تلبيس إبليس/الباب العاشر/أوائل الصوفية يقرون بأن التعويل على الكتاب والسنة
أوائل الصوفية يقرون بأن التعويل على الكتاب والسنة
عدلقال المصنف: وقد كان أوائل الصوفية يقرون بأن التعويل على الكتاب والسنة وإنما لبس الشيطان عليهم لقلة علمهم وبإسناد عن جعفر الخلدي يقول: سمعت الجنيد يقول: قال أبو سليمان الداراني قال: ربما تقع في نفسي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة وبإسناد عن طيفور البسطامي يقول: سمعت موسى بن عيسى يقول: قال لي أبي قال أبو يزيد: لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود
وبإسناد عن أبي موسى يقول: سمعت أب يزيد البسطامي قال: من ترك قراءة القرآن والتقشف ولزوم الجماعة وحضور الجنائز وعيادة المرضى وادعى بهذا الشأن فهو مبتدع وبإسناد عن عبد الحميد الحبلي يقول: سمعت سريا يقول: من ادعى باطن علم ينقض ظاهر حكم فهو غالط وعن الجنيد أنه قال: مذهبنا هذا مقيد بالأصول الكتاب والسنة وقال أيضا: علمنا منوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به وقال أيضا: ما أخذنا التصوف عن القيل والقال لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات لأن التصوف من صفاء المعاملة مع الله سبحانه وتعالى وأصله التفرق عن الدنيا كما قال حارثة: عرفت نفسي في الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري
وعن أبي بكر الشفاف: من ضيع حدود الأمر والنهي في الظاهر حرم مشاهدة القلب في الباطن وقال الحسين النوري لبعض أصحابه: من رأيته يدعي مع الله تعالى حالة تخرجه عن حد علم الشرع فلا تقربنه ومن رأيته يدعي حالة لا يدل عليها دليل ولا يشهد لها حفظ ظاهر فاتهمه على دينه
وعن الجريري قال: أمرنا هذا كله مجموع على فضل واحد هو أن تلزم قلبك المراقبة ويكون العلم على ظاهرك قائما وعن أبي جعفر قال: من لم يزن أقواله وأفعاله وأحواله بالكتاب والسنة ولم يتهم خاظره فلا تعده في ديوان الرجال
فصل
عدلقال المصنف: وإذ قد ثبت هذا من أقوال شيوخهم وقعت من بعض أشياخهم غلطات لبعدهم عن العلم فإن كان ذلك صحيحا عنهم توجه الرد عليهم إذ لا محاباة في الحق وإن لم يصح عنهم حذرنا من مثل هذا القول وذلك المذهب من أي شخص صدر فأما المشبهون بالقوم وليسوا منهم فأغلاظهم كثيرة ونحن نذكر بعض ما بلغنا من أغلاط القوم والله يعلم أننا لم نقصد ببيان غلط الغالط إلا تنزيه الشريعة والغيرة عليها من الدخل وما علينا من القائل والفاعل وإنما نؤدي بذلك أمانة العلم ومازال العلماء يبين كل واحد منهم غلط صاحبه قصدا لبيان الحق لا لإظهار عيب الغالط ولا اعتبار بقول جاهل يقول: كيف يرد على فلان الزاهد المتبرك به لأن الانقياد إنما يكون إلى ما جاءت به الشريعة لا إلى الأشخاص وقد يكون الرجل من الأولياء وأهل الجنة وله غلطات فلا تمنع منزلته بيان زلله
واعلم أن من نظر إلى تعظيم شخص ولم ينظر بالدليل إلى ما صدر عنه كان كمن ينظر إلى ما جرى على يد المسيح صلوات الله عليه من الأمور الخارقة ولم ينظر إليه فادعي فيه الألوهية ولو نظر إليه وأنه لا يقوم إلا بالطعام لم يعطه إلا ما يستحقه
وقد أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي بإسناد إلى يحيى بن سعيد قال: سألت شعبة وسفيان بن سعيد وسفيان بن عيينة ومالك بن أنس عن الرجل لا يحفظ أو يتهم في الحديث فقالوا جميعا: يبين أمره وقد كان الإمام أحمد بن حنبل يمدح الرجل ويبالغ ثم يذكر غلطه في الشيء بعد الشيء وقال: نعم الرجل فلان لزلا أن خلة فيه وقال عن سري السقطي الشيخ المعروف بطيب المطعم ثم حكى له عنه أنه قال إن الله تعالى لما خلق الحروف سجدت الباء فقال: نفروا الناس عنه