اعتراض: نحن نقدم علي السمع المعقولات التي علمنا بها صحة السمع الرد عليهم من وجوه الأول

فإن قيل: نحن إنما تقدم علي السمع المعقولات التي علمنا بها صحة السمع قيل: سنبين إن شاء الله أنه ليس فيما يعارض السمع شيء من المعقولات التي يتوقف السمع عليها فإذن كل ما عارض السمع ـ مما يسمي معقولا ـ ليس أصلا للسمع يتوقف العلم بصحة السمع عليه فلا يكون القدح في شيء من المعقولات قدحا في أصل السمع

الوجه الثاني: أن جمهور الخلق يعترفون بأن المعرفة بالصانع وصدق الرسول ليس متوقفا علي ما يدعيه بعضهم من العقليات المخالفة للسمع والواضعون لهذا القانون ـ كـ أبي حامد والرازي وغيرهما ـ معترفون بأن العلم بصدق الرسول لا يتوقف علي العقليات المعارضة له فطوائف كثيرون ـ ك أبي حامد والشهرستاني وأبي القاسم الراغب وغيرهم ـ يقولون: العلم بالصانع فطري ضروري

والرازي والآمدي وغيرهما من النظار يسلمون أن العلم بالصانع قد يحصل بالاضطرار وحينئذ فالعلم بكون الصانع قادرا معلوم بالاضطرار والعلم بصدق الرسول عند ظهور المعجزات التي تحدي الخلق بمعارضتها وعجزوا عن ذلك معلوم بالاضطرار

ومعلوم أن السمعيات مملوءة من إثبات الصانع وقدرته وتصديق رسوله ليس فيها ما يناقض هذه الأصول العقلية التي بها يعلم السمع بل الذي في السمع يوافق هذه الأصول بل السمع فيه من بيان الأدلة العقلية علي إثبات الصانع ودلائل ربوبيته وقدرته وبيان آيات الرسول ودلائل صدقه أضعاف ما يوجد في كلام النظار فليس فيه ـ ولله الحمد ـ ما يناقض الأدلة العقلية التي بها يعلم صدق الرسول

ومن جعل العلم بالصانع نظريا يعترف أكثرهم بأن من الطرق النظرية التي بها يعلم صدق الرسول ما لا يناقض شيئا من السمعيات والرازي ممن يعترف بهذا فإنه قال في نهاية العقول في مسألة التفكير في: المسألة الثالثة: في أن مخالف الحق من أهل الصلاة هل يكفر أم لا؟

قال الشيخ أبو الحسن الأشعري في أول كتاب مقالات الإسلاميين: اختلف المسلمون ـ بعد نبيهم ـ في أشياء ضلل فيها بعضهم بعضا وتبرأ بعضهم من بعض فصاروا فرقا متباينين إلا أن الإسلام يجمعهم فيعمهم فهذا مذهبه وعليه أكثر الأصحاب ومن الأصحاب من كفر المخالفين

وأما الفقهاء فقد نقل عن الشافعي رضي الله تعالى عنه قال: لا أرد شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية فإنهم يعتقدون حل الكذب وأما أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: فقد حكي الحاكم صاحب المختصر في كتاب المنتقى عن أبي حنيفة أنه لم يكفر أحدا من أهل القبلة

وحكي أبو بكر الرازي عن الكرخي وغيره مثل ذلك وأما المعتزلة: فالذين كانوا قبل أبي الحسين تحامقوا وكفروا أصحابنا في إثبات الصفات وخلق الأعمال وأما المشبهة: فقد كفرهم مخالفوهم من أصحابنا ومن المعتزلة وكان الأستاذ أبو إسحاق يقول: أكفر من يكفرني وكل مخالف يكفرنا فنحن نكفره وإلا فلا والذي نختاره أن لا نكفر أحدا من أهل القبلة

والدليل عليه أن نقول: المسائل التي اختلف أهل القبلة فيها مثل أن الله تعالى هل هو عالم بالعلم أو بالذات؟ وأنه تعالى هل هو موجد لأفعال العباد أم لا؟ وأنه هل هو متحيز وهل هو في مكان وجهة؟ وهل هو مرئي أم لا؟ لا يخلو إما أن تتوقف صحة الدين معرفة الحق فيها أو لا تتوقف والأول باطل إذ لو كانت معرفة هذه الأصول من الدين لكان الواجب علي النبي أن يطالبهم بهذه المسائل ويبحث عن كيفية اعتقادهم فيها فلما لم يطالبهم بهذه المسائل بل ما جري حديث في هذه المسائل في زمانه عليه السلام ولا في زمان الصحابة والتابعين رضي الله عنهم علمنا أنه لا تتوقف صحة الإسلام علي معرفة هذه الأصول وإذا كان كذلك لم يكن الخطأ في هذه المسائل قدحا في حقيقة الإسلام وذلك يقتضي الامتناع من تكفير أهل القبلة

ثم قال بعد ذلك وأما دلالة الفعل المحكم علي العلم فقد عرفت أنها ضرورية وأما دلالة المعجز علي الصدق فقد بينا أنها ضرورية ومتي عرفت هذه الأصول أمكن العلم بصدق الرسول عليه السلام فثبت أن العلم بالأصول التي يتوقف علي صحتها نبوة محمد علية السلام علم جلي ظاهر وإنما طال الكلام في هذه الأصول لرفع هذه الشكوك التي يثبتها المبطلون إما في مقدمات هذه الأدلة أو في معارضاتها والاشتغال برفع هذه الشكوك إنما يجب بعد عروضها فثبت أن أصول الإسلام جلية ظاهرة ثم إن أدلتها علي الاستقصاء مذكورة في كتاب الله تعالى خالية عما يتوهم معارضا لها

ثم ذكر بعد ذلك فقال: قلنا: إنا قد ذكرنا في إثبات العلم بالصانع طرقا خمسة قاطعة في هذا الكتاب من غير حاجة إلي القياس الذي ذكروه والله أعلم وأيضا فإنه ذكر في إثبات الصانع أربعة طرق :

طريق حدوث الأجسام وطريق إمكانها وطريق إمكان صفاتها وطريق حدوث صفاتها وقال: إن هذه الطريق لا تنفي كونه جسما بخلاف الطرق الثلاثة وهم إنما ينفون ما ينفونه من الصفات لظنهم أنها تستلزم التجسيم الذي نفاه العقل الذي هو أصل السمع فإذا اعترفوا بأنه يمكن العلم بالصانع وصدق رسوله قبل النظر في كونه جسما أو ليس بجسم تبين أن صدق الرسول لا يتوقف علي العلم بأنه ليس بجسم وحينئذ فلو قدر أن العقل ينفي ذلك لم يكن هذا من العقل الذي هو أصل السمع

والوجه الثالث: أن يقال لمن ادعي من هؤلاء توقف العلم بالسمع علي مثل هذا النفي كقول من يقول منهم: إنا لا نعلم صدق الرسول حتى نعلم وجود الصانع وأنه قادر غني لا يفعل القبيح ولا نعلم ذلك حتى نعلم أنه ليس بجسم أو لا نعلم إثبات الصانع حتى نعلم حدوث العالم ولا نعلم ذلك إلا بحدوث الأجسام فلا يمكن أن يقبل من السمع ما يستلزم كونه جسما

فيقال لهم: قد علم بالاضطرار من دين الرسول والنقل المتواتر أنه دعا الخلق إلي الإيمان بالله ورسوله ولم يدع الناس بهذه الطريق التي قلتم إنكم أثبتم بها حدوث العالم ونفي كونه جسما وآمن بالرسول من آمن به من المهاجرين والأنصار ودخل الناس في دين الله أفواجا ولم يدع أحدا منهم بهذه الطريق ولا ذكرها أحد منهم ولا ذكرت في القرآن ولا حديث الرسول ولا دعا بها أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان الذين هم خير هذه الأمة وأفضلها علما وإيمانا وإنما ابتدعت هذه الطريق في الإسلام بعد المائة الأولي وانقراض عصر أكابر التابعين بل وأوساطهم فكيف يجوز أن يقال: إن تصديق الرسول موقوف عليها وأعلم الذي صدقوه وأفضلهم لم يدعوا بها ولا ذكروها ولا ذكرت لهم ولا نقلها أحد عنهم ولا تكلم بها أحد في عصرهم؟

الوجه الرابع: أن يقال: هذا القرآن والسنة المنقولة عن النبي متوا ترها وآحادها ليس فيه ذكر ما يدل علي هذه الطريق فضلا عن أن تكو نفس الطريق فيها فليس في شيء من ذلك: أن البارئ لم يزل معطلا عن الفعل والكلام بمشيئته ثم حدث ما حدث بلا سبب حادث وليس فيه ذكر الجسم والتحيز والجهة لا بنفي ولا إثبات فكيف يكون الإيمان بالرسول مستلزما لذلك والرسول لم يخبر به ولا جعل الإيمان به موقوفا عليه؟

الوجه الخامس: أن هذه الطرق الثلاثة طريق حدوث الأجسام ـ مبنية علي امتناع دوام كون الرب فاعلا وامتناع كونه لم يزل متكلما بمشيئته بل حقيقتها مبنية علي امتناع كونه لم يزل قادرا علي هذا وهذا ومعلوم أن أكثر العقلاء من المسلمين وغير المسلمين ينازعون في هذا ويقولون: هذا قول باطل

وأما القول بإمكان الأجسام فهو مبني علي أن الموصوف ممكن بناء علي أن المركب ممكن وعلي نفي الصفات وهي طريقة أحدثها ابن سينا وأمثاله وركبها من مذهب سلفهم ومذهب الجهمية وهي أضعف من التي قبلها من وجوه كثيرة

وطريقة إمكان صفات الأجسام مبنية علي تماثل الأجسام وأكثر العقلاء يخالفون في ذلك وفضلاؤهم معترفون بفساد ذلك كما قد ذكرنا قول الأشعري والرازي والآمدي وغيرهم واعترافهم بفساد ذلك وبينا فساد ذلك بصريح المعقول

فإذا كانت هذه الطرق فاسدة عند جمهور العقلاء بل فاسدة في نفس الأمر امتنع أن يكون العلم بالصانع موقوفا علي طريق فاسدة ولو قدر صحتها علم أن أكثر العقلاء عرفوا الله وصدقوا رسوله بغير هذه الطريق فلم يبق العلم بالسمع موقوفا علي صحتها فلا يكون القدح فيها قدحا في أصل السمع

الوجه السادس: أن يقال: إذا قدر أن السمع موقوف علي العلم بأنه ليس بجسم مثلا لم يسلم أن مثبتي الصفات التي جاء بها القرآن والسنة خالفوا موجب العقل فإن قولهم فيما يثبتونه من الصفات كقول سائر من ينفي الجسم ويثبت شيئا من الصفات

فإذا كان أولئك يقولون: إنه حي عليم قدير وليس بجسم ويقول آخرون: إنه حي بحياة عليم بعلم قدير بقدرة بل وسميع وبصير ومتكلم بسمع وبصر وكلام وليس بجسم أمكن هؤلاء أن يقولوا في سائر الصفات التي أخبر بها الرسول ما قال هؤلاء في هذه الصفات

وإذا أمكن المتفلسف أن يقول: هو موجود وعاقل ومعقول وعقل وعاشق ومعشوق وعشق ولذيذ وملتذ ولذة وهذا كله شيء واحد وهذه الصفة الأخرى والصفة هي الموصوف وإثبات هذه الأمور لا يستلزم التجسيم أمكن سائر مثبتة الصفات أن يقولوا هذا وما هو أقرب إلي المعقول فلا يقول من نفي شيئا مما أخبر به الشارع من الصفات قولا ويقول: إنه يوافق المعقول إلا ويقول من أثبت ذلك ما هو أقرب إلي المعقول منه

وهذه جملة سيأتي إن شاء الله تفصيلها وبيان أن كل من أثبت ما أثبته الرسول ونفي ما نفاه كان أولي بالمعقول الصريح كما كان أولي بالمنقول الصحيح وأن من خالف صحيح المنقول فقد خالف أيضا صريح المعقول وكان أولي بمن قال الله فيه { وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير } [ تبارك: 10 ]

الأنبياء لم يدعوا إلي طريقة الأعراض

عدل

فإن قيل: قول القائلين: إن الأنبياء لم يدعوا الناس إلي إثبات الصانع بهذه الطريقة: طريقة الأعراض وحدوثها ولزومها الأجسام وأن ما استلزم الحادث فهو حادث

للمنازعين في هذا الكلام مقامان

المقام الأول

عدل

أحدهما: منع هذه المقدمة فإنه من المعروف أن كثيرا من النفاة يقول: إن هذه الطريقة هي طريقة إبراهيم الخليل وإنه استدل علي حدوث الكواكب والشمس والقمر بالأفول والأفول هو الحركة والحركة هي التغير فلزم من ذلك أن كل متغير محدث لأنه لا يسبق الحوادث لامتناع حوادث لا أول لها وكل ما قامت به الحوادث فهو متغير فيجب أن يكون محدثا فهذه الطريق التي سلكناها هي طريقة إبراهيم الخليل

وهذا مما ذكره خلق من النفاة مثل بشر المريسي وأمثاله ومثل ابن عقيل وأبي حامد الرازي وخلق غير هؤلاء

وأيضا فالقرآن قد دل علي انه ليس بجسم لأنه أحد والأحد: الذي لا ينقسم وهو واحد والواحد: الذي لا ينقسم ولأنه صمد والصمد: الذي لا جوف له فلا يتخلله غيره والجسم يتخلله غيره ولأنه سبحانه قد قال { ليس كمثله شيء } [ الشورى: 11 ] والأجسام متماثلة فلو كان جسما لكان له مثل وإذا لم يكن جسما لزم نفي ملزومات الجسم

وبعضهم يقول: نفي لوازم الجسم وليس بجيد فإنه لا يلزم من وجود اللازم وجود الملزوم ولكن يلزم من نقيه نفيه بخلاف ملزومات الجسم فإنه يجب من نفيها نفي الجسم ن فيجب نفي كل ما يستلزم كونه جسما

ثم من نفي العلو والمباينة يقول: العلو يستلزم كونه جسما ومن نفي الصفات الخبرية يقول: إثباتها يستلزم التجسيم ومن الصفات مطلقا قال: ثبوتها يستلزم التجسيم

وأيضا فالتجسيم نفي لأنه يقتضي القسمة والتركيب فيجب نفي كل تركيب فيجب نفي كونه مركبا من الوجود والماهية ومن الجنس والفصل ومن المادة والصورة ومن الجوهر المفردة ومن الذات والصفات وهذه الخمسة هي التي يسميها نفاة الصفات من متأخري الفلاسفة تركيبا

والمقصود هنا أن السمع دل علي نفي هذه الأمور والرسل نفت ذلك وبينت الطريق العقلي المنافي لذلك وهو نفي التشبيه تارة وإثبات حدوث كل متغير تارة

ثم إنه لما قال هؤلاء: إن الأفول هو الحدوث والأفول هو التغير فبنى ابن سينا وأتباعه من الدهرية علي هذا وقالوا: ما سوي الله ممكن وكل ممكن فهو آفل فالآفل لا يكون واجب الوجود

وجعل الرازي في تفسير هذا الهذيان وقد يقول هو وغيره: كل آفل متغير وكل متغير ممكن فيستدلون بالتغير علي الإمكان كما استدل الأكثر ون من هؤلاء بالتغير علي الحدوث وكل من هؤلاء يقول: هذه طريقة الخليل

المقام الثاني

عدل

أن يقال: نخن نسلم أن الأنبياء لم يدعوا الناس بهذه الطريق ولا بينوا أنه ليس بجسم وهذا قول محققي طوائف النفاة وأئمتهم فإنهم يعلمون ويقولون: إن النفي لم يعتمد فيه علي طريقة مأخوذة عن الأنبياء وإن الأنبياء لم يدلوا علي ذلك لا نصا ولا ظاهرا ويقولون: إن كلام الأنبياء إنما يدل علي الإثبات إما نصا وإما ظاهرا

لكن قالوا: إذا كان العقل دل علي النفي لم يمكنا إبطال مدلول العقل ثم يقول المتكلمون من الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم الذين قالوا: إنما يمكن إثبات الصانع وصدق رسله بهذه الطريق ويقولون: إنه لا يمكن العلم بحدوث العالم وإثبات الصانع والعلم بأنه قادر حي عالم وأنه يجوز أن يرسل الرسل ويصدق الأنبياء بالمعجزات إلا بهذه الطريق ـ كما يذكر ذلك أئمتهم وحذاقهم حتى متأخروهم كأبي الحسين البصري وأبي المعالي الجويني والقاضي أبي يعلي وغيرهم ـ فإذا علمنا مع ذلك أن الأنبياء لم يدعوا الناس بها لزم ما قلناه من أن الرسول أحال الناس في معرفة الله علي العقل وإذا علموا ذلك فحينئذ هم في نصوص الأنبياء إما أن يسلكوا مسلك التأويل ويكون القصد بإنزال المتشابه تكليفهم استخراج طريق التأويلات وإما أن يسلكوا مسلك التفويض ويكون المقصود إنزال ألفاظ يتعبدون بتلاوتها وإن لم يفهم أحد معانيها

ويقول ملاحدة الفلاسفة والباطنية ونحوهم: المقصود خطاب الجمهور بما يتخيلون به أن الرب جسم عظيم وأن المعاد فيه لذات جسمانية وإن كان هذا لا حقيقة له ثم إما أن يقال إن الأنبياء لم يعلموا ذلك وإما أن يقال: علموه ولم يبينوه بل أظهروا خلاف الحق للمصلحة قيل في الجواب: أما من سلك المسلك الأول فجوابه من وجوه :

الجواب علي المسلك الأول من وجوه

عدل

أحدهما: أن يقال: فإذا كانت الأدلة السمعية المأخوذة عن الأنبياء دلت علي صحة هذه الطريق وصحة مدلولها وعلي نفي ما تنفونه من الصفات فحينئذ تكون الأدلة السمعية المثبتة لذلك عارضت هذه الأدلة فيكون السمع قد عارضه سمع آخر وإن كان أحدهما موافقا لما تذكرونه من العقل

وحينئذ فلا تحتاجون أن تبنوا دفع السمعيات المخالفة لكم علي هذا القانون الذي ابتدعتموه وجعلتم فيه آراء الرجال مقدمة علي ما أنزل الله وبعث به رسله وفتحتم بابا لكل طائفة بل لكل شخص أن يقدم ما رآه بمعقوله علي ما ثبت عن الله ورسوله بل يعلمه المخبر ولهذا كان هذا القانون لا يظهره أحد من الطوائف المشهورين ن وإنما كان بعضهم يبطنه سرا وإنما أظهر لما ظهر كلام الملاحدة أعداء الرسل

الثاني

عدل

أن يقال: كل من له أدني معرفة بما جاء به النبي يعلم بالاضطرار أن النبي لم يدع الناس بهذه الطريقة طريق الأعراض ولا نفي الصفات أصلا ن لا نصا ولا ظاهرا ولا ذكر ما يفهم منه ذلك لا نصا ولا ظاهرا ولا ذكر أن الخالق ليس فوق العالم ولا مباينا له أو أنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا ذكر ما يفهم منه ذلك لا نصا ولا ظاهرا بل ولا نفي الجسم الاصطلاحي ولا ما يرادف من الألفاظ ولا ذكر أن الحوادث يمتنع دوامها في الماضي والمستقبل أو في الماضي لا نصا ولا ظاهرا ولا أن الرب صار الفعل ممكنا له بعد أن لم يكن ممكنا ولا أنه صار الكلام ممكنا له بعد أن لم يكن ممكنا ن ولا أن كلامه ورضاه وغضبه وحبه وبغضه ونحو ذلك أمور مخلوقة بائنة عنه وأمثال ذلك مما يقوله هؤلاء لا نصا ولا ظاهرا

بل علم الناس خاصتهم وعامتهم بأن النبي لم يذكر ذلك أظهر من علمهم بأنه لم يحج بعد الهجرة إلا حجة واحدة وأن القرآن لم يعارضه أحد وأنه لم يفرض صلاة إلا الصلوات الخمس وأنه لم يكن يؤخر صلاة النهار إلي الليل وصلاة الليل إلي النهار وأنه لم يكن يؤذن له في العيدين والكسوف والاستسقاء وأنه لم يرض بدين الكفار لا المشركين ولا أهل الكتاب قط وأنه لم يسقط الصلوات الخمس عن أحد من العقلاء وأنه لم يقاتله أحد من المؤمنين به لا أهل الصفة ولا غيرهم وأنه لم يكن يؤذن بمكة ولا كان بمكة أهل صفة ولا كان بالمدينة أهل صفة قبل أن يهاجر إلي المدينة وأنه لم يجمع أصحابه قط علي سماع كف ولا دف وأنه لم يكن يقصر شعر كل من أسلم أو تاب من ذنب وأنه لم يكن يقتل كل من سرق أو قذف أو شرب وأنه لم يكن يصلي الخمس إذا كان صحيحا إلا بالمسلمين لم يكن يصلي الفرض وحده ولا في الغيب وأنه لم يحج في الهواء قط وأنه لم يقل رأيت ربي في اليقظة لا ليلة المعراج ولا غيرها ولم يقل: إن الله ينزل عشية عرفة إلي الأرض وإنما قال: إنه ينزل إلي السماء الدنيا عشية عرفة فيباهي اللائكة بالحجاج ولا قال: إن الله ينزل كل ليلة إلي الأرض وإنما قال: ينزل إلي سماء الدنيا وأمثال ذلك مما يعلم العلماء بأحواله علما ضروريا أنه لم يكن ومن روي ذلك عنه أو أخذ يستدل علي ثبوت ذلك علموا بطلان قوله بالاضطرار كما يعلمون بطلان قول السوفسطائية وإن لم يشتغلوا بحل شبههم

وحينئذ فمن استدل بهذه الطريق أو أخبر الأمة بمثل قول نفاة الصفات كان كذبه معلوما بالاضطرار أبلغ مما يعلم كذب من ادعي عليه هذه الأمور المنتفية عنه وأضعافها وهذا مما يعلمه من له أدني خبرة بأحوال الرسل فضلا عن المتوسطين فضلا عن الوارثين له العالمين بأقواله وأفعاله

الوجه الثالث: أن يقال: جميع ما ذكرتموه من أقوال الأنبياء أنها تدل علي مثل قولكم فلا دلالة في شيء منها من وجوه متعددة وذلك معلوم يقنا بل فيها ما يدل علي نقيض قولكم وهو مذهب أهل الإثبات وهكذا عامة ما يحتج به أهل الباطل من الحجج لا سيما السمعية فإنها إنما تدل علي نقيض قولهم

نقض الاستدلال بقصة إبراهيم عليه السلام

عدل

وأما قصة إبراهيم الخليل عليه السلام فقد علم باتفاق أهل اللغة والمفسرين أن الأفول ليس هو الحركة سواء كانت حركة مكانية وهو الانتقال أو حركة في الكم كالنمو أو في الكيف كالتسود والتبيض ولا هو التغير فلا يسمى في اللغة كل متحرك أو متغير آفلا ولا أنه أفل لا يقال للمصلي أو الماشي إنه آفل ولا يقال للتغير الذي هو استحالة كالمرض واصفرار الشمس: إنه أفول لا يقال للشمس إذا اصفرت: إنها أفلت وإنما يقال أفلت إذا غابت واحتجبت وهذا من المتواتر المعلوم بالاضطرار من لغة العرب: أن آفلا بمعني غائب وقد أفلت الشمس تأفل وتأفل أفولا: أي غابت

ومما يبين هذا أن الله ذكر عن الخليل أنه لما { رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الأفلين * فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض } [ الأنعام: 76 - 79 ]

ومعلوم أنه لما بزغ القمر والشمس كان في بزوغه متحركا وهو الذي يسمونه تغيرا فلو كان قد استدل بالحركة المسماة تغيرا لكان قد قال ذلك من حين رآه بازغا وليس مراد الخليل بقوله: هذا ربي رب العالمين ولا أن هذا هو القديم الأزلي الواجب الوجود الذي كل ما سواه محدث ممكن مخلوق له ولا كان قومه يعتقدون هذا حتى يدلهم علي فساده ولا اعتقد هذا أحد يعرف قوله بل قومه كانوا مشركين يعبدون الكواكب والأصنام ويقرون بالصانع

ولهذا قال الخليل { أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } [ الشعراء: 75 - 77 ] وقال { إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون } [ الزخرف: 26 - 28 ] فذكر لهم ما كانوا يفعلونه من اتخاذ الكواكب والشمس والقمر ربا يعبدونه ويتقربون إليه كما هو عادة عباد الكواكب ومن يطلب تسخير روحانية الكواكب وهذا مذهب مشهور مازال عليه طوائف من المشركين إلي اليوم وهو الذي صنف فيه الرازي السر المكتوم وغيره من المصنفات

فإن قال المنازعون: بل الخليل إنما أراد أن هذا رب العلمين قيل: فيكون إقرار الخليل حجة علي فساد قولكم لأنه حينئذ يكون مقرا بأن رب العالمين قد يكون متحيزا متنقلا من مكان إلي مكان متغيرا وإنه لم يجعل هذه الحوادث تنافي وجوده وإنما جعل المنافي لذلك أفوله وهو مغيبه فتبين أن قصة الخليل إلي أن تكون حجة عليهم أقرب من أن تكون حجة لهم ولا حجة لهم فيها بوجه من الوجوه

وأفسد من ذلك قول من جعل الأفول بمعني الإمكان وجعل كل ما سوي الله آفلا بمعني كونه قديما أزليا حتى جعل السماوات والأرض والجبال والشمس والقمر والكواكب لم تزل ولا تزال آفلة وأن أفولها وصف لازم لها إذ هو كونها ممكنة والإمكان لازم لها فهذا مع كونه افتراء علي اللغة والقرآن افتراء ظاهرا يعرفه كل أحد كما افتري غير ذلك من تسمية القديم الأزلي محدثا وتسميته مصنوعا ـ فقصة الخليل حجة عليه فإنه لما رأي القمر بازغا قال هذا ربي ولما رأي الشمس بازغة قال هذا ربي فلما أفلت قال: لا أحب الآفلين فتبين أنه أفل بعد أن لم يكن آفلا فكون الشمس والقمر والكواكب وكل ما سوي الله ممكنا هو وصف لازم له لا يحدث له بعد أن لم يكن

وهم يقولون: إمكانه له من ذاته ووجوده من غيره بناء علي تفريقهم في الخارج بين وجود الشيء وذاته فالإمكان عندهم أولي بذاته من الوجود ولو قال: فلما وجدت أو خلقت أو أبدعت قال: لا أحب الموجوديين والمخلوفين كان هذا قبيحا متناقصا إذ لم يزل كذلك فكيف إذا قال: فلما صارت ممكنة وهى لم تزل ممكنة

وأيضا فهي من حين بزغت وإلي أن أفلت ممكنة بذاتها تقبل الوجود والعدم مع كونها عندهم قديمة أزلية يمنتع عدمها وحينئذ يكون كونها متحركة ليس بدليل عند إبراهيم علي مونها ممكنة تقبل الوجود والعدم

وأما قول القائل: كل متحرك محدث أن كل متحرك ممكن يقبل الوجود والعدم فهذه المقدمة ليست ضرورية فطرية بإتفاق العقلاء بل من يدعي صحة ذلك يقول: إنها لا تعلم إلا بالنظر الخفي ومن ينازع في ذلك يقول: إنها باطلة عقلا وسمعا ويمثل من مثل بها في أوائل العلوم الكلية لقصوره وعجزه وهو نفسه يقدح فيها في عامة كتبه

وأما قوله: كل متغير محدث أو ممكن فإن أراد بالتغير ما يعرف من ذلك في اللغة مثل استحالة الصحيح إلي المرض والعادل إلي الظلم والصديق إلي العداوة فإنه يحتاج في إثبات هذه الكلية إلي دليل وإن أراد بالتغير معني الحركة أو قيام الحوادث مطلقا ن حتى تسمي الكواكب حين بزوغها متغيرة ويسمي كل متكلم ومتحرك متغيرا فهذا مما عليه إقامة الدليل فيه علي دعواه

لفظ أحد وواحد

عدل

وأما استدلالهم بما في القرآن من تسمية الله أحدا وواحدا علي نفي الصفات الذي بنوه علي نفي التجسيم

فيقال لهم: ليس في كلام العرب بل ولا عامة أهل اللغات أن الذات الموصوفة بالصفات لا تسمي واحدا ولا تسمي أحدا في النفي والإثبات بل المنقول بالتواتر عن العرب تسمية الموصوف بالصفات واحدا وأحدا حيث أطلقوا ذلك ووحيدا

قال تعالى { ذرني ومن خلقت وحيدا } [ المدثر: 11 ] وهوالوليد ابن المغيرة

وقال تعالى { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف } [ النساء: 11 ] فسماها واحدة وهو امرأة واحدة متصفة بالصفات بل جسم حامل للأعراض

وقال تعالى { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } [ التوبة: 6 ]

وقال تعالى { قالت إحداهما يا أبت استأجره } [ القصص: 26 ] وقال تعالى { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } [ البقرة: 282 ] وقال تعالى { فإن بغت إحداهما على الأخرى } [ الحجرات: 9 ]

وقال { ولم يكن له كفوا أحد } [ الإخلاص: 4 ] وقال { قل إني لن يجيرني من الله أحد } بالجن: 22 ] وقال تعالى { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } [ الكهف: 110 ] وقال تعالى { ولا يظلم ربك أحدا } [ الكهف: 49 ]

فإن كان لفظ الأحد لا يقال علي ما قامت به الصفات بل ولا علي شيء من الأجسام التي تقوم بها الأعراض لأنها منقسمة لم يكن في الوجود غير الله من الملائكة والإنس والجن والبهائم من يدخل في لفظ أحد بل لم يكن في الموجودين ما يقال عليه في النفي أنه أحد فإذا قيل { ولم يكن له كفوا أحد } لم يكن هذا نفيا لمكافأة الرب إلا عمن لا وجود له ولم يكن في الموجودات ما أخبر عنه بهذا الخطاب أنه ليس كفؤا لله

وكذلك قوله { ولا أشرك بربي أحدا } [ الكهف: 38 ] { ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } فإنه إذا لم يكن الأحد إلا ما لا ينقسم وكل مخلوق وجسم منقسم لم يكن في المخلوق ما يدخل في مسمي أحد فيكون التقدير: ولا أشرك به ما لم يوجد ولا يشرك بربه ما لا يوجد

وإذا كان المراد النفي العام وأن كل موجود من الإنس والجن يدخل في مسمي أحد يقال: إنه أحد الرجلين ويقال للأنثى: إحدى المرأتين ويقال للمرأة: واحدة وللرجل: واحد ووحيد ـ علم أن اللغة التي نزل بها القرآن لفظ الواحد والأحد فيها يتناول الموصوفات بل يتناول الجسم الحامل للأعراض ولم يعرف أنهم أرادوا بهذا اللفظ ما لم يوصف أصلا بل ولا عرف منهم أنهم لا يستعملونه إلا في غير الجسم بل ليس في كلامهم ما يبين استعمالهم له في غير ما يسميه هؤلاء جسما فكيف يقال: لا يدل إلا علي نقيض ذلك ولم يعرف استعماله إلا في النقيض ـ الذي أخرجوه منه ـ الوجودي دون النقيض الذي خصوه به وهو العدمي؟ وهل يكون في تبديل اللغة والقرآن أبلغ من هذا؟

لفظ الصمد

عدل

وكذلك اسمه الصمد ليس في قول الصحابة: إنه الذي لا جوف له ما يدل علي أنه ليس بموصوف بالصفات: بل هو علي إثبات الصفات أدل منه علي نفيها من وجوه مبسوطة غير هذا الموضع

وكذلك قوله { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } [ الشوري: 11 ] وقوله { هل تعلم له سميا } [ مريم: 65 ] ونحو ذلك فإنه لا يدل علي نفي الصفات بوجه من الوجوه بل ولا علي نفي ما يسميه أهل الاصطلاح جسما بوجه من الوجوه

وأما احتجاجهم بقولهم: الأجسام متماثلة فهذا ـ إن كان حقا ـ فهو تماثل يعلم بالعقل ليس فيه أن اللغة التي نزل بها القرآن تطلق لفظ المثل علي كل جسم ولا أن اللغة التي نزل بها القرآن تقول: إن السماء مثل الأرض والشمس والقمر والكواكب مثل الجبال والجبال مثل البحار والبحار مثل التراب والتراب مثل الهواء والهواء مثل الماء والماء مثل النار والنار مثل الشمس والشمس مثل الإنسان والإنسان مثل الفرس والحمار والفرس والحمار مثل السفرجل والرمان والرمان مثل الذهب والفضة والذهب والفضة مثل الخبز واللحم ولا في اللغة التي نزل بها القرآن أن كل شيئين اشتركا في المقدارية بحيث يكون كل منهما له قدر من الأقدار كالطول والعرض والعمق أنه مثل الآخر ولا أنه إذا كان كل منهما بحيث يشار إليه الإشارة الحسية يكون مثل الآخر بل ولا فيها أن كل شيئين كانا مركبين من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة كان أحدهما مثل الآخر

بل اللغة التي نزل بها القرآن تبين أن الإنسانين ـ مع اشتراكهما في أن كلا منهما جسم حساس نام متحرك بالإرادة ناطق ضحاك بادي البشرة ـ قد لا يكون أحدهما مثل الآخر كما قال تعالى { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } [ محمد: 38 ] فقد بين أنه يستبدل قوما لا يكونون أمثال المخاطبين فقد نفي عنهم المماثلة مع اشتراكهم فيما ذكرناه فكيف يكون في لغتهم أن كل إنسان فإنه مماثل للإنسان بل مماثل لكل حيوان بل مماثل لكل جسم نام حساس بل مماثل لكل جسم مولد عنصري بل مماثل لكل جسم فلكي وغير فلكي؟

والله إنما أرسل الرسول بلسان قومه وهم قريش خاصة ثم العرب عامة لم ينزل القرآن بلغة من قال: الأجسام متماثلة حتى يحمل القرآن علي لغة هؤلاء هذا لو كان ما قالوه صحيحا في العقل فكيف وهو باطل في العقل؟ كما بسطناه في موضع آخر إذ المقصود هنا بيان أنه ليس لهم في نصوص الأنبياء إلا ما يناقض قولهم لا ما يعاضده

لفظ الكفء

عدل

وكذلك الكفء قال حسان بن ثابت:

أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء

فقد نفى أن يكون كفوا لمحمد مع أن كليهما جسم نام حساس متحرك بالإرادة ناطق ولكن النصوص الإلهية لما دلت على أن الرب ليس له كفء في شيء من الأشياء ولا مثل له في أمر من الأمور ولا ند له في أمر من الأمور علم أنه لا يماثله شيء من الأشياء في صفة من الصفات ولا فعل من الأفعال ولا حق من الحقوق وذلك لا ينفي كونه متصفا بصفات الكمال

فإذا قيل هو حي ولا يماثله شيء من الأحياء في أمر من الأمور وعليم وقدير وسميع وبصير ولا يماثله عالم ولا قادر ولا سميع ولا بصير في أمر من الأمور كان ما دل عليه السمع مطابقا لما دل عليه العقل من عدم مماثلة شيء من الأشياء له في أمر من الأمور

وأما كون ماله حقيقة أو صفة أو قدر يكون بمجرد ذلك مماثلا لما له حقيقة أو صفة أو قدر فهذا باطل عقلا وسمعا فليس في لغة العرب ولا غيرهم إطلاق لفظ المثل على مثل هذا وإلا فليلزم أن يكون كل موصوف مماثلا لكل موصوف وكل ما له حقيقة مماثلا لكل ما له حقيقة وكل ما له قدر مماثلا لكل ما له قدر وذلك يستلزم أن يكون كل موجود مماثلا لكل موجود وهذا ـ مع أنه في غاية الفساد والتناقض ـ لا يقوله عاقل فإنه يستلزم التماثل في جميع الأشياء فلا يبقى شيئان مختلفان غير متماثلين قط وحينئذ فيلزم أن يكون الرب مماثلا لكل شيء فلا يجوز نفي مماثلة شيء من الأشياء عنه وذلك مناقض للسمع والعقل فصار حقيقة قولهم في نفي التماثل عنه يستلزم ثبوت مماثلة كل شيء له فهم متناقضون مخالفون للشرع والعقل

الجواب الرابع: أن يقال فهب أن بعض هذه النصوص قد يفهم منها مقدمة واحدة من مقدمات دليلكم فتلك كافية بالضرورة عند العقلاء بل لا بد من ضم مقدمة أو مقدمات أخر ليس في القرآن ما يدل عليها ألبته فإذا قدر أن الأفول هو الحركة فمن أين في القرآن ما يدل دلالة ظاهرة علي أن كل متحرك محدث أو ممكن؟ وأن الحركة لا تقوم إلا بحادث أو ممكن؟ وأن ما قامت به الحوادث لم يخل منها؟ وأن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث؟ وأين في القرآن امتناع حوادث لا أول لها؟

بل أين في القرآن أن الجسم الاصطلاحي مركب من الجواهر الفردة التي لا تقبل الانقسام أو من المادة والصورة وأن كل جسم فهو منقسم ليس بواحد؟ بل أين في القرآن أو لغة العرب أو أحد من الأمم أن كل ما يشار إليه أو كل ما له مقدار فهو جسم؟ وأن كل ما شاركه في ذلك فهو له في الحقيقة؟

ولفظ الجسم في القرآن مذكور في قوله تعالى { وزاده بسطة في العلم والجسم } [ البقرة: 247 ] وفي قوله { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } [ المنافقون: 4 ] وقد قال أهل اللغة: إن الجسم هو البدن قال الجوهري في صحاحه: قال أبو زيد: الجسم الجسد وكذلك الجسمان والجثمان قال: وقال الأصمعي: الجسم والجسمان: الجسد

ومعلوم أن أهل الاصطلاح نقلوا لفظ الجسم من هذا المعني الخاص إلي ما هو أعم منه فسموا الهواء ولهيب النار وغير ذلك جسما وهذا لا تسميه العرب جسما كما لا تسميه جسدا ولا بدنا

ثم قد يراد بالجسم نفس الجسد القائم بنفسه وقد يراد به غلظه كما يقال: لهذا الثوب جسم

وكذلك أهل العرف الاصطلاحي يريدون بالجسم تارة هذا وتارة هذا ويفرقون بين الجسم التعليمي المجرد عن المحل الذي يسمي المادة والهيولى وبين الجسم الطبيعي الموجود وهذا مبسوط في موضع آخر

والمقصود هنا أنه لو قدر أن الدليل يفتقر إلي مقدمات ولم يذكر القرآن إلا واحدة لم يكن قد ذكر الدليل إلا أن تكون البواقي واضحات لا تفتقر إلي مقدمات خفية فإنه إنما يذكر للمخاطب من المقدمات ما يحتاج إليه دون ما لا يحتاج إليه ومعلوم أن كون الأجسام متماثلة وأن الأجسام تستلزم الأعراض الحادثة وأن الحوادث لا أول لها ـ من أخفي الأمور وأحوجها إلي مقدمات خفية لو كان حقا وهذا ليس في القرآن

والمقصود هنا أنه لو قدر أن الدليل يفتقر إلي مقدمات ولم يذكر القرآن إلا واحدة لم يكن قد ذكر الدليل إلا أن تكون البواقي واضحات لا تفتقر إلي مقدمات خفية فإنه إنما يذكر للمخاطب من المقدمات ما يحتاج إليه دون ما لا يحتاج إليه ومعلوم أن كون الأجسام متماثلة وأن الأجسام تستلزم الأعراض الحادثة وأن الحوادث لا أول لها ـ من أخفي الأمور وأحوجها إلي مقدمات خفية لو كان حقا وهذا ليس في القرآن

فإن قيل: بل كون الأجسام تستلزم الحوادث ظاهر فإنه لا بد للجسم من الحوادث وكون الحوادث لا أول لها ظاهر بل هذا معلوم بالضرورة كما ادعى ذلك كثير من نظار المتكلمين وقالوا: نحن نعلم بالاضطرار أن ما لا يسبق الحوادث أو ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث فإن ما لم يسبقها ولم يخل منها لا يكون قبلها بل إما معها وإما بعدها وما لم يكن قبل الحوادث بل معها أو بعدها لم يكن إلا حادثا فإنه لو لم يكن حادثا لكان متقدما علي الحوادث فكان خاليا منها وسابقا عليها

قيل: مثل هذه المقدمة وأمثالها منشأ غلط كثير من الناس فإنها تكون لفظا مجملا يتناول حقا وباطلا وأحد نوعيها معلوم صادق والآخر ليس كذلك فيلتبس المعلوم منها بغير المعلوم كما في لفظ الحادث والممكن والمتحيز والجسم والجهة والحركة والتركيب وغير ذلك من الألفاظ المشهورة بين النظار التي كثر فيها نزاعهم وعامتها ألفاظ مجملة تتناول أنواعا مختلفة: إما بطريق الاشتراك لاختلاف الاصطلاحات وإما بطريق التواطؤ مع اختلاف الأنواع فإذا فسر المراد وفصل المتشابه تبين الحق من الباطل والمراد من غير المراد

فإذا قال القائل: نحن نعلم بالاضطرار أن ما لا يسبق الحوادث أو ما يخلو منها فهو حادث فقد صدق فيما فهمه من هذا اللفظ وليس ذلك من محل النزاع كلفظ القديم إذا قال قائل: القرآن قديم وأراد به أنه نزل من أكثر من سبعمائة سنة وهو القديم في اللغة أو أراد أنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزول القرآن فإن هذا مما لا نزاع فيه وكذلك إذا قال: غير مخلوق وأراد به أنه غير مكذوب فإن هذا مما لم يتنازع فيه أحد من المسلمين وأهل الملل المؤمنين بالرسل

مناقشة قولهم: ما لا يسبق الحوادث فهو حادث

عدل

وذلك أن القائل إذ قال: ما لا يسبق الحوادث فهو حادث فله معنيان: أحدهما أنه لا يسبق الحادث المعين أو الحوادث المعينة أو المحصورة أو الحوادث التي يعلم أن لها ابتداء فإذا قدر أنه أريد بالحوادث كل ما له ابتداء واحدا كان أو عددا فمعلوم أنه ما لم يسبق هذا أو لم يخل من هذا لا يكون قبله بل لا يكون إلا معه أو بعده فيكون حادثا وهذا مما لا يتنازع فيه عاقلان يفهمان ما يقولان

وليس هذا مورد النزاع ولكن مورد النزاع هو: ما لم يخل من الحوادث المتعاقبة التي لم تزل متعقابة هل هو حادث؟ وهو مبني علي أن هذا هل يمكن وجوده أم لا؟ فهل يمكن وجود حوادث متعاقبة شيئا بعد شيء دائمة لا ابتداء لها ولا انتهاء؟ وهل يمكن أن يكون الرب متكلما لم يزل متكلما إذا شاء؟ وتكون كلماته لا نهاية لها لا ابتداء ولا انتهاء كما أنه في ذاته لم يزل ولا يزال ابتداء لوجوده ولا انتهاء له؟ بل هو الأول الذي ليس قبله شيء وهو الآخر الذي ليس بعده شيء فهو القديم الأزلي الدائم الباقي بلا زوال فهل يمكن أن يكون لم يزل متكلما بمشيئته فلا يكون قد صار متكلما بعد أن لم يكن ن ولا يكون كلامه مخلوقا منفصلا عنه ولا يكون متكلما بغير قدرته ومشيئته بل يكون متكلما بمشيئته وقدرته ولم يزل كذلك ولا يزال كذلك

هذا هو مورد النزاع بين السلف والأئمة الذين قالوا بذلك وبين من نازعهم في ذلك

عدل

والفلاسفة يقولون: إن الفلك نفسه قديم أزلي لم يزل متحركا لكن هذا القول باطل من وجوه كثيرة ومعلوم بالاضطرار أن هذا مخالف لقولهم ومخالف لما أخبر به القرآن والتوراة وسائر الكتب بخلاف كونه لم يزل متكلما أو لم يزل فاعلا أو قادرا علي الفعل فإن هذا مما قد يشكل علي كثير من الناس سمعا وعقلا

وأما كون السماوات والأرض مخلوقتين محدثتين بعد العدم فهذا إنما نازع فيه طائفة قليلة من الكفار كأرسطو وأتباعه

وأما جمهور الفلاسفة مع عامة أصناف المشركين من الهند والعرب وغيرهم ومع المجوس وغيرهم ومع أهل الكتاب وغيرهم فهم متفقون علي أن السماوات والأرض وما بينهما محدث مخلوق بعد أن لم يكن ولكن تنازعوا في مادة ذلك هل هي موجودة قبل هذا العالم؟ وهل كان قبله مدة ومادة أم هو أبدع ابتداء من غير تقدم مدة ولا مادة؟

فالذي جاء به القرآن والتوراة واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها مع أئمة أهل الكتاب: أن هذا العالم خلقه الله وأحدثه من مادة كانت مخلوقة قبله كما أخبر في القرآن أنه: { استوى إلى السماء وهي دخان } أي بخار { فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها } [ فصلت: 11 ] وقد كان قبل ذلك مخلوق غيره كالعرش والماء كما قال تعالى { وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء } [ هود: 7 ] وخلق ذلك في مدة غير مقدار حركة الشمس والقمر كما أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام

والشمس والقمر هما من السماوات والأرض وحركتهما بعد خلقهما والزمان المقدر بحركتهما ـ وهو الليل والنهار التابعان لحركتهما ـ إنما حدث بعد خلقهما وقد أخبر الله أن خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام فتلك الأيام مدة وزمان مقدر بحركة أخري غير حركة الشمس والقمر

وهذا مذهب جماهير الفلاسفة الذين يقولون: إن هذا العالم مخلوق محدث وله مادة متقدمة عليه لكن حكي عن بعضهم أن تلك المادة المعنية قديمة أزلية وهذا أيضا باطل كما قد بسط في غير هذا الموضع فإن المقصود هنا إشارة مختصرة إلي قول من يقول: إن أقوال هؤلاء دل عليها السمع

فإن قيل: إبطال حوادث لا أول لها قد دل عليه قوله تعالى { وكل شيء عنده بمقدار } [ الرعد: 8 ] وقوله { وأحصى كل شيء عددا } [ الجن: 28 ] كما ذكر ذلك طائفة من النظار فإن ما لا ابتداء له ليس له كل وقد أخبر أنه أحصي كل شيء عددا

قيل: هذا لو كان حقا لكان دلالة خفية لا يصلح أن يحال عليها كنفي ما دل علي الصفات فإن تلك نصوص كثيرة جلية وهذا لو قدر أنه دليل صحيح ـ فإنه يحتاج إلي مقدمات كثيرة خفية لو كانت حقا مثل أن يقال: هذا يستلزم بطلان حوادث لا أول لها وذلك يستلزم حدوث الجسم لأن الجسم لو كان قديما للزم حوادث لا بداية لها لأن الجسم يستلزم الحوادث فلا يخلو منها لاستلزامه الأكوان أو الحركات أو الأعراض ثم يقال بعد هذا: وإثبات الصفات يستلزم كون الموصوف جسما

وهذه المقدمة تناقض فيها عامة من قالها كما سنبينه إن شاء الله تعالى فكيف وقوله { وأحصى كل شيء عددا } لا يدل علي ذلك؟ فإنه سبحانه قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وقال { وكل شيء أحصيناه في إمام مبين } [ يس: 12 ] فقد أحصي وكتب ما يكون قبل أن يكون إلي أجل محدود فقد أحصي المستقبل المعدوم كما أحصي الماضي الذي وجد ثم عدم

ولفظ الإحصاء لا يفرق بين هذا وبين هذا فإن كان الإحصاء يتناول ما لا يتناهى جملة فلا حجة في الآية وإن قيل: بل أحصي المستقبل تقديره: جملة بعد جملة لم يكن في الآية حجة فإنه يمكن أن يقال في الماضي كذلك

ومسألة تناول العلم لما لا يتناهى مسألة مشكلة علي القولين ليس الغرض هنا إنهاء القول فيها بل المقصود أن مثل هذه الآية لم يرد الله بها إبطال دوام كونه لم يزل متكلما

المعاني المختلفة لحدوث العالم عند النظار

عدل

ومما يشبه هذا إذا قيل: العالم حادث أم ليس بحادث؟ والمراد بالعالم في الاصطلاح هو كل ما سوى الله فإن هذه العبارة لها معني في الظاهر المعروف عند عامة الناس أهل الملل وغيرهم ولها معني في عرف المتكلمين وقد أحدث الملاحدة لها معني ثالثا

المعنى الأول

فالذي يفهمه الناس من هذا الكلام أن كل ما سوى الله مخلوق حادث كائن بعد أن لم يكن وأن الله وحده هو القديم الأزلي ليس معه شيء قديم تقدمه بل كل ما سواه كائن بعد أن لم يكن فهو المختص بالقدم كما اختص بالخلق والإبداع والإلهية والربوبية وكل ما سواه محدث مخلوق مربوب عبد له

وهذا العني هو المعروف عن الأنبياء وأتباع من المسلمين واليهود والنصارى وهو مذهب أكثر الناس غير أهل الملل من الفلاسفة وغيرهم

المعنى الثاني

والمعني الثاني أن يقال: لم يزل الله لا يفعل شيئا ولا يتكلم بمشيئته ثم حدثت الحوادث من غير سبب يقتضي ذلك مثل أن يقال: إن كونه لم يزل متكلما بمشيئته أو فاعلا بمشيئته بل لم يزل قادرا هو ممتنع وإنه يمتنع وجود حوادث لا أول لها فهذا المعني هو الذي يعنيه أهل الكلام من الجهمية والمعتزلة ومن أتبعهم بحدوث العالم وقد يحكونه عن أهل الملل وهو بهذا المعني لا يوجد لا في القرآن ولا غيره من كتب الأنبياء لا التوراة ولا غيرها ولا في حديث ثابت عن النبي ولا يعرف هذا عن أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين

المعنى الثالث

والمعنى الثالث الذي أحدثه الملاحدة كابن سينا وأمثاله قالوا: نقول العالم محدث أي معلول لعلة قديمة أزلية أوجبته فلم يزل معها وسموا هذا الحدوث الذاتي وغيره الحدوث الزماني

والتعبير بلفظ الحدوث عن هذا المعني لا يعرف عن أحد من أهل اللغات لا العرب ولا غيرهم إلا من هؤلاء الذين ابتدعوا لهذا اللفظ هذا المعني والقول بأن العالم محدث بهذا المعني فقط ليس قول أحد من الأنبياء ولا أتباعهم ولا أمة من الأمم العظيمة ولا طائفة من الطوائف المشهورة التي اشتهرت مقالاتها في عموم الناس بحيث كان أهل مدينة علي هذا القول إنما يقول هذا طوائف قليلة مغمورة في الناس

وهذا القول إنما هو معروف عن طائفة من المتفلسفة المليين كابن سينا وأمثاله وقد يحكون هذا القول عن أرسطو وقوله الذي في كتبه: أن العالم قديم وجمهور الفلاسفة قبله يخالفونه ويقولون: إنه محدث ولم يثبت في كتبه للعالم فاعلا موجبا له بذاته وإنما أثبت له علة يتحرك للتشبه بها ثم جاء الذين أرادوا إصلاح قوله فجعلوا العلة أو لي لغيرها كما جعلها الفارابي وغيره ثم جعلها بعض الناس آمرة للفلك بالحركة لكن يتحرك للتشبه بها كما يتحرك العاشق للمعشوق وإن كان لا شعور له ولا قصد وجعلوه مدبرا بهذا الاعتبار ـ كما فعل ابن رشد وابن سينا ـ جعلوه موجبا بالذات لما سواه وجعلوا ما سواه ممكنا

الوجه الخامس: أن يقال: غاية ما يدل عليه السمع ـ إن دل ـ علي أن الله ليس بجسم وهذا النفي يسلمه كثير ممن يثبت الصفات أو أكثرهم وينفيه بعضهم ويتوقف فيه بعضهم ويفصل القول فيه بعضهم

ونحن نتكلم علي تقدير تسليم النفي فنقول: ليس في هذا النفي ما يدل علي صحة مذهب أحد من نفاة الصفات أو الأسماء بل ولا يدل ذلك علي تنزيهه سبحانه عن شيء من النقائص فإن من نفي شيئا من الصفات لكون إثباته تجسيما وتشبيها يقول له المثبت: قولي فيما أثبته من الصفات والأسماء كقولك فيما أثبته من ذلك فإن تنازعا في الصفات الخبرية أو العلو أو الرؤية أو نحو ذلك وقال له النافي: هذا يستلزم التجسيم والتشبيه لأنه لا يعقل ما هو كذلك إلا الجسم قال له المثبت: لا يعقل ما له حياة وعلم وقدرة وسمع وبصر وكلام وإرادة إلا ما هو جسم فإذا جاز لك أن تثبت هذه الصفات وتقول: الموصوف بها ليس بجسم جاز لي مثل ما جاز لك من إثبات تلك الصفات مع أن الموصوف بها ليس بجسم فإذن جاز أن يثبت مسمي بهذه الأسماء ليس بجسم فإن قال له: هذه معان وتلك أبعاض

قال له: الرضا والغضب والحب والبغض معان واليد والوجه ـ وإن كان بعضا ـ فالسمع والبصر والكلام أعراض لا تقوم إلا بجسم فإن جاز لك إثباتها مع أنها ليست أعراضا ومحلها ليس بجسم جاز لي إثبات هذه مع أنها ليست أبعاضا

فإن قال نافي الصفات: أنا لا أثبت شيئا منها

قال له: أنت أبهمت الأسماء فأنت تقول: هو حي عليم قدير ولا تعقل حيا عليما قديرا إلا جسما وتقول: إنه هو ليس بجسم فإذا جاز لك أن تثبت مسمي بهذه الأسماء ليس بجسم مع أن هذا ليس معقولا لك جاز لي أن أثبت موصوفا بهذه الصفات وإن كان هذا غير معقول لي فإن قال الملحد: أنا أنفي الأسماء والصفات

قيل له: إما أن تقر بأن هذا العالم المشهود مفعول مصنوع له صانع فاعله أو تقول: إنه قديم أزلي واجب الوجود بنفسه غني عن الصانع

فإن قلت بالأول فصانعه إن قلت: هو جسم فقد وقعت فيما نفيته وإن قلت: ليس بجسم فقد أثبت فاعلا صانعا للعالم ليس بجسم وهذا لا يعقل في الشاهد

فإذا أثبت خالقا فاعلا ليس بجسم وأنت لا تعرف فاعلا إلا جسما كان لمنازعك أن يقول: هو حي عليم ليس بجسم وإن كان يعرف حيا عليما إلا جسما بل لزمك أن تثبت له من الصفات والأسماء ما يناسبه

وإن قال الملحد: بل هذا العالم المشهود قديم واجب بنفسه غني عن الصانع فقد أثبت واجبا بنفسه قديما أزليا هو جسم حامل للأعراض متحيز في الجهات تقوم به الأكوان وتحله الحوادث والحركات وله أبعاض وأجزاء فكان ما فر منه من إثبات جسم قديم قد لزمه مثله وما هو أبعد منه ولم يستفد بذلك الإنكار إلا جحد الخالق وتكذيب رسله ومخالفة صريح المعقول والضلال المبين الذي الذي هو منتهى ضلال الضالين وكفر الكافرين

فقد تبين أن قول من نفي الصفات أو شيئا منها لأن إثباتها تجسيم قول لا يمكن أحدا أن يستدل به بل ولا يستدل أحد علي تنزيه الرب عن شيء من النقائص بأن ذلك يستلزم التجسيم لأنه لا بد أن يثبت شيئا يلزمه فيما أثبته نظير ما ألزمه غيره فيما نفاه وإذا كان اللازم في الموضعين واحدا وما أجاب هو به أمكن المنازع له أن يجيب بمثله لم يمكنه أن يثبت شيئا وينفي شيئا علي هذا التقدير وإذا انتهي إلي التعطيل المحض كان ما لزمه من تجسيم الواجب بنفسه القديم أعظم من كل تجسيم نفاه فعلم أن مثل هذا الاستدلال علي النفي بما يستلزم التجسيم لا يسمن ولا يغني من جوع

الجواب لأهل المقام الثاني من وجوه

عدل

وأما الجواب لأهل المقام الثاني ـ وهم محققو النفاة الذين يقولون: السمع لم يدل إلا علي الإثبات ولكن العقل دل علي النفي ـ فجوابهم من وجوه :

أحدها ـ أن يقال: نحن في هذا المقام مقصودنا أن العقل الذي به يعلم صحة السمع لا يستلزم النفي المناقض للسمع وقد تبين أن الأنبياء لم يدعوا الناس بهذه الطريق المستلزمة للنفي طريقة الأعراض وأن الذين آمنوا بهم وعلموا صدقهم لم يعلموه بهذه الطريق وحينئذ فإذا قدر أن معقولكم خالف السمع لم يكن هذا المعقول أصلا في السمع ولم يكن السمع قد ناقض المعقول الذي عرفت به صحته وهذا هو المطلوب

وإذا قلتم: نحن لم نعرف صحة السمع إلا بهذه الطريق أو قلتم: لا نعرف السمع إلا بهذه الطريق

قيل لكم: أما شهادتكم علي أنفسكم بأنكم لم تعرفوا السمع إلا بهذه الطريق فقد شهدتم علي أنفسكم بضلالكم وجهلكم بالطرق التي دعت بها الأنبياء أتباعهم وإذا كنتم لا تعرفون تلك الطرق فأنتم جهال بطرق الأنبياء وبما بينوا به إثبات الصانع وتصديق رسله فلا يجوز لكم حينئذ أن تقولوا: إن صدقهم لا يعرف إلا بمعقول يناقض المنقول عنهم

وأما إذا قلتم: لا يمكن أن يعرف الله إلا بهذه الطريق فهذه شهادة زور وتكذيب بما لم تحيطوا بعلمه ونفي لا يمكنكم معرفته فمن أين تعرفون أن جميع بني آدم من الأنبياء وأتباع الأنبياء لا يمكنهم أن يعرفوا الله إلا بإثبات الأعراض وحدوثها ولزومها للجسم وامتناع حوادث لا أول لها أو بنحو هذا الطريق؟ وهل الإقدام علي هذا النفي إلا من قول من هو أجهل الناس وأضلهم وأبعدهم عن معرفة طرق العلم وأدلته والأسباب التي بها يعرف الناس ما لم يعرفوه وهذا النفي قاله كثير من الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم وهذه حاله وهذا النفي عمدة هؤلاء

الوجه الثاني: أن يقال لهم: بل صدق الرسول يعلم بطرق متعددة لا تحتاج إلي هذا النفي كما أقر بذلك جمهور النظار حتى إن مسألة حدوث العالم اعترف بها أكابر النظار من المسلمين وغير المسلمين حتى إن موسى ابن ميمون صاحب دلالة الحائرين وهو في اليهود ك أبي حامد الغزالي في المسلمين يمزج الأقوال النبوية بالأقوال الفلسفية ويتأولها عليها حتى الرازي وغيره من أعيان النظار اعترفوا بأن العلم بحدوث العالم لا يتوقف علي الأدلة العقلية بل يمكن معرفة صدق الرسول قبل العلم بهذه المسألة ثم يعلم حدوث العالم بالسمع فهؤلاء اعترفوا بإمكان كونها سمعية فضلا عن وجوب كونها عقلية فضلا عن كونها أصلا للسمع فضلا عن كونها لا أصل للسمع سواها

وأيضا فقد اعترف أئمة النظار بطرق متعددة لا يتوقف شيء منها علي نفي الجسم ولا نفي الصفات

الوجه الثالث: أن يقال: إذا كانت الرسل والأنبياء قد اتبعهم أمم لا يحصي عددهم إلا الله من غير أن يعتمدوا علي هذه الطريق وهم يخبرون أنهم علموا صدق الرسول يقينا لا ريب فيه وظهر منهم من أقوالهم وأفعالهم ما يدل علي أنهم عالمون بصدق الرسول متيقنون لذلك لا يرتابون فيه وهم عدد كثير أضعاف أضعاف أضعاف أي تواتر قدر فعلم أنهم لم يجتمعوا ويتواطئوا علي هذا الإخبار الذي يخبرون به عن أنفسهم ـ علم قطعا أنه حصل لهم علم يقيني بصدق الرسول من غير هذه الطريقة المستلزمة لنفي شيء من الصفات

الوجه الرابع: أن نبين فساد هذه الأقوال المخالفة لنصوص الأنبياء وفساد طرقها التي جعلها أصحابها براهين عقلية كما سيأتي إن شاء الله

الوجه الخامس: أن نبين أن الأدلة العقلية الصحيحة البينة التي لا ريب فيها بل العلوم الفطرية الضرورية توافق ما أخبرت به الرسل لا تخالفه وأن الأدلة العقلية الصحيحة جميعها موافقة للسمع لا تخالف شيئا من السمع وهذا ـ ولله الحمد ـ قد اعتبرته فيما ذكره عامة الطوائف فوجدت كل طائفة من طوائف النظار أهل العقليات لا يذكر أحد منهم في مسألة ما دليلا صحيحا يخالف ما أخبرت به الرسل بل يوافقه حتى الفلاسفة القائلين بقدم العالم كأرسطو وأتباعه: ما يذكرونه من دليل صحيح عقلي فإنه لا يخالف ما أخبرت به الرسل بل يوافقه وكذلك سائر طوائف النظار من أهل النفي والإثبات لا يذكرن دليلا عقليا في مسألة إلا والصحيح منه موافق لا مخالف

وهذا يعلم به أن المعقول الصريح ليس مخالفا لأخبار الأنبياء علي وجه التفصيل كما نذكره إن شاء الله في موضعه ونبين أن من خالف الأنبياء فليس لهم عقل ولا سمع كما أخبر الله عنهم بقوله تعالى { كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير * وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير * فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير } [ الملك: 8 - 11 ]

ثم نذكر وجوها أخر لبيان فساد هذا الأصل الذي يتوسل به أهل الإلحاد إلي رد ما قاله الله ورسوله فنقول :

(الوجه الرابع)

أن يقال: العقل إما أن يكون عالما بصدق الرسول وثبوت ما أخبر به في نفس الأمر وإما أن لا يكون عالما بذلك

فإن لم يكن عالما امتنع التعارض عنده إذا كان المعقول معلوما له لأن المعلوم لا يعارضه المجهول وإن لم يكن المعقول معلوما له لم يتعارض مجهولان

وإن كان عالما بصدق الرسول امتنع ـ مع هذا ـ أن لا يعلم ثبوت ما أخبر به في نفس الأمر غايته أن يقول: هذا لم يخبر به والكلام ليس هو فيما لم يخبر به بل إذا علم أن الرسول أخبر بكذا فهل يمكنه ـ مع علمه بصدقه فيما أخبر وعلمه أنه أخبر بكذا ـ أن يدفع عن نفسه علمه بثبوت المخبر أم يكون علمه بثبوت مخبره لازما له لزوما ضروريا كما تلزم سائر العلوم لزوما ضروريا لمقدماتها؟

وإذا كان كذلك فإذا قيل له في مثل هذا: لا تعتقد ثبوت ما عملت أنه أخبر به لأن هذا الاعتقاد ينافي ما علمت به أنه صادق كان حقيقة الكلام: لا تصدقه في هذا الخبر لأن تصديقه يستلزم عدم تصديقه فيقول: وعدم تصديقي له فيه هو عين اللازم المحذور فإذا قيل: لا تصدقه لئلا يلزم أن لا تصدقه كان كما لو قيل: كذبه لئلا يلزم أن تكذبه فيكون المنهي عنه هو المخوف المحذور من فعل المنهي عنه والمأمور به هو المحذور من ترك المأمور به فيكون واقعا في المنهي عنه سواء أطاع أو عصى ويكون تاركا للمأمور به سواء أطاع أو عصي ويكون وقوعه في المخوف المحذور علي تقدير الطاعة لهذا الآمر الذي أمره بتكذيب ما تيقن أن الرسول أخبر به أعجل وأسبق منه علي تقدير المعصية والمنهي عنه علي هذا التقدير هو التصديق والمأمور به هو التكذيب وحينئذ فلا يجوز النهي عنه سواء كان محذورا أو لم يكن فإن لم يكن محذورا لم يجز أن ينهى عنه وإن كان محذورا فلا بد منه علي التقديرين فلا فائدة في النهي عنه بل إذا كان عدم التصديق هو المحذور كان طلبه ابتداء أقبح من طلب غيره لئلا يفضي إليه فإن من أمر بالزنا كان أمره به أقبح من أن يأمر بالخلوة المفضية إلي الزنا

فهكذا حال من أمر الناس أن لا يصدقوا الرسول فيما علموا أنه أخبر به بعد علمهم أنه رسول الله لئلا يفضي تصديقهم له إلي عدم تصديقهم له بل إذا قيل له: لا تصدقه في هذا كان هذا أمرا له بما يناقض ما علم به صدقه فكان أمرا له بما يوجب أن لا يثق بشيء من خبره فإنه متى جوز كذبه أو غلطه في خبر جوز ذلك في غيره

ولهذا آل الأمر بمن يسلك هذا الطريق إلي انهم لا يستفيدون من جهة الرسول شيئا من الأمور الخبرية المتعلقة بصفات الله تعالى وأفعاله بل وباليوم الآخر عند بعضهم لاعتقادهم أن هذه فيها ما يرد بتكذيب أو تأويل وما لا يرد وليس لهم قانون يرجعون إليه في هذا الأمر من جهة الرسالة بل هذا يقول: ما أثبته عقلك فأثبته وإلا فلا وهذا يقول: ما أثبته كشفك فأثبته وإلا فلا فصار وجود الرسول عندهم كعدمه في المطالب الإلهية وعلم الربوبية بل وجوده ـ علي قولهم ـ أضر من عدمه لأنهم لم يستفيدوا من جهته شيئا واحتاجوا إلي أن يدفعوا ما جاء به: إما بتكذيب وإما بتفويض وإما بتأويل وقد بسط هذا في غير هذا الموضع

فإن قالوا: لا يتصور أن يعلم أنه أخبر بما ينافي العقل فإنه منزه عن ذلك وهو ممتنع عليه قيل لهم: فهذا إقرار منكم بامتناع معارضة الدليل العقلي للسمعي

فإن قالوا: إنما أردنا معارضة ما يظن أنه دليل وليس بدليل أصلا أو يكون دليلا ظنيا لتطرق الظن إلي بعض مقدماته: إما في الإسناد وإما في المتن كإمكان كذب المخبر أو غلطه وكإمكان احتمال اللفظ لمعنيين فصاعدا

قيل: إذا فسرتم الدليل السمعي بما ليس بدليل في نفس الأمر بل اعتقاد دلالته جهل أو بما يظن أنه دليل وليس بدليل أمكن أن يفسر الدليل العقلي المعارض للشرع بما ليس بدليل في نفس الأمر بل اعتقاد دلالته جهل أو بما يظن أنه دليل وليس بدليل

وحينئذ فمثل هذا ـ وإن سماه أصحابه براهين عقلية أو قواطع عقلية وهو ليس بدليل في نفس الأمر أو دلالته ظنية ـ إذا عارض ما هو دليل سمعي يستحق أن يسمي دليلا لصحة مقدماته وكونها معلومة وجب تقديم الدليل السمعي عليه بالضرورة واتفاق العقلاء

فقد تبين أنهم بأي شيء فسروا جنس الدليل الذي رجحوه أمكن تفسير الجنس الآخر بنظيره وترجيحه كما رجحوه وهذا لأنهم وضعوا وضعا فاسدا حيث قدهموا ما لا يستحق التقديم لا عقلا ولا سمعا وتبين بذلك أن تقديم الجنس علي الجنس باطل بل الواجب أن ينظر في عين الدليلين المتعارضين فيقدهم ما هو القطعي منهما أو الراجح إن كانا ظنيين سواء كان هو السمعي أو العقلي ويبطل هذا الأصل الفاسد الذي هو ذريعة إلي الإلحاد

الوجه الخامس

عدل

أنه إذا علم صحة السمع وأن ما أخبر به الرسول فهو حق فإما أن يعلم أنه أخبر بمحل النزاع أو يظن أنه أخبر به أو لا يعلم ولا يظن

فإن علم أنه أخبر به امتنع أن يكون في العقل ما ينافي المعلوم بسمع أو غيره فإن ما علم ثبوته أو انتفاؤه لا يجوز أن يقوم دليل يناقض ذلك

وإن كان مظنونا أمكن أن يكون في العقل علم ينفيه وحينئذ فيجب تقديم العلم علي الظن لا لكونه معقولا أو مسموعا بل لكونه علما كما يجب تقديم ما علم بالسمع علي ما ظن بالعقل وإن كان الذي عارضه من العقل ظنيا فإن تكافآ وقف الأمر وإلا قدم الراجح

وإن لم يكن في السمع علم ولا ظن فلا معارضة حينئذ فتبين أن الجزم بتقديم العقل مطلقا خطأ وضلال

الوجه السادس

عدل

أن يقال: إذا تعارض الشرع والعقل وجب تقديم الشرع لأن العقل مصدق للشرع في كل ما أخبر به والشرع لم يصدق العقل في كل ما أخبر به ولا العلم بصدقه موقوف علي كل ما يخبر به العقل

مهمة العقل

عدل

ومعلوم أن هذا إذا قيل أوجه من قولهم: كما قال بعضهم: يكفيك من العقل أن يعلمك صدق الرسول ومعاني كلامه وقال بعضهم: العقل متول ولي الرسول ثم عزل نفسه لأن العقل دل علي أن الرسول يجب تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر

والعقل يدل علي صدق الرسول دلالة عامة مطلقة وهذا كما أن العامي إذا علم عين المفتي ودل غيره عليه وبين له أنه عالم مفت ثم اختلف العامي الدال والمفتي وجب علي المستفتي أن يقدم قول المفتي فإذا قال له العامي: أنا الأصل في علمك بأنه مفت فإذا قدمت قوله علي قولي عند التعارض قدحت في الأصل الذي به علمت بأنه مفت قال له المستفتي: أنت لما شهدت بأنه مفت ودللت علي ذلك شهدت بوجوب تقليده دون تقليدك كما شهد به دليلك وموافقتي لك في هذا العلم المعين لا يستلزم أني أوافقك في العلم بأعيان المسائل وخطؤك فيما خالفت فيه المفتي الذي هو اعلم منك لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مفت وأنت إذا علمت أنه مفت باجتهاد وإستدلال ثم خالفته باجتهاد واستدلال كنت مخطئا في الاجتهاد والاستدلال الذي خالفت به من يجب عليك تقليده وإتباع قوله وإن لم تكن مخطئا في الاجتهاد والاستدلال الذي به علمت أنه عالم مفت يجب عليك تقليده هذا مع علمه بأن المفتي يجوز عليه الخطأ والعقل يعلم أن الرسول معصوم في خبره عن الله تعالى لا يجوز عليه الخطأ فتقديمه قول المعصوم علي ما يخالفه من أستدلاله العقلي أولي من تقديم العامي قول المفتي علي قوله الذي يخالفه

وكذلك أيضا إذا علم الناس وشهدوا أن فلانا خبير بالطب أو القيافة أو الخرص أو تقويم السلع ونحو ذلك وثبت عند الحاكم أنه عالم بذلك دونهم أو أنه أعلم منهم بذلك ثم نازع الشهود الشاهدون لأهل العلم بالطب والقيافة والخرص والتقويم أهل العلم بذلك وجب تقديم قول أهل العلم بالطب والقيافة والخرص والتقويم علي قول الشهود الذين شهدوا لهم وإن قالوا: نحن زكينا هؤلاء وبأقوالنا ثبتت أهليتهم فالرجوع في محل النزاع إليهم دوننا يقدح في الأصل الذي ثبت به قولهم

كما قال بعض الناس: إن العقل مزكي الشرع ومعدله فإذ قدم الشرع عليه كان قدحا فيمن زكاه وعدله فيكون قدحا فيه

قيل لهم: أنتم شهدتم بما علمتم من أنه أهل العلم بالطب أو التقويم أو الخرص أو القيافة ونحو ذلك وأن قوله في ذلك مقبول دون قولكم فلو قدمنا قولكم عليه في هذه المسائل لكان ذلك قدحا في شهادتكم وعلمكم بأنه أعلم منكم بهذه الأمور وإخباركم بذلك لا ينافي قبول قوله دون أقوالكم في ذلك إذ يمكن إصابتكم في قلوكم: هو أعلم منا وخطؤكم في قولكم: نحن أعلم ممن هو أعلم منا فيما ينازعنا فيه من المسائل التي هو أعلم بها منا بل خطؤكم في هذا أظهر

والإنسان قد يعلم أن هذا أعلم منه بالصناعات كالحراثة والنساجة والبناء والخياطة وغير ذلك من الصناعات وإن لم يكن عالما بتفاصيل تلك الصناعة فإذا تنازع هو وذلك الذي هو أعلم منه لم يكن تقديم قول الأعلم منه في موارد النزاع قدحا فيما علم به أنه أعلم منه

ومن المعلوم أن مباينة الرسول لذوي العقول أعظم من مباينة أهل العلم بالصناعات العلمية والعملية والعلوم العقلية الاجتهادية كالطب والقيافة والخرص والتقويم لسائر الناس فإن من الناس من يمكنه أن يصير عالما بتلك الصناعات العلمية والعملية كعلم أربابها بها ولا يمكن من لم يجعله الله رسولا إلي الناس أن يصير بمنزلة من جعله الله تعالى رسولا إلي الناس فإن النبوة لا تنال بالاجتهاد كما هو مذهب أهل الملل وعلي قول من يجعلها مكتسبة من أهل الإلحاد من المتفسلفة وغيرهم فإنها عندهم أصعب الأمور فالوصول إليها أصعب بكثير من الوصول إلي العلم بالصناعات والعلوم العقلية

وإذا كان الأمر كذلك فإذا علم الإنسان بالعقل أن هذا رسول الله وعلم أنه أخبر بشيء ووجد في عقله ما ينازعه في خبره كان عقله يوجب عليه أن يسلم موارد النزاع إلي من هو أعلم به منه وأن لا يقدم رأيه علي قوله ويعلم أن عقله قاصر بالنسبة إليه وأنه أعلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته واليوم الآخر منه وأن التفاوت الذي بينهما في العلم بذلك أعظم من التفاوت الذي بين العامة وأهل العلم بالطب

فإذا كان عقله يوجب أن ينقاد لطبيب يهودي فيما أخبره به من مقدرات من الأغذية والأشربة والأضمدة والمسهلات واستعمالها علي وجه مخصوص مع ما في ذلك من الكلفة والألم لظنه أن هذا أعلم بهذا مني وأني إذا صدقته كان ذلك أقرب إلي حصول الشفاء لي مع علمه بان الطبيب يخطئ كثيرا وأن كثيرا من الناس لا يشفي بما يصفه الطبيب بل قد يكون استعماله لما يصفه سببا في هلاكه ومع هذا فهو يقبل قوله ويقلده وإن كان ظنه واجتهاده يخالف وصفه فكيف حال الخلق مع الرسل عليهم الصلاة والسلام؟ !

والرسل صادقون مصدوقون لا يجوز أن يكون خبرهم علي خلاف ما أخبروا به قط والذين يعارضون أقوالهم بعقولهم عندهم من الجهل والضلال ما لا يحصيه إلا ذو الجلال فكيف يجوز أن يعارض ما لم يخطئ قط بما لم يصب في معارضته له قط؟

فإن قيل: فالشهود إذا عدلوا شخصا ثم عاد ذلك المعدل فكذبهم كان تصديقه في جرحهم جرحا في طريق تعديله

قيل: ليس هذا وزان مسألتنا فإن المعدل إما أن يقول: هم فساق لا يجوز قبول شهادتهم وإما أن يقول: هم في هذه الشهادة المعينة أخطأوا أو كذبوا فإن جرحهم مطلقا كان نظير هذا أن يكون الشرع قد قدح في دلالة العقل مطلقا وليس كذلك فإن الأدلة الشرعية لا تقدح في جنس الأدلة العقلية

وأما إذا قدح في شهادة معينة من شهادات مزكيه وقال: إنهم أخطأوا فيها فهذا لا يعارض تزكيتهم له باتفاق العقلاء فإن المزكي لشاهد ليس من شرطه أن لا يغلط ولا يلزم من خطئه في شهادة معينة خطؤه في تعديل من عدله وفي غير ذلك من الشهادات

وإذا قال المعدل المزكي في بعض شهادات معدله ومزكيه: قد أخطأ فيها لم يضره هذا باتفاق العقلاء بل الشاهد العدل قد ترد شهادته لكونه خصما أو ظنينا لعداوة أو غيرها وإن لم يقدح ذلك في سائر شهاداته فلو تعارضت شهادة المعدل والمعدل وردت شهادة المعدل لكونه خصما أو ظنينا لم يقدح ذلك في شهادة الآخر وعدالته فالشرع إذا خالف العقل في بعض موارد النزاع ونسبه في ذلك إلي الخطأ والغلط لم يكن ذلك قدحا في كل ما يعلمه العقل ولا في شهادته له بأنه صادق مصدوق

ولو قال المعدل: إن الذي عدلني كذب في هذه الشهادة المعنية فهذا أيضا ليس نظيرا لتعارض العقل والسمع فإن الأدلة السمعية لا تدل علي أن أهل العقول الذين حصلت لهم شبه خالفوا بها الشرع تعمدوا الكذب في ذلك

وهب أن الشخص الواحد والطائفة المعينة قد تتعمد الكذب لكن جنس الأدلة المعارضة لا توصف بتعمد الكذب

وأيضا فالشاهد إذا صرح بتكذيب معدليه ل يكن تكذيب المعدل من عدله في قضية معينة مستلزما للقدح في تعديله لأنه يقول: كان عدلا حين زكاني ثم طرأ عليه الفسق فصار يكذب بعد ذلك ولا ريب أن العدول إذا عدلوا شخصا ثم حدث ما أوجب فسقهم لم يكن ذلك قادحا في تعديلهم الماضي كما لا يكون قادحا في غير ذلك من شهاداتهم

فتبين أن تمثيل معارضة الشرع للعقل بهذا ليس فيه حجة علي تقديم آراء العقلاء علي الشرع بوجه من الوجوه

وأيضا فإذا سلم أن هذا نظير تعارض الشرع والعقل فيقال: من المعلوم أن الحاكم إذا سمع جرح المعدل وتكذيبه لمن عدله في بعض ما أخبر به لم يكن هذا مقتضيا لتقدم قول الذين زكوه بل يجوز أن يكونوا صادقين في تعديله كاذبين فيما كذبهم فيه ويجوز أن يكونوا كاذبين في تعديله وفي هذا ويجوز أن يكونوا كاذبين في تعديله صادقين في هذا سواء كانوا متعمدين للكذب أو مخطئين وحينئذ فالحاكم يتوقف حتى يتبين له الأمر لا يرد قول الذين عدلوه بمجرد معارضته لهم فلو كان هذا وزان تعارض العقل والشرع لكان موجب ذلك تقديم العقل

(الوجه السابع)

أن يقال: تقديم المعقول علي الأدلة الشرعية ممتنع متناقض وأما تقديم الأدلة الشرعية فهو ممكن مؤتلف فوجب الثاني دون الأول وذلك لأن كون الشيء معلوما بالعقل أو غير معلوم بالعقل ليس هو صفة لازمه لشيء من الأشياء بل هو من الأمور النسبية الإضافية فإن زيدا قد يعلم بعقله ما لا يعلمه بكر بعقله وقد يعلم الإنسان في حال بعقله ما يجهله في وقت آخر

والمسائل التي بقال إنه قد تعارض فيها العقل والشرع جميعها مما اضطرب فيه العقلاء ولم يتفقوا فيها علي أن موجب العقل كذا بل كل من العقلاء يقول: إن العقل أثبت أو أوجب أو سوغ ما يقول الآخر: إن العقل نفاه أو أحاله أو منع منه بل قد آل الأمر بينهم إلي التنازع فيما يقولون إنه من العلوم الضرورية فيقول هذا: نحن نعلم بالضرورة العقلية ما يقول الآخر: إنه غير معلوم بالضرورة العقلية

كما يقول أكثر العقلاء: نحن نعلم أن بالضرورة العقلية امتناع رؤية مرئي من غير معاينة ومقابلة ويقول طائفة من العقلاء: إن ذلك ممكن

وقول أكثر العقلاء: إنا نعلم أن حدوث حادث بلا سبب حادث ممتنع ويقول طائفة من العقلاء: إن ذلك ممكن

ويقول أكثر العقلاء: إن كون الموصوف عالما بلا علم قادرا بلا قدرة حيا بلا حياة ممتنع في ضرورة العقل وآخرون ينازعون في ذلك

ويقول أكثر العقلاء: إن كون الشيء الواحد أمرا نهيا خبرا ممتنع في ضرورة العقل وآخرون ينازعون في ذلك

ويقول أكثر العقلاء: إن كون العقل والعاقل والمعقول والعشق والمعشوق والوجود والموجود والوجوب والعناية أمرا واحدا هو ممتنع في ضرورة العقل وآخرون ينازعون في ذلك

ويقول جمهور العقلاء: إن الوجود ينقسم إلي واجب وممكن وقديم ومحدث وإن لفظ الوجود يعمهما ويتناولهما وإن هذا معلوم بضرورة العقل ومن الناس من ينازع في ذلك

ويقول جمهور العقلاء: إن حدوث الأصوات المسموعة من العبد بالقرآن أمر معلوم بضرورة العقل ومن الناس من ينازع في ذلك

وجمهور العقلاء يقولون: إثبات موجودين ليس أحدهما مباينا للأخر ولا داخلا فيه أو إثبات موجود ليس بداخل العالم ولا خارجه معلوم الفساد بضرورة العقل ومن الناس من نازع في ذلك

وجمهور العقلاء يعلمون أن كون نفس الإنسان هي العالمة بالأمور العامة الكلية والأمور الخاصة الجزئية معلوم بضرورة العقل ومن الناس من نازع في ذلك وهذا باب واسع

فلو قيل بتقديم العقل علي الشرع وليست العقول شيئا واحدا بينا بنفسه ولا عليه دليل معلوم للناس بل فيها هذا الاختلاف والاضطراب لوجب أن يحال الناس علي شيء لا سبيل إلي ثبوته ومعرفته ولا اتفاق للناس عليه

وأما الشرع فهو في نفسه قول الصادق وهذه صفة لازمة له لا تختلف باختلاف أحوال الناس والعلم بذلك ممكن ورد الناس إليه ممكن ولهذا جاء التنزيل برد الناس عند التنازع إلي الكتاب والسنة كما قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا } [ النساء: 59 ] فأمر الله تعالى المؤمنين عندا لتنازع بالرد إلي الله والرسول وهذا يوجب تقديم السمع وهذا هو الواجب إذ لو ردوا إلي غير ذلك من عقول الرجال وآرائهم ومقاييسهم وباهينهم لم يزدهر هذا الرد إلا اختلافا واضطرابا وشكا وارتيابا

ولذلك قال تعالى { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه } [ البقرة: 213 ] فأنزل الله الكتاب حاكما بين الناس فيما اختلفوا فيه إذ لا يمكن الحكم بين الناس في موارد النزاع والاختلاف علي الإطلاق إلا بكتاب منزل من السماء ولا ريب أن بعض الناس قد يعلم بعقله ما لا يعلمه غيره وإن لم يمكنه بيان ذلك لغيره ولكن ما علم بصريح العقل لا يتصور أن يعارضه الشرع البتة بل المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط

وقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموفق للشرع

وهذا تأملته في مسائل الأصول الكبار كمسائل التوحيد والصفات ومسائل القدر والنبوات والمعاد وغير ذلك ووجدت ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط بل السمع الذي يقال إنه يخالفه: إما حديث موضوع أو دلالة ضعيفة فلا يصلح أن يكون دليلا لو تجرد عن معارضة العقل الصريح فكيف إذا خالفه صريح المعقول؟

ونحن نعلم أن الرسل لا يخبرون بمجالات العقول بل بمجاراة العقول ن فلا يخبرون بما يعلم العقل انتفاءه بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته

والكلام علي هذا علي وجه التفصيل مذكور في موضعه فإن أدلة نفاة الصفات والقدر ونحو ذلك إذا تدبرها العاقل الفاضل وأعطاها حقها من النظر العقلي علم بالعقل فسادها وثبوت نقيضها كما قد بيناه في غير هذا الموضع

الوجه الثامن

عدل

أن يقال: المسائل التي يقال: أنه قد تعارض فيها العقل والسمع ليست من المسائل البينة المعروفة بصريح العقل كمسائل الحساب والهندسة والطبيعيات الظاهرة والإلهيات البينة ونحو ذلك بل لم ينقل أحد بإسناد صحيح عن نبينا شيئا من هذا الجنس ولا في القرآن شيء من هذا الجنس ولا يوجد ذلك إلا في حديث مكذوب موضوع يعلم أهل النقل أنه كذب أو في دلالة ضعيفة غلط المستدل بها علي الشرع

فالأول: مثل حديث عرق الخيل الذي كذبه بعض الناس علي أصحاب حماد بن سلمة وقالوا: إنه كذبه بعض أهل البدع اتهموا بوضعه محمد بن شجاع الثلجي وقالوا: إنه وضعه ورمي به بعض أهل الحديث ليقال عنهم إنهم يروون مثل هذا وهو الذي يقال في متنه: إنه خلق خيلا فأجراها فعرقت فخلق نفسه من ذلك العرق تعالى الله عن فرية المفترين وإلحاد الملحدين وكذلك حديث نزوله عشية عرفة إلي الموقف علي جمل أورق ومصافحته للركبان ومعانقته للمشاة وأمثال ذلك: هي أحاديث مكذوبة موضوعة باتفاق أهل العلم فلا يجوز لأحد أن يدخل هذا وأمثاله في الأدلة الشرعية

والثاني: مثل الحديث الذي في الصحيح عن النبي أنه قال: يقول الله تعالى: عبدي مرضت فلم تعدني فيقول: رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلو عدته لوجدتني عنده عبدي جعت فلم تطعمني فيقول: ربي كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا جاع فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي

فإنه لا يجوز لعاقل أن يقول: إن دلالة هذا الحديث مخالفة لعقل ولا سمع إلا من يظن أنه قد دل علي جواز المرض والجوع علي الخالق سبحانه وتعالى ومن قال هذا فقد كذب علي الحديث ومن قال إن هذا ظاهر الحديث أو مدلوله أو مفهومه فقد كذب فإن الحديث قد فسره المتكلم به وبين مراده بيانا زالت به كل شبهة وبين فيه أن العبد هو الذي جاع وأكل ومرض وعاده العواد وأن الله سبحانه لم يأكل ولم يعد

بل غير هذا الباب من الأحاديث كالأحاديث المروية في فضائل الأعمال علي وجه المجازفة كما يروي مرفوعا: أنه من صلي ركعتين في يوم عاشوراء يقرأ فيهما بكذا وكذا كتب له ثواب سبعين نبيا ونحو ذلك هو عند أهل الحديث من الأحاديث الموضوعة فلا يعلم حديث واحد يخالف العقل أو السمع الصحيح إلا وهو عند أهل العلم ضعيف بل موضوع بل لا يعلم حديث صحيح عن النبي في الأمر والنهي أجمع المسلمون علي تركه إلا أن يكون له حديث صحيح يدل علي أنه منسوخ ولا يعلم عن النبي حديث صحيح أجمع المسلمون علي نقيضه فضلا عن أن يكون نقيضه معلوما بالعقل الصريح البين لعامة العقلاء فإن ما يعلم بالعقل الصريح البين أظهر مما لا يعلم إلا بالإجماع ونحوه من الأدلة السمعية

فإذا لم يوجد في الأحاديث الصحيحة ما يعلم نقيضه بالأدلة الخفية كالإجماع ونحوه فأن لا يكون فيها ما يعلم نقيضه بالعقل الصريح الظاهر أولي وأحرى ولكن عامة موارد التعارض هي من الأمور الخفية المشتبهة التي يحار فيها كثير من العقلاء كمسائل أسماء الله وصفاته وأفعاله وما بعد الموت من الثواب والعقاب والجنة والنار والعرش والكرسي وعامة ذلك من أنباء الغيب التي تقصر عقول أكثر العقلاء عن تحقيق معرفتها بمجرد رأيهم ولهذا كان عامة الخائضين فيها بمجرد رأيهم إما متنازعين مختلفين وإما حيارى متهوكين وغالبهم يرى أن إمامه أحذق في ذلك منه

ولهذا تجدهم عند التحقيق مقلدين لأئمتهم فيما يقولون: إنه من العقليات المعلومة بصريح العقل فتجد أتباع أرسطوطاليس يتبعونه فيما ذكره من المنطقيات والطبيعيات والإلهيات مع أن كثيرا منهم قد يري بعقله نقيض ما قاله أرسطو وتجده لحسن ظنه به يتوقف في مخالفته أو ينسب النقص في الفهم إلي نفسه مع أنه يعلم أهل العقل المتصفون بصريح العقل أن في المنطق من الخطأ البين ما لا ريب فيه كما ذكر في غير هذا الموضع

وأما كلامه وكلام أتباعه: كالإسكندر الأفروديسي وبرقلس وثامسطيوس والفارابي وابن سينا والسهروردي المقتول وابن رشد الحفيد وأمثالهم في الإلهيات فما فيه من الخطأ الكثير والتقصير العظيم ظاهر لجمهور عقلاء بني آدم بل في كلامهم من التناقض ما لا يكاد يستقصى

وكذلك أتباع رؤوس المقالات التي ذهب إليها من ذهب من أهل القبلة وإن كان فيها ما فيها من البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة ففيها أيضا من مخالفة العقل الصريح ما لا يعلمه إلا الله كأتباع أبي الهذيل العلاف وأبي إسحاق النظام وأبي القاسم الكعبي وأبي علي وأبي هاشم وأبي الحسين البصري وأمثالهم

وكذلك أتباع من هو أقرب إلي السنة من هؤلاء كأتباع حسين النجار وضرار بن عمرو مثل أبي عيسي محمد بن عيسي برغوث الذي ناظر أحمد بن حنبل مثل حفص الفرد الذي كان يناظر الشافعي وكذلك أتباع متكلمي أهل الإثبات كأتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد ين كلاب وأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن كرام وأبي الحسن علي ابن إسماعيل الأشعري وغيرهم

بل هذا موجود في أتباع أئمة الفقهاء وأئمة شيوخ العبادة كأصحاب أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وغيرهم تجد أحدهم دائما يجد في كلامهم ما يراه هو باطلا وهو يتوقف في رد ذلك لاعتقاده أن إمامه أكمل منه عقلا وعلما ودينا هذا مع علم كل من هؤلاء أن متبوعه ليس بمعصوم وأن الخطأ جائز عليه ولا تجد أحدا من هؤلاء يقول: إذا تعارض قولي وقول متبوعي قدمت قولي مطلقا لكنه إذا تبين له أحيانا الحق في نقيض قول متبوعه أو أن نقيضه أرجح منه قدمه لاعتقاده أن الخطأ جائز عليه

فكيف يجوز أن يقال: إن في كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة الثابتة عنه ما يعلم زيد وعمرو بعقله أنه باطل؟ وأن يكون كل من اشتبه عليه شيء مما أخبر به النبي قدم رأيه علي نص الرسول في أنباء الغيب التي ضل فيها عامة من دخل فيها بمجرد رأيه بدون الاستهداء بهدي الله والاستضاءة بنور الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه مع علم كل أحد بقصوره وتقصيره في هذا الباب وبما وقع فيه من أصحابه وغير أصحابه من الاضطراب؟

ففي الجملة: النصوص الثابتة في الكتاب والسنة لا يعارضها معقول بين قط ولا يعارضها إلا ما فيه اشتباه واضطراب وما علم أنه حق لا يعارضه ما فيه اضطراب واشتباه لم يعلم أنه حق

بل نقول قولا عاما كليا: إن النصوص الثابتة عن الرسول لم يعارضها قط صريح معقول فضلا عن أن يكون مقدما عليها وإنما الذي يعارضها شبه وخيالات مبناها علي معان متشابهة وألفاظ مجملة فمتي وقع الاستفسار والبيان ظهر أن ما عارضها شبه سوفسطائية لا براهين عقليه ومما يوضح هذا :

الوجه التاسع

عدل

وهو أن يقال: القول بتقديم الإنسان لمعقوله علي النصوص النبوية قول لا ينضبط وذلك لأن أهل الكلام والفلسفة الخائضين المتنازعين فيما يسمونه عقليات كل منهم يقول: : إنه يعلم بضرورة العقل أو بنظره ما يدعي الآخر أن المعلوم بضروة العقل أو بنظره نقيضه

وهذا من حيث الجملة معلوم فالمعتزلة ومن اتبعهم من الشيعة يقولون: إن أصلهم المتضمن نفي الصفات والتكذيب بالقدر ـ الذي يسمونه التوحيد والعدل ـ معلوم بالأدلة العقلية القطعية ومخالفوهم من أهل الإثبات يقولون: إن نقيض ذلك معلوم بالأدلة القطعية العقلية

بل الطائفتان ومن ضاهاهما يقولون: إن علم الكلام المحض هو ما أمكن علمه بالعقل المجرد بدون السمع كمسألة الرؤية والكلام وخلق الأفعال وهذا هو الذي يجعلونه قطعيا ويؤثمون المخالف فيه

وكل من طائفتي النفي والإثبات فيهم من الذكاء والعقل والمعرفة ما هم متميزون به علي كثير من الناس وهذا يقول: إن العقل الصريح دل علي النفي والآخر يقول: العقل الصريح دل علي الإثبات

وهم متنازعون في المسائل التي دلت عليها النصوص كمسائل الصفات والقدر وأما المسائل المولدة كمسألة الجوهر الفرد وتماثل الأجسام وبقاء الأعراض وغير ذلك ففيها من النزاع بينهم ما يطول استقصاؤه وكل منهم يدعي فيها القطع العقي

ثم كل من كان عن السنة أبعد كان التنازع والاختلاف بينهم في معقولاتهم أعظم فالمعتزلة أكثر اختلافا من متكلمة أهل الإثبات وبين البصريين والبغداديين منهم من النزاع ما يطول ذكره والبصريون أقرب إلي السنة والإثبات من البغداديين ولهذا كان البصريون يثبتون كون الباريء سميعا بصيرا مع كونه حيا عليما قديرا ويثبتون له الإرادة ولا يوجبون الأصلح في الدنيا ويثبتون خبر الواحد والقياس ولا يؤثمون المجتهدين وغير ذلك ثم بين المشايخة والحسينية ـ أتباع أبي الحسن البصري ـ من التنازع ما هو معروف

وأما الشيعة فأعظم تفرقا واختلافا من المعتزلة لكونهم أبعد عن السنة منهم حتى قيل: إنهم يبلغون اثنتين وسبعين فرقة

وأما الفلاسفة فلا يجمعهم جامع بل هم أعظم اختلافا من جميع طوائف المسلمين واليهود والنصارى والفلسفة التي ذهب إليها الفارابي وابن سينا إنما هي فلسفة المشائين أتباع أر سطو صاحب التعالىم وبينه وبين سلفه من النزاع والاختلاف ما يطول وصفة ثم بين أتباعه من الخلاف ما يطول وصفه وأما سائر طوائف الفلاسفة فلو حكي اختلافهم في علم الهيئة وحده لكان أعظم من اختلاف كل طائفة من طوائف أهل القبلة والهيئة علم رياضي حسابي هو من أصح علومهم فإذا كان هذا اختلافهم فيه فكيف باختلافهم في الطبيعيات أو المنطق؟ فكيف بالإلهيات؟

واعتبر هذا بما ذكره أرباب المقالات عنهم في العلوم الرياضية والطبيعية كما نقله الأشعر عنهم في كتابه في مقالات غير الإسلاميين وما ذكره القاضي أبو بكر عنهم في كتابه الدقائق فإن في ذلك من الخلاف عنهم أضعاف أضعاف ما ذكره الشهرستاني وأمثاله ممن يحكي مقالاتهم فكلامهم في العلم الرياضي ـ الذي هو أصح علومهم العقلية ـ قد اختلفوا فيه اختلافا لا يكاد يحصي ونفس الكتاب الذي اتفق عليه جمهورهم ـ وهو كتاب المجسطي لبطليموس ـ فيه قضايا كثيرة لا يقوم عليها دليل صحيح وفيه قضايا ينازعه غيره فيها وفيه قضايا مبنية علي أرصاد منقولة عن غيره تقبل الغلط والكذب

وكذلك كلامهم في الطبيعيات في الجسم وهل هو مركب من المادة والصورة أو الأجزاء التي لا تنقسم أو ليس بمركب لا من هذا ولا من هذا؟

وكثير من حذاق النظار حار في هذه المسائل حتى أذكياء الطوائف كأبي الحسين البصري وأبي المعالي الجو يني وأبي عبد الله بن الخطيب ـ حاروا في مسألة الجوهر الفرد فتوقفوا فيها تارة وإن كانوا قد يجزمون بها أخري فإن الواحد من هؤلاء تارة يجزم بالقولين المتناقضين في كتابين أو كتاب واحد وتارة يحار فيها مع دعواهم أن القول الذي يقولونه قطعي برهاني عقلي لا يحتمل النقيض

وهذا كثير في مسائل الهيئة ونحوها من الرياضيات وفي أحكام الجسم وغيره من الطبيعيات فما الظن بالعلم الإلهي؟ وأساطين الفلسفة يزعمون أنهم لا يصلون فيه إلي اليقين وإنما يتكلمون فيه بالأولي والأحرى والأخلق

وأكثر الفضلاء العارفين بالكلام والفلسفة بل وبالتصوف الذين لم يحققوا ما جاء به الرسول تجدهم فيه حيارى كما أنشد الشهرستاني في أول كتابه لما قال: قد أشار إلي من إشارته غنم وطاعته حتم أن أجمع له من مشكلات الأصول ما أشكل علي ذوي العقول ولعله استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم لعمري :

لقد طفت في تلك المعاهد كلها... وسيرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعا كف حائر... على ذقن أو قارعا سن نادم

وأنشد أبو عبد الله الرازي في غير موضع من كتبه مثل كتاب أقسام اللذات لما ذكر أن هذا العلم أشرف العلوم وأنه ثلاث مقامات العلم بالذات والصفات والأفعال وعلي كل مقام عقدة فعلم الذات عليه عقدة :

هل الوجود هو الماهية أو زائد في الماهية؟ وعلم الصفات عليه عقدة: هل الصفات زائدة علي الذات أم لا؟ وعلم الأفعال عليه عقدة: هل الفعل مقارن للذات أو متأخر عنها؟ ثم قال ومن الذي وصل إلي هذا الباب أو ذاق من هذا الشراب؟ ثم أنشد :

نهاية إقدام العقول عقال... وأكثر سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا... وحاصل دنيانا أذي ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن اقرأ في الإثبات { الرحمن على العرش استوى } [ طه: 5 ] { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } [ فاطر: 10 ] واقرأ في النفي { ليس كمثله شيء } [ الشورى: 11 ] { ولا يحيطون به علما } [ طه: 110 ] { هل تعلم له سميا } [ مريم: 65 ] ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي

وكان ابن أبي الحديد البغدادي من فضلاء الشيعة المعتزلة المتفلسفة وله أشعار في هذا الباب كقوله :

فيك يا أغلوطة الفكر... حار أمري وانقضى عمري

سافرت فيك العقول فما... ربحت إلا أذى السفر

فلحى الله الأولى زعموا... أنك المعروف بالنظر

كذبوا إن الذي ذكروا... خارج عن قوة البشر

هذا مع إنشاده :

وحقك لو أدخلتني النار قلت... للذين بها: قد كنت ممن يحبه

وأفنيت عمري في علوم كثيرة... وما بغيتي إلا رضاه وقربه

أما قلتم: من كان فينا مجاهدا... سيكون مثواه ويعذب شربه

أما رد شك ابن الخطيب وزيغه... وتمويهه في الدين إذ جل خطبه

وآية حب الصب أن يعذب الأسى... إذا كان من يهوى عليه يصبه

وابن رشد الحفيد يقول في كتابه الذي صنفه ردا على أبي حامد في كتابه المسمى تهافت الفلاسفة فسماه تهافت التهافت ومن الذي قاله في الإلهيات ما يعتمد به وأبو الحسن الأمدي في عامة كتبه هو واقف في المسائل الكبار يزيف حجج الطوائف ويبقي حائرا واقفا والخونجي المصنف في أسرار المنطق الذي سمى كتابه كشف الأسراء يقول لما حضره الموت: أموت ولم اعرف شيئا إلا أن الممكن يفتقر إلي الممتنع ثم قال: الافتقار وصف سلبي أموت ولم اعرف شيئا ـ حكاه عنه التلمساني وذكر أنه سمعه منه وقت الموت

ولهذا تجد أبا حامد ـ مع فرط ذكائه وتألهه ومعرفته بالكلام والفلسفة وسلوكه طريق الزهد والرياضة والتصوف ـ ينتهي في هذه المسائل إلي الوقف ويحيل في آخر أمره علي طريقة أهل الكشف وإن كان بعد ذلك رجع إلي طريقة أهل الحديث ومات وهو يشتغل في صحيح البخاري

والحذاق يعلمون أن تلك الطريقة التي يحيل عليها لا توصل إلي المطلوب ولهذا لما بني قول النفاة من سلك هذه الطريق كابن عربي وأبن سبعين وأبن الفارض وصاحب خلع النعلين والتلمساني وأمثالهم ـ وصلوا إلي ما يعلم فساده بالعقل والدين مع دعواهم أنهم أئمة المحققين

ولهذا تجد أبا حامد في مناظرته للفلاسفة إنما يبطل طرقهم ولا يثبت طريقة معينة بل هو كما قال: نناظرهم ـ يعني مع كلام الأشعري ـ تارة بكلام المعتزلة وتارة بكلام الكرامية وتارة بطريق الواقفة وهذه الطريق هي الغالب عليه في منتهى كلامه

وأما الطريقة النبوية السنية السلفية المحمدية الشرعية فإنما يناظرهم بها من كان خبيرا بها بأقواله التي تناقضها فيعلم حينئذ فساد أقوالهم بالمعقول الصريح المطابق للمنقول الصحيح

وهكذا كل من أمعن في معرفة هذه الكلاميات والفلسفيات التي تعارض بها النصوص من غير معرفة تامة بالنصوص ولوازمها وكمال المعرفة بما فيها وبالأقوال التي تنافيها فإنه لا يصل إلي يقين يطمئن إليه وإنما تفيده الشك والحيرة

بل هؤلاء الفضلاء الحذاق الذي يدعون أن النصوص عارضها من معقولاتهم ما يجب تقديمه تجدهم حيارى في أصول مسائل الإلهيات حتى مسألة وجود الرب تعالى وحقيقته حاروا فيها حيرة أوجبت أن يتناقض هذا كتناقض الرازي وأن يتوقف هذا كتوقف الآمدي ويذكرون عدة أقوال يزعمون أن الحق ينحصر فيها وهي كلها باطلة

وقد حكي عن طائفة من رؤوس أهل الكلام أنهم كانوا يقولون بتكافؤ الأدلة وأن الأدلة قد تكافأت من الجانبين حتى لا يعرف الحق من الباطل ومعلوم أن هذا إنما قالوه فيما سلكوه هم من الأدلة

وقد حكي لي أن بعض الأذكياء ـ وكان قد قرأ علي شخص هو إمام بلده ومن أفضل أهل زمانه في الكلام والفلسفة وهو ابن واصل الحموي ـ أنه قال: أضطجع علي فراشي وأضع الملحفة علي وجهي وأقابل بين أدلة هؤلاء وأدله هؤلاء حتى يطلع الفجر ولم يترجح عندي شيء ولهذا انتهي أمره إلي كثرة النظر في الهيئة لكونه تبين له فيه من العلم ما لم يتبين له في العلوم الإلهية

ولهذا تجد كثيرا من هؤلاء لما لم يتبين له الهدي في طريقة نكص علي عقبيه فاشتغل باتباع شهوات الغي في بطنه وفرجه أو رياسته وماله ونحو ذلك لعدم العلم واليقين الذي يطمئن إليه قلبه وينشرح له صدره

وفي الحديث المأثور عن النبي [ إن أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن ] وهؤلاء المعرضون عن الطريقة النبوية السلفية يجتمع فيهم هذا وهذا: اتباع شهوات الغي ومضلات الفتن فيكون فيهم من الضلال والغي بقدر ما خرجوا عن الطريق الذي بعث الله به رسوله

ولهذا أمرنا الله أن نقول في كل صلاة { اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } وقد صح [ عن النبي أنه قال: اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون ]

وكان السلف يقولون: احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون فكيف إذا اجتمع في الرجل الضلال والفجور؟

ولو جمعت ما بلغني في هذا الباب عن أعيان هؤلاء كفلان وفلان ن لكان شيئا كثيرا وما لم يبلغني من حيرتهم وشكهم أكثر وأكثر وذلك لأن الهدى هو فيما بعث الله به رسله ن فمن أعرض عنه لم يكن مهتديا فكيف بمن عارضه بما يناقضه وقدم مناقضه عليه؟

قال الله تعالى لما أهبط آدم { قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } [ طه: 123 - 126 ]

قال ابن عباس رضي الله عنهما: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعلم بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقي في الآخرة ثم قرأ هذه الآية

وقوله تعالى { ومن أعرض عن ذكري } يتناول الذكر الذي أنزله وهو الهدي الذي جاءت به الرسل كما قال تعالى في آخر الكلام { كذلك أتتك آياتنا فنسيتها } أي تركت اتباعها والعمل بما فيها فمن طلب الهدي بغير القرآن ضل ومن اعتز بغير الله ذل وقد قال تعالى { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء } [ الأعراف: 3 ] وقال تعالى: { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } [ الأنعام: 153 ]

وفي حديث علي رضي الله عنه الذي رواه الترمذي ورواه أبو نعيم من عدة طرق [ عن علي عن النبي لما قال إنها ستكون فتنة قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدي في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه ولا تشبع منه العلماء من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلي صراط مستقيم ] وهذا مبسوط في غير هذا الموضع

درء تعارض العقل والنقل
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55