الإعلام بما في دين النصارى/الباب الثالث/الفصل الثالث

​الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن دين الإسلام وإثبات نبوة نبينا محمد  المؤلف القرطبي
الفصل الثالث: المسيح عيسى ابن مريم


الفصل الثالث: المسيح عيسى ابن مريم عدل

من حكاية كلامه أيضا عدل

قال: وأنا أثبت لك أن المسيح قد جاء من كلام الأنبياء قال النبي هوشع بن بئيرى عليه السلام هكذا بكلام عبراني كي يا ميم ربيم يا شابوا بأنا إسرائل أن ملخ وإن صار تفسيره إن أياما كثيرة يقيموا بنى إسرائيل دون ملك ودون مقدم فإذا سئل اليهودي الجاحد إن كان لهم ملك أو مقدم فلا يكون جوابه إلا أن يقول ليس عندنا ملك ولا مقدم فيقال لهم إذ ليس عندكم ملك ولا مقدم فاسمع ما قال يعقوب الذي كان له اثنى عشر ولدا الذي منهم يوسف الصديق رضي الله عنهم أجمعين إلى يوم الدين قال الفاضل يعقوب بكلام عبراني لو يا صور شابات مى يهودا ومحو كيك مبين رعلاف عاد كى يا بوشيلو ولوا اقاهث عميم وهذا تفسيره لا ينتقض الملك من يهودا وراسم من بين رجليه حتى يأتى المسيح وله تطوع الأمم

فيقال لهم إذ ليس لكم ملك ولا مقدم فقد جاء المسيح كقول يعقوب النبي إذ ليس لهم ملك

وقال أرمياء النبي عليه السلام في الطائفة الكافرة به بكلام عبراني هكذا أم يا عمود موشا وشموال لقاناى أن نقسى الها عم

هذا شلاح معال فاناى ويا ساوها ياكى يمروا أناه ناسا وامرتا لاهيم هي لما باث لما باث امى تشانى أمى لا راعاب لا راعاب وخلاقى جاماتي بام

اسمع كلام الله على لسان أرمياء النبي تفسيره إن وقف إلى موسى وشموال لا نرضى عن هذه الأمة أرميهم من قدامى يخرجوا فإن قالوا أين يخرجوا فتقل لهم من الموت إلى الموت ومن الغنى إلى الغنى ومن الجوع إلى الجوع ويكمل غضبي فيهم

فيهم في غضب الله بكفرهم بالمسيح الذي قد جاء

ثم قال الله تعالى على لسان يعقوب النبي الفاضل بلسان سرياني هكذا ألا يا عصا عاث غلطان مد أفاث يهودا وصفوا متانا بانوهي عاض على ما عاث ذا ياتا ماشيحا داث لاه ملخوثا ولاه اشتماعون عاما مايا وهذا تفسيره كما قاله الله على لسان نبيه يعقوب لا ينتقض قضيب الملك من يهودا وراسم من أبنائه حتى أن يأتي ما شيحا الذي هو المسيح الذي له الملك وله تطوع الأمم

وقال الله تعالى على لسان أرمياء النبي في إنقطاع ملكهم بكلام عبراني هكذا فأضاع أدوناى ياحور أف كل مكان إن إسرائيل وهذا تفسيره قطع الله بشدة غضبه جميع دولة إسرائيل فافهم فقد جاء المسيح وانقطع ملكهم

وقد قال الله على لسان أرمياء النبي في إثبات شريعة المسيح وإيمان الحواريين قائلا بلسان عبراني هنا يا ميم بايم نوم يهوه واخارتى ات بت إسرائيل وايت بت يهودا بريت حارشاه لو اخبريت اشير بريت ات ابو ثام بيوم هو تزيكى بيرم لهو عاييم مى ارس مصريم امير همه هفرو ات بريت وانبى بعلتى بم نام يهوه تفسيره يقول الله وأثبت لبيت إسرائيل ويهودا عهدا جديدا ليس كالعهد الذي قلت لآبائهم في اليوم الذي أخرجتهم من أرض مصر من بيت العبودية

فبين الله بهذا الكلام إيمان الحواريين والتابعين لهم كما قال الله في موضع آخر على لسان أرمياء النبي بلسان عبراني عن إيمان الحواريين قال شوبوا بانيم شوبابيم نوم ادوناى كى انوخى با علتى باخيم وإلا كحتى اتخيم أحاد معير وشنايم مشتبان وهاباتى أتخيم سيون

تفسيره ارجعوا يا أولاد اللجاجة فإني سدت عليكم وآخذكم واحدا من مدينة واثنين من عشيرة وأدخلكم إلى صهيون وكذلك آخذ الحواريين واحدا من مدينة وإثنان من عشيرة ثم قال لضيق الآية وناتى لا خيم روعيم كلبى تفسيره ونعطيكم رعاة كقلبي

ثم قال وأراع أتخيم رعاه واهسكال تفسيره ويرعوكم بالمعرفة والفهم وكذلك جعل من الحواريين أئمة ورعاة يعلموا الناس المعرفة والفهم ثم قال لضيق الآية في ألا يعمل بالعهد البالي واها ياكى تربوا افريتم بأريش بالبوميم هاهما نوم ادوناى لو يمروا غر دارون بريث ادوناى ولو يا عالا على لاب ولديز كا وابوا ولوا يفقوا ذوا ولو ياعا ساعود تفسيره ويكون إذا كثرتم وتنمو في الأرض في تلك الأيام يقول الله لا تقولوا أبدا بتابوت عهد الله ولا يصعد على قلب ولا يذكر به ولا يعتقده ولا يعمل به أبدا

فاعلم أنه أمن الحواريين والتابعين لهم من الأمم

ثم قال سليمان الفاضل لم أتعلم علما وعرفت معرفة المقدسين

فافهم أيها الإنسان ما هي معرفة المقدسين الذي لا يمكن لأحد أن يكون مقدسا إلا أن عرفها وآمن بها

وفي حقيقة الإيمان قال من صعد إلى السماء وهبط من قبض الأرواح في كفيه من جمع الماء في ثوب ثم قال بكلام عبراني مى هاكيم كل افس أريس ماشموا وماشم بنوا

فافهم فسره وكن عاقلا مدبرا ترشد

قال سليمان مى هاكيم كل افس أريس ماشموا وما شم بنوا تفسيره من أقام جميع أقطار الأرض ما اسمه واسم ابنه ثم قال لضيق الآية بالعبراني كل أمراث ألواه صروفا ماغين هو لات سيم بو تفسيره جميع كلام الله ترس منير هو لجميع الواثقين به فافهم

ثم قال الله على لسان أرمياء النبي بكلام عبراني هنا ياميم بايم نوم أدوناى واكراتى ات بت إسرائيل وات بت يهودا بريت هارشاه زيرع آدام وزيرع مهيما تفسيره هذا يوم يأتى

يقول الله ونزرع في بيت إسرائيل وبيت يهوذا نسل آدمى ونسل بهيمي

فكان النسل الآدمي الحواريون المؤمنون بالمسيح عند إقباله والتابعين لهم وكان النسل البهيمي اليهود الجاحدين للمسيح وكذلك الحواري يوحنا الذي اسمه جوانش قال من لم يؤمن ولم يتمادى في تعليم المسيح فلا إله له فأفهم ترشد

اعلم أني كتبت لك بالعبراني والسرياني من شهادات الأنبياء عن الله من الكتب التي بأيديهم وأن اليهود لا يقدرون على إنكار حرف منها إذا احتج معهم بها بالعبراني والسرياني كما نطقت به الأنبياء رضي الله عنهم في إثبات إقبال المسيح وإيمان الحواريين والتابعين لهم وفي إطراح اليهود الملاعين الجاحدين للمسيح سيدنا فأفهم

الجواب عما ذكر عدل

يا هذا المخدوع ظننت السراب ماء والأرض سماء فاستسمنت ذا ورم ونفخت في غير ضرم اعلم يا هذا أنه لا يقبل منك في هذا المقام الاستدلال بالظنون والأوهام إذ المطلوب فيه تحصيل العلم القطعي واليقين البرهاني فلا يحصل لك شيء من ذلك حتى تعلم صحة ما استدللت به هنالك ولا تعلم صحة شيء مما ادعيته دليلا قاطعا مفيدا للعلم إلا بعد معرفتك أن هذه الكتب التي استدللت بها أهي من عند الله وأنها بلغتك عن الله على ألسنة الصادقين ولا يتوصل إلى معرفة شيء من ذلك إلا بعد معرفتك بالنبوات وحقيقتها ودلائل صحتها العقلية

ولا تتوصل إلى ذلك حتى تعلم حدوث العالم وأنه موجود بعد عدم وتعلم أن له محدثا وأن محدثه موجود حي عالم قادر مريد موصوف بصفات الكمال حتى يصح منه إرسال الرسل وتأييدهم بالأدلة وكل ذلك إنما يعرف بأدلة قطعية ولا يصح أن تعرف بأدلة سمعية

فإن السمع لا يثبت إلا بعد ثبوت هذه الأصول فإذا وصلت إلى هذا المحل وسلمت من التعثر بأذيان الزلل

وكم دونها من مهمه ومفازة... وكم أرض جدب دونها ولصوص

فحينئذ بجب عليك أن تنظر فيما ألقى الصادقون إليك فإن كنت ممن تسمع منهم كلامهم وتشافه بنفسك خطابهم فقد سقطت عنك معرفة طرق النقل وشروط التحمل والحمل ولزمتك معرفة اللغة التي يتكلم بها الصادقون فتعرف مقاطع الكلمات وكيفية النطق من إختلاف بسكون أو حركات وتعرف فرق ما بين الحقيقة والمجاز والنص والظاهر والمجمل والمؤول والعام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ إلى أمور كثيرة تعرف في علم الأصول وإن كنت ممن لم يسمع من الصادقين فلا بد لك من أن تنظر في الذي بلغك ذلك الدليل على يديه إن كان يجوز عادة عليه الغلط والسهو أو لا فإن كان ممن يجوز عليه الغلط والسهو عادة فلا يلتفت إلى خبره في هذا المقام وهذا النوع هو الذي يسمى عندنا أخبار الآحاد ولها محل تقبل فيه بعد مراعاة شروط ويعرف كل ذلك في موضعه

وأما مثل هذا الذي تصديت له فلا يتوصل إليه بهذا الطرق فإن المطلوب هنا حصول العلم ولا يحصل العلم بقول من يتجوز الخطأ والسهو عليه في خبره وإن كان مما لا يجوز عليه شيء مما ذكرناه عادة فهو الذي يحصل العلم بقوله وهو العدد الكثير الذين تحيل العادة عليهم الكذب وهذا الخبر هو الذي يسمى المتواتر والتواتر له شروط وأحكام تعرف في موضعه

فإذا تقررت هذه المقدمة فأنا أسألك سؤال منصف لا مصنف وأقسم عليك بدينك قسم متلطف لا متعجرف هل توفرت لديك هذه الشروط أم هل أكثرها عندك مطرح مسقوط فإن أنصفت وإعترفت علمت أنك على العلم بها ما حصلت فينبغي لك أن تطلب حصول العلم من بابه وأن تجتهد في تحصيل أسبابه وإن إدعيت علم ذلك علم أنك مغالط معاند جائر عن الحق وحائد

وكفى بكلامك في كتابك هذا على كذبك شاهد ثم على قرب تفتضح إذا خرست عن جواب ما عنه سئلت تعجل بالجواب ولا تتأن في الكتاب وإن أبيت إلا تماديا في غيك وإستمرار على جهلك وبغيك

أريناك اختلال هذه الشروط عندكم عيانا وأقمنا على فساد كتبك حجة وبرهانا

وذلك أنا نقول إن من أعظم كتبكم التي ترجعون إليها وتعولون في أحكامكم عليها التوراة والإنجيل وكفى بهما شرفا وشهرة أنهما عندكم كلام الملك الجليل وأنتم تدعون أنكم تناقلتموهما جيلا بعد جيل وأنا أبين إن شاء الله أن نقلهما إنما كان بطريق الآحاد وأن الغلط والسهو يجوز على ناقليهما وسآتي منهما ببطلان المراد

أذكر إن شاء الله بعض ما وقع فيهما من التناقض والتحريف والقلب والتصحيف وأنبه على قبيح ما تنسبونه فيهما إلى الله من القول السفساف السخيف وما تنتقصون به الأنبياء أولى الفضل والتشريف بحول الله تعالى وحسن عونه

وأبدأ بالتوراة لكونها مقدمة في الرتبة والزمان ومعترفا بها عند أولى الأديان وبالله المستعان

الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن دين الإسلام وإثبات نبوة نبينا محمد
مقدمة | صدر الكتاب | الباب الأول: في بيان مذاهبهم في الأقانيم وإبطال قولهم فيها | الفصل الثاني: أقانيم القدرة والعلم والحياة | الفصل الثالث: تعليل التثليث | الفصل الرابع: دليل التثليث | الفصل الخامس: في بيان اختلافهم في الأقانيم | الباب الثاني: في بيان مذاهبهم في الاتحاد والحلول وإبطال قولهم فيها | الفصل الثاني: معنى الاتحاد | الفصل الثالث: الواسطة بين الله وبين موسى | الفصل الرابع: تجسد الواسطة | الفصل الخامس: في حكاية كلام المتقدمين | الفصل السادس: في حكاية مذهب أغشتين إذ هو زعيم القسيسين | الباب الثالث: في النبوات وذكر كلامهم | الفصل الأول: احتجاج أصحاب الملل | الفصل الثاني: المسيح المنتظر | الفصل الثالث: المسيح عيسى ابن مريم | فصل: في بيان بعض ما طرأ في التوراة من الخلل وأنها لم تنقل نقلا متواترا فتسلم لأجله من الخطأ والزلل | فصل في بيان أن الإنجيل ليس بمتواتر وبيان بعض ما وقع فيه من الخلل | الفصل السابع: هاجر أم إسماعيل الذبيح | القسم الثاني: في النبوات وإثبات نبوة محمد | القسم الثاني: في إثبات نبوة نبينا محمد | النوع الأول من الأدلة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم: إخبار الأنبياء به قبله | النوع الثاني: الاستدلال على نبوته بقرائن أحواله | خاتمة جامعة في صفاته وشواهد صدقه وعلاماته | النوع الثالث: الاستدلال على نبوته صلى الله عليه وسلم بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد | الوجه الأول من وجوه إعجاز القرآن | الوجه الثاني | الوجه الثالث | الوجه الرابع | النوع الرابع | الفصل الثالث عشر في ما ظهر على أصحابه والتابعين لهم من الكرامات الخارقة للعادات | الباب الرابع: في بيان أن النصارى متحكمون في أديانهم وأنهم لا مستند لهم في أحكامهم إلا محض أغراضهم وأهوائهم | الفصل الأول: ليست النصارى على شيء | الفصل الثاني: خروج النصارى على تعاليم التوراة والإنجيل | الفن الأول: شعائر الدين النصراني وطقوسه | مسألة في المعمودية | مسألة في غفران الأساقفة والقسيسين ذنوب المذنبين واختراعهم الكفارة للعاصين | مسألة في الصلوبية وقولهم فيها | مسألة في تركهم الختان | مسألة في أعيادهم المصانة | مسألة في قربانهم | مسألة في تقديسهم دورهم وبيوتهم بالملح | مسألة في تصليبهم على وجوههم في صلاتهم | مسألة في قولهم في النعيم والعذاب الأخراوين | الفن الثاني: محاسن دين الإسلام