مجموع الفتاوى/المجلد التاسع/تفريقهم بين قياس الشمول وقياس التمثيل
تفريقهم بين قياس الشمول وقياس التمثيل
فيقال: تفريقهم بين قياس الشمول وقياس التمثيل، بأن الأول قد يفيد اليقين والثاني لا يفيد إلا الظن، فرق باطل، بل حيث أفاد أحدهما اليقين، أفاد الآخر اليقين. وحيث لا يفيد أحدهما إلا الظن لا يفيد الآخر إلا الظن، فإن إفادة الدليل لليقين أو الظن ليس لكونه على صورة أحدهما دون الآخر، بل باعتبار تضمن أحدهما لما يفيد اليقين. فإن كان أحدهما اشتمل على أمر مستلزم للحكم يقينا، حصل به اليقين، وإن لم يشتمل إلا على ما يفيد الحكم ظنًا، لم يفد إلا الظن. والذي يسمى في أحدهما حدًا أوسط هو في الآخر الوصف المشترك، والقضية الكبرى المتضمنة لزوم الحد الأكبر للأوسط هو بيان تأثير الوصف المشترك بين الأصل والفرع، فما به يتبين صدق القضية الكبرى، به يتبين أن الجامع المشترك مستلزم للحكم. فلزوم الأكبر للأوسط هو لزوم الحكم للمشترك.
فإذا قلت: النبيذ حرام قياسًا على الخمر؛ لأن الخمر إنما حرمت لكونها مسكرة، وهذا الوصف موجود في النبيذ، كان بمنزلة قولك: كل نبيذ مسكر، وكل مسكر حرام. فالنتيجة: قولك: النبيذ حرام، والنبيذ هو موضوعها وهو الحد الأصغر؛ والحرام محمولها وهو الحد الأكبر، والمسكر هو المتوسط بين الموضوع والمحمول وهو الحد الأوسط، المحمول في الصغرى الموضوع في الكبرى.
فإذا قلت: النبيذ حرام قياسًا على خمر العنب؛ لأن العلة في الأصل هو الإسكار وهو موجود في الفرع، فثبت التحريم لوجود علته؛ فإنما استدللت على تحريم النبيذ بالسكر وهو الحد الأوسط، لكن زدت في قياس التمثيل ذكر الأصل الذي يثبت به الفرع، وهذا لأن شعور النفس بنظير الفرع، أقوى في المعرفة من مجرد دخوله في الجامع الكلي، وإذا قام الدليل على تأثير الوصف المشترك، لم يكن ذكر الأصل محتاجًا إليه.
والقياس لا يخلو، إما أن يكون بإبداء الجامع، أو بإلغاء الفارق، والجامع إما العلة وإما دليلها وإما القياس بإلغاء الفارق، فهنا الغاء الفارق هو الحد الأوسط. فإذا قيل: هذا مساو لهذا، ومساوي المساوي مساو، كانت المساواة هي الحد الأوسط وإلغاء الفارق عبارة عن المساواة.
فإذا قيل: لا فرق بين الفرع والأصل إلا كذا وهو متعذر، فهو بمنزلة قولك: هذا مساو لهذا. وحكم المساوي حكم مساويه.
هامش