مجموع الفتاوى/المجلد الثاني/فصل: مذهب هؤلاء الاتحادية مركب من ثلاث مواد
فصل: مذهب هؤلاء الاتحادية مركب من ثلاث مواد
مذهب هؤلاء الاتحادية كابن عربي، وابن سبعين، والقونوي، والتلمساني مركب من ثلاثة مواد:
سلب الجهمية وتعطيلهم.
ومجملات الصوفية: وهو ما يوجد في كلام بعضهم من الكلمات المجملة المتشابهة، كما ضلت النصارى بمثل ذلك فيما يروونه عن المسيح، فيتبعون المتشابه، ويتركون المحكم، وأيضا كلمات المغلوبين على عقلهم الذين تكلموا في حال سكر.
ومن الزندقة الفلسفية التي هي أصل التجهم، وكلامهم في الوجود المطلق، والعقول، والنفوس، والوحي والنبوة، والوجوب والإمكان، وما في ذلك من حق وباطل.
فهذه المادة أغلب على ابن سبعين والقونوي، والثانية أغلب على ابن عربي؛ ولهذا هو أقربهم إلى الإسلام، والكل مشتركون في التجهم، والتلمساني أعظمهم تحقيقًا لهذه الزندقة والاتحاد التي انفردوا بها، وأكفرهم بالله، وكتبه، ورسله وشرائعه، واليوم الآخر.
وبيان ذلك أنه قال: هو فيَّ كان متجل بوحدته الذاتية، عالما بنفسه وبما يصدر عنه، وأن المعلومات بأسرها كانت منكشفة في حقيقة العلم شاهدا لها.
فيقال له: قد أثبت علمه بما يصدر منه، وبمعلومات يشهدها غير نفسه، ثم ذكرت أنه عرض نفسه على هذه الحقائق الكونية المشهودة المعدومة، فعند ذلك عبر [ بأنا] وظهرت حقيقة النبوة، التي ظهر فيها الحق واضحا، وانعكس فيها الوجود المطلق، وأنه هو المسمى باسم الرحمن، كما أن الأول هو المسمي باسم الله.
وسقت الكلام إلى أن قلت: وهو الآن على ما عليه كان، فهذا الذي علم أنه يصدر عنه وكان مشهودا له معدوما في نفسه هو الحق أو غيره؟ فإن كان الحق فقد لزم أن يكون الرب كان معدوما، وأن يكون صادرا عن نفسه، ثم إنه تناقض. وإن كان غيره، فقد جعلت ذلك الغير هو مرآة لانعكاس الوجود المطلق، وهو الرحمن، فيكون الخلق هو الرحمن.
فأنت حائر بين أن تجعله قد علم معدوما صدر عنه، فيكون له غير وليس هو الرحمن، وبين أن تجعل هذا الظاهر والواصف هو إياه وهو الرحمن، فلا يكون معدوما ولا صادرا عنه، وإما أن تصف الشيء بخصائص الحق الخالق تارة وبخصائص العبد المخلوق تارة، فهذا مع تناقضه كفر من أغلظ الكفر، وهو نظير قول النصارى: اللاهوت الناسوت، لكن هذا أكفر من وجوه متعددة.
هامش