تلبيس إبليس/الباب الخامس/ذكر تلبيسه على عباد الأصنام
ذكر تلبيسه على عباد الأصنام
عدلقال المصنف كل محنة لبس بها إبليس على الناس فسببها الميل إلى الحس والأعراض عن مقتضى العقل ولما كان الحس يأنس بالمثل دعا إبليس لعنه الله خلقا كثيرا إلى عبادة الصور وأبطل عند هؤلاء عمل العقل بالمرة فمنهم من حسن له أنها الآلهة وحدها ومنهم من وجد فيه قليل فطنة فعلم أنه لا يوافقه على هذا فزين له أن عبادة هذه تقرب إلى الخالق فقالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى
ذكر بداية تلبيسه على عباد الأصنام
عدلأخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ نا أبو الحسين بن عبد الجبار نا أبو جعفر بن أحمد بن السلم نا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني نا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الله الجوهري ثنا أبو علي الحسن بن عليل العنزي: ثنا أبو الحسن علي بن الصباح بن الفرات قال أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الحلبي قال أخبرني أبي قال أول ما عبدت الأصنام كان آدم عليه السلام لما مات جعله بنوشيث بن آدم في مغارة في الجبل الذي أهبط عليه آدم بأرض الهند ويقال للجبل بوذ وهو أخصب جبل في الأرض
قال هشام فأخبرني أبي عن أبي الصالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال فكان بنو شيث بن آدم ﷺ يأتون جسد آدم في المغارة فيعظمونه ويترحمون عليه فقال رجل من بني قابيل يا بني قابيل إن لبني شيث دوارا يدورون حوله ويعظمونه وليس لكم شيء فنحت لهم صنما فكان أول من عملها قال: وأخبرني أبي أنه كان ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر قوما صالحين فماتوا في شهر فجزع عليهم أقاربهم فقال رجل من بني قابيل يا قوم هل لكم أن أعمل لكم خمسة أصنام على صورهم غير أنني لا أقدر أن أجعل فيها أرواحا فقالوا نعم فنحت لهم خمسة أصنام على صورهم ونصبها لهم فكان الرجل منهم يأتي أخاه وعمه وابن عمه فيعظمه ويسعى حوله حتى ذهب ذلك القرن الأول وعملت على عهد يزد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم ثم جاء قرن آخر فعظموهم أشد تعظيم من القرن الأول
ثم جاء من بعدهم القرن الثالث فقالوا ما عظم الأولون هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم عند الله تعالى فعبدوهم وعظموا أمرهم واشتد كفرهم فبعث الله سبحانه وتعالى إليهم إدريس ﷺ فدعاهم فكذبوه فرفعه الله مكانا عليا ولم يزل أمرهم يشتد فيما قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس حتى أدرك نوح فبعثه الله نبيا وهو يومئذ ابن أربعمائة وثمانين سنة فدعاهم إلى عبادة الله تعالى مائة وعشرين سنة فعصوه وكذبوه فأمره الله تعالى أن يصنع الفلك فعملها وفرغ منها وركبها وهو ابن ستمائة سنة وغرق من غرق ومكث بعد ذلك ثلاثمائة سنة وخمسين وسنة فكان بين آدم ونوح ألفا سنة ومائتا سنة فأهبط الماء هذه الأصنام من أرض إلى أرض حتى قذفها إلى أرض جدة فلما نضبت الماء بقيت على الشط فسفت الريح عليها حتى وارتها
قال الكلبي: وكان عمرو بن لحي كاهنا وكان يكنى أبا ثمامة له رئي من الجن فقال له عجل المسير والظعن من تهامة بالسعد والسلامة ائت صفا جده تجد فيها أصناما معدة فأوردها تهامة ولا تهب ثم ادع العرب إلى عبادتها تجب فأتى نهر جدة فاستثارها ثم حملها حتى ورد بها تهامة وحضر الحج فدعا العرب إلى عبادتها قاطبة فأجابه عوف بن عذرة بن زيد اللات فدفع إليه ودا فحمله فكان بوادي القرى بدومة الجندل وسمي ابنه عبد ود فهو أول من سمي به وجعل عوف ابنه عامرا سادنا له فلم يزل بنوه يدينون به حتى جاء الله بالإسلام
قال الكلبي: حدثني مالك بن حارثة أنه رأى ودا قال وكان أبي يبعثني باللبن إليه ويقول اسق إلهك فأشربه قال ثم رأيت خالد بن الوليد بعد كسره فجعله جذاذا وكان رسول الله ﷺ بعثه من غزوة تبوك لهدمه فحالت بينه وبين هدمه بنو عبد ود وبنو عامر فقاتلهم فقتلهم وهدمه وكسره وقتل يومئذ رجلا من بني عبد ود يقال له قطن بن سريح فأقبلت أمه ( وهو مقتول ) وهي تقول:
( ألا تلك المودة لا تدوم*** ولا يبقى على الدهر النعيم )
( ولا يبقى على الحدثان عفرله أم بشاهقة رؤوم )
ثم قالت:
( يا جامعا جمع الأحشاء والكبد*** يا ليت أمك لم تولد ولم تلد )
ثم أكبت عليه فشهقت وماتت
قال الكلبي: فقلت لمالك بن حارثة صف لي ودا حتى كأني أنظر إليه قال: كان تمثال رجل أعظم ما يكون من الرجال قد دير أي نفس عليه حلتان متزر بحلة مرتد بأخرى عليه شيف قد تقلده وتنكب قوسا وبين يديه حربة فيها لواء ووفضة فيها نبل يعني جعبتها
قال: وأجابت عمرو بن لحي مضر بن نزار فدفع إلى رجل من هذيل يقال له الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر سواعا وكان بأرض يقال لها رهاط من بطن نخلة يعبده من يليه من مضر فقال رجل من العرب:
( تراهم حول قبلتهم عكوفا*** كما عكفت هذيل على سواع )
( يظل حياته صرعى لديه*** غنائم من ذخائر كل راعي )
وأجابته مذحج فدفع إلى أنعم بن عمرو المرادي يغوث وكان بأكمة باليمن تعبده مذحج ومن والاها
وأجابته همدان فدفع إلى مالك بن مرثد بن جشم يعوق وكان بقرية يقال لها جوان تعبده همدان ومن والاها من اليمن
وأجابته حمير فدفع إلى رجل من ذي رعين يقال له معدي كرب نسرا وكان بموضع من أرض سبأ يقال له بلخع تعبده خمير ومن والاها فلم يزالوا يعبدونه حتى هودهم ذو نواس ولم تزل هذه الأصنام تعبد حتى بعث الله محمدا ﷺ فأمر بهدمها
قال ابن هشام وحدثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ: رفعت لي النار فرأيت عمرو بن لحي قصيرا أحمر أزرق يجر قصبه في النار قلت من هذا قيل هذا عمرو بن لحي أول من بحر البحيرة ووصل الوصيلة وسيب السائبة وحمى الحام وغير دين إسماعيل ودعا العرب إلى عبادة الأوثان
قال هشام وحدثني أبي وغيره أن إسماعيل ﷺ لما سكن مكة وولد له فيها أولادا فكثروا حتى ملؤا مكة ونفوا من كان بها من العماليق ضاقت عليهم مكة ووقست بينهم الحروب والعداوات فأخرج بعضهم بعضا فتفسحوا في البلاد والتمسوا المعاش فكان الذي حملهم على عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم وصيانة لمكة فحيث ما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمنا منهم بها وصيانة للحرم وحبا له وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة ويحجون ويعتمرون على أثر إبراهيم وإسماعيل ثم عبدوا ما استحسنوا ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام غيره فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم واستخرجوا ما كان يعبد قوم نوح وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتمسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة والوقوف بعرفة والمزدلفة وإهداء البدن والإهلال بالحج والعمرة وكانت نزار تقول إذا ما أهلت ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك )
وكان أول من غير دين إسماعيل ونصب الأوثان وسيب السائبة ووصل الوصيلة عمرو بن ربيعة وهو لحي بن الحارثة وهو أبو خزاعة وكانت أم عمرو بن لحي فهيرة بنت عامر بن الحارث وكان الحارث هو الذي يلي أمر الكعبة فلما بلغنا عمرو بن لحي نازعه في الولاية وقاتل جرهم بن إسماعيل فظفر بهم وأجلاهم عن الكعبة ونفاهم من بلاد مكة وتولى حجابة البيت من بعدهم ثم أنه مرض مرضا شديدا فقيل له أن بالبلقاء من أرض الشام حمة إن أتيتها برئت فأتاها فاستحم بها فبرأ ووجد أهلها يعبدون الأصنام فقال ما هذه فقالوا نستسقي بها المطر ونستنصر بها على العدو فسألهم أن يعطوه منها ففعلوا فقدم بها مكة ونصبها حول الكعبة واتخذت العرب الأصنام
وكان أقدمها مناة وكان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المسلك بقديد بين مكة والمدينة وكانت العرب جميعا تعظمه والأوس والخزرج ومن نزل المدينة ومكة وما والاها ويذبحون له ويهدون له
قال هشام: وحدثنا رجل من قريش عن أبي عبيدة بن عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عامر بن يسار قال: كانت الأوس والخزرج ومن يأخذ مأخذهم من العرب من أهل يثرب وغيرها يحجون فيقفون مع الناس المواقف كلها ولا يحلقون رؤوسهم فإذا نفروا أتوه فحلقوا عنده رؤوسهم وأقاموا عنده لا يرون لحجهم تماما إلا بذلك وكانت مناة لهذيل وخزاعة فبعث رسول الله ﷺ عليا رضي الله عنه فهدمها عام الفتح
ثم اتخذت اللات بالطائف وهي أحدث من مناة وكانت صخرة مرتفعة وكانت سدنتها من ثقيف وكانوا قد بنوا عليها بناء وكانت قريش وجميع العرب تعظم وكانت العرب تسمي زيد اللات وتيم اللات وكانت في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى اليوم فلم يزالوا كذلك حتى أسلمت ثقيف فبعث رسول الله ﷺ المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار
ثم اتخذوا العزى وهي أحدث من اللات اتخذه ظالم بن أسعد وكانت بوادي نخلة الشامية فوق ذات عرق وبنوا عليها بيتا وكانوا يسمعون منه الصوت
قال هشام: وحدثني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت العزى شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة فلما افتتح رسول الله ﷺ مكة بعث خالد بن الوليد فقال ائت بطن نخلة فإنك تجد ثلاث سمرات فاعتضد الأولى فأتاها فعضدها فلما جاء إليه قال: هل رأيت شيئا؟ قال لا قال فاعضد الثانية فأتاها فعضدها ثم أتى النبي ﷺ فقال هل رأيت شيئا قال لا قال فاعضد الثالثة فأتاها فإذا هو بجنية نافشة شعرها واضعة يديها على عاتقها تصر بأنيابها وخلفها ديبة السلمي وكان سادنها فقال خالد:
( يا عز كفرانك لا سبحانك *** إني رأيت الله قد أهانك )
ثم ضربها ففلق رأسها فإذا هي حممة ثم عضد الشجرة وقتل ديبة السادن ثم أتى النبي ﷺ فأخبره فقال تلك العزى ولا عزى بعدها للعرب
قال هشام: وكان لقريش أصنام في جوف الكعبة وحولها وأعظمها عندهم هبل وكان فيما بلغني من عقيق أحمر على صورة الإنسان مكسور اليد اليمنى أدركته قريش كذلك فجعلوا له يدا من ذهب وكان أول من نصبه خذيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وكان في جوف الكعبة وكان قدامه سبعة أقداح مكتوب في أحدها صريح وفي الآخر ملصق فإذا شكو في مولود أهدوا له هدية ثم ضربوا بالقدح فإن خرج صريح ألحقوه وإن خرج ملصقا فدفعوه وكانوا إذا اختصموا في أمر أو أرادوا سفرا أو عملا أتوه فاستقسموا بالقداح عنده وهو الذي قال له أبو سفيان يوم أحد: أعل هبل أي علا دينك فقال رسول لله ﷺ لأصحابه ألا تجيبونه فقالوا وما نقول قال قولوا لله أعلى وأجل وكان لهم أساف ونائلة قال هشام فحدث الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن أساف رجل من جرهم يقال له أساف بن يعلى ونائلة بنت زيد من جرهم وكان يتعشقها في أرض اليمن فأقبلا حجاجا فدخلا البيت فوجدا غفلة من الناس وخلوة من البيت ففجر بها في البيت فمسخا فأصبحوا فوجدوهما ممسوخين فأخرجوهما فوضعوهما موضعهما فعبدتة خزاعة وقريش ومن حج البيت بعد من العرب قال هشام لما مسخا حجرين وضعا عند البيت ليتعظ الناس بهما فلما طال مكثهما وعبدت الأصنام عبدا معها وكان أحدهما ملصقا بالكعبة والآخر في موضع زمزم فنقلت قريش الذي كان ملصق بالكعبة إلى الآخر فكان ينحرون ويذبحون عندهما
وكان من تلك الأصنام ذو الخلصة وكان مروة بيضاء منقوشة عليها كهيئة التاج وكانت بتبالة بين مكة والمدينة على مسيرة سبع ليالي من مكة وكانت تعظمها وتهدي لها خثعم وبجيلة فقال رسول لله ﷺ لجرير رضي لله عنه: [ ألا تكفني ذا الخلصة فوجهه إليه فسار بأحمس فقابلته خثعم وباهلة فظفر بهم وهدم بنيان ذي الخلصة وأضرم فيه النار وذو الخلصة اليوم عتبة باب مسجد تبالة ]
و كان لدوس صنم يقال له ذو الكفين فلما أسلموا بعث رسول لله ﷺ الطفيل بن عمرو فحرقه
وكان لبني الحارث بن يشكر صنم يقال له ذو الثرى
وكان لقضاعة ولخم وجذام وعاملة وغطفان صنم في مشارف الشام يقال له الأقيصر
وكان لمزينة صنم يقال له فهم وبه كانت تسمى عبد فهم
وكانت لعنزة صنم يقال له سعير
وكانت لطيء صنم يقال له الفلس وكان لأهل كل واد من مكة صنم في دارهم يعبدونه فإذا أراد أحدهم السفر كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به وإذا قدم من السفر كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسح به ومنهم من اتخذ بيتا ومن لم يكن له صنم ولا بيت نصب حجرا مما استحس به ثم طاف به وسموها الأنصاب
وكان الرجل إذا سافر فنزل منزلا أخذ أربعة أحجار فنظر إلى أحسنها فاتخذه ربا وجعله ثالثة الأثافي لقدره فإذا ارتحل تركه فإذا نزل منزلا آخر فعل مثل ذلك ولما ظهر رسول الله ﷺ على مكة دخل المسجد والأصنام منصوبة حول الكعبة فجعل يطعن بسية قوسه في عيونها ووجوهها ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ثم أمر بها فكفئت على وجوهها ثم أخرجت من المسجد فحرقت وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: في زمان يزد برد عبدت الأصنام ورجع من رجع عن الإسلام
أخبرنا إسماعيل بن أحمد نا عمر بن عبيد الله نا أبو الحسين بن بشران نا عثمان بن أحمد الدقاق ثنا جميل ثنا حسن بن الربيع ثنا مهدي بن ميمون قال سمعت أبا رجاء العطاردي يقول: لما بعث رسول الله ﷺ فسمعنا به لحقنا بمسيلمة الكذاب ولحقنا بالنار وكنا نعبد الحجر في الجاهلية فإذا وجدنا حجرا هو أحسن منه نلقي ذاك ونأخذه وإذا لم نجد حجرا جمعنا حثية من تراب ثم جئنا بغنم فحلبناها عليه ثم طفنا به
أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد نا أحمد نا أحمد الحداد نا أبو نعيم أحمد بن عبد الله ثنا أبو حامد بن جبلة ثنا أبو عباس السراج ثنا أحمد بن الحسن بن خراش ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا عمارة المعولي قال سمعت أبا رجاء العطاردي يقول: كنا نعمد إلى الرمل فنجمعه فنحلب عليه فنعبده وكنا نعمد إلى الحجر الأبيض فنعبده زمانا ثم نلقيه أخبرنا أبو منصور القزاز نا أبو بكر بن ثابت نا عبد العزيز بن علي الوراق نا أحمد بن إبراهيم ثنا يوسف بن يعقوب النيسابوري نا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون نا الحجاج بن أبي زينب قال سمعت أبا عثمان النهدي قال: كنا في الجاهلية نعبد حجرا فسمعنا مناديا ينادي يا أهل الرحال إن ربكم قد هلك فالتمسوا لكم ربا غيره قال: فخرجنا على كل صعب وذلول فبينما نحن كذلك نطلب إذا نحن بمناد ينادي إنا قد وجدنا ربكم أو شبهه قال: فجئنا فإذا حجر فنحرنا عليه الجزر أنبأنا محمد بن أبي طاهر نا أبو إسحاق البرمكي نا أبو عمر بن حيويه نا أحمد بن معروف نا الحسين بن الفهم ثنا محمد بن سعد نا محمد بن عمرو ثني الحجاج بن صفوان عن ابن أبي حسين عن شهر حوشب عن عمرو بن عنسبة قال: كنت امرءا ممن يعبد الحجارة فينزل الحي ليس معهم آلهة فيخرج الحي منهم فيأتي بأربعة أحجار فينصب ثلاثة لقدره ويجعل أحسنها إلها يعبد ثم لعله يجد ما هو أحسن منه قبل أن يرتحل فيتركه ويأخذ غيره
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك نا أبو الحسين بن عبد الجبار نا أبو الحسن العتيقي نا عثمان بن عمرو بن الميثاب نا أبو محمد عبد الله بن سليمان الفامي ثني أبو الفضل محمد بن أبي هارون الوراق ثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي عن شيخ ساكني مكة قال: سئل سفيان بن عيينة كيف عبدت العرب الحجارة والأصنام فقال أصل عبادتهم الحجارة إنهم قالوا البيت حجر فحيث ما نصبنا حجرا فهو بمنزلة البيت وقال أبو معشر: كان كثير من أهل الهند يعتقد الربوبية ويقرون بأن لله تعالى ملائكة إلا أنهم يعتقدونه صورة كأحسن الصور وأن الملائكة أجسام حسان وأنه سبحانه وتعالى وملائكته محتجبون بالسماء فاتخذوا أصناما على صورة الله سبحانه عندهم وعلى صور الملائكة فعبدوها وقربوا لها لموضع المشابهة على زعمهم
وقيل لبعضهم: إن الملائكة والكواكب والأفلاك أقرب الأجسام إلى الخالق فعظموها وقربوا لها ثم عملوا الأصنام
وبنى جماعة من القدماء بيوتا كانت للأصنام فمنها بيت على رأس جبل بأصبهان كانت فيه أصنام أخرجها كوشتاسب لما تمجس وجعله بيت نار والبيت الثاني والثالث في أرض الهند والرابع بمدينة بلخ بناه بنو شهر فلما ظهر الإسلام خربه أهل بلخ والخامس بيت بصنعاء بناه الضحاك على اسم الزهرة فخربه عثمان بن عفان رضي الله عنه والسادس بناه قابوس الملك على اسم الشمس بمدينة فرغانة فخربه المعتصم
وذكر يحيى بن بشير بن عمير النهاوندي: أن شريعة الهند وضعها لهم رجل برهمي ووضع لهم أصناما وجعل لهم أعظم بيوتهم بيتا بالميلتان ( وهي مدينة من مداين السند ) وجعل فيه صنمهم الأعظم الذي هو كصورة الهيولي الأكبر وهذه المدينة فتحت أيام الحجاج وأرادوا قلع الصنم فقيل لهم: إن تركتموه ولم تقلعوه جعلنا لكم ثلث ما يجتمع له من مال
فأمر عبد الملك بن مروان بتركه فالهند تحج إليه من ألفي فرسخ ولا بد للحاج أن يحمل معه دراهم على قدر ما يمكنه من مائة إلى عشرة آلاف لا يكون أقل من هذا ولا أكثر ومن لم يحمل معه ذلك لم يتم حجه فيلقيه في صندوق عظيم هناك ويطوفون بالصنم فإذا ذهبوا قسم ذلك المال فثلثه للمسلمين وثلثه لعمارة المدينة وحصونها وثلثه لسدنة الصنم ومصالحه
[ قال الشيخ أبو الفرج رحمه الله ] فانظر كيف تلاعب الشيطان بهؤلاء وذهب بعقولهم فنحتوا بأيديهم ما عبدوه وما أحسن ما عاب الحق سبحانه وتعالى أصنامهم فقال: { ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها } وكانت الإشارة إلى العباد أي أنتم تمشون وتبطشون وتبصرون وتسمعون والأصنام عاجزة عن ذلك وهي جماد وهم حيوان فكيف عبد التام الناقص ولو تفكروا لعلموا أن الإله يصنع الأشياء ولا يصنع ويجمع وليس بمجموع وتقوم الأشياء به ولا يقوم بها وإنما ينبغي للإنسان أن يعبد من صنعه لا ما صنعه وما خيل إليهم أن الأصنام تشفع فخيال ليس فيه شبهة يتعلق بها