الإعلام بما في دين النصارى/الباب الرابع/مسألة في أعيادهم المصانة
مسألة في أعيادهم المصانة
قال حفص: أما بعد فإن الذي أردت علمه من الأعياد السبعة التي أمر القانون بصيانتها فهي معروفة فأول يوم منها إذ بشر جبريل الملك مريم بإيلاد المسيح واليوم الثاني إذ ولد المسيح والثالث إذ ختن إلى ثمانية أيام والرابع إذ ظهر للهجين وأهدوا إليه ذهبا ولوبانا ومرا وهو يوم النجم والخامس يوم الفصح إذ قام عن القبر والسادس إذ تخطفته السحابة ورقى إلى السماء بمحضر الحواريين والسابع إذا نزل روح القدس على الحواريين وتكلموا بجميع الألسن
وأما غيرها من الأيام التي استشهد فيها الشهداء ويصونها الناس ويتصدقون فيها على المساكين والضعفاء فواجب على كل ذي عقل أن يصونها إما في مدينة وإما في قرية
فنقول له ولهم هذه الأيام المصانة عندكم هل صيانتها واجب عندكم بالشرع أو ليس واجبا بالشرع فإن قالوا ليس بواجب بالشرع قلنا لهم فلأي معنى تعملونها وتلتزمون صيانتها حتى أن من كان في قرية أو في موطن لا ينبغي له أن يرتحل عنه حتى يتمها فقد التزمتم ما ليس بلازم وأوجبتم ما ليس بواجب فإن قالوا هي واجبة بالشرع قلنا لهم بأي شرع وجبت بشرع موسى أو شرع عيسى فإن قالوا بشرع موسى كذبوا وقلنا لهم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ولا شك في أنهم لا يجدون شيئا منها في التوراة ولا في الإنجيل وغايتهم أن يقولوا ما قال عالمهم حفص هذه أيام شريع لأنها اتفق فيها أمور شريفة من أحوال المسيح
فنقول لهم هب أنه اتفق ما تقولون فمن أخبركم من الأنبياء أنه إذا اتفق أمر من تلك الأمور فافعلوا كذا واصنعوا ذلك اليوم عيدا وفي أي كتاب من كتبكم وجدتموه ولا شك في أنهم لا يجدون شيئا مما ادعوه فلم يبق لهم إلا محض التحكم ثم يلزمهم على مساق هذا أن يبحثوا عن أيام عيسى وعن عددها ويتخذوا تلك الأيام أعيادا فإن أيامه كلها ومحاضرة كانت شريفة إذ كانت أيامه لا تخلو عن كرامة يكرمه الله بها وعن بركة من بركاته وعن معجزة من معجزاته فلأي معنى خصصتم تلك الأيام لولا محض الهوى والتحكم الباطل ثم نقول لهم هل كان عيسى يعلم فضيلة تلك الأيام أو لا يعلم فإن كان يعلمها فلأي معنى لم يفعل فيها ما تفعلون أو لأي معنى لم يبين شرعه فيها لو كان له فيها شرع وإن لم يعلم فضيلتها فكيف لم يعلم هو ما علمتم أنتم ثم كيف يجهل شيئا علمتموه أنتم وهو عندكم قد اتحد به علم الله
فحصل من هذا أنها ليست فاضلة ولا لله فيها حكم إذ لو كانت فاضلة لله فيها حكم لعلمها ولو علمها لبينها فلما لم يعلم ولم يبين علم أنه ليس لله فيها شيء مما اخترعتمون لكنكم تحكمتم بإختراع ما جهلتم وشرعتم ما لم يشرع لكم نبيكم فإن قالوا هذه أيام اتخذناها لفعل الخير نتصدق فيها على مساكيننا ونطعم فيها جياعنا وهذه أفعال خير وبهذه جاءت الشرائع كلها
قلنا لهم لا ننكر أن الشرائع جاءت بإعانة المساكين لكن لم خصصتم لها أياما بالتحكم ثم أوجبتم صيانة تلك الأيام أو لأي شيء لم تقولوا أنه ينبغي إطعام المساكين أبدا وسد خلاتهم متى ظهرت ولم تحتاجوا إلى وضع أحكام بالتوهم ولو كنتم موفقين لسلكتم مسلك اتباع المسيح تفعلون ما فعل وتتركون ما ترك ولو فعلتم ذلك لكان موافقا لتعظيمه
ولو فرضنا عبدين أمرهما سيدهما بالإقتداء به وبإتباع سنته فأخذ الواحد منهما يقفو أثر سيده في أفعاله فلا يزيد فيها ولا ينقص منها بل هو مواظب عليها غير خارج عنها ولا زائد فيها وهو مع ذلك معتقد لتعظيمه محب له وأخذ الآخر يزيد تارة في حكم وينقص تارة من حكم وهو مع ذلك معظم لسيده فلو فرضنا أن السيد قال للأول ما صنعت فيما أمرتك فقال له لم أزد على ما رأيتك تفعل ولا نقصت لأني خفتك وأيضا فإني أحبك وأعظمك فأحببتك وأحببت فعلك الذي رأيتك تفعله فلا شك أن العقلاء يستحسنون هذا الفعل ويرون أن هذا العبد في أعلى درجات العقل والطاعة لسيده والمحبة له والتعظيم وإن مثل هذا ينبغي للسيد أن يعتقه ويثبه
وأما الثاني فإذا قال له سيده ما فعلت فيما أمرتك فيقول فعلت ما رأيتك تفعل وما أمرتني به إلا أني زدت أفعالا لم تأمرني بها ونقصت أيضا فإني تركت أفعالا رأيتك تفعلها فيقول له لأي شيء زدت ما لم آمرك به ونقصت مما رأيتني فعلت فلا يصح له أن يقول لأني عظمتك وأحببتك فإن هذا لا يناسب تعظيمه ولا محبته بل يناسب بغضه وإهانته فلا شك أن العقلاء يحكمون أن مثل هذا العبد لم يطع سيده في جميع ما أمره به وأنه كاذب في تعظيمه ومحبته وأنه مستوجب لنكال سيده
وهذا المثال الأخير هو مثالكم مع المسيح فإنكم تدعون تعظيمه وتخالفونه في أفعاله وتزيدون عليه في أحكامه فأنتم مستحقون لتوبيخه وعقاب مرسله ومتجمعكم مع من شرع لكم هذه الأحكام نار حامية تسمى الهاوية