مجموع الفتاوى/المجلد الثاني/الرد على من قال إن الحلاج من أولياء الله
الرد على من قال إن الحلاج من أولياء الله
عدلوأما قول القائل: إن الحلاج من أولياء الله، فالمتكلم بهذا جاهل قطعا، متكلم بما لا يعلم، لو لم يظهر من الحلاج أقوال أهل الإلحاد، فإن ولي الله من مات على ولاية الله، يحبه ويرضي عنه، والشهادة بهذا لغير من شهد له النبي ﷺ بالجنة، لا تجوز عند كثير من العلماء أو أكثرهم.
وذهبت طائفة من السلف كابن الحنفية، وعلي بن المديني: إلى أنه لا يشهد بذلك لغير النبي ﷺ. وقال بعضهم: بل من استفاض في المسلمين الثناء عليه شهد له بذلك؛ لأن النبي ﷺ مرَّ عليه بجنازة فأثنوا خيرًا، فقال: (وجبت وجبت)، ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرًا فقال: (وجبت وجبت). قال: (هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرًا فقلت: وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرًا فقلت: وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في الأرض).
فإذا جوز أن يشهد لبعض الناس أنه ولي الله في الباطن، إما بنص وإما بشهادة الأمة فالحلاج ليس من هؤلاء، فجمهور الأمة يطعن عليه ويجعله من أهل الإلحاد إن قدر على أنه يطلع على بعض الناس أنه ولي الله، ونحو ذلك مما يختص به بعض أهل الصلاح.
فهذا الذي أثنى على الحلاج ووافقه على اعتقاده ضال من وجوه:
أحدها: أنه لا يعرف فيمن قتل بسيف الشرع على الزندقة أنه قتل ظلمًا وكان وليا لله، فقد قتل الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وغيلان القدري، ومحمد بن سعيد المصلوب، وبشار بن برد الأعمى، والسهروردي، وأمثال هؤلاء كثير، ولم يقل أهل العلم والدين في هؤلاء أنهم قتلوا ظلمًا، وأنهم كانوا من أولياء الله، فما بال الحلاج تفرد عن هؤلاء.
وأما الأنبياء فقتلهم الكفار، وكذلك الصحابة الذين استشهدوا قتلهم الكفار، وعثمان، وعلى، والحسين ونحوهم قتلهم الخوارج البغاة، لم يقتلوا بحكم الشرع على مذاهب فقهاء أئمة الدين، كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم. فإن الأئمة متفقون على تحريم دماء هؤلاء، وهم متفقون على دم الحلاج وأمثاله.
الوجه الثاني: أن الاطلاع على أولياء الله لا يكون إلا ممن يعرف طريق الولاية، وهو الإيمان والتقوى.
ومن أعظم الإيمان والتقوى أن يجتنب مقالة أهل الإلحاد كأهل الحلول والاتحاد فمن وافق الحلاج على مثل هذه المقالة، لم يكن عارفًا بالإيمان والتقوى، فلا يكون عارفًا بطريق أولياء الله، فلا يجوز أن يميز بين أولياء الله وغيرهم.
الثالث: أن هذا القائل قد أخبر أنه يوافقه على مقالته، فيكون من جنسه، فشهادته له بالولاية شهادة لنفسه، كشهادة اليهود والنصارى والرافضة لأنفسهم على أنهم على الحق، وشهادة المرء لنفسه فيما لا يعلم فيه كذبه ولا صدقه مردودة، فكيف يكون لنفسه ولطائفته الذين ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أنهم أهل ضلال؟
الرابع: أن يقال: أما كون الحلاج عند الموت تاب فيما بينه وبين الله أو لم يتب، فهذا غيب يعلمه الله منه، وأما كونه إنما كان يتكلم بهذا عند الاصطلام فليس كذلك، بل كان يصنف الكتب ويقوله وهو حاضر ويقظان.
وقد تقدم أن غيبة العقل تكون عذرًا في رفع القلم، وكذلك الشبهة التي ترفع معها قيام الحجة، قد تكون عذرًا في الظاهر.
فهذا لو فرض، لم يجز أن يقال: قتل ظلما، ولا يقال: إنه موافق له على اعتقاده، ولا يشهد بما لا يعلم، فكيف إذا كان الأمر بخلاف ذلك وغاية المسلم المؤمن إذا عذر الحلاج أن يدعى فيه الاصطلام والشبهة. وأما أن يوافقه على ما قتل عليه فهذا حال أهل الزندقة والإلحاد، وكذلك من لم يجوز قتل مثله فهو مارق من دين الإسلام.
ونحن إنما علىنا أن نعرف التوحيد الذي أمرنا به، ونعرف طريق الله الذي أمرنا به، وقد علمنا بكليهما أن ما قاله الحلاج باطل، وأنه يجب قتل مثله، وأما نفس الشخص المعين، هل كان في الباطن له أمر يغفر الله له به من توبة أو غيرها؟ فهذا أمر إلى الله، ولا حاجة لأحد إلى العلم بحقيقة ذلك، والله أعلم.
هامش
عدل