[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولو أن رجلا أنكح ابنة له ثيبا برضاها مكاتبه أو عبده، ثم كاتبه كان النكاح جائزا، فإن مات السيد وابنته وارثة له فسد النكاح؛ لأنها قد ملكت من زوجها شيئا ولو مات وليست ابنته وارثة كانا على النكاح، فإن أعتقه واحد من الورثة فنصيب الذي أعتقه حر وولاؤه للذي كاتبه وكذلك إذا أبرأه مما له عليه فنصيبه حر وإن عجز لم يكن له في رقبته شيء وكان نصيبه حرا بكل حال، ولا يقوم عليه بحال؛ لأن عتقه إياه وإبراءه منه عتق لا ولاء له به إنما الولاء للذي عقد كتابته وإنما منعني من تقويمه عليه أنه لا يجوز أن يكون له الولاء ما لم يعجز فيعتقه بعد العجز وأعتقه عليه بسبب رقه فيه؛ لأنه لو لم يكن له فيه رق فعجز لم يكن له أن يملكه، ولو ورثه وآخر فأعتقاه لم يجز عتقهما لو كانا ورثا مالا عليه ولكنهما ورثا رقبته على معنى أنهما إذا أعتقاه عتق وولاؤه للذي عقد الكتابة [أخبرنا الربيع] قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر: (عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها أرادت أن تشتري جارية فتعتقها فقال أهلها نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق).
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة ولم يقل عن عائشة وذلك مرسل.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال: وأحسب حديث نافع أثبتها كلها؛ لأنه مسند وأنه أشبه وعائشة في حديث نافع كانت شرطت لهم الولاء فأعلمها النبي ﷺ أنها إن أعتقت فالولاء لها وإن كان هكذا فليس إنها شرطت لهم الولاء بأمر النبي ﷺ ولعل هشاما أو عروة حين سمع أن النبي ﷺ قال " لا يمنعك ذلك " إنما رأى أنه أمرها أن تشرط لهم الولاء فلم يقف من حفظه على ما وقف عليه ابن عمر رضي الله عنهما، والله أعلم. قال: فالأحاديث الثلاثة متفقة فيما سوى هذا الحرف الذي قد يغلط فيه منتهى الغلط، والله تعالى أعلم، فبهذا نأخذ وهو ثابت عن رسول الله ﷺ وليس يحتمل أن يجوز بيع المكاتب والمكاتبة إن لم يعجزوا فلما لم أعلم مخالفا في أن لا يباع المكاتب حتى يعجز أو يرضى بترك الكتابة لم يكن هذا معنى الحديث لأني لم أجد حديثا ثابتا عن النبي ﷺ ومن عرفت من جميع الناس على خلافه فكان معنى الحديث غير هذا وهو أحراهما أن يكون في الحديث دلالة عليه هو أن الكتابة شرط للمكاتب على سيده فمتى شاء المكاتب أبطل الكتابة؛ لأنها وثيقة له لم نخرجه من ملك سيده ولا نخرجه إلا بأدائها وهذا هو أولى المعنيين بها، والله تعالى أعلم، وبه أقول فإذا رضيت المكاتبة أو المكاتب إبطال الكتابة فلها وله إبطالها كما يكون لكل ذي حق إبطاله وكما يقال للعبد إن دخلت الدار فأنت حر فترك دخولها ويقال له: إن تكلمت بكذا فأنت حر فترك أن يتكلم به فلا يعتق في واحد من الوجهين ألا ترى أن بريرة تستعين في الكتابة وتعرض عليها عائشة الشراء أو العتق وتذهب بريرة إلى أهلها بما عرضت عائشة وترجع إلى عائشة بما عرض أهلها وتشتريها عائشة فتعتقها بعلم رسول الله ﷺ فكل هذا دليل على ما وصفت من رضا بريرة بترك الكتابة أو العجز فمتى قال المكاتب قد عجزت أو أبطلت الكتابة فذلك إليه علم له مال أو قوة على الكتابة أو لم يعلم وإن قال سيده: لا أرضى بعجزه قيل ذلك له وإليه: دونك فهو لك مملوك فخذ مالك حيث كان واستخدمه وأجره فخذ فضل قوته وحرفته وماله خير من أداء نجومه وكذلك لو كان عبدان أو عبيد في كتابة واحدة فعجز أحدهم نفسه أو رضي بترك الكتابة خرج منها ورفعت عمن معه في الكتابة حصته كما ترفع لو مات أو أعتقه سيده وسواء عجز المكاتب نفسه عند حلول النجم أو قبله متى عجز نفسه فهو عاجز وإن عجز نفسه وأبطل الكتابة، ثم قال أعود على الكتابة لم يكن ذلك له إلا بتجديد كتابة وتعجيزه نفسه عند سيده وفي غيبة سيده سواء وإن عجز نفسه وأبطل الكتابة ثم أدى إلى سيده فعتق بالشرط الأول، ثم قامت عليه بينة بأنه عجز نفسه أو رضي بفسخ الكتابة كان مملوكا وما أخذ سيده منه حلال له وإن أحب أن أحلف له سيده ما جدد كتابة كان ذلك له، ولو كانت المسألة بحالها فدفع إلى سيده آخر نجومه وقال له أنت حر بالمعنى الأول ولا علم له بتعجيز نفسه ولا رضاه بفسخ الكتابة كان له فيما بينه وبين الله أن يسترقه وعليه في الحكم أن يعتق عليه ويرجع عليه بقيمته كلها لا نحسب له مما أخذ منه شيئا؛ لأنه أخذه منه وهو مملوك له وأعتقه بسبب كتابته فرجع عليه بقيمته.