البداية والنهاية/الجزء التاسع/ترجمة الجعد بن درهم
هو أول من قال بخلق القرآن، وهو الذي ينسب إليه مروان الجعدي، وهو: مروان الحمار، آخر خلفاء بني أمية.
كان شيخه: الجعد بن درهم، أصله من خراسان، ويقال: إنه من موالي بني مروان، سكن الجعد دمشق، وكانت له بها دار بالقرب من القلاسيين إلى جانب الكنيسة، ذكره ابن عساكر.
قلت: وهي محلة من الخواصين اليوم غربيها عند حمام القطانين الذي يقال له: حمام قلنيس.
قال ابن عساكر وغيره: وقد أخذ الجعد بدعته عن بيان بن سمعان، وأخذها بيان عن طالوت ابن أخت لبيد بن أعصم، زوج ابنته، وأخذها لبيد بن أعصم الساحر الذي سحر الرسول ﷺ عن يهودي باليمن.
وأخذ عن الجعد الجهم بن صفوان الخزري، وقيل: الترمذي.
وقد أقام ببلخ، وكان يصلي مع مقاتل بن سليمان في مسجده ويتناظران، حتى نفي إلى ترمذ، ثم قتل الجهم بأصبهان، وقيل: بمرو، قتله نائبها مسلم بن أحوز رحمه الله وجزاه عن المسلمين خيرا.
وأخذ بشر المريسي عن الجهم، وأخذ أحمد بن أبي داود عن بشر.
وأما الجعد فإنه أقام بدمشق حتى أظهر القول بخلق القرآن، فتطلبه بنو أمية فهرب منهم فسكن الكوفة، فلقيه فيها الجهم بن صفوان فتقلد هذا القول عنه.
ثم إن خالد بن عبد الله القسري قتل الجعد يوم عيد الأضحى بالكوفة، وذلك أن خالدا خطب الناس فقال في خطبته تلك: أيها الناس ! ضحوا يقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا. ثم نزل فذبحه في أصل المنبر.
وقد ذكر هذا غير واحد من الحفاظ منهم: البخاري، وابن أبي حاتم، والبيهقي، وعبد الله بن أحمد، وذكره ابن عساكر في التاريخ.
وذكر أنه كان يتردد إلى وهب بن منبه، وأنه كان كلما راح إلى وهب يغتسل ويقول: اجمع للعقل، وكان يسأل وهبا عن صفات الله عز وجل.
فقال له وهب يوما: ويلك يا جعد، اقصر المسألة عن ذلك، إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله في كتابه أن له يدا ما قلنا ذلك، وأن له عينا ما قلنا ذلك، وأن له نفسا ما قلنا ذلك، وأن له سمعا ما قلنا ذلك، وذكر الصفات من العلم والكلام وغير ذلك، ثم لم يلبث الجعد أن صلب ثم قتل.
ذكره ابن عساكر، وذكر في ترجمت أنه قال للحجاج بن يوسف ويروى لعمران بن حطان:
ليث عليَّ وفي الحروب نعامة * فتخاء تجفل من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى * بل كان قلبك في جناحي طائر