البداية والنهاية/الجزء التاسع/ذو الرمة الشاعر
واسمه غيلان بن عقبة بن بهيس، من بني عبد مناة بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر، أبو الحارث، أحد فحول الشعراء، وله ديوان مشهور، وكان يتغزل في مي بنت مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم المنقري، وكانت جميلة، وكان هو دميم الخلق أسود اللون، ولم يكن بينهما فحش ولا خنا ولم يكن رآها قط و لا رأته، و إنما كانت تسمع به ويسمع بها.
ويقال: إنها كانت تنذر إن هي رأته أن تذبح جزورا، فلما رأته قالت: واسوأتاه واسوأتاه.
ولم تبد له وجهها قط إلا مرة واحدة، فأنشأ يقول:
على وجه ميٍ لمحة من حلاوة * وتحت الثياب العار لو كان باديا
قال: فانسخلت من ثيابها، فقال:
ألم تر أن الماء يخبث طعمه * و إن كان لون الماء أبيض صافيا
فقالت: تريد أن تذوق طعمه؟
فقال: إي والله.
فقالت: تذوق الموت قبل أن تذوقه.
فأنشأ يقول:
فواضعية الشعر الذي راح وانقضى * بمي ولم أملك ضلال فؤاديا
قال ابن خلكان: ومن شعره السائر بين الناس ما أنشده:
إذا هبت الأرياح من نحو جانب * به أهل ميٍّ هاج شوقي هبوبها
هوى تذرف العينان منه و إنما * هوى كل نفس أين حلَّ حبيبها
و أنشد عند الموت:
يا قابض الأرواح في جسمي إذا احتضرت * وغافر الذنب زحزحني عن النار