كتاب الأم/كتاب جراح العمد/ما يسقط حقوق أهل القسامة من الاختلاف وما لا يسقطها
[قال الشافعي]: وإذا اختلف الوارثان فيمن تجب عليه القسامة فكانت دعواهما معا مما يمكن أن يصدقا فيه بحال لم يسقط حقهما في القسامة وذلك مثل أن يقول: هذا قتل أبي عبد الله بن خالد ورجل لا أعرفه ويقول الآخر: قتل أبي زيد بن عامر ورجل لا أعرفه؛ لأنه قد يجوز أن يكون زيد بن عامر هو الرجل الذي عرفه الذي جهل عبد الله بن خالد وأن يكون عبد الله بن خالد هو الرجل الذي جهله الذي عرف زيد بن عامر ولو قال الذي ادعى على عبد الله قد عرفت زيدا وليس بالذي قتل مع عبد الله وقال الذي عرف زيدا قد عرفت عبد الله وليس بالذي قتل مع زيد ففيها قولان: أحدهما أن يكون لكل واحد منهما أن يقسم على الذي ادعى عليه ويأخذ منه ربع الدية ومن قال هذا قال حق كل واحد منهما غير حق صاحبه كرجلين لهما حق على رجل فأبرأه أحدهما بإكذاب البينة؛ لأنه قد يمكن في كل المدعى عليهما القتل وفي كل واحد من الوارثين وعلى كل واحد منهما الوهم أو يثبت كل واحد منهما أن مع الذي ادعى عليه قاتلا غيره وإن ادعى كل واحد منهما على غير الذي أبرأه أنه قاتل مع الذي ثبت عليه كان لكل واحد منهما أن يقسم ويأخذ منه حصته من الدية، والقول الثاني أن ليس لواحد منهما أن يقسم حتى تجتمع دعواهما على واحد فيقسمان عليه ومن قال هذا قال هذان ليسا كرجلين لهما حق على رجل فأكذب أحدهما بينته فبطل حقه وصدق الآخر بينته فأخذ حقه؛ لأن هذا الحق أخذ بغير قول المدعي وحده وأخذه بشهادة أمر المسلمين مقبول مثلها والقسامة حق أخذ بدلالة، وأيمانهما بها؛ لأنهما وارثان له ولا يأخذانه وكل واحد منهما يكذب صاحبه ومن قال هذا قال: لو أن وارثين وجبت لهما القسامة ادعى كل واحد منهما على رجل أنه قتل أباه وحده لم يكن لواحد منهما أن يقسم على واحد من الذي ادعيا عليه ولا على غيره؛ لأنه قد أبرأ غيره بدعواه عليه وحده وأنه لا يمكن فيهما أن يكونا صادقين بحال ولا يكون أحدهما قتله وحده والآخر قتله وحده وكذلك لو كان له معهما وارث ثالث فادعى على الذي ادعيا عليه وحده أو معه غيره لم يكن ذلك له ولو وجبت لهما فادعى أحدهما على واحد بعينه وقال الآخر: لا أعرفه وامتنع من القسامة كان للذي أثبت القسامة عليه أن يقسم خمسين يمينا ويأخذ حصته من الدية؛ لأن امتناع أخيه من اليمين ليس بإكذاب له فإذا لم يكن إكذابا له فله أن يحلف بكل حال، وكذلك لو ادعى وارثان أنه قتل أباهما فقال أحدهما: قتله وحده وقال الآخر: قتله وآخر معه كان للذي أفرد الدعوى عليه وحده أن يحلف ويأخذ منه ربع الدية والآخر يحلف ويأخذ ربع الدية؛ لأنهما اجتمعا على أن عليه نصف الدية وأقر أحدهما بأنها عليه كلها ولا يؤخذ في هذا القول إلا بما اجتمعا عليه ولا يكون للذي ادعى على الباقي أن يحلف؛ لأن أخاه يكذبه أن يكون قاتلا فعلى هذا، هذا الباب كله.