رياض الصالحين/الصفحة 252
باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان
قال اللَّه تعالى (الحجرات 12): {ولا يغتب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه! واتقوا اللَّه إن اللَّه تواب رحيم}.
وقال تعالى (الإسراء 36): {ولا تقف ما ليس لك به علم؛ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً}.
وقال تعالى (ق 18): {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.
اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه وذلك كثير في العادة والسلامة لا يعدلها شيء.
1511- وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي ﷺ قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وهذا الحديث صريح في أنه ينبغي أن لا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيراً وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة فلا يتكلم.
1512- وعن أبي موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قلت: يا رَسُول اللَّهِ أي المسلمين أفضل قال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1513- وعن سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ ﷺ: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1514- وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه سمع النبي ﷺ يقول: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ومعنى (يتبين) يتفكر أنها خير أم لا.
1515- وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي ﷺ قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان اللَّه تعالى ما يلقي لها بالاً يرفعه اللَّه بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط اللَّه تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
1516- وعن أبي عبد الرحمن بلال بن الحارث المزني رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ ﷺ قال: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان اللَّه تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب اللَّه له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط اللَّه ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب اللَّه له بها سخطه إلى يوم يلقاه) رواه مالك في الموطأ والترمذي وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ صحيح.
1517- وعن سفيان بن عبد اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قلت: يا رَسُول اللَّهِ حدثني بأمر أعتصم به، قال: (قل: ربي اللَّه، ثم استقم) قلت: يا رَسُول اللَّهِ ما أخوف ما تخاف علي فأخذ بلسان نفسه ثم قال: (هذا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ صحيح.
1518- وعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال، قال رَسُول اللَّهِ ﷺ: (لا تكثروا الكلام بغير ذكر اللَّه فإن كثرة الكلام بغير ذكر اللَّه تعالى قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من اللَّه القلب القاسي!) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
1519- وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ ﷺ: (من وقاه اللَّه شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ.
1520- وعن عقبة بن عامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قلت: يا رَسُول اللَّهِ ما النجاة قال: (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ.
1521- وعن أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي ﷺ قال: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول: اتق اللَّه فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
معنى (تكفر اللسان): أي تذل وتخضع له.
1522- وعن معاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قلت: يا رَسُول اللَّهِ أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال: (لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره اللَّه تعالى عليه: تعبد اللَّه لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال: إلا أدلك على أبواب الخير الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل من جوف الليل) ثم تلا: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {يعملون} (السجدة 16). ثم قال: (ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ) قلت: بلى يا رَسُول اللَّهِ، قال: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد) ثم قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله ) قلت: بلى يا رَسُول اللَّهِ، فأخذ بلسانه قال: (كف عليك هذا) قلت: يا رَسُول اللَّهِ وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال: (ثكلتك أمك! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ صحيح وقد سبق شرحه.
1523- وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ ﷺ قال: (أتدرون ما الغيبة ) قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: (ذكرك أخاك بما يكره) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
1524- وعن أبي بكرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ ﷺ قال في خطبته يوم النحر بمنىً في حجة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1525- وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت قلت للنبي ﷺ: حسبك من صفية كذا وكذا. قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال: (لقد قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته!) قالت: وحكيت له إنساناً فقال: (ما أحب أني حكيت إنساناً وإن لي كذا وكذا) رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ صحيح.
ومعنى (مزجته): خالطته مخالطة يتغير بها طعمه أو ريحه لشدة نتنها وقبحها، وهذا من أبلغ الزواجر عن الغيبة، قال اللَّه تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}.
1526- وعن أنس رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ ﷺ: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم!) رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ.
1527- وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ ﷺ قال: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.