[قال الشافعي]: رحمه الله: والإجارة تملك ما تملك به البيوع إذا شرع فيها مع الإجارة، فإذا كاتب الرجل عبده على أن يعمل له عملا بيده معلوما فأخذ فيه حين يكاتبه ويجعل عليه أن يؤدي معه، أو بعده في نجم آخر مالا ما كان كانت الكتابة جائزة، وإن كاتبه على أن يعمل له عملا ما كان العمل ولم يجعل عليه بعد العمل مالا يأخذه لم تجز الكتابة عليه، وذلك أن العمل إن كان واحدا، فهو نجم واحد. والكتابة لا تجوز على نجم واحد في مال ولا غيره، وإن كاتبه على أن يعمل له من يومه عملا وبعد شهر عملا آخر لم تجز الإجارة بعد وقت من الأوقات، ونحن لا نجيز أن يستأجر الرجل على أن يعمل له بعد شهر عملا؛ لأنه قد يحدث عليه بعد الشهر ما يمنعه العمل من مرض وموت وحبس وغيره، والعمل باليد ليس بمال مضمون يكلف أن يأتي به، وقد يقدر على المال مريض ولا يقدر على العمل به، ولو كاتبه على أن يبني له دارا وعلى المكاتب جميع عمارتها وسمى له درعا معلوم الارتفاع والعرض والموضع من الدار، وسمى ما يدخل فيها من اللبن وقدر اللبن والحجارة كان كعمله بيده لا يجوز إلا أن يكون يأخذه في ذلك حين يكاتبه ويكون بعده شيء من المال يؤديه إليه لما وصفت من أن استئخار العمل لا يجوز، ولو كاتبه على أن يخدمه شهرا، فأخذ فيه حين يكاتبه ويؤدي إليه شيئا بعد الشهر جاز. ولو كاتبه على أن يخدمه شهرا حين كاتبه وشهرا بعد ذلك لم يجز؛ لأنه ضرب للخدمة أجلا لا يكون على المكاتب فيه خدمة، وهذا كما لا يجوز أن يستأجر حرا على أن يؤخر الخدمة شهرا، ثم يخدمه، ولو كاتبه على أن يخدمه شهرا حتى يكاتبه، ثم يوفيه لبنا، أو حجارة، أو طينا معلوما بعد شهر كان هذا جائزا وكان هذا كالمال. ولو كاتبه على أن يخدمه شهرا، ثم يعطيه مالا بعد فمرض ذلك الشهر انتقضت الكتابة ولم يكن له أن يعطيه أحدا يخدمه مكانه ولا عليه لو أراد ذلك السيد، كما لو استأجر حرا على أن يخدمه شهرا فمرض في الشهر لم يكن عليه ولا له أن يخدمه غيره وانتقضت الإجارة، ولو كاتبه على نجوم مسماة على أن يخدمه بعد النجوم شهرا أو يعمل له عملا بعد ذلك كانت الكتابة فاسدة، فإن أدى ما عليه وخدم، أو عمل عتق وتراجعا بقيمة المكاتب وحسب للمكاتب ما أعطاه وأجر مثله فيما عمل له وتراجعا بالقيمة، ولو كاتبه على مائة دينار على أن يؤدي إليه في كل شهر عشرة ويعمل له عند أداء كل نجم يوما، أو ساعة شيئا معلوما كانت الكتابة فاسدة لتأخير العمل، ولو كاتبه على مائة يؤدي إليه في كل سنة عشرة ويعطيه ضحية، فإن وصف الضحية فقال: ماعزة ثنية من شياه بلد كذا، أو شياه بني فلان يدفعها إليه يوم كذا من سنة كذا، فهو جائز والشاة من الكتابة، وإن قال أضحية فلم يصفها فالكتابة فاسدة لأن الضحية تكون جذعة من الضأن وثنية من المعز وما فوقهما فلا يجوز هذا كما لا يجوز في البيوع، وإن كاتبه على مائة دينار في عشر سنين وعشرين ضحية بعدها كل ضحية في سنة ووصف الضحايا لم يعتق إلا بأداء آخر الكتابة الضحايا، والضحايا نجوم من نجوم كتابته لا يعتق إلا بأن يؤديها قال: وإن كاتبه على شيء معلوم وضحايا أهله ما بلغ أهله عن كل إنسان ضحية موصوفة، وإن زادوا زادت عليه الضحايا وإن نقصوا نقصت الضحايا، فالكتابة فاسدة؛ لأنها حينئذ على غير شيء معلوم. وإن قال له: ابن لي هذه الدار بناء موصوفا، أو علم لي هذا الغلام، أو اخدمني شهرا أو اخدم فلانا شهرا، أو ابلغ بلد كذا أو انسج ثوب كذا وأنت حر، ففعل ذلك فهو حر وليس بمكاتب، وله أن يبيعه قبل أن يفعله، وإن مات سيد العبد قبل أن يفعله فالعبد مملوك، وهذا مثل قوله إن دخلت الدار فأنت حر، أو كلمت فلانا. فأنت حر، وهكذا إن قال له: أعطني مائة دينار وأنت حر فإن أعطاه إياها فهو حر، وإن أراد بيعه قبل أن يعطيه إياها فذلك له ولا يكون شيء من هذا كتابة، إنما الكتابة النجوم بعضها بعد بعض ولو كاتبه على أن ضمن له بناء دار ويحاط بصفة بنائها عليه عمارتها حتى يوفيه إياها قائمة على صفته وسمى معها دنانير يعطيه إياها قبلها، أو بعدها كان هذا جائزا؛ لأن هذا ضمان عمل عمله بعده، أو لم يعمله يكلف كما يكلف المال ومعه نجم غيره، وكذلك إن كاتبه على ضمان بناء دارين يبني إحداهما في وقت كذا والأخرى في وقت كذا كانت هذه كتابة جائزة، وليس هذا كالعمل بيده إلى أجل معلوم وهو إذا كاتبه، أو استأجر حرا على أن يعمل بيده لم يكلف أن يأتي بغيره يعمل له وإذا ضمن عملا كلف أن يوفيه إياه بنفسه، أو غيره والله تعالى أعلم.