تلبيس إبليس/الباب العاشر/ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في الوجد
ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في الوجد
عدلقال المصنف رحمه الله: هذه الطائفة إذا سمعت الغناء تواجدت وصفقت وصاحت ومزقت الثياب وقد لبس عليهم إبليس في ذلك وبالغ
وقد احتجوا بما أخبرنا به أبو الفتح محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا أبو علي الحسن بن محمد بن الفضل الكرماني قال أخبرنا أبو الحسن سهل بن علي الخشاب قال أخبرنا أبو نصر عبد الله بن علي السراج الطوسي قال: وقد قيل له: إنه لما نزلت: { وإن جهنم لموعدهم أجمعين } صاح سلمان الفارسي صيحة ووقع على رأسه ثم خرج هاربا ثلاثة أيام واحتجوا بما أخبرنا به عبد الوهاب بن المبارك الحافظ قال أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط قال أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست قال أخبرنا الحسين بن صفوان قال حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد القرشي قال أخبرنا علي بن الجعد قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن عيسى بن سليم عن أبي وائل قال: خرجنا مع عبد الله ينظر إلى حديدة في النار فنظر الربيع إليها فمال ليسقط ثم أن عبد الله مضى حتى أتينا على أنون على شاطئ الفرات فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية: { إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا } إلى قوله: { ثبورا كثيرا } فصعق الربيع واحتملناه إلى أهله ورابطه عبد الله حتى يصلي الظهر فلم يفق ثم رابطه إلى العصر فلم يفق ثم رابطه إلى المغرب فأفاق فرجع عبد الله إلى أهله قالوا: وقد اشتهر عن خلق كثير من العباد أنهم كانوا إذا سمعوا القرآن فمنهم من يموت ومنهم من يصعق ويغشى عليه ومنهم من يصيح وهذا كثير في كتب الزهد والجواب: أما ما ذكره سلمان فمحال وكذب ثم ليس له إسناد والآية الكريمة نزلت بمكة وسلمان إنما أسلم بالمدينة ولم ينقل عن أحد من الصحابة مثل هذا أصلا وأما حكاية الربيع بن خثيم فإن راويها عيسى بن سليم وفيه معمر
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ قال أخبرنا أبو بكر محمد المظفر الشامي قال أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي قال أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن أحمد الصيدلاني قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي قال: قال أحمد بن حنبل: عيسى بن سليم عن أبي وائل لا أعرفه
قال العقيلي: وحدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني بن آدم قال سمعت حمزة الزيات قال لسفيان أنهم يروون عن الربيع بن خثيم أنه صعق قال: ومن يروي هذا إنما كان يرويه ذاك القاص - يعني عيسى بن سليم - فلقيته فقلت: عمن تروي أنت ذا - منكرا عليه
قال المصنف رحمه الله: فهذا سفيان الثوري ينكر أن يكون الربيع بن خثيم جرى له هذا لأن الرجل كان على السمت الأول وما كان في الصحابة من يجري له مثل هذا ولا التابعين ثم نقول على تقدير الصحة إن الإنسان قد يخشى عليه من الخوف فيسكنه الخوف ويسكته فيبقى كالميت وعلامة الصادق أنه لو كان على حائط لوقع لأنه غائب
فأما من يدعي الوجد ويتحفظ من أن تزل قدمه ثم يتعدى إلى تخريق الثياب وفعل المنكرات في الشرع فإنا نعلم قطعا أن الشيطان يلعب به
وأخبرنا أبو منصور القزاز قال أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرنا محمد بن علي بن الفتح قال أخبرنا محمد بن الحسين النيسابوري قال سمعت أحمد بن محمد بن زكريا يقول سمعت أحمد بن عطاء يقول: كان للشبلي يوم الجمعة نظرة ومن بعدها صيحة فصاح يوما صيحة تشوش من حوله من الخلق وكان بجنب حلقته أبي عمران الأشيب فحرد أبو عمران وأهل حلقته
قال المصنف رحمه الله: واعلم وفقك الله أن قلوب الصحابة كانت أصفى القلوب وما كانوا يزيدون عند الوجد على البكاء والخشوع فجرى من بعض غرائبهم نحو ما أنكرناه فبالغ رسول الله ﷺ في الإنكار عليه فأخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال أنبأنا أحمد بن علي بن خلف قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ وأنبأنا ابن الحصين قال أنبأنا أبو علي بن المذهب قال أخبرنا أبو حفص بن شاهين قال حدثنا عثمان بن أحمد بن عبد الله قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي قال حدثنا عبد المتعال بن طالب قال حدثنا يوسف بن عطية عن ثابت عن أنس قال: وعظ رسول الله ﷺ يوما فإذا رجل صعق فقال النبي ﷺ: [ من ذا الملبس علينا ديننا إن كان صادقا فقد شهر نفسه وإن كان كاذبا فمحقه الله ] قال ابن شاهين: وحدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث قال حدثنا عبد الله بن يوسف الجبيري قال حدثنا روح بن عطاء بن أبي ميمون عن أبيه عن أنس بن مالك قال: ذكر عنده هؤلاء الذين يصعقون عند القراءة فقال أنس: لقد رأيتنا ووعظنا رسول الله ﷺ ذات يوم حتى سمعنا للقوم حنينا حين أخذتهم الموعظة وما سقط منهم أحد
قال المصنف رحمه الله: وهذا حديث العرياض بن سارية: وعظنا رسول الله ﷺ موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب قال أبو بكر الآجري: ولم يقل صرخنا ولا ضربنا صدورنا كما يفعل كثير من الجهال الذين يتلاعب بهم الشيطان أخبرنا عبد الله بن علي المقري قال أخبرنا أبو ياسر أحمد بن بندار بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن عمر بن بكير النجار قال أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال أخبرنا إبراهيم بن عبد الله البصري قال حدثنا أبو عمر حفص بن عبد الله الضرير قال أخبرنا خالد بن عبد الله الواسطي قال حدثنا حصين بن عبد الرحمن قال: قلت لأسماء بنت أبي بكر: كيف كان أصحاب رسول الله ﷺ وآله عند قراءة القرآن؟ قالت: كانوا كما ذكرهم الله أو كما وصفهم تعالى تدمع عيونهم وتقشعر جلودهم فقلت لها: إن ههنا رجالا إذا قرئ على أحدهم القرآن غشي عليه فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
أخبرنا محمد بن ناصر نا جعفر بن محمد السراج نا الحسن بن علي التميمي نا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا الوليد بن شجاع ثنا إسحاق الحلبي ثنا فرات عن عبد الكريم عن عكرمة قال: سألت أسماء بنت أبي بكر: هل كان أحد من السلف يغشى عليه من الخوف؟ قالت: لا ولكنهم كانوا يبكون
أخبرنا بن ناصر نا جعفر بن أحمد نا الحسن بن علي التميمي وأخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد نا حمد بن أحمد الحداد نا أبو نعيم الحافظ قالا أخبرنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد ثنا سريح بن يونس ثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن أبي حازم قال: مر ابن عمر رضي الله عنه برجل ساقط من العراق فقال: ما شأنه؟ فقالوا: إذا قرئ عليه القرآن يصيبه هذا قال: إنا لنخشى الله تعالى وما نسقط
أخبرنا سعيد بن أحمد بن البنا نا أبو سعد محمد بن علي الرستمي نا أبو الحسين بن بشران ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا سعدان بن نصر ثنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بردة عن ابن عباس أنه ذكر الخوارج وما يلقون عند تلاوة القرآن فقال: إنهم ليسوا بأشد اجتهادا من اليهود والنصارى وهم مضلون
أنبأنا ابن الحصين نا أبو علي بن المذهب نا أبو حفص بن شاهين ثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق نا إبراهيم بن فهد عن إبراهيم بن الحجاج الشامي ثنا شبيب بن مهران عن قتادة قال: قيل لأنس بن مالك: إن أناسا إذا قرئ عليهم القرآن يصعقون فقال: ذاك فعل الخوارج
أخبرنا محمد بن ناصر نا عبد الرحمن بن أبي الحسين بن يوسف نا عمر بن علي بن الفتح نا أحمد بن محمد الكاتب ثنا عبد الله بن المغيرة ثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال: بلغ عبد الله بن الزبير أن ابنه عامرا صحب قوما يتصعقون عند قراءة القرآن فقال له: يا عامر لأعرفن ما صحبت الذين يصعقون عند القرآن لأوسعك جلدا
أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد نا حمد بن أحمد الحداد نا أبو نعيم الحافظ ثنا سليمان بن أحمد ثنا محمد بن العباس ثنا الزبير بن بكارثني عبد الله بن مصعب بن ثابت عن عبد الله بن الزبير قال: ثني أبي عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: جئت إلى أبي فقال لي: أين كنت؟ فقلت: وجدت أقواما ما رأيت خيرا منهم يذكرون الله تعالى فيرعد أحدهم حتى يخشى عليه من خشية الله تعالى فقعدت معهم قال: لا تقعد معهم بعدها فرآني كأني لم يأخذ ذلك في فقال: رأيت رسول الله ﷺ يتلو القرآن ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن ولا يصيبهم هذا أفتراهم أخشع لله من أبي بكر وعمر فرأيت أن ذلك كذلك فتركتهم
أخبرنا محمد بن عبد الباقي نا حمد بن أحمد نا أبو نعيم الحافظ نا محمد بن أحمد في كتابه ثنا محمد بن أيوب ثنتا حفص بن عمر النميري ثنا حماد بن زيد ثنا عمرو بن مالك قال: بينا نحن عند أبي الجوزاء يحدثنا إذ خر رجل فاضطرب فوثب أبو الجوزاء يسعى قبله فقيل له: يا أبا الجوزاء إنه رجل به الموتة فقال: إنما كنت أراه من هؤلاء القفازين ولو كان منهم لأمرت به فأخرج من المسجد إنما ذكرهم الله تعالى فقال: { أعينهم تفيض من الدمع } أو قال: { تقشعر منه جلود }
أخبرنا أبو محمد بن علي المقري نا أحمد بن بندار بن إبراهيم نا محمد بن عمر بن بكير النجار نا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا إبراهيم بن عبد الله البصري ثنا أبو عمر حفص بن عمرو الضرير نا حماد بن زيدني عمر بن مالك البكري قال: قرأ قارئ عن أبي الجوزاء قال فصاح رجل من أخريات القوم أو قال من القوم فقام إليه أبو الجوزاء فقيل له: يا أبا الجوزاء إنه رجل به شيء فقال طبيب: إنه من هؤلاء النفارين فلو كان منهم لوضعت رجلي على عنقه
وقال ابن عمر: أخبرنا جرير بن حازم أنه شهد محمد بن سيرين وقيل له أن ههنا رجالا إذا قرئ القرآن على أحدهم غشي عليه فقال محمد بن سيرين: يقعد أحدهم على جدار ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره فإن وقع فهو صادق قال أبو عمرو: وكان محمد بن سيرين يذهب إلى أن تصنع وليس بحق من قلوبهم
أخبرنا محمد بن عبد الباقي ثنا حمد بن أحمد نا أبو نعيم الحافظ ثنا أبو محمد بن حبان ثنا محمد بن العباس ثنا زياد عن يحيى عن عمران بن عبد العزيز قال سمعت محمد بن سيرين وسئل عن من يستمع القرآن فيصعق فقال: ميعاد ما بيننا وبينهم أن يجلسوا على حائط فيقرأ عليهم القرآن من أوله إلى آخره فإن سقطوا فهم كما يقولون
أخبرنا ابن ناصر نا أبو طاهر عبد الرحمن بن أبي الحسين بن يوسف نا محمد بن علي العشاري نا محمد بن عبد الله الدقاق نا الحسين بن صفوان ثنا أبو بكر القرشي ثنا محمد بن علي عن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت أبا عصام الرمل عن رجل عن الحسن أنه وعظ يوما فتنفس رجل في مجلسه فقال الحسن: إن كان لله تعالى شهرت نفسك وإن كان لغير الله فقد هلكت
أخبرنا ابن ناصر نا جعفر بن أحمد نا الحسن بن علي نا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد ثني أبي ثنا روح ثنا السري بن يحيى ثنا عبد الكريم بن رشيد قال: كنت في حلقة الحسن فجعل رجل يبكي وارتفع صوته فقال الحسن: إن الشيطان ليبكي هذا الآن
أخبرنا محمد بن ناصر نا أبو غالب عمر بن الحسين الباقلاني نا أبو العلاء الواسطي نا محمد بن الحسين الأزدي ثنا إبراهيم بن رحمون ثنا إسحق بن إبراهيم البغدادي قال: سمعت أبا صفوان يقول: قال الفضيل بن عياض لابنه وقد سقط: يا بني إن كنت صادقا لقد فضحت نفسك وإن كنت كاذبا فقد أهلكت نفسك
أخبرنا أبو بكر بن حبيب نا أبو سعد بن أبي صادق نا ابن باكويه ثنا محمد بن أحمد النجار ثنا المرتعش قال: رأيت أبا عثمان سعيد بن عثمان الواعظ وقد تواجد إنسان بين يديه فقال له: يا بني إن كنت صادقا فقد أظهرت كل مالك وإن كنت كاذبا فقد أشركت بالله
نقد مسالك الصوفية في الوجد
عدلقال المصنف رحمه الله: فإن قال قائل إنما يفرض الكلام في الصادقين لا في أهل الرياء فما تقول فمن أدركه الوجد ولم يقدر على دفعه فالجواب إن أول الوجد انزعاج في الباطن فإن كف الإنسان نفسه كيلا يطلع على حاله يئس الشيطان منع فبعد عنه كما كان أيوب السختياني إذا تحدث فرق قلبه مسح أنفه وقال: ما أشد الزكام
وإن أهمل الإنسان ولم يبال بظهور وجده أو أحب اطلاع الناس على نفسه نفخ فيه الشيطان فانزعج على قدر نفخه كما أخبرنا هبة الله بن محمد نا الحسن بن علي نا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله ثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الخراز عن ابن أخي زينب عن امرأة عبد الله قالت: جاء عبد الله ذات يوم وعندي عجوز ترقيني من الحموة فأدخلتها تحت السرير قالت فدخل فجلس إلى جنبي فرأى في عنقي خيطا فقال: ما هذا الخيط؟ قلت: خيط رقي لي فيه فأخذه وقطعه ثم قال: إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك سمعت رسول الله ﷺ يقول: [ إن في الرقي والتمائم والتولة شركا ] قالت: فقلت له: لم تقول هذا وقد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها فكان إذا رقاها سكنت قال: إنما ذاك من عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقيتها كف عنها إنما كان يكفيك أن تولي كما قال رسول الله ﷺ: [ أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ]
قال المصنف رحمه الله: التولة - ضرب من السحر يحبب المرأة إلى زوجها أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد نا الحسن بن عبد الملك بن يوسف نا أبو محمد الخلال ثنا أبو عمر بن حياة ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا هارون بن زيد عن أبي الزرقاء ثنا أبي قال ثنا سفيان عن عكرمة بن عمار عن شعيب بن أبي السني عن أبي عيسى أو عيسى قال: ذهبت إلى عبد الله بن عمر فقال أبو السوار: يا أبا عبد الرحمن إن قوما عندنا إذا قرئ عليهم القرآن يركض أحدهم من خشية الله قال: كذبت قال: بلى ورب هذه البنية قال: ويحك إن كنت صادقا فإن الشيطان ليدخل جوف أحدهم والله ما هكذا كان أصحاب محمد ﷺ
دفع الوجد
عدلفإن قال قائل: فنفرض أن الكلام فيمن اجتهد في دفع الوجد فلم يقدر عليه وغلبه الأمر فمن أين يدخل الشيطان فالجواب إنا لا ننكر ضعف بعض الطباع عن الدفع إلا أن علامة الصادق أنه لا يقدر على أن يدفع ولا يدري ما يجري عليه فهو من جنس قوله تعالى: { وخر موسى صعقا }
وقد أخبرنا محمد بن عبد الباقي نا حمد بن أحمد نا أحمد بن عبد الله ثنا إبراهيم بن عبد الله ثنا محمد بن إسحق الثقفي ثني حاتم بن الليث الجوهري ثنا خالد بن خداش قال: قرئ على عبد الله بن وهب كتاب أهوال يوم القيامة فخر مغشيا عليه فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد ذلك بأيام
قال المصنف رحمه الله: قلت وقد مات خلق كثير من سماع الموعظة وغشي عليهم قلنا: هذا التواجد الذي يتضمن حركات المتواجدين وقوة صياحهم وتخبطهم فظاهره أنه متعمل والشيطان معين عليه
قال المصنف رحمه الله: فإن قيل فهل في حق المخلص نقص بهذه الحالة الطارئة عليه قيل: نعم من جهتين: أحدهما أنه لو قوى العلم أمسك والثاني أنه خولف به بطريق الصحابة والتابعين ويكفي هذا نقصا
أخبرنا عبد الله بن علي المقري نا هبة الله بن عبد الرزاق السني وأخبرنا سعيد بن أحمد بن البنا نا أبو سعد محمد بن علي الرستمي قالا نا أبو الحسين بن بشران نا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار ثنا سعدان بن نصر ثنا سفيان بن عيينة قال: سمعت خلف بن حوشب يقول: كان خوات يرعد عند الذكر فقال له إبراهيم: إن كنت تملكه فما أبالي أن لا أعتد بك وإن كنت لا تملكه فقد خالفت من كان قبلك وفي رواية: فقد خالفت من هو خير منك
قال المصنف رحمه الله: قلت إبراهيم هو النخعي الفقيه وكان متمسكا بالسنة شديد الاتباع للأثر وقد كان خوات من الصالحين البعداء عن التصنع وهذا خطاب إبراهيم له فميف بمن لا يخفى حاله من التصنع
إذا طرب أهل التصوف صفقوا
عدلفإذا طرب أهل التصوف لسماع الغناء صفقوا أخبرنا محمد بن عبد الباقي نا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي نا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا سليمان المغربي يقول: سمعت أبا علي بن الكاتب يقول: كان ابن بنان يتواجد وكان أبو سعيد الخراز يصفق له
قال المصنف رحمه الله: قلت والتصفيق منكر يطرب ويخرج عن الاعتدال وتتنزه عن مثله العقلاء ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من التصدية وهي التي ذمهم الله تعالى بها فقال: { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } - فالمكاء الصفير - والتصدية - التصفيق
أخبرنا عبد الوهاب الحافظ نا أبو الفضل بن حيرون نا أبو علي بن شاذان نا أحمد بن كامل ثني محمد بن سعد ثني أبي ثني عمي عن أبيه عن جده عن ابن عباس « الإمكاء » يعني التصفير « وتصدية » يقول التصفيق
قال المصنف رحمه الله: قلت وفيه أيضا تشبه بالنساء والعاقل يأنف من أن يخرج عن الوقار إلى أفعال الكفار والنسوة
إذا قوي طربهم رقصوا
عدلفإذا قوي طربهم رقصوا وقد احتج بعضهم بقوله تعالى لأيوب: { اركض برجلك } قال المصنف رحمه الله: قلت وهذا الاحتجاج بارد لأنه لو كان أمر بضرب الرجل فرحا كان لهم فيه شبهة وإنما أمر بضرب الرجل لينبع الماء قال ابن عقيل: أين الدلالة في مبتلى أمر عند كشف البلاء بأن يضرب برجله الأرض لينبع الماء إعجازا من الرقص! ولئن جاز أن يكون تحريك رجل قد أنحلها تحكم الهوام دلالة على جواز الرقص في الإسلام جاز أن يجعل قوله تعالى لموسى: { اضرب بعصاك الحجر } دلالة على ضرب الجماد بالقضبان نعوذ بالله من التلاعب بالشرع
واحتج بعض ناصريهم بأن رسول الله ﷺ قال لعلي: [ أنت مني وأنا منك - فحجل وقال لجعفر - أشبهت خلقي وخلقي - فحجل وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا - فحجل ] ومنهم من احتج بأن الحبشة زفنت والنبي ﷺ ينظر إليهم فالجواب: أما الحجل فهو نوع من المشي يفعل عند الفرح فأبن هو من الرقص وكذلك زفن الحبشة نوع من المشي بتشبيب يفعل عند اللقاء بالحرب
واحتج لهم أبو عبد الرحمن السلمي على جواز الرقص بما أخبرنا به أبو نصر محمد بن منصور الهمداني نا إسماعيل بن أحمد بن عبد الملك المؤذن نا أبو صالح أحمد بن عبد الملك وأبو سعيد محمد بن عبد العزيز وأبو محمد عبد الحميد بن عبد الرحمن قالوا ثنا أبو عبد الرحمن السلمي ثنا أبو العباس أحمد بن سعيد المعداني ثنا محمد بن سعيد المروزي ثنا عباس الرقيقي ثنا عبد الله بن عمر الوراق ثنا الحسن بن علي بن منصور ثنا أبو عتاب المصري عن إبراهيم بن محمد الشافعي أن سعيد بن المسيب مر في بعض أزقة مكة فسمع الأخضر الحداء يتغنى في دار العاص بن وائل بهذا:
( تضوع مسكا بطن نعمان أن مشتبه زينب في نسوة عطرات )
( فلما رأت ركب النميري أعرضت وهن من أن يلقينه حذرات )
قال فضرب برجله زمانا وقال: هذا مما يلذ سماعه وكانوا يروون الشعر لسعيد بن المسيب
قال المصنف: قلت هذا إسناد مقطوع مظلم لا يصح عن ابن المسيب ولا هذا شعره كان ابن المسيب أوقر من هذا وهذه الأبيات مشهورة لمحمد بن عبد الله بن نمير النميري الشاعر ولم يكن نمريا وإنما نسب إلى اسم جده وهو ثقفي وزينب التي يشبب بها هي ابنه يوسف أخت الحجاج وسأله عبد الملك بن مروان عن الركب ما كان فقال: كانت أحمرة عجافا حملت عليها قطرانا من الطائف فضحك وأمر الحجاج أن لا يؤذيه
قال المصنف رحمه الله: ثم لو قدرنا أن ابن المسيب ضرب برجله الأرض فليس في ذلك حجة على جواز الرقص فإن الإنسان قد يضرب الأرض برجله أو يدقها بيده لشيء يسمعه ولا يسمى ذلك رقصا فما أقبح هذا التعلق وأين ضرب الأرض بالقدم مرة أو مرتين من رقصهم الذي يخرجون به عن سمت العقلاء ثم دعونا من الاحتجاج تعالوا نتقاضى إلى العقول أي معنى في الرقص إلا اللعب الذي يليق بالأطفال وما الذي فيه من تحريك القلوب إلى الآخرة هذه والله مكبر باردة ولقد حدثني بعض المشايخ عن الغزالي أنه قال: الرقص حماقة بين الكتفين لا تزول إلا بالتعب وقال أبو الوفاء بن عقيل: قد نص القرآن على النهي عن الرقص فقال تعالى: { لا تمش في الأرض مرحا } وذم المختال فقال تعالى: { إن الله لا يحب كل مختال فخور } والرقص أشد المرح والبطر أو لسنا الذين قسنا النبيذ على الخمر لاتفاقهما في الإطراب والسكر فما بالنا لا نقيس القضيب وتلحين الشعر معه على الطنبور والمزمار والطبل لاجتماعهما في الإطراب وهل شيء يزري بالعقل والوقار ويخرج عن سمت الحلم والأدب أقبح من ذي لحية يرقص فكيف إذا كانت شيبة ترقص وتصفق على وقاع الألحان والقضبان خصوصا إذا كانت أصوات نسوان ومردان وهل يحسن بمن بين يديه الموت والسؤال والحشر والصراط ثم هو إلى إحدى الدارين صائران يشمس بالرقص شمس البهائم ويصفق تصفيق النسوة والله لقد رأيت مشايخ عصري ما بان لهم سن في تبسم فضلا عن ضحك مع إدمان مخالطتي لهم كالشيخ أبي القاسم بن زيدان وعبد الله بن بشران وأبي طاهر بن العلاف والجنيد والدينوري
حالات الطرب الشديدة لدى الصوفية
عدلفإذا تمكن الطرب من الصوفية في رحال رقصهم جذب أحدهم بعض الجلوس ليقوم معه ولا يجوز على مذهبهم للمجذوب أن يقعد فإذا قام قام الباقون تبعا له فإذا كشف أحدهم رأسه كشف الباقون رؤوسهم موافقة له ولا يخفى على عاقل أن كشف الرأس مستقبح وفيه إسقاط مروءة وترك أدب وإنما يقع في المناسك تعبدا لله وذلا له
فصل
عدلفإذا اشتد طربهم رموا ثيابهم على المغني فمنهم من يرمي بها صحاحا ومنهم من يخرقها ثم يرمي بها وقد احتج لهم بعض الجهال فقال هؤلاء في غيبة فلان يلامون فإن موسى عليه السلام لما غلب عليه الغم بعبادة قومه العجل رمى الألواح فكسرها ولم يدر ما صنع
والجواب: أن نقول من يصحح عن موسى بأنه رماها رمي الكاسر والذي ذكر في القرآن إلقاءها فحسب فمن أين لنا أنها تكسرت ثم لو قيل تكسرت فمن أين لنا أنه قصد كسرها ثم لو صححنا ذلك عنه قلنا: كان في غيبة حتى لو كان بين يديه حينئذ بحر من نار لخاضه ومن يصحح لهؤلاء غيبتهم وهم يعرفون المغني من غيره ويحذرون من بئر إن كانت عندهم ثم كيف يقاس أحوال الأنبياء على أحوال هؤلاء السفهاء ولقد رأيت شابا من الصوفية يمشي في الأسواق ويصيح والغلمان يمشون خلفه وهو يبربر ويخرج إلى الجمعة فيصيح صيحات وهو يصلي الجمعة فسئلت عن صلاته فقلت: إن كان وقت صياحه غائبا فقد بطل وضوءه وإن كان حاضرا فهو متصنع وكان هذا الرجل جلدا لا يعمل شيئا بل يدار له بزنبيل في كل يوم فيجمع له ما يأكل هو وأصحابه فهذه حالة المأكلين لا المتوكلين
ثم لو قدرنا أن القوم يصيخون عن غيبة فإن تعرضهم لما يغطي على العقول من سماع ما يطرب منهي عنه كالتعرض لكل ما غلبه الأذى وقد سئل ابن عقيل عن تواجدهم وتخريق ثيابهم فقال: خطأ وحرام وقد نهى رسول الله ﷺ عن إضاعة المال وعن شق الجيوب فقال له قائل: فإنهم لا يعقلون ما يفعلون قال: إن حضروا هذه الأمكنة مع علمهم أن الطرب يغلب عليهم فيزيل عقولهم أثموا بما يدخل عليهم من التخريق وغيره مما يفسد ولا يسقط عنهم خطاب الشرع لأنهم مخاطبون قبل الحضور بتجنب هذه المواضع التي تفضي إلى ذلك كما هم منهيون عن شرب المسكر فإذا سكروا وجرى منهم إفساد الأموال لم يسقط الخطاب لسكرهم كذلك هذا الطرب الذي يسميه أهل التصوف وجدا إن صدقوا فيه فسكر طبع وإن كذبوا فنبيذ ومع الصحو فلا سلامة فيه مع الحالين وتجنب مواضع الريب واجب
واحتج لهم ابن طاهر في تريفهم الثياب بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: نصبت حجلة لي فيها رقم فمدها النبي ﷺ فشقها
قال المصنف رحمه الله: فانظر إلى فقه هذا الرجل المسكين كيف يقيس حال من يمزق ثيابه فيفسدها وقد نهى رسول الله ﷺ عن إضاعة المال على مد ستر ليحط فانشق لا عن قصد أو كان عن قصد لأجل الصور التي كانت فيه:
وهذا من التشديد في حق الشارع عن المنهيات كما أمر بكسر الدنان في الخمور فإن ادعى مخرق ثيابه أنه غائب قلنا الشيطان غيبك لأنك لو كنت مع الحق لحفظك فإن الحق لا يفسد
وقد أخبرنا محمد بن أبي القاسم نا حمد بن أحمد نا أبو نعيم الحاف ثنا محمد بن علي بن حشيش ثنا عبد الله بن الصقر ثنا الصلت بن مسعود ثنا جعفر بن سليمان قال: سمعت أبا عمران الجوني يقول: وعظ موسى بن عمران عليه السلام يوما فشق رجل منهم قميصه فأوحى الله تعالى لموسى قل لصاحب القميص لا يشق قميصه أيشرح لي عن قلبه