مجموع الفتاوى/المجلد التاسع/فصل ملخص المنطق المعرب الذي بلغته العرب عن اليونانيين

مجموع فتاوى ابن تيمية المؤلف ابن تيمية
فصل ملخص المنطق المعرب الذي بلغته العرب عن اليونانيين


فصل ملخص المنطق المعرب الذي بلغته العرب عن اليونانيين

عدل

وقال شيخ الإسلام قدس الله روحه:

قد كتبت فيما تقدم ملخص المنطق المعرب الذي بلغته العرب عن اليونانيين، وعربته لفظًا ومعنى، فإنها أحسنت ألفاظه وحررت معانيه، وهو المنسوب إلى أرسطو اليوناني الذي يسميه أتباعه من الصابئين الفلاسفة المبتدعين المعلم الأول ؛ لأنه وضع التعاليم التي يتعلمونها من المنطق والطبيعي وما بعد الطبيعة.

فإن هذه التعاليم لما اتصلت بالمسلمين وعربت كتبها مع ما عرب من كتب الطب والحساب والهيئة وغير ذلك، وكان انتشار تعريبها في دولة الخليفة أبى العباس الملقب بالمأمون، أخذها المسلمون فحرروها لفظًا ومعنى، لكن فيها من الباطل والضلال شيء كثير.

فمنهم من اتبعها مع ما ينتحله من الإسلام وهم صابئة المسلمين المسمون بالفلاسفة، فصاروا مؤمنين ببعض الكتاب دون بعض، بمنزلة المبتدعة من اليهود والنصارى قبل النسخ، لما بدلوا بعض الكتب التي بأيديهم.

ومنهم من لم يقصد اتباعها لكن تلقى عنهم أشياء يظن أنها جميعها توافق الإسلام وتنصره، وكثير منها تخالفه وتخذله، وهذه حال كثير من أهل الكلام المعتزلة؛ ولهذا قيل: هم مخانيث الفلاسفة.

ومنهم من أعرض عنها إعراضًا مجملا، ولم يتبع من القرآن والإسلام ما يغني عن كل حقها ويدفع باطلها ولم يجاهدهم الجهاد المشروع، وهذه حال كثير من أهل الحديث والفقه وغير ذلك، وقد كتبت فيما تقدم بعض ما يتعلق بذلك في مواضع من القواعد، وذكرت في تلخيص جمل المنطق ما وقع من الجهل والضلال بسببه وبعض ما وقع فيه من الخلل. وهنا تلخيص ذلك فأقول:

مقصود الكلام في طرق العلم بالتصورات والتصديقات، فالأول كالحد والرسم، والثاني كالقياس بأنواعه من البرهان وغيره، وكالتمثيل والاستقراء.

وقد يزعمون أن المطلوب من التصورات لا ينال إلا بجنس الحد، والمطلوب من التصديقات لا ينال إلا بجنس القياس، وقد يسمى جنس القياس بالنسبة، كما يسمى جنس القول الشارح حدًا، وأما البديهي من النوعين فمستغن عن الحد والبرهان، فتضمن هذا الكلام أن الحدود تفيد تصوير الحقائق، وأن ذلك لا يحصل بغيرها، وأن القياس يفيد التصديق بالحقائق، وأن ذلك لا يحصل بغيره، وفي كلا الأمرين وقع الخطأ.

أما في الحد ففي كلا القضيتين السلب والإيجاب، فيما أثبتوه وفيما نفوه.

أما الأول، فإن الحد لا يفيد تصور الحقائق، وإنما يفيد التمييز بين المحدود وغيره، وتصور الحقائق لا يحصل بمجرد الحد الذي هو كلام الحاد، بل لابد من إدراكها بالباطن والظاهر، وإذا لم تدرك ضرب المثل لها، فيحصل بالمثال الذي هو قياس التصوير لا قياس التصديق نوع من الإدراك كإدراكنا لما وعد الله به في الآخرة من الثواب والعقاب، والأمثال المضروبة في القرآن تارة تكون للتصوير، وتارة تكون للتصديق، وهذا الوجه مقرر بوجوه متعددة، وإنما الغرض هنا تلخيص المقصود.

وأما الثاني، وهو النفي فإن إدراك الحقائق المتصورة المطلقة ليس موقوفًا على الحد لو فرض أنها تعرف بالحد، بل تحصل بأسباب الإدراك المعروفة وقد تحصل من الكلام بالأسماء المفردة كما تحصل بالحد، وربما كان الاسم فيها أنفع من الحد، وهذا أيضا مقرر.

وأما القياس فلا ريب أنه يفيد التصديق إذا صحت مقدماته وتأليفها، لكن الخطأ فيه من النفي من وجهين أيضا:

أحدهما: أن حصول العلم التصديقي في النفس ليس موقوفًا على القياس، بل يحصل بغير القياس.

الثاني: أن القياس البرهاني ليست مواده منحصرة فيما ذكروه في الحسيات والوجديات والبديهيات والنظريات والمتواترات والتجريبيات والحدسيات، كما بينت هذا في غيرهذا الموضع، والله أعلم.


هامش



مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد التاسع - المنطق
سئل شيخ الإسلام عن المنطق | فصل في وصف جنس كلام المناطقة | مسألة في القياس | قال شيخ الإسلام واصفا المنطق اليوناني | الكلام في أربع مقامات مقامين سالبين ومقامين موجبين | المقام الأول | المقام الثاني | فصل في قولهم إنه لا يعلم شيء من التصديقات إلا بالقياس | تنازع العلماء في مسمى القياس | العلوم ثلاثة | تكلم ابن سينا في أشياء من الإلهيات والنبوات | الفرق بين الآيات وبين القياس | قياس الأولى | فصل في تقسيم جنس الدليل إلى القياس والاستقراء | فصل في قولهم الاستدلال لابد فيه من مقدمتين | قول المتأخرين إن تعلم المنطق فرض على الكفاية | ظن بعض الناس أن الوسط هو ما يكون متوسطا | التباس المنطق على طائفة لم يتصوروا حقائقه ولوازمه | قياس الشبه | الزعم بأن المنطق آلة قانونية | فصل في قولهم إن قياس التمثيل لا يفيد إلا الظن | قولهم إن الفراسة البدنية هي عين التمثيل | تفريقهم بين قياس الشمول وقياس التمثيل | قولهم كل ما يدل على أن ما به الاشتراك علة للحكم ظني | ما ذكروه من تضعيف قياس التمثيل | فصل في قولهم إن القياس أو البرهان يفيد العلم بالتصديقات | علم الفرائض نوعان | لفظ الدور يقال على ثلاثة أنواع | ليس تعليم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مقصورا على مجرد الخبر | اعتراض قوم من متكلمي أهل الإسلام على أوضاع المنطق | اتفاق العقلاء على أن ضرب المثل مما يعين على معرفة الكليات | من أعظم صفات العقل معرفة التماثل والاختلاف | فصل في ضبط كليات المنطق | فصل اختلاف العلماء في مسمى القياس | فصل الفساد في المنطق في البرهان وفي الحد | فصل ملخص المنطق المعرب الذي بلغته العرب عن اليونانيين | سئل عن كتب المنطق | سئل شيخ الإسلام عن العقل | تسمية أرسطو وأتباعه الرب عقلا وجوهرا | فصل اسم العقل صفة | فصل عن الروح المدبرة للبدن | فصل عن معاني الروح والنفس | النفوس ثلاثة أنواع | فصل كيفية تعلم النفس | فصل عن الجوهر | سئل الشيخ أيهما أفضل العلم أو العقل | فصل في حكمة خلق القلب