مجموع الفتاوى/المجلد الثاني/فصل: فهذان المعنيان صحيحان ثابتان
فصل: فهذان المعنيان صحيحان ثابتان
عدلفهذان المعنيان صحيحان ثابتان، بل هما حقيقة الدين واليقين والإيمان.
أما الأول وهو كون الله في قلبه بالمعرفة والمحبة: فهذا فرض على كل أحد ولا بد لكل مؤمن منه، فإن أدى واجبه فهو مقتصد، وإن ترك بعض واجبه فهو ظالم لنفسه، وإن تركه كله فهو كافر بربه.
وأما الثاني وهو موافقة ربه فيما يحبه ويكرهه، ويرضاه ويسخطه: فهذا على الإطلاق إنما هو للسابقين المقربين، الذين تقربوا إلى الله بالنوافل، التي يحبها ولم يفرضها، بعد الفرائض التي يحبها ويفرضها ويعذب تاركها.
ولهذا كان هؤلاء لما أتوا بمحبوب الحق من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة المنتظمة للمعارف والأحوال والأعمال، أحبهم الله تعالى. فقال: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه). فعلوا محبوبه فأحبهم، فإن الجزاء من جنس العمل، مناسب له مناسبة المعلول لعلته.
ولا يتوهم أن المراد بذلك: أن يأتي العبد بعين كل حركة يحبها الله، فإن هذا ممتنع. وإنما المقصود أن يأتي بما يقدر عليه من الأعمال الباطنة والظاهرة، والباطنة يمكنه أن يأتي منها بأكثر مما يأتي به من الظاهرة، كما قال بعض السلف: قوة المؤمن في قلبه، وضعفه في جسمه، وقوة المنافق في جسمه، وضعفه في قلبه؛ ولهذا قال ﷺ: (المرء مع من أحب)، وقال: (إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، حبسهم العذر)، وقال: (فهما في الأجر سواء) في حديث القادر على الإنفاق والعاجز عنه، الذي قال: (لو أن لي مثل ما لفلان لعملت فيه مثل ما عمل) فإنهما لما استويا في عمل القلب وكان أحدهما معذور الجسم استويا في الجزاء، كما قال النبي ﷺ: (إذا مرض العبد أو سافر، كتب له من العمل مثل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم).
هامش
عدل