تلبيس إبليس/الباب العاشر/حكم الغناء عند الصوفية
حكم الغناء عند الصوفية
عدلوقد اعتقد قوم من الصوفية أن هذا الغناء الذي ذكرنا عن قوم تحريمه وعن آخر كراهته مستحب في حق قوم وأنبأنا عبد المنعم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري قال: حدثنا أبي قال: سمعت أبا علي الدقاق يقول: السماع حرام على العوام لبقاء نفوسهم مباح الزهاد لحصول مجاهداتهم مستحب لأصحابنا لحياة قلوبهم
قال المصنف رحمه الله: وهذا غلط من خمسة أوجه: أحدها أنا قد ذكرنا عن أبي حامد الغزالي أنه يباح سماعه لكل أحد وأبو حامد كان أعرف من هذا القائل
والثاني أن طباع النفوس لا تتغير وإنما المجاهدة تكف عملها فمن ادعى تغير الطباع ادعى المحال فإذا جاء ما يحرك الطباع واندفع الذي كان يكفها عنه عادت العادة
والثالث أن العلماء اختلفوا في تحريمه وإباحته وليس فيهم من نظر في السامع لعلمهم أن الطباع تتساوى فمن ادعى خروج طبعه عن طباع الآدميين ادعى المحال
والرابع أن الإجماع انعقد على أنه ليس بمستحب وإنما غايته الإباحة فادعاء الاستحباب خروج عن الإجماع
والخامس أنه يلزم من هذا أن يكون سماع العود مباحا أو مستحبا عند من لا يغير طبعه لأنه إنما حرم لأنه يؤثر في الطباع ويدعوها إلى الهوى فإذا أمن ذلك فينبغي أن يباح وقد ذكرنا هذا عن أبي الطيب الطبري
فصل
عدلقال المصنف رحمه الله: وقد ادعى قوم منهم أن هذا السماع قربة إلى الله تعالى قال أبو طالب المكي: حدثني بعض أشياخنا عن الجنيد أنه قال: تنزل الرحمة على هذه الطائفة في ثلاثة مواطن عند الأكل لأنهم لا يأكلون إلا عن فاقة وعند المذاكرة لأنهم يتجاوزون في مقامات الصديقين وأحوال النبيين وعند السماع لأنهم يسمعون بوجد ويشهدون حقا
قال المصنف رحمه الله: قلت وهذا إن صح عن الجنيد وأحسنا به الظن كان محمولا على ما يسمعونه من القصائد الزهدية فإنها توجب الرقة والبكاء فأما أن تنزل الرحمة عند وصف سعدى وليلى ويحمل ذلك على صفات الباري سبحانه وتعالى فلا يجوز اعتقاد هذا ولو صح أخذ الإشارة من ذلك كانت الإشارة مستغرقة في جنب غلبة الطباع ويدل على ما حملنا الأمر عليه أنه لم يكن ينشد في زمان الجنيد مثل ما ينشد اليوم إلا أن بعض المتأخرين قد حمل كلام الجنيد على كل ما يقال فحدثني أبو جعفر أحمد بن أزهر بن عبد الوهاب السباك عن شيخنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ قال: كان أبو الوفا الفيروزبادي شيخ رباط الزوزني صديقا لي فكان يقول لي: والله إني لأدعو لك وأذكرك وقت وضع المخدة والقول قال فكان الشيخ عبد الوهاب يتعجب ويقول: أترون هذا يعتقد أن ذلك وقت إجابة إن هذا لعظيم وقال ابن عقيل: قد سمعنا منهم أن الدعاء عند حدو الحادي وعند حضور المخدة مجاب وذلك أنهم يعتقدون أنه قربة يتقرب بها إلى الله تعالى قال وهذا كفر لأن من اعتقد الحرام أو المكروه قربة كان بهذا الاعتقاد كافرا قال والناس بين تحريمه وكراهيته
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز نا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني علي بن أيوب قال: أخبرنا محمد بن عمران بن موسى قال: حدثنا محمد بن أحمد الكاتب قال: حدثنا الحسين بن فهم قال: حدثني أبو همام قال: حدثني إبراهيم بن أعين قال: قال صالح المري: أبطأ الصرعى نهضة صريع هوى يدعيه إلى الله قربة وأثبت الناس قدما يوم القيامة آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه محمد ﷺ
أنبأنا أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم القشيري قال حدثنا أبي قال سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت أبا بكر النهاوندي يقول سمعت عليا السائح يقول سمعت أبا الحارث الأولاسي يقول: رأيت إبليس في المنام على بعض سطوح أولاس وأنا على سطح وعلى يمينه جماعة وعلى يساره جماعة وعليهم ثياب لطاف فقال لطائفة منهم قولوا وغنوا فاستغرقني طيبه حتى هممت أن أطرح نفسي من السطح ثم قال: ارقصوا فرقصوا أطيب ما يكون ثم قال لي: يا أبا الحارث ما أصبت منكم شيئا أدخل به عليكم إلا هذا