها الشمس الشامي رحمه الله تعالى بعد خيبر، والأصل لم يذكر ماتقدم عن البخاري، بل رواه بالمعنى، فقال: روينا في صحيح البخاري من حديث أبي موسى رضي الله عنه أنهم نقبت أقدامهم، فلفوا عليها الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع. قال: وجعله: أي البخاري حديث أبي موسى هذا حجة على أن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن خيبر، لأن أبا موسى إنما قدم في خيبر لا دلالة فيه على ذلك، أي لأنه يجوز أن يكون قول أبي موسى رضي الله عنه إنهم نقبت أقدامهم: يعني الصحابة، فيكون هذا مما رواه أبو موسى عمن شاهد الوقعة من الصحابة. وفيه أن هذا لا يأتي مع قول البخاري عن أبي موسى «فنقبت قدماي وسقطت أظفاري» إذ هو صريح في أن أبا موسى رضي الله عنه حضرها، والأصل تبع في تقديمها على خيبر شيخه الدمياطي، وتابعه أيضا في رواية ما تقدم عن البخاري بالمعنى. ونظر الدمياطي في رواية أبي موسى: أي التي في البخاري التي رواه عنه بالمعنى، بأنها مخالفة لما عليه أهل المغازي من تقديمها على خيبر.

قال الحافظ ابن حجر: وادعى الدمياطي غلط الحديث الصحيح، وأن جميع أهل السير على خلافة، والاعتماد على ما في الصحيح أي من تأخيرها من خيبر أولى، لأن أصحاب المغازي مختلفون في زمانها. قال: والبخاري مع روايته عن أبي موسى الصريحة في تأخر غزوة ذات الرقاع عن غزوة خيبر، قدم غزوة ذات الرقاع على خيبر. قال: ولا أدري، هل تعمد ذلك تسليما لأصحاب المغازي أنها كانت قبل خيبر، أو أن ذلك من الرواة عنه، أو إشارة إلى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسما لغزوتين مختلفتين: أي واحدة قبل خيبر، والثانية بعدها كما قدمناه. أي وقدمنا أن سبب التسمية في الثانية ما ذكر عن أبي موسى رضي الله عنه، وأما في الأولى فأحد الأسباب الآتية.

قال في الإمتاع: وقد قال بعض من أرخ: إن غزوة ذات الرقاع أكثر من مرة، فواحدة كانت قبل الخندق، وأخرى بعدها: أي وبعد خيبر.

ولم غزا استخلف على المدينة أبا ذر الغفاري. وقيل عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال ابن عبد البر: وعليه الأكثر. أي وقد نظر في الأول، بأن أبا ذرّ رضي الله عنه لما أسلم بمكة رجع إلى بلاد قومه، فلم يجيء حتى مضت بدر وأحد والخندق.

أقول: وهذا النظر بناء على أنها كانت قبل الخندق، وأما على أنها كانت بعد الخندق وبعد خيبر فلا يتأتي هذا النظر، والله أعلم.

وسار حتى بلغ نجدا فلم يجد بها أحدا ووجد نسوة فأخذهنّ وفيهن جارية وضيئة. ثم لقي جمعا فتقارب الجمعان ولم يكن بينهما حرب.

وقد خاف بعضهم بعضا: أي خاف المسلمون أن تغير المشركون عليهم وهم غارون أي غافلون حتى صلى رسول الله بالناس صلاة الخوف، وكانت أول صلاة للخوف صلاها.

قال وفي رواية «حانت صلاة الظهر فصلاها بأصحابه، فهمّ بهم المشركون، فقال قائلهم: دعوهم فإن لهم صلاة بعد هذه هي أحبّ إليهم من أبنائهم، أي وهي صلاة العصر، فنزل جبريل على رسول الله فأخبره، فصلى صلاة العصر صلاة الخوف» ا هـ.

أقول: سيأتي هذا كله بعينه في غزوة الحديبية التي هي صلاة الخوف بعسفان. ولا مانع من تعدد ذلك. ويحتمل أنه من الاشتباه على بعض الرواة، والله أعلم.

وكان العدوّ في غير جهة القبلة، ففرقهم فرقتين: فرقة وقفت في وجه العدوّ، وفرقة صلى بها ركعة، ثم عند قيامه للثانية فارقته وأتمت بقية صلاتها، ثم جاءت ووقفت في وجه العدوّ، وجاءت تلك الفرقة التي كانت في وجه العدوّ واقتدت به في ثانيته فصلى بها ركعة، ثم قامت وهو في جلوس التشهد، وأتمت بقية صلاتها ولحقته في جلوس التشهد وسلم بها. وهذه الكيفية في ذات الرقاع رواها الشيخان، ونزل بها القرآن، وهو قوله تعالى {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} الآية.

أي وفي كلام بعضهم: فصلى بهم النبيّ صلاة الخوف، صلى بطائفة ركعتين، وبالأخرى أخريين. وسيأتي أن هذه صلاته ببطن نخل وفي الخصائص الصغرى: وخص بصلاة الخوف فلم تشرع لأحد من الأمم قبلنا، وبصلاة شدة الخوف عند التحام القتال.

أي وفي هذه الغزوة نزل ليلا، وكانت تلك الليلة ذات ريح. وكان نزوله في شعب استقبله فقال: من رجل يكلؤنا: أي يحفظنا هذه الليلة، فقام عباد بن بشر رضي الله تعالى عنه وعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما، فقالا: نحن يا رسول الله نكلؤكم، فجلسا على فم الشعب، فقال عباد بن بشر لعمار بن ياسر: أنا أكفيك أول الليل وتكفيني آخره، فنام عمار رضي الله عنه وقام عباد رضي الله عنه يصلي، وكان زوج بعض النسوة التي أصابهنّ رسول الله غائبا، فلما جاء أخبر الخبر فتتبع الجيش، وحلف لا ينثني حتى يصيب محمدا أو يهريق في أصحاب محمد دما، فلما رأى سواد عباد قال: هذا ربيئة القوم، ففوّق سهما فوضعه فيه، فانتزعه عباد فرماه بآخر فوضعه فيه فانتزعه، فرماه بآخر فانتزعه، فلما غلبه الدم قال لعمار اجلس فقد أثبت، فلما رأى ذلك الرجل عمار أجلس علم أنه قد نذر به، فهرب، فقال عمار: أي أخي ما منعك أن توقظني له في أول سهم رمي به، فقال: كنت أقرأ في سورة: أي في سورة الكهف فكرهت أن أقطعها.

وفي لفظ: جعل شخصين من أصحابه يقال هما عباد بن بشر من الأنصار وعمار بن ياسر من المهاجرين في مقابلة العدو، فرمى أحدهما بسهم فأصابه ونزفه الدم وهو يصلي، ولم يقطع صلاته بل ركع وسجد ومضى في صلاته، ثم رماه بثان وثالث وهو يصيبه ولم يقطع صلاته أي وهو عباد بن بشر كما تقدم. وقد قال عباد اعتذارا عن إيقاظ صاحبه: لولا أني خشيت أن أضيع ثغرا أمرني به رسول الله ما انصرفت ولو أتى على نفسي.

أقول: وبهذه الواقعة استدل أئمتنا على أن النجاسة الحادثة من غير السبيلين لا تنقض الوضوء، لأنه علم ذلك ولم ينكره.

وأما كونه صلى مع الدم فلعلّ ما أصاب ثوبه وبدنه منه قليل؛ ولا ينافي ذلك ما تقدم في الرواية قبل هذه «فلما غلبه الدم» إذ يجوز مع كونه كثيرا أنه لم يصب ثوبه ولا بدنه إلا القليل منه والله أعلم.

ويقال إن رجلا من القوم: أي وهو غورث بالغين المعجمة مكبرا على الأشهر وقيل غويرث بالتصغير والمهملة ابن الحارث، قال لهم: ألا أقتل لكم محمدا، قالوا بلى، وكيف تقتله؟ قال: أفتك به أي أجيء إليه على غفلة، فجاء إليه وسيفه في حجره، فقال: يا محمد أرني أنظر إلى سيفك هذا؟ فأخذه من حجره فاستله، ثم جعل يهزه ويهمّ فيكبته الله: أي يخزيه، ثم قال: يا محمد ما تخافني؟ قال: لا بل يمنعني الله تعالى منك، ثم دفع السيف إليه فأخذه وقال: من يمنعك مني؟ فقال: كن خير آخذ، قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، قال: أعاهدك على أني لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، قال: فخلى رسول الله، سبيله فجاء إلى قومه، فقال: جئتكم من عند خير الناس، وأسلم هذا بعد، وكانت له صحبة.

وفي رواية: جاء إليه وهو جالس وسيفه في حجره، فقال: يا محمد انظر إلى سيفك هذا؟ قال نعم، فأخذه فاستله، ثم جعل يهزه، ثم قال: يا محمد أما تخافني؟ قال: لا، وما أخاف منك، قال: وفي يدي السيف؟ قال: لا، يمنعني الله تعالى منك، ثم غمد سيف رسول الله فرده عليه.

وهذه واقعة غير واقعة دعثور المتقدمة في غزوة ذي إمرّ، فهما واقعتان: إحداهما مع دعثور، والثانية مع غورث، فقول أصله والظاهر أن الخبرين واحد فيه نظر ظاهر فليتأمل.

قال: وفي رواية: لما قفل رسول الله راجعا إلى المدينة أدركته القائلة يوما بواد كثير العضاة: أي الأشجار العظيمة التي لها شوك، وتفرق الناس في العضاة: أي الأشجار يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله تحت ظل شجرة أي ظليلة. قال جابر رضي الله عنه: تركناها للنبي، فعلق سيفه فيها، فنمنا نومة فإذا رسول الله يدعونا، فجئنا إليه فوجدنا عنده أعرابيا جالسا، فقال: إن هذا قد اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده مصلتا: أي مسلولا، فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت الله، قال ذلك ثلاث مرات ولم يعاقبه ا هـ.

وهذه الرواية مع ما قبلها يقتضي سياقهما أنهما واقعتان لا واقعة واحدة. ويبعد أن يكون ذلك الأعرابي هو غورث صاحب الواقعة الأولى، فيكون تعدد منه هذا الفعل مرتين، أي وأنزل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ همّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم} وتقدم أن سبب نزولها إرادة إلقاء الحجر عليه من بعض أهل بني النضير لعنهم الله، وتقدم أنه لا مانع من تعدد النزول لتعدد الأسباب.

وفي الشفاء: قيل كان رسول الله يخاف قريشا، فلما نزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ همّ قوم} الآية، استلقى ثم قال: من شاء فليخذلني.

أي وفيه أن هذا لا يحسن إلا عند نزول آية {والله يعصمك من الناس} إلا أن يقال: هو علم من ذلك أن الله مانع له ممن يريده بسوء وإن كان يجوز أن يمنعه من شخص دون آخر فليتأمل.

وإنما لم يعاقب ذلك الأعرابي حرصا على استئلاف قلوب الكفار ليدخلوا في الإسلام.

وكانت مدة غيبته خمس عشرة ليلة. وبعث جعال بن سراقة إلى المدينة مبشرا بسلامته وسلامة المسلمين، أي وكان رضي الله عنه من أهل الصفة، وهو الذي تمثل به إبليس لعنه الله يوم أحد حين نادى إن محمدا قد قتل كما تقدم.

وأبطأ جمل جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما فنخسه. وفي لفظ أنه حجنه بمحجنه فانطلق متقدما بين يدين الركب. وفي رواية: فلقد رأيتني أكفه عن رسول الله حياء منه لا يسبقه: أي وهو ينازعني خطامه مع أني كنت أرجو أن يستاق معنا. ثم قال له: أتبيعنيه؟ فابتاعه منه: أي بأوقية، وقيل بأربع أواق وقيل بخمس أواق، وقيل بخمسة دنانير، وقيل بأربعة دنانير بعد أن أعطاه فيه أولا درهما ممازحا له، فقال له جابر رضي الله عنه: تبيعني يا رسول الله؟ وفي رواية: لا زال يزيده درهما درهما، فيقول جابر: آخذته بكذا والله يغفر لك يا رسول الله، قال بعضهم: كأنه أراد باعطائه درهما درهما أن يكثر استغفاره له، وقال له: لك ظهره إلى المدينة. وفي رواية وشرط لي ظهره إلى المدينة أي واستغفر لجابر رضي الله عنه في تلك الليلة خمسا وعشرين مرة، وقيل سبعين مرة، فلما وصل المدينة أعطاه الثمن ووهب له الجمل أي وقيل إن هذه القصة: أي إبطاء جمل جابر رضي الله عنه إنما كانت في رجوعه من مكة إلى المدينة. وقيل كانت في رجوعه من غزوة تبوك.

أي والذي في البخاري عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. قال «كنت مع النبي في سفر، فكنت على جمل ثقال، إنما هو في آخر القوم، فمرّ به النبي، فقال: من هذا؟ فقلت: جابر بن عبدالله، قال: فمالك؟ قلت: إني على جمل ثقال، قال: أمعك قضيب؟ قلت نعم، قال: أعطنيه، فضربه فزجره، فكان من ذلك المكان من أول القوم، قال: بعنيه، قلت: بل هو لك يا رسول الله، قال: بل بعنيه، فقد أخذته بأربعة دنانير ولك ظهره إلى المدينة، فلما قدمت المدينة قال: يا بلال اقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا، قال جابر رضي الله عنه: وأعطاني الجمل وسهمي مع القوم».

وفي لفظ عن جابر قال: دخل لنبي فدخلت إليه، فعلفت الجمل في ناحية البلاط، فقلت: يا رسول الله هذا جملك، فخرج فجعل يطوف بالجمل. قال: الثمن والجمل لك، وفي لفظ: إنما باعه له بوقية: أي ذهب، وأنه استثنى حملانه إلى أهله، فلما قدم المدينة وأنقده الثمن وانصرف أرسل على أثره وقال له: ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك.

وعن جابر رضي الله عنه أنه اشتراه بطريق تبوك بأربع أواق وفي لفظ: بعشرين دينارا، فليتأمل الجمع بين هذه الروايات على تقدير صحتها، فإن التعدد بعددها بعيد.

قيل وسميت ذات الرقاع باسم شجرة كانت في ذلك المحل يقال لها ذات الرقاع، أو لأنهم رقعوا راياتهم، أو لأنهم لفوا على أقدامهم الخرق لما حصل لهم الحفاء كما تقدم، أو لأن الصلاة رقعت فيها، أو لأن الجبل الذي نزلوا به كانت أرضه ذات ألوان تشبه الرقاع فيه بقع حمر وسود وبيض، واستغربه الحافظ ابن حجر.

قال الإمام النووي رحمه الله: ويحتمل أنها سميت بالمجموع، قال: وفي هذه الغزوة جاءته امرأة بدوية بابن لها. فقالت: يا رسول الله هذا ابني، قد غلبني عليه الشيطان، ففتح فاه فبزق فيه وقال: أخسأ عدوّ الله أنا رسول الله، ثم قال: شأنك بابنك، لن يعود إليه شيء مما كان يصيبه، أي فكان كذلك.

وفيها أيضا: جاء رجل بفرخ طائر فأقبل أحد أبويه حتى طرح نفسه بين يدي الذي أخذ فرخه، فعجب الناس من ذلك، فقال رسول الله : أتعجبون من هذا الطائر؟ أخذتم فرخه فطرح نفسه رحمة لفرخه، والله لربكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه.

وفيها أيضا: جيء له بثلاث بيضات من بيض النعام، فقال لجابر دونك يا جابر فاعمل هذه البيضات، قال جابر رضي الله عنه: فعملتهنّ، ثم جئت بهنّ في قصعة، فجعلنا نطلب خبزا فلم نجد، فجعل وأصحابه يأكلون من ذلك البيض بغير خبز حتى انتهى كل إلى حاجته: أي إلى الشبع؛ والبيض في القصعة كما هو.

وفيها أيضا: جاء جمل يرفل: أي حتى وقف عنده وأرغى، فقال رسول الله : أتدرون ما قال هذا الجمل؟ هذا جمل يستعيذ بي على سيده يزعم أنه كان يحرث عليه منذ سنين وأنه أراد أن ينحره، اذهب يا جابر إلى صاحبه فأت به، قال جابر رضي الله عنه: فقلت لا أعرفه، قال: إنه سيدلك عليه. قال جابر: فخرج بين يدي حتى وقف على صاحبه، فجئته به، فكلمه في شأن الجمل ا هـ.

وعن عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما أن النبي دخل حائط رجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي، فمسح عليه فسكن. ثم قال: من رب هذا الجمل، فجاء فتى من الأنصار، فقال: هذا لي يا رسول الله، فقال: ألا تتقي الله ﷿ في هذه البهيمة التي ملكك الله، فإنه شكا إليّ أنك تجيعه وتدئبه.

وفي رواية: كنا جلوسا مع النبي إذا بعير أقبل حتى وقف على هامة رسول الله فرَغا، فقال له النبي : أيها البعير اسكن فإن تك صادقا فلك صدقك، وإن تك كاذبا فعليك كذبك، إن الله تعالى قد أمن عائذنا ولن يخيب لائذنا، فقلنا: يا رسول الله، ما يقول هذا البعير؟ قال: يريد أهله نحره وأكل لحمه، فهرب منهم واستغاث بنبيكم، فبينما نحن كذلك إذا أقبل أصحابه يتعاودون، فلما نظر إليهم البعير عاد إلى هامة رسول الله فلاذ بها، فقالوا: يا رسول الله هذا بعيرنا هرب منذ ثلاثة أيام فلم نجده إلا بين يديك. فقال لهم رسول الله أما إنه يشكو، فقالوا: يا رسول الله ما يقول؟ قال: يقول إنه ربي فيكم سنين وكنتم تحملون عليه في الصيف إلى موضع الكلأ، فإذا كان الشتاء حملتم عليه إلى موضع الدفء، فلما كبر استفحلتموه فرزقكم الله إبلا سليمة. فلما أدركته هذه السنة الجدبة هممتم بنحره وأكل لحمه، فقالوا: والله يا رسول الله قد كان ذلك، فقال لهم رسول الله ما هذا جزاء المملوك الصالح من مواليه، فقالوا لرسول الله : إنا لا نتعبه ولا ننحره، فقال رسول الله : كذبتم، قد استغاث بكم فلم تغيثوه، وأنا أولى بالرحمة منكم لأن الله قد نزع الرحمة من قلوب المنافقين، وأسكنها في قلوب المؤمنين فاشتراه منهم بمائة درهم، وقال له: آمين، ثم رغا الثانية، فقال له آمين. ثم رغا الثالثة، فقال له آمين، ثم رغا الرابعة، فبكى النبي فقلنا يا رسول الله ما يقول هذا البعير؟ فقال: قال جزاك الله خيرا أيها النبي عن الإسلام والقرآن قلت: آمين، قال: سكن الله رعب أمتك كما سكنت قلبي، قلت: آمين، قال: حقن الله دماء أمتك كما حقنت دمي، قلت آمين، قال: لا جعل الله بأسهم بينهم شديدا، فبكيت لأني سألت ربي فيها: أي في هذه الرابعة فمنعني إعطاءها. وقوله للجمل اذهب كيف شئت، لا يناسب ما عليه أئمتنا من عدم جواز إرسال الدواب تقرّبا إلى الله تعالى لأنه في معنى سوائب الجاهلية، إلا أن يقال: المراد بقوله له اذهب كيف شئت، أي أنت آمن في سائر أحوالك مما شكوت منه.

ورأيت في كلام ابن الجوزي رحمه الله ما يؤيد ذلك، وهو أن رسول الله وسمه سمة نعم الصدقة ثم بعث به. وعليه لا إشكال، وإلى قصة الجمل أشار الإمام السبكي رحمه الله في تائيته بقوله:

ورب بعير قد شكا لك حاله ** فأذهبت عنه كل كل وثقلة

وفي هذه: أعني السنة الرابعة تزوّج أم سلمة هند رضي الله عنها بعد موت أبي سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه. وما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: تزوّجها سنة اثنتين ليس بشيء، قيل وفيها شرع التيمم.

السيرة الحلبية
مقدمة | نسبه الشريف | تزويج عبد الله أبي النبي آمنة أمه وحفر زمزم | حمل أمه به | وفاة والده | مولده | تسميته محمدا وأحمد | رضاعه | وفاة أمه وحضانة أم أيمن له وكفالة جده عبد المطلب إياه | وفاة عبد المطلب وكفالة عمه أبي طالب له | سفره مع عمه إلى الشام | ما حفظه الله به في صغره | رعيته الغنم | حضوره حرب الفجار | شهوده حلف الفضول | سفره إلى الشام ثانيا | تزوجه خديجة بنت خويلد | بنيان قريش الكعبة | ما جاء من أمر رسول الله عن أحبار اليهود ورهبان النصارى والكهان والجان | سلام الحجر والشجر عليه قبل مبعثه | المبعث وعموم بعثته | بدء الوحي | وضوؤه وصلاته أول البعثة | أول الناس إيمانا به | استخفائه وأصحابه في دار الأرقم ودعائه إلى الإسلام جهرة وكلام قريش لأبي طالب في أن يخلي بينهم وبينه | عرض قريش عليه أشياء من خوارق العادات وغير العادات ليكف عنهم لما رأوا المسلمين يزيدون وسؤالهم له أشياء من خوارق العادات وبعثهم إلى أحبار يهود بالمدينة يسألونهم عن صفة النبي | الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة وإسلام عمر بن الخطاب | اجتماع المشركين على منابذة بني هاشم وبني المطلب وكتابة الصحيفة | الهجرة الثانية إلى الحبشة | وفد نجران | وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة | خروج النبي إلى الطائف | الطفيل بن عمرو الدوسي وإسلامه | الإسراء والمعراج وفرض الصلوات الخمس | عرض رسول الله نفسه على القبائل أن يحموه ويناصروه | الهجرة إلى المدينة | بدء الأذان والإقامة | مغازيه: غزوة بواط | غزوة العشيرة | غزوة سفوان ويقال لها غزوة بدر الأولى | تحويل القبلة | غزوة بدر الكبرى | غزوة بني سليم | غزوة بني قينقاع | غزوة السويق | غزوة قرقرة الكدر | غزوة ذي أمر | غزوة بحران | غزوة أحد | غزوة حمراء الأسد | غزوة بني النضير | غزوة ذات الرقاع | غزوة بدر الآخرة | غزوة دومة الجندل | غزوة بني المصطلق | غزوة الخندق | غزوة بني قريظة | غزوة بن لحيان | غزوة ذي قرد | غزوة الحديبية | غزوة خيبر | غزوة وادي القرى | عمرة القضاء | غزوة مؤتة | فتح مكة | غزوة حنين | غزوة الطائف | غزوة تبوك | سراياه وبعوثه: سرية حمزة بن عبد المطلب | سرية عبيدة بن الحارث | سرية سعد بن أبي وقاص | سرية عبد الله بن جحش | سرية عمير بن عدي الخطمي | سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك | سرية عبد الله بن مسلمة إلى كعب بن الأشرف الأوسي | سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبي رافع | سرية زيد بن حارثة إلى القردة | سرية أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد | سرية الرجيع | سرية القراء إلى بئر معونة | سرية محمد بن سلمة إلى القرطاء | سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر | سرية محمد بن مسلمة لذي القصة | سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة أيضا | سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم | سرية زيد بن حارثة إلى العيص | سرية زيد بن حارثة إلى بني ثعلبة | سرية زيد بن حارثة إلى جذام | سرية أمير المؤمنين أبي بكر الصديق لبني فزارة | سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل | سرية زيد بن حارثة إلى مدين | سرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك | سرية عبد الله بن رواحة إلى أُسَير | سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم | سرية سعيد بن زيد | سرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى طائفة من هوازن | سرية أبي بكر إلى بني كلاب | سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى بني مرة بفدك | سرية غالب بن عبد الله الليثي | سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن | سرية ابن أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم | سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح | سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد | سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى بني عامر | سرية كعب بن عمير الغفاري | سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل | سرية الخبط | سرية أبي قتادة إلى غطفان | سرية عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي إلى الغابة | سرية أبي قتادة إلى بطن أضم | سرية خالد بن الوليد إلى العزى | سرية عمرو بن العاص إلى سواع | سرية سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة | سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة | سرية أبي عامر الأشعري إلى أوطاس | سرية الطفيل بن عمرو الدوسي إلى ذي الكفين الصنم ليهدمه | سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم | سرية قطبة بن عامر إلى خثعم | سرية الضحاك الكلابي | سرية علقمة بن مجزز | سرية علي بن أبي طالب | سرية علي بن أبي طالب إلى بلاد مذحج | سرية خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل | سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى أبنى | الوفود التي وفدت عليه | كتبه التي أرسلها إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام | كتابه إلى قيصر | كتابه إلى كسرى | كتابه للنجاشي | كتابه للمقوقس ملك القبط | كتابه للمنذر بالبحرين | كتابه إلى جيفر وعبد ابني الجلندي ملكي عمان | كتابه إلى هوذة | كتابه إلى الحارث الغساني | حجة الوداع | عمَره | معجزاته | خصائصه | أولاده | أعمامه وعماته | أزواجه وسراريه | خدمه الأحرار | الذين أعتقهم | كتّابه | حراسه | من ولي السوق في زمنه | من كان يضحكه | أمناء الرسول | شعراؤه | من كان يضرب الأعناق بين يديه | مؤذنوه | العشرة المبشرون بالجنة | حواريوه | سلاحه | خيله وبغاله وحمره | صفته الظاهرة | صفته الباطنة | مرضه ووفاته | بيان ما وقع من عام ولادته إلى زمان وفاته على سبيل الإجمال