كتاب الأم/كتاب جراح العمد/الزحفان يلتقيان
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا التقى زحفان وأحدهما ظالم، فقتل رجل من الصف المظلوم فسأل أولياؤه العقل، أو القود قيل: ادعوه على من شئتم فإن ادعوه على واحد منهم أو نفر بأعيانهم كلفوا البينة فإن جاءوا بها فلهم القود إن كان فيه قود أو العقل إن لم يكن فيه قود، وإن لم يأتوا ببينة قيل: إن شئتم فأقسموا خمسين يمينا على رجل أو نفر بأعيانهم ولكم الدية ولا قود إن كان القتل عمدا، وإن أقسم الذين ادعيتم عليهم خمسين يمينا برئوا من الدية والقود إذا حلفوا إن امتنعتم من الإيمان وإن تحلفوهم فلا عقل ولا قود وإن قلتم قتلوه جميعا فكان يمكن لمثلهم أن يشتركوا فيه أقسمتم وإن لم يمكن ذلك وكانوا مائة ألف أو نحوها فقد قيل: إن اقتصرتم بالدعوى على من يمكن أن يكون شرك فيه وأقسمتم جعلنا ذلك لكم. وإلا لم ندعكم تقسموا على ما نعلمكم فيه كاذبين وإذا جاءوا ببينة على أن رجلا قتله لا يثبتون الرجل القاتل فليست بشهادة وقيل: أقسموا على واحد إن شئتم، ثم عليه الدية فإن أقسموا على واحد فأثبتت البينة أنه ليس به سقطت القسامة فلم يعطوا بها ولا بالبينة، وإن سألوا بعد أن يقسموا على غيره لم يكن ذلك لهم؛ لأنهم قد أبرءوا غيره بالدعوى عليه دونه، وبأن كذبوا في القسامة ولست أقتل بالقسامة بحال أبدا ولو قالوا بعد ذلك: نقسم على كلهم لم أقبل ذلك منهم؛ لأني إن أغرمت كلهم فقد علمت أني أغرمت منهم قوما برآء، وإن أردت أن أغرم بعضهم لم أعرف من أغرم فلا تكون القسامة إلا على معروف بعينه ومعروفين بأعيانهم كما لا تكون الحقوق إلا على معروف بعينه.
فإذا التقى الرجلان فأضربا بأي سلاح اضطربا فيه فيكون فيمن أصيب به القود فشهد الشهود أنهم رأوا كل واحد منهما مسرعا إلى صاحبه ولم يثبتوا أيهما بدأ فكل واحد منهما ضامن لما أصاب به صاحبه إن كان فيه عقل أو كان فيه قود ولو ادعى كل واحد منهما أن صاحبه بدأه وأنه إنما ضربه ليدفعه عن نفسه لم يقبل قوله، وعلى كل واحد منهما اليمين لصاحبه ما بدأ فإذا حلفا فكل واحد منهما ضامن لما أصاب به صاحبه فإن كان فيه عقل تقاصا وأخذ أحدهما من الآخر الفضل وإن كان فيه قصاص اقتص لكل واحد منهما من صاحبه مما فيه القصاص وإن قتل كل واحد منهما صاحبه عمدا فكل واحد منهما بصاحبه قصاص ولا تباعة لواحد منهما على الآخر ولا قود؛ لأنه لم يبق شيء يقاد منه.
[قال الشافعي]: ولو مات أحدهما وبقي الآخر وبه جراحات كانت جراحاته في مال الميت، فإن كانت دية قيل: لأهل الميت إن أردتم القود فلكم القود وعلى صاحبكم دية جراح المجروح وإن أردتم الدية فلكم الدية وللمجروح دية فإحداهما قصاص بالأخرى إن كان ضربهما عمدا كله، وإن كانت أكثر من دية رجع المجروح بالفضل عن الدية في مال الميت وإن أردتم القود فللمقاد منه ما لزم الميت من جراحة الحي ولكم القود.
[قال الشافعي]: وإذا كان القوم في الحرب فلقي رجل من المسلمين رجلا من المسلمين مقبلا من ناحية المشركين فقتله فإن قال قد عرفته مسلما قتل به وإن قال ظننته كافرا أحلف ما قتله وهو يعلمه مؤمنا، ثم فيه الدية والكفارة ولا قود فيه.
[قال الشافعي]: ولو لقيه في مصر من الأمصار بغير حرب فقال ظننته كافرا لم يعذر وقتل به وإنما يعذر في الموضع الذي الأغلب منه أنه كما قال.
[قال الشافعي]: ولو كان المسلمون في صف والمشركون بإزائهم لم يلتقوا ولم يتحاملوا فقتل رجل رجلا في صف المسلمين فقال ظننته كافرا والمقتول مؤمن أقيد منه وإن تحاملوا وكان في صف المشركين وقتله قبل قوله مع يمينه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري عن عروة: (أن اليمان أبا حذيفة جاء يوم أحد من أطم من الآطام من ناحية المشركين فظنه المسلمون مشركا فالتفوا عليه بأسيافهم حتى قتلوه وحذيفة يقول: أبي أبي ولا يسمعونه لشغل الحرب فقضى النبي ﷺ فيه بدية). وقال فيما أحسب عفاها حذيفة، وقال فيما أحسب يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فزاده عند المسلمين خيرا.
[قال الشافعي]: ولو أن رجلا من المشركين أقبل إلى ناحية المسلمين فقتله رجل من المسلمين عامدا فقال ورثة المشرك إنه كان أسلم، فإن أقاموا على ذلك بينة وإلا لم يقبل قولهم وإن أقاموا البينة فلهم العقل ولا قود إذا قال المسلم قتلته وأنا أظنه على الشرك إذا جعلت له هذا في المسلم يعرف إسلامه جعلته له فيمن لم يشهر إسلامه.
[قال الشافعي]: ولو أن رجلا من المشركين أقبل كما وصفت فقتله مسلم لم يود حتى يقيم ورثته البينة على أنه أسلم قبل أن يقتل ولو أن رجلا ضرب حربيا فأسلم الحربي فمات لم يكن فيه عقل ولا قود، ولو ضرب فأسلم، ثم ضرب فمات ففيه نصف الدية.
ولو أن رجلا ضرب حربيا فأسلم الحربي فمات لم يكن فيه عقل ولا قود، ولو ضرب فأسلم، ثم ضرب فمات ففيه نصف الدية.
ولو أن رجلا من المشركين ضرب مسلما فجرحه، ثم أسلم فقتله المسلم المضروب بعد إسلامه وعلمه به قتل به وإن قتله بعد إسلامه. وقال لم أعلم بإسلامه فعليه ديته والكفارة.