كتاب الأم/كتاب جراح العمد/ولاة القصاص
[قال الشافعي]: رحمه الله قال الله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل}.
[قال الشافعي]: فكان معلوما عند أهل العلم ممن خوطب بهذه الآية أن ولي المقتول من جعل الله تعالى له ميراثا منه وقال رسول الله ﷺ: (من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا فالقود وإن أحبوا فالعقل) ولم يختلف المسلمون فيما علمته في أن العقل موروث كما يورث المال، وإذا كان هكذا فكل وارث ولي الدم كما كان لكل وارث ما جعل الله له من ميراث الميت زوجة كانت له أو ابنة أو أما أو ولدا أو والدا لا يخرج أحد منهم من ولاية الدم إذا كان لهم أن يكونوا بالدم مالا كما لا يخرجون من سواه من ماله.
[قال الشافعي]: فإذا قتل رجل رجلا فلا سبيل إلى القصاص إلا بأن يجمع جميع ورثة الميت من كانوا وحيث كانوا على القصاص فإذا فعلوا فلهم القصاص وإذا كان على الميت دين ولا مال له أو كانت له وصايا كان للورثة القتل وإن كره أهل الدين والوصايا؛ لأنهم ليسوا من أوليائه وأن الورثة إن شاءوا ملكوا المال بسببه وإن شاءوا ملكوا القود، وكذلك إن شاءوا عفوا على غير مال ولا قود؛ لأن المال لا يملك بالعمد إلا بمشيئة الورثة أو بمشيئة المجني عليه إن كان حيا وإذا كان في ورثة المقتول صغار أو غيب لم يكن إلى القصاص سبيل حتى يحضر الغيب ويبلغ الصغار فإذا اجتمعوا على القصاص فذلك لهم وإذا كان في الورثة معتوه فلا سبيل إلى القصاص حتى يفيق أو يموت فتقوم ورثته مقامه وأي الورثة كان بالغا فعفا بمال أو بلا مال سقط القصاص وكان لمن بقي من الورثة حصته من الدية، وإذا سقط القصاص صارت لهم الدية.
[قال الشافعي]: وإذا كان للدم وليان فحكم لهما بالقصاص أو لم يحكم حتى قال أحدهما: قد عفوت القتل لله أو قد عفوت عنه أو قد تركت الاقتصاص منه أو قال القاتل: اعف عني فقال قد عفوت عنك فقد بطل القصاص عنه وهو على حقه من الدية وإن أحب أن يأخذه به أخذه؛ لأن عفوه عن القصاص غير عفوه عن المال إنما هو عفو أحد الأمرين دون الآخر قال الله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} يعني من عفي له عن القصاص.
[قال الشافعي]: ولو قال قد عفوت عنك القصاص والدية لم يكن له قصاص ولم يكن له نصيب من الدية ولو قال قد عفوت ما لزمك لي لم يكن هذا عفوا للدية وكان عفوا للقصاص وإنما كان عفوا للقصاص دون المال ولم يكن عفوا للمال دون القصاص ولا لهما؛ لأن الله عز وجل حكم بالقصاص، ثم قال: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف} فاعلم أن العفو مطلقا إنما هو ترك القصاص؛ لأنه أعظم الأمرين وحكم بأن يتبع بالمعروف يؤدي إليه المعفو له بإحسان وقوله ما يلزمك لي على القصاص اللازم كان له وهو محكوم عليه إذا عفي له عن القصاص بأن يؤدي إليه الدية حتى يعفوها صاحبها ولو قال قد عفوت عنك الدية لم يكن هذا عفوا له عن القصاص؛ لأنه ما كان مقيما على القصاص فالقصاص له دون الدية وهو لا يأخذ القصاص والدية، وكذلك لو قال قد عفوت عن الدية، ثم مات القاتل فإن له أخذ الدية؛ لأنه عفا عنها وليست له إنما تكون له بعد عفوه عن القصاص، وإن عفا الولي عن الدية والقصاص وعليه دين جاز عفوه، ولو عفاهما في مرضه الذي مات فيه كان عفوه جائزا وكان عفوه حصته من الدية وصية.
[قال الشافعي]: ولو كان للمقتول وليان فعفا أحدهما القصاص لم يكن للباقي إلا الدية، وإن كان محجورا فعفاها فعفوه باطل وليس لوليه إلا أخذها من القاتل، ولو عفاها وليه كان عفوه باطلا، وكذلك لو صالح وليه منها على شيء ليس بنظر له لم يجز له من ذلك إلا ما يجوز له من البيع والشراء عليه على وجه النظر.
[قال الشافعي]: وإذا عفا المحجور عن القصاص جاز عفوه عنه وكانت له ولورثته معه الدية؛ لأن في عفوه عن القصاص زيادة في ماله وعفوه المال نقص فلا يجوز عفوه المال.
[قال الشافعي]: ومن جاز له عفو ماله سوى الدية جاز ذلك له في الدية ومن لم يجز عفو ماله سوى الدية لم يجز له عفو الدية.
[قال الشافعي]: ولو قال أحد الورثة قد عفوت عن القاتل أو قد عفوت حقي عن القاتل ثم مات قبل أن يبين كان لورثته أخذ حقه من الدية ولم يكن لهم القصاص فإن ادعى القاتل أنه قد عفا الدية والقود فعليه البينة وإن أراد إحلاف الورثة ما يعلمونه عفاهما أحلفوهم وأخذوا بحقهم من الدية.
[قال الشافعي]: ولو كان العافي حيا فادعى عليه القاتل أنه قد عفا عنه الدم والمال أحلف له كما يحلف في دعواه عليه فيما سوى ذلك.
[قال الشافعي]: وكل جناية على أحد فيها القصاص دون النفس كالنفس، للمجني عليه القصاص إذا أراد أو أخذ المال أو العفو بلا مال فإن مات من غير الجراح قبل أن يقتص أو يعفو فوليه يقوم في الاقتصاص والعفو مقامه والقول فيه كالقول في النفس لا يختلفان.