مجموع الفتاوى/المجلد الثامن/سئل عن الخير والشر والقدر الكوني، والأمر والنهي الشرعي
سئل عن الخير والشر والقدر الكوني، والأمر والنهي الشرعي
سئل أبو العباس ابن تيمية عن الخير والشر؛ والقدر الكوني؛ والأمر والنهي الشرعي.
فأجاب: الحمد لله. اعلم أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه لا رب غيره ولا خالق سواه؛ ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن؛ وهو على كل شيء قدير؛ وبكل شيء عليم؛ والعبد مأمور بطاعة الله؛ وطاعة رسوله؛ منهي عن معصية الله؛ ومعصية رسوله؛ فإن أطاع كان ذلك نعمة من الله أنعم بها عليه؛ وكان له الأجر والثواب بفضل الله ورحمته، وإن عصى كان مستحقا للذم والعقاب؛ وكان لله عليه الحجة البالغة؛ ولا حجة لأحد على الله؛ وكل ذلك كائن بقضاء الله وقدره ومشيئته وقدرته؛ لكنه يحب الطاعة ويأمر بها؛ ويثيب أهلها عليها ويكرمهم؛ ويبغض المعصية وينهى عنها؛ ويعاقب أهلها عليها ويهينهم. وما يصيب العبد من النعم فإن الله أنعم بها عليه؛ وما يصيبه من الشر فبذنوبه ومعاصيه. كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} 1 وقال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} 2: أي ما أصابك من خصب ونصر وهدى فالله أنعم بها عليك؛ وما أصابك من جدب وذل وشر فبذنوبك وخطاياك؛ وكل الأشياء كائنة بمشيئته وقدرته وخلقه فلا بد أن يؤمن العبد بقضاء الله وقدره؛ وأن يؤمن بشرع الله وأمره. فمن نظر إلى الحقيقة القدرية وأعرض عن الأمر والنهي والوعد والوعيد كان مشابها للمشركين؛ ومن نظر إلى الأمر والنهي وكذب بالقضاء والقدر كان مشابها للمجوسيين، ومن آمن بهذا وهذا، وإذا أحسن حمد الله؛ وإذا أساء استغفر الله؛ وعلم أن ذلك كله بقضاء الله وقدره فهو من المؤمنين. فإن آدم - عليه السلام - لما أذنب تاب فاجتباه ربه وهداه، وإبليس أصر واستكبر واحتج بالقدر؛ فلعنه وأقصاه، فمن تاب كان آدميا، ومن أصر واحتج بالقدر كان إبليسيا، فالسعداء يتبعون أباهم آدم، والأشقياء يتبعون عدوهم إبليس. فنسأل الله العظيم أن يهدينا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين. والشهداء والصالحين. والله أعلم.
هامش