تلبيس إبليس/الباب العاشر/نقد مسالك الصوفية في تقطيع الثياب خرقا
نقد مسالك الصوفية في تقطيع الثياب خرقا
عدلوقد تكلم مشايخ الصوفية في الخرق المرمية فقال محمد بن طاهر الدليل على أن الخرقة إذا طرحت صارت ملكا لمن طرحت بسببه حديث جرير جاء قوم مجتابي النمار فحض رسول الله ﷺ على الصدقة فجاء رجل من الأنصار بصرة فتتابع الناس حتى رأيت كومتين من ثياب وطعام قال والدليل على أن الجماعة إذا قدموا عند تفريق الخرقة أسهم لهم حديث أبي موسى قدم على رسول الله ﷺ بغنيمة وسلب فأسهم لنا
قال المصنف رحمه الله: لقد تلاعب هذا الرجل بالشريعة واستخرج بسوء فهمه ما يظنه يوافق مذهب المتأخرين من الصوفية فإذا ما عرفنا هذا في أوائلهم وبيان فساد استخراجه أن هذا الذي خرق الثوب ورمى به إن كان حاضرا فما جاز له تخريقه وإن كان غائبا فليس له تصرف جائز شرعا لا هبة ولا تمليكا وكذلك يزعمون بأن ثوبه كان كالشيء الذي يقع من الإنسان ولا يدري به فلا يجوز لأحد أن يتملكه وإن كان رماه في حال حضوره لا على أحد فلا وجه لتملكه ولو رماه على المغني لم يتملكه لأن التملك لا يكون إلا بعقد شرعي والرمي ليس بعقد: ثم نقدر أنه ملك للمغني فما وجه تصرف الباقين فيه ثم إذا انصرفوا فيه خرقوه خرقا وذلك لا يجوز لوجهين:
أحدهما أنه تصرف فيما لا يملكونه:
والثاني أنه إضاعة للمال ثم ما وجه إسهام من لم يحضر فأما حديث أبي موسى فقال العلماء منهم الخطابي يحتمل أن يكون رسول الله ﷺ أجازه عن رضى ممن شهد الواقعة أو من الخمس الذي هو حقه وعلى مذهب الصوفية تعطى هذه الخرقة لمن جاء وهذا مذهب خارج عن إجماع المسلمين وما أشبه ما وضع هؤلاء بآرائهم الفاسدة إلا بما وضعت الجاهلية من أحكام البحيرة والسائبة والوصيلة والحام قال ابن طاهر: مشايخنا على أن الخرقة المخرقة وما انبعث من الخرق الصحاح الموافقة لها أن ذلك كله يكون بحكم الجمع يفعلون فيه ما يراه المشايخ
واحتجوا بقول عمر رضي الله عنه: الغنيمة لمن شهد الواقعة وخالفهم شيخنا أبو إسماعيل الأنصاري فجعل الخرقة على ضربين ما كان مجروحا قسم على الجميع وما كان سليما دفع إلى القوال واحتج بحديث سلمة من قتل الرجل؟ قالوا: سلمة بن الأكوع قال: له سلبه أجمع فاقتل إنما وجد من جهة القوال فالسلب له
قال المصنف رحمه الله: انظروا إخواني عصمنا الله وإياكم من تلبيس إبليس إلى تلاعب هؤلاء الجهلة بالشريعة وإجماع مشايخهم الذي لا يساوي إجماعهم بعرة فإن مشايخ الفقهاء أجمعوا على أن الموهوب لمن وهب له سواء كان مخرقا أو سليما ولا يجوز لغيره التصرف فيه: ثم إن سلب القتيل كل ما عليه فما بالهم جعلوه ما رمي به ثم ينبغي أن يكون الأمر على عكس ما قاله الأنصاري لأن المجروح من الثياب ما كان بسبب الوجد فينبغي أن يكون المجروح المغني دون الصحيح وكل أقوالهم في هذا محال وهذيان
وقد حكى لي أبو عبد الله التكريتي الصوفي عن أبي الفتوح الإسفرايني وكنت أنا قد رأيته وأنا صغير السن وقد حضر في جمع كثير في رباط وهناك المخاد والقضبان ودف بجلاجل فقام يرقص حتى وقعت عمامته فبقي مكشوف الرأس قال التكريتي إنه رقص يوما في خف له ثم ذكر أن الرقص في الخف خطأ عند القوم فانفرد وخلعه ثم نزع مطرفا كان عليه فوضعه بين أيديهم كفارة لتلك الجناية فاقتسموه خرقا
قال ابن طاهر: والدليل على أن الذي يطرح الخرقة لا يجوز أن يشتريها من الجمع حديث عمر لا تعوذن في صدقتك قال المصنف: انظر إلى بعد هذا الرجل عن فهم معاني الأحاديث فإن الخرقة المطروحة باقية على ملك صاحبها فلا يحتاج إلى أن يشتريها
فصل
عدلوأما تقطيعهم الثياب المطروحة خرقا وتفريقها فقد بينا أنه إن كان صاحب الثوب رماه إلى المغني لم يملكه بنفس الرمي حتى يملكه إياه فإذا ملكه إياه فما وجه تصرف الغير فيه ولقد شهدت بعض فقهائهم يخرق الثياب ويقسمها ويقول هذه الخرق ينتفع بها وليس هذا بتفريط فقلت: وهل التفريط إلا هذا ورأيت شيخا آخر منهم يقول خرقت خرقا في بلدنا فأصاب رجل منها خريقة فعملها كفنا فباعه بخمسة دنانير فقلت له: إن الشرع لا يجيز هذه الرعونات لمثل هذه النوادر
وأعجب من هذين الرجلين أبو حامد الطوسي فإنه قال: يباح لهم تمزيق الثياب إذا خرقت قطعا مربعة تصلح لترقيع الثياب والسجادات فإن الثوب يمزق حتى يخاط منه قميص ولا يكون ذلك تضييعا ولقد عجبت من هذا الرجل كيف سلبه حب مذهب التصوف عن أصول الفقه ومذهب الشافعي فنظر إلى انتفاع خاص ثم ما معنى قوله مربعة فإن المطاولة ينتفع بها أيضا ثم لو مزق الثوب قرامل لانتفع بها ولو كسر السيف نصفين لانتفع بالنصف غير أن الشرع يتلمح الفوائد العامة ويسمى ما نقص منه للانتفاع إتلافا ولهذا ينهى عن كسر الدرهم الصحيح لأنه يذهب منه قيمة بالإضافة إلى المكسور وليس العجب من تلبيس إبليس على الجهال منهم بل على الفقهاء الذين اختاروا بدع الصوفية على حكم أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد رضوان الله عليهم أجمعين
فصل
عدلولقد أغربوا فيما ابتدعوا وأقام لهم الأعذار من إلى هواهم مال ولقد ذكر محمد بن طاهر في كتابه باب السنة في أخذ شيء من المستغفر واحتج بحديث كعب بن مالك في توبته: يجزئك الثلث ثم قال باب الدليل على أن من وجبت عليه غرامة فلم يؤدها ألزموه أكثر منها واستدل بحديث معاوية بن جعدة عن النبي ﷺ أنه قال أنه في الزكاة [ من منعها فأنا آخذها وشطر ماله ]
قال المصنف رحمه الله: قلت فانظر إلى تلاعب هؤلاء وجهل هذا المحتج لهم وتسمية ما يلزم بعضهم بما لا يلزمه غرامة وتسمية ذلك واجبا وليس لنا غرامة ولا وجوب إلا بالشرع ومتى اعتقد الإنسان ما ليس بواجب واجبا كفر ومن مذهبهم الرؤوس عند الاستغفار وهذه بدعة تسقط المروءة وتنافي الوقار ولولا ورود الشرع بكشفه في الإحرام ما كان له وجه وأما حديث كعب بن مالك فإنه قال: إن توبتي أن أنخلع من مالي فقال له رسول الله ﷺ: [ يجزئك الثلث ] لا على سبيل الإلزام له وإنما تبرع بذلك فأخذه منه وأين إلزام الشرع تارك الزكاة مما يزيد عليها عقوبة من إلزامهم المريد غرامة لا تجب عليه فإذا امتنع ضاعفوها وليس إليهم الإلزام إنما ينفرد بالإلزام الشرع وحده وهذا كله جهل وتلاعب بالشريعة فهؤلاء الخوارج عليها حقا