الإعلام بما في دين النصارى/الباب الثالث/الفصل الخامس
فصل في بيان أن الإنجيل ليس بمتواتر وبيان بعض ما وقع فيه من الخلل
فنقول وبالله التوفيق: إن هذا الكتاب الذي بيد النصارى اليوم الذي يسمونه بالإنجيل ليس هو الإنجيل الذي قال الله فيه على لسان رسوله ﷺ وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس
وإنما قلنا هذا في الإنجيل دون التوراة لأن التوراة قد ثبت عندنا وعندهم أن الله تعالى كتبها في الألواح لموسى عليه السلام وتدعى اليهود أن موسى عليه السلام نسخ لهم التوراة من تلك الألواح فحصل من هذا أن التوارة بلغت بجملتها عن موسى عليه السلام ثم أنه حدث فيها من التغيير بعده ما قدمنا ذكره
وأما هذا الكتاب الذي يدعى النصارى أنه الإنجيل فقد توافق هؤلاء النصارى على أنه إنما تلقى عن إثنين من الحواريين وهما متاؤوش ويوحنا وعن اثنين من تلاميذ الحواريين وهما ماركش ولوقا وأن عيسى عليه السلام لم يشافههم بكتاب مكتوب عن الله كما فعل موسى ولكن لما رفع الله عيسى عليه السلام إليه تفرق الحواريون في البلاد والأقاليم كما أمرهم عيسى فكان منهم من كتب بعض سيرة عيسى وبعض معجزاته وبعض أحواله حسب ما تذكر وما يسر الله عليه فيه فربما توارد الأربعة على شيء واحد فحدثوا به وربما انفرد بعضهم بزيادة معنى وكذلك كثيرا ما يوجد بينهم من اختلاف مساق وتناقض بين قولين وزيادة ونقصان وسترى بعض ذلك إن شاء الله تعالى فعلى هذا لايسمى الإنجيل كتاب الله المنزل حقيقة فإن حقيقة الكتاب المنزل بحكم العرف إنما هو عبارة عن جملة من كلام الله المبلغة على لسان رسول من رسله يحكيها ذلك الرسول عن الله تعالى
وليس شيء من هذا موجودا في الإنجيل في فإن سماه مسم كتابا منزلا ولم يرد هذا المعنى فلا بد من أن نسأله عن المعنى الذي يريده بذلك الإطلاق فلا شك أنه يقول إنما سميته كتابا منزلا لأن عيسى جاء من عند الله وبلغنا شرع الله وفي ذلك الكتاب وصف سيرته وحكايات وأخبار عن الله فكيف لا يقال عليه هو كتاب الله ومنزل من الله فنقول له نسميه هذا كتاب الله بالمجاز أو بالحقيقة فإن قال بالحقيقة فكلامه باطل فإن حقيقة كتاب الله المنزل هو ما قدمناه وإن قال بالمجاز قنعنا بهذا ثم ألزمناه عليه أن يكون كل كتاب يحكى عن نبي من أنبياء الله فإن ألفه أي مؤلف كان كتاب الله ولا فرق
وإذا انتهينا إلى هذا فقد حصل غرضنا وهو أن هذا الإنجيل الذي بأيديهم ليس منزلا ولا يقال عليه كتاب الله المنزل كما يقال على التوراة والإنجيل والقرآن وذلك ما كنا نبغي
فقد حصل من هذا الكلام أنه ليس منزلا من الله حقيقة وأن نقله ليس متواترا فإنه راجع إلى الأربعة الذين ذكرناهم والعادة تجوز عليهم الغلط والسهو والكذب فإن قالوا هم معصومون فيما نقلوه عن عيسى عليه السلام قلنا ما دليل عصمتهم فإن قالوا دليل عصمتهم أنهم كانوا أنبياء ودليل نبوتهم ما ظهر على أيديهم من خوارق العادات وشهادة عيسى عليه السلام لهم حيث قال لهم كل ما سألتموه إذا حسن إيمانكم ستجابون وقال لهم ستوقفون على الملوك ويسألونكم فلا تفكروا فيما تقولون فإنكم ستهدون ذلك الوقت لما تقولونه ولستم تنطقون أنتم لكن روح القدس ينطق على ألسنتكم وقد جاء عن عيسى عليه السلام أنه دعا الإثني عشر حواريا وأعطاهم من القدرة والسلطان ما يتقون به جميع الجن ويبرءون به الأسقام وكذلك قال لبطرس ما عقدته أنت في الأرض فمعقود في السماء وما حللته في الأرض فمحلول في السماء وأما خوارق العادات فقد كانوا يحيون الموتى ويبرءون المرضى كما كان يفعله عيسى عليه السلام وذلك معروف من حالهم
قلنا ما ذكرتموه عن عيسى عليه السلام من الشهادة فلا يصح لكم الاستدلال بشيء مما ذكرتموه لوجوه
أحدها أنكم أسندتم ذلك إلى الإنجيل واستدللتم على صدقهم بما جاء عنهم فيه وما جاء عنهم فيه لا يثبت حتى تثبت عصمتهم فلا يثبت بما ذكرتموه لا الإنجيل ولا عصمتهم
الوجه الثاني أنا لو سلمنا ذلك لكم لما كان فيما ذكرتموه حجة لأنه ليس شيء منها ينص على أنهم معصومون فيما أخبروا به على الإطلاق وغاية ما ذكرتموه أن يدل على أنهم يعانون ويؤيدون مما يبلغون عن عيسى في بعض الأوقات أو في بعض الأخبار والأحوال
والوجه الثالث أن ما ذكروه معارض بما نقلوه أيضا وذلك أنهم نقلوا في الإنجيل أنه قال للحواريين يا نسل التشكيك والكفر إلى متى أكون معكم وإلى متى أحتملكم وأما ما قال لبطرس فهو أيضا معارض بما حكيتم عنه أنه قال له تأخر يا شيطان فإنك جاهل بمرضات الله
وأما ما ادعوه من معجزاتهم فلم ينقل منها شيء على التواتر وإنما هي أخبار آحاد غير صحيحة ولو سلمنا أنها صحت لما دلت على صدقهم في كل الأحوال وعلى أنهم أنبياء فإن القوم لم يدعوا النبوة لأنفسهم وإنما ادعوا التبليغ عن عيسى عليه السلام فظهر من هذا البحث أن الإنجيل المدعى لم ينقل تواترا ولم يقم دليل على عصمة ناقليه فإذن يجوز الغلط والسهو على ناقليه فلا يحصل العلم بشيء منه بل ولا غلبة الظن فلا يلتفت إليه ولا يعول في الاحتجاج عليهم
وهذا كاف في رده وبيان قبول تحريفه وعدم الثقة بمضمنه ولكنا مع ذلك نعمد منه إلى مواضع يتبين فيها تهافت نقلته ووقوع الغلط في نقله بحول الله تعالى
فأول ذلك أنهم ذكروا في أول ورقة من إنجيل يوحنا حيث ذكر المسيح فقال ولد المسيح الذي هو بادئ الأشياء وعلتها الأولى علة جميع الأشياء وكل زمان ورأس كل نظام وأولية جميع المراتب ثم قال بعد ذلك في معرض مدحه المكلوم في لحمه المعلق في الخشبة
كيف يجترئ عاقل أن يتحدث بمثل هذا العار أو كيف تصح نسبة هذا التناقض البين إلى أحد من الأخيار
وذكروا فيه أيضا أن عيسى عليه السلام قال أنا الباب فمن دخل علي يسلم ويجد مرعى أيدا ثم عرض بمن قبله من الأنبياء فجعلهم لصوصا وسراقا فقال آمين آمين أقول لكم إني باب الضأن والقادمون عليكم كانوا لصوصا وسراقا ولا يقبل اللص إلا ليسرق شيئا ويقتل وأنا قدمت لتحيوا وتزدادوا خيرا
وفي الإنجيل أيضا أنه قال إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي غير مقبولة ولكن غيري يشهد ثم في موضع آخر من الإنجيل أنه قال إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق لأني أعلم من حيث جئت وإلى أين أذهب
فكيف تكون شهادته حقا وباطلا ومقبولة وغير مقبولة وكيف يجمع بين هذين في كتاب ينسب إلى الله
وفي الإنجيل أيضا أنه حين استشعر بوثوب يهوذا عليه قال قد جزعت نفسي الآن فماذا أقول يا أبتاه فسلمني في هذا الوقت وأنه حين رفع في الخشبة صاح صياحا عظيما وقال آلى آلى لم عد بتاى وترجمته إلهي إلهي لم أسلمتني
ثم في أول ورقة منه إنما أسلم نفسه لتظهر قدرته بسلطانه على الموت وظفرته على جميع الآلام والمهن التي تستقبحها أوهام الآدميين
فكيف يصيح ويجزع مما تظهر به قدرته وقهرته وهل سمع قط أسخف من هذا القول أو أظهر تناقضا منه
ثم في موضع آخر منه أنه قال قبل ذلك من أحب أن يقفوا أثري فليذهب نفسه فحرض على إتلاف النفوس فكيف يجزع مما يحرض عليه قبل أم كيف يكون إلها أم كيف يكون ابن الله ثم يدعوه أن يخلصه في ذلك الوقت فلم يستجب له
ومن أظهر دليل على وقوع الغلط فيه أن في إنجيل متاؤوش الحواري حين ذكر نسب عيسى عليه السلام حيث نزل خطيب مريم أبا لعيسى فقال ابن يوسف بن يعقوب بن مثان بن أليعازر بن أليود ابن أخيم وعد إلى إبراهيم الخليل تسعة وثلاثين أبا ثم في إنجيل لوقا يقول يوسف بن هالى بن متثات بن لاوى بن ملكي بن ينا وعد إلى إبراهيم نيفا وخمسين أبا
فياليت شعرى كيف يجوز مثل هذا على الله أو كيف ينقل هذا في كتاب معلوم عن الله وقد أراد بعض أساقفتهم أن يرقع هذا الخرق المتسع بأن قال أحد النسبين طبيعي نسب التوليد والآخر نسب شرعي نسب الولاء والكفالة والتناقض باق عليه بعد اختراع هذا الهذيان
ثم انظر هذه الشناعة التي ارتكبوها حيث نسبوا عيسى عليه السلام إلى رجل زعموا أنه خطب أمه مريم وأي نسبة تثبت بينهما بأن أراد أن يتزوج إنسان أمه ثم إنهم يبلغون نسب يوسف إلى آدم ثم يقولون إلى الله
فهلا عليهم يستغنون عن ذكر نسب من لا ينتسب في عيسى ويقولون في عيسى ما يقولون آدم لولا الجهل والتحكم وفي الانجيل عنه أنه كان يوما قد نهاهم عن التجارة في بيت المقدس وأن اليهود قالت له حينئذ أي علامة تظهر لنا قال تهدمون هذا البيت وأبنيه لكم في ثلاثة أيام فقالت اليهود بيت بنى في ستة وأربعين سنة تبنيه أنت في ثلاثة أيام
ثم في موضع آخر منه أنه لما ظفرت به اليهود بظنكم وحمل إلى بلاط قيصر واستوعيت عليه بينة أن شاهدي زور جاءا إليه وقالا سمعنا هذا يقول أنا قادر على بنيان البيت في ثلاثة
وهذه شهادة موافقة لما قال عيسى لليهود فهذا الشاهد قال عليه الحق لما يقتضيه كلامه ومن شهد بما سمع كيف يقال عليه شاهد الزور أو كيف يسميه الله شاهد زور ومن أعجب الأشياء أن اليهود لا تعرف شيئا من هذا ولا سمعت أن أسلافها جرى بينهم وبين عيسى هذا المجلس ولا سوى ذلك مما تصفون من خرافات كتبكم
وفي الإنجيل أيضا للوقا أن عيسى قال لرجلين من تلاميذه اذهبا إلى الحصن الذي يقابلكما فإذا دخلتماه فستجدان فلوا مربوطا لم يركبه أحد فحلاه واقبلا به إلى وفي الإنجيل لمتاؤوش يصف هذا الخبر بعينه ويذكر أنها كانت حمارة فحسبك بهذا خللا وتناقضا
وفي الإنجيل أيضا للوقا يخبر عن المرأة التي صبت الطيب على رجلي المسيح وشق ذلك على التلاميذ وقالوا لها هلا تصدقت به وفي الإنجيل لمتاؤوش أنها إنما صبت الطيب على رأس المسيح فما أبعد اليقين عن خبر فيه مثل هذا الإختلاف المبين
وفي الإنجيل أيضا أن أم ابني زبدى جاءت إلى عيسى ومعها ابناها فقال ما تريدين فقال أريد أن تجلس ولداي أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك إذا جلست في ملكك فقال تجهلين السؤال أيصبران على الكأس التي أشرب بها فقالا نصبر فقال ستشربان بكأسي وليس إلى تجليسكما عن يميني ولا عن شمالي إلا لمن وهب ذلك
فقد أخبر هنا أنه لا يقدر على تجليسهما عن يمينه ولا عن شماله
وفي أول ورقة منه أنه بادئ الأشياء وعلتها وعلة كل زمان فكيف يصح أن يكون بادئ الأشياء كلها وعلتها ولا يقدر أن يجلسهما عن يمينه ولا عن يساره ثم يتبرأ عن ذلك بقوله إلا لمن وهب ذلك لي ولا مزيد في التناقض الفساد على هذا
وفي الإنجيل أيضا أنه قال لا تحسبوا أني قدمت لأصلح بين أهل الأرض لم آت لصلاحهم لكن لألقى المحاربة بينهم إنما قدمت لأفرق بين المرء وابنه والمرأة وإبنتها حتى يصيروا أعداء المرء أهل بيته
وفيه أيضا عنه إنما قدمت لتحيوا وتزدادوا خيرا وأصلح بين الناس وأنه قال من لطم خدك اليمنى فانصب اليسرى ولا مزيد في التناقض والفساد على هذا
وفي الإنجيل أيضا أنه قال لم آت لأنقض شريعة من قبلي إنما جئت لأتمم وكلاما من معناه ثم فيه بعد أحرف قليلة كلام آخر ينقض فيه شريعة من قبله وذلك أنه قال إنما علمتم أنه قيل للقدماء لا تقتلوا ومن قتل فقد استوجب النفى من الجماعة ثم قال بعد ذلك أما علمتم أنه قيل للقدماء من فارق إمرأته فليكتب لها كتاب طلاق وأنا أقول لكم من فارق إمرأته منكم فقد جعل لها سبيلا إلى الزنى ومن زوج مطلقة فهو فاسق ثم قال أما بلغكم أنه قيل للقدماء العين بالعين والسن بالسن وأنا أقول لكم لا تكافئوا أحدا بسيئة ولكن من لطم خدك اليمنى فانصب له اليسرى ومن أراد مغالبتك وإنتزاعك قميصك فزده أيضا رداءك
كيف يصح أن يقول لم آت لأنقض شريعة من قبلي ثم ينقضها حكما حكما ثم قوله جئت متمما لا يصح أيضا فإن شريعة موسى كانت تامة كاملة والتام لا يتمم والكامل لا يكمل فهذا تناقض وفساد
وعيسى عليه السلام منزه مبرأ عن كل تناقض وفساد وليس هذا ولا شيء منه من قبله بل هو منزه عن ذلك كله
وفي الإنجيل أيضا لمتاؤوش أن المسيح قال لبطرس طوبى لك يا شمعون بن الحمامة وأنا أقول أنك الحجر وعلى هذا الحجر أبتنى بيتي فكل ما حللته على الأرض يكون محلولا في السماء وما عقدته على الأرض يكون معقودا في السماء ثم بعد أحرف يسيرة قال بعينه اذهب يا شيطان ولا تعارض فإنك جاهل بكوني
فكيف يكون شيطان جاهل يطيعه صاحب السماء وهذا غاية التناقض
وفي الإنجيل أيضا لمتاؤوش أن عيسى قال لم تلد النساء مثل يحيى ثم في إنجيل يوحنا أن يحيى بعثت إليه اليهود من يكشف لهم أمره فسألوه من هو أهو المسيح قال لا قالوا أتراك الياس قال لا قالوا أنت نبي قال لا قالوا أخبرنا من أنت قال أنا صوت مناد في المفاز
فنفى عن نفسه كونه نبيا ولا يجوز لنبي أن ينكر نبوته فإنه يكون كاذبا والنبي الصادق لا يكذب
فيلزمهم أحد أمرين إما أن يكون يحيى ليس بنبي وهو باطل أو يكن إنجيلهم محرفا وهو حق
ولو تتبع ما فيه من هذا القبيل لاحتاج ذلك إلى التكثير والتطويل وبموضع واحد من هذه المواضع يحصل أن كتابهم قابل للتحريف والتغيير فكيف بالتزيد والتكثير
فقد حصل من هذا البحث الصحيح:
أن التوراة والإنجيل لا تحصل الثقة بهما فلا يصح الاستدلال بهما لكونهما غير متواترين وقابلين للتغيير
وقد دللنا على بعض ما وقع فيهما من ذلك وإذا جاز مثل ذلك في هذين الكتابين مع كونهما أشهر ما عندهم وأعظم عمدهم ومستند ديانتهم فما ظنك بغير ذينك من سائر كتبهم التي يستدلون بها مما ليس مشهورا مثلهما ولا منسوبا إلى الله نسبتهما
فعلى هذا هما أولى بعدم التواتر وبقبول التحريف فيهما فإذا ادعوا تواتر شيء من ذلك فلينظر هل كملت فيه شروط التواتر أم لا فإن كملت قبلنا وآمنا وإن لم تكمل توقفنا وطالبناهم بالطريق الموصل إلى العلم
فإذا ثبتت هذه المقدمة قلنا بعدها للمستدل على إثبات نبوة عيسى بالأدلة المتقدمة لا تظن أننا نرد نبوة عيسى أو أنا نشك فيها حاشى لله بل نحن أحق وأولى بعيسى ابن مريم منكم فإنكم قلتم فيه ما لا ينبغي له ونسبتموه إلى ما يتبرأ هو منه بل أنتم لعمرى والله أبعد منه وأبغض إليه ممن أنكر نبوته وكفر به فإن من أنكر نبوته وكفر به لم يشرك بالله كما فعلتم أنتم حيث جعلتموه إلها آخر ولم يعرض بعيسى عليه السلام للموقف المخجل الذي يسأله الله فيه عن غلوكم فيه وعبادتكم له حيث يقول الله له يا عيسى ابن مريم: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله، فيقول خجلا فزعا متبرأ من قبيح ما نسبتموه إليه سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته
وأما نحن فإنما نقول فيه ما قاله الله على لسان رسوله المصطفى ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام وما قاله الله أيضا فيه على لسان أشعياء حيث بشر به وأخبر بقدومه هذا غلامي المصطفى وحبيبي الذي ارتضت به نفسي
وما قاله هو عن نفسه حين تكلم في مهده إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا
فنحن نعرفه حق معرفته ونؤمن بنبوته وشريعته ونحيل عليه الإلهية إذ ليست من صفته ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون
ثم إنا نعرف ما ذكرناه من وصفه بأدلة كثيرة قاطعة وبراهين صادقة تخضع لها رقاب الجاحدين وتستضئ بنورها بصائر المبصرين
وإذا كان كذلك فما استدللت به أنت على نبوة عيسى من كلام النبيين إن صح فهو زيادة في أنواع الأدلة لا في نفس اليقين فلذلك لا نباحثك فيها ولا نبالي بك أتجهلها أم تدريها على أنا لو ناقشناك في تلك الأدلة لأظهرنا لك فيها الفساد والعلة ولكن ما لا يخالف غرضنا لا يقتضيه فيما بالنا نطول أنفاسنا فيه