كتاب الأم/كتاب جراح العمد/منع الرجل نفسه وحريمه
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله ﷺ قال: (من قتل دون ماله فهو شهيد) أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن بعض أهله عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاوية أو بعض الولاة بعث إلى الوهط ليقبضه فلبس عبد الله بن عمرو السلاح وجمع من أطاعه وجلس على بابه فقيل له: أتقاتل؟ فقال وما يمنعني أن أقاتل وقد سمعت رسول الله ﷺ يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد؟).
[قال الشافعي]: فمن أريد ماله في مصرفيه غوث أو صحراء لا غوث فيها أو أريد وحريمه في واحد منهما فالاختيار له أن يكلم من يريده ويستغيث فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله وإن أبى أن يمتنع من أراد ماله أو قتله أو قتل بعض أهله أو دخولا على حريمه أو قتل الحامية حتى يدخل الحريم أو يأخذ من المال أو يريده الإرادة التي يخاف المرء أن يناله أو بعض أهله فيها بجناية فله أن يدفعه عن نفسه وعن كل ماله دفعه عن نفسه فإن لم يندفع عنه ولم يقدر على الامتناع منه إلا بضربه بيد أو عصا أو سلاح حديد أو غيره فله ضربه وليس له عمد قتله، وإذا كان له ضربه فإن أتى الضرب على نفسه فلا عقل فيه ولا قود ولا كفارة.
[قال الشافعي]: وإن ضربه ضربة أو لم يضربه حتى رجع عنه تاركا لقتاله لم يكن له أن يعود عليه بضرب.
[قال الشافعي]: وإن قاتله وهو مول مثل أن يكون يرميه أو يطعنه أو يوهقه كان له عند توهيقه إياه أو انحرافه لرميه ضربه ورميه ولم يكن له بعد تركه ذلك ضربه ولا رميه.
[قال الشافعي]: وإن أراده وهو في الطريق وبينهما نهر أو خندق أو جدار أو ما لا يصل معه إليه لم يكن له ضربه ولا يكون له ضربه حتى يكون بارزا له مريدا له. فإذا كان بارزا له مريدا له كان له ضربه حينئذ إذا لم ير أنه يدفعه عنه إلا بالضرب.
[قال الشافعي]: وإن كان له مريدا فانكسرت يد المريد أو رجله حتى يصير ممن لا يقدر عليه لم يكن له ضربه؛ لأن الإرادة لا تحل ضربه إلا بأن يكون مثله يطيق الضرب فأما إذا صار إلى حال لا يقوى على ضرب المراد فيها لم يكن للمراد ضربه.
[قال الشافعي]: وإذا كان المراد في جبل أو حصن أو خندق فأراده رجل لا يصل إليه بضرب لم يكن له ضربه فإن رماه الرجل. ومثل الرمي يصل إليه لقربه منه كان له رميه وضربه، وإن برز الرجل من الحصن حتى يصير الرجل يقدر على ضربه بحال فأراده فله ضربه في هذه الحال.
[قال الشافعي]: وسواء فيما يحل بالإرادة وأن يكون يبلغ الضرب والرمي معها ويحرم من المسلم والذمي والمعتوه والمرأة والصبي والجمل الصئول والدابة الصئولة وغيرها؛ لأنه إنما يحل ضربه لان يقتل المراد أو يجرحه فكل هؤلاء سواء فيما يحل منه بالإرادة إذا كان المريد يقدر على القتل وللمراد أن يبدر المريد بالضرب.
[قال الشافعي]: إذا أقبل الرجل بالسيف أو غيره من السلاح إلى الرجل فإنما له ضربه على ما يقع في نفسه فإن وقع في نفسه أنه يضربه وإن لم يبدأه المقبل إليه بالضرب فليضربه. وإن لم يقع في نفسه ذلك لم يكن له ضربه وكان له القود فيما نال منه بالضرب أو الأرش؛ وإذا أبحت للرجل دم رجل أو ضربه فمات مما أبحت له فلا عقل ولا قود ولا كفارة، وإذا قلت ليس له رميه ولا ضربه فعليه القود والعقل والكفارة فيما نال منه.
[قال الشافعي]: رحمه الله: ولو عرض له فضربه وله الضرب ضربه، ثم ولى أو جرح فسقط ثم عاد فضربه أخرى فمات منهما ضمن نصف الدية في ماله والكفارة؛ لأنه مات من ضرب مباح وضرب ممنوع.
[قال الشافعي]: ولو ضربه مقبلا فقطع يده اليمنى، ثم ضربه موليا فقطع يده اليسرى، ثم برأ منهما فله القود في اليسرى واليمنى هدر ولو مات منهما فأراد ورثته الدية فلهم نصف الدية.
[قال الشافعي]: ولو أقبل بعد التولية فقطع رجله، ثم مات ضمن ثلث الدية؛ لأنه مات من جراحة متقدمة مباحة. وثانية غير مباحة وثالثة مباحة فلما تفرق حكم جنايته فرقت بينه وجعلته كجناية ثلاثة، ولو جرحه أولا وهو مباح جراحات، ثم ولى فجرحه جراحات كانت جنايتين مات منهما فسواء قليل الجراح في الحال الواحدة وكثيرها فعليه نصف الدية. فإن عاد فأقبل فجرحه جراحة قليلة أو كثيرة فمات فعليه ثلث الدية كما قلت أولا.
[قال الشافعي]: رحمه الله: وما أصاب المريد لنفس الرجل أو ماله أو حريمه من الرجل في إقباله أو ناله به في توليته عنه سواء؛ لأنه ظالم لذلك كله فعليه القود فيما فيه القود والعقل فيما فيه العقل من ذلك كله. فإن كان المريد معتوها أو ممن لا قود عليه فلا قود عليه وفيما أصاب العقل وإن كان المريد بهيمة في نهار فلا شيء على مالكها كانت مما يصول ويعقر أو مما لا يصول ولا يعقر بحال إذا لم يكن معها قائد أو سائق أو راكب.