البداية والنهاية/الجزء الرابع/الحوادث المشهورة في سنة ثمان والوفيات
فكان في جمادى منها وقعة مؤتة، وفي رمضان غزوة فتح مكة، وبعدها في شوال غزوة هوازن بحنين، وبعده كان حصار الطائف.
ثم كانت عمرة الجعرانة في ذي القعدة، ثم عاد إلى المدينة في بقية السنة.
قال الواقدي: رجع رسول الله ﷺ إلى المدينة لليالي بقين من ذي الحجة في سفرته هذه.
قال الواقدي: وفي هذه السنة بعث رسول الله ﷺ عمرو بن العاص إلى جيفر، وعمرو ابني الجلندي من الأزد، وأخذت الجزية من مجوس بلدهما ومن حولها من الأعراب.
قال: وفيها تزوج رسول الله ﷺ فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابي في ذي القعدة، فاستعاذت منه عليه السلام ففارقها، وقيل بل خيرها فاختارت الدنيا ففارقها.
قال: وفي ذي الحجة منها ولد إبراهيم ابن رسول الله ﷺ من مارية القبطية، فاشتدت غيره أمهات المؤمنين منها حين رزقت ولدا ذكرا، وكانت قابلتها فيه سلمى مولاة رسول الله ﷺ.
فخرجت إلى أبي رافع فأخبرته، فذهب فبشر به رسول الله ﷺ فأعطاه مملوكا، ودفعه رسول الله ﷺ إلى أم برة بنت المنذر بن أسيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وزوجها البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول.
وكانت فيها وفاة من ذكرنا من الشهداء في هذه الوقائع، وقد قدمنا هدم خالد بن الوليد البيت الذي كانت العزى تعبد فيه بنخلة بين مكة والطائف، وذلك لخمس بقين من رمضان منها.
قال الواقدي: وفيها كان هدم سواع الذي كانت تعبده هذيل برهاط، هدمه عمرو بن العاص رضي الله عنه، ولم يجد في خزانته شيئا.
وفيها هدم مناة بالمشلل؛ وكانت الأنصار أوسها وخزرجها يعظمونه، هدمه سعد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه.
وقد ذكرنا من هذا فصلا مفيدا مبسوطا في تفسير سورة النجم عند قوله تعالى: { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } .
قلت: وقد ذكر البخاري بعد فتح مكة قصة تخريب خثعم البيت الذي كانت تعبوه، ويسمونه الكعبة اليمانية مضاهية للكعبة التي بمكة، ويسمون التي بمكة الكعبة الشامية، ولتلك - الكعبة اليمانية -.
فقال البخاري: ثنا يوسف بن موسى، ثنا أبو أسامة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير قال: قال لي رسول الله ﷺ: «ألا تريحني من ذي الخلصة؟».
فقلت: بلى. فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك للنبي ﷺ فضرب يده في صدري حتى رأيت أثر يده في صدري، وقال: «اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا».
قال: فما وقعت عن فرس بعد.
قال: وكان ذو الخلصة بيتا باليمن لخثعم وبجيلة، فيه نصب تعبد يقال له: الكعبة اليمانية.
قال: فأتاها فحرقها في النار وكسرها.
قال: فلما قدم جرير اليمن، كان بها رجل يستقسم بالأزلام، فقيل له: إن رسول رسول الله ﷺ ها هنا، فإن قدر عليك ضرب عنقك.
قال: فبينما هو يضرب بها، إذ وقف عليه جرير فقال: لتكسرنها وتشهد أن لا إله إلا الله، أو لأضربن عنقك؟ فكسرها وشهد.
ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أرطأة إلى النبي ﷺ يبشره بذلك.
قال: فلما أتى رسول الله ﷺ قال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب.
قال: فبارك رسول الله ﷺ على خيل أحمس ورجالها خمس مرات.
ورواه مسلم من طرق متعددة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله البجلي بنحوه.
تم والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات الجزء الرابع من تاريخ البداية والنهاية لابن كثير، ويتلوه الجزء الخامس، وأوله ذكر غزوة تبوك في رجب منها.